قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الثلاثاء، 26 يناير 2016

تقرير مشترك: مرض السل أداة جديدة لتصفية السجناء في سجون العراق

تقرير مشترك: مرض السل أداة جديدة لتصفية السجناء في سجون العراق



مركز بغداد لحقوق الإنسان BCHR والمنظمة البلجيكية الدولية لحقوق الإنسان BAMRO:
0001 0002 0003 0004 0005 0006

بينما كانت المنظمات الحقوقية تنتظر من الحكومة العراقية الجديدة اتخاذ الإجراءات العاجلة والكفيلة بوقف الانتهاكات المستشرية في جميع سجون الحكومة العراقية، تتفاجأ المنظمات الحقوقية والإنسانية باستمرار الانتهاكات وارتفاع وتيرتها بشكل خطير وتعدد أساليب وأدوات تصفية السجناء في السجون الرسمية العراقية، وكان أخر تلك الأساليب والأدوات هو ترك السجناء كالفريسة لمرض السل (التدرن) الذي تفشى في السجون بكل أنواعه الخمسة القاتلة (التدرن الرئوى، التدرن البريتونى، تدرن الأمعاء ،تدرن العظام، تدرن الخراج البارد).

وحيث إن السلطات العراقية لم تقدم على أية خطوة جدية ملموسة بوقف جرائم سوء المعاملة والتعذيب والقتل خارج إطار القانون في السجون العراقية ولم تُقدِم تلك السطات على اتخاذ الخطوات اللازمة لوقف انتشار مرض السل القاتل في سجونها لا بل أصرت على استمرار أساليبها الممنهجة التي أدت إلى انتشار المرض، وكان آخر  ضحايا سجناء بمرض السل (التدرن) في السجون العراقية هو السجين (محمد منذر الشيخلي) الذي توفي يوم الاثنين الماضي 5 تشرين الأول/أكتوبر، في سجن العدالة الثانية داخل معكسر الشعبة الخامسة في منطقة الكاظمية ببغداد بعد صراع طويل مع مرض السل (التدرن) في ظل رفض إدارة السجن نقله إلى المستشفى أو  توفير العلاج اللازم له أو حتى عزله عن باقي السجناء.

إنّ مركز بغداد لحقوق الإنسان BCHR والمنظمة البلجيكية الدولية لحقوق الإنسان BAMRO  وبالاعتماد على مصادر مختلفة وبعد الإستماع لشهادات عدد من موظفي السجون وأطباء في شعبة الطبابة السجنية وشهادات سجناء ومحامين وعوائل سجناء، رصدا ووثقا عملَ وسعيَ دائرة الإصلاح العراقية المشرفة على سجون وزارة العدل على نشر المرض القاتل في صفوف المعتقلين في سجون الرصافة الأولى والرصافة الثانية والرصافة الثالثة والرصافة الرابعة والرصافة الخامسة والرصافة السادسة وسجن بغداد المركزي للنساء (سجن السايدفور) وسجن العدالة الأولى والعدالة الثانية وسجن الكرخ المركزي (سجن كروبر في مطار بغداد)، وسجن التاجي المركزي (سجن الحوت)، وسجن الناصرية المركزي، وسجن البصرة، وسجن المثنى المركزي (سجن السماوة) المركز، وسجني الحلة المركزيان (سجن النساء وسجن الرجال)، كما وثقا إهمال الحكومة العراقية للقواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء التي أوصى باعتمادها مؤتمر الأمم المتحدة المعقود في جنيف عام 1955 وأقرها المجلس الاقتصادي والاجتماعي بقراريه 663 ج (د-24) المؤرخ في 31 تموز/يوليو 1957 و 2076 (د-62) المؤرخ في 13 آيار/مايو 1977، وقد تأكد مركز بغداد لحقوق الإنسان BCHR والمنظمة البلجيكية الدولية لحقوق الإنسان BAMRO   من تعمّد وزارة العدل العراقية ودائرتها الإصلاحية في تفشّي مرض السل في السجون ورفضها الإستجابة لنداءات المنظمات الحقوقية.

وقد وثق مركز بغداد لحقوق الإنسان BCHR والمنظمة البلجيكية الدولية لحقوق الإنسان BAMRO  هذا التقرير  (مرض السل أداة جديدة لتصفية المعتقلين في سجون العراق) استنادا للمخالفات القانونية التي ارتكبتها دائرة الإصلاح العراقية في إهمال مواد القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء التي اعتمدتها الأمم المتحدة، حيث كان الإهمال الصحي المقصود من قبل إدارات السجون، وعدم ملائمة السجون للعيش البشري، وانعدام الخدمات، وسوء المعاملة، وسوء التغذية، و انعدام وسائل التهوية الصحية، وعدم تعرض المعتقلين لأشعة الشمس، ووجود المرافقات الصحية (الحمامات) داخل الزنازين والقاعات مما أدى إلى ارتفاع درجات الرطوبة داخل الزنازين والقاعات، وسوء التغذية التي سببت قلة المناعة لدى المعتقلين، بالإضافة إلى السبب الأهم وهو عدم عزل السجناء المصابين بالمرض عن السجناء الآخرين ما أدى إلى تفشّي المرض بين السجناء.

النظافة:
تفتقد سجون وزارة العدل العراقية لأدنى درجات الملائمة للعيش البشري حيث لا تتوفر فيها مستلزمات النظافة مما جعل تلك السجون بيئة خصبة لمرض السل من حيث افتقار أغلبها للمياه الصحية الكافية لحاجة المعتقلين في التنظيف والاستحمام والاستخدامات الصحية، بينما نصت المادة 15 من القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء على وجوب العناية بنظافة السجناء و ضرورة أن يوفر لهم الماء وما تتطلبه الصحة والنظافة من أدوات. ولا توفر إدارات السجون الأدوات التي يحتاجها السجناء لغرض الحلاقة إلا في فترات طويلة تصل إلى المرة الواحدة في الشهرين أو الثلاثة أشهر، بينما نصت المادة 16على “تزويد السجن بالتسهيلات اللازمة للعناية بالشعر  والذقن. ويجب تمكين الذكور من الحلاقة بانتظام”.

تمنع سلطات السجون السجناءَ من ارتداء ملابسهم الخاصة وتجبرهم على ارتداء ملابس توزعها هي، وتعرف بـ (البدلات السجنية) ويزود السجين بملابس داخلية وتلك البدلات والملابس مصنوعة من أقمشة رديئة جدا، وقد نصت المادة 17 على أنّ كل سجين لا يسمح له بارتداء ملابسه الخاصة يجب أن يزود بمجموعة ثياب مناسبة للمناخ وكافية للحفاظ على عافيته. ولا يجوز في أية حال أن تكون هذه الثياب مهينة أو حاطة بالكرامة  ويجب أن تكون جميع الثياب نظيفة وأن يحافظ عليها في حالة جيدة. ويجب تبديل الثياب الداخلية وغسلها بالوتيرة الضرورية للحفاظ على الصحة.

الطعام:

إنّ سوء التغذية وقلة الطعام ورداءته، وقلة مياه الشرب الصحية التي تقدمها سلطات السجون للسجناء كانت أسبابا مباشرة؛ لخفض المناعة الصحية لدى السجناء، بينما نصت المادة 20 على أن “توفر الإدارة لكل سجين، في الساعات المعتادة، وجبة طعام ذات قيمة غذائية كافية للحفاظ على صحته وقواه، جيدة النوعية وحسنة الإعداد والتقديم، وأن توفر لكل سجين إمكانية الحصول على ماء صالح للشرب كلما احتاج إليه”.


التهوية والتمارين الرياضية:

تواصل وزارة العدل العراقية زج أعداد كبيرة في قاعات وزنازين سجون دائرتها الإصلاحية بأعداد تفوق ثلاثة أضعاف الطاقة الاستيعابية القصوى لتلك القاعات والزنازين، مما أدى إلى اكتظاظها إضافة إلى تعطّل أجهزة التكييف والتهوية، ووجود المرافقات الصحية (الحمامات) داخل القاعات والزنازين كلها أسباب أدت إلى زيادة الرطوبة وتلوث الهواء وهما من أبرز أسباب انتشار مرض السل، وقد نصت المادة 21 على أنّ لكل سجين حق في ساعة على الأقل في كل يوم يمارس فيها التمارين الرياضية المناسبة في الهواء.


الخدمات الطبية:

إنّ دائرة الإصلاح العراقية لا توفر الخدمات الطبية الضرورية والأساسية للسجناء حيث إنّ إدارات السجون تسمح لعشرة سجناء من كل قسم بالخروج إلى شعبة الطبابة في يوم واحد من كل إسبوع، وأّن عدد السجناء في القسم الواحد لا يقل عن 450 سجينا، وقد أوجبت المادة 24 على إدارات السجون أن “يقوم طبيب بفحص كل سجين في أقرب وقت ممكن بعد دخوله السجن، ثم بفحصه بعد ذلك كلما اقتضت الضرورة، وخصوصا بغية اكتشاف أي مرض جسدي أو عقلي يمكن أن يكون مصابا به واتخاذ جميع التدابير الضرورية لعلاجه، وجاء في المادة 25 “يكلف الطبيب بمراقبة الصحة البدنية والعقلية للمرضي، وعليه أن يقابل يوميا جميع السجناء المرضى. وجميع أولئك الذين يشكون من اعتلال، وأي سجين استرعى انتباهه إليه على وجه خاص.”

وأما السجناء المصابين بمرض السل (التدرن) فلا توفر لهم إدارات السجون الأدوية اللازمة ولا تنقلهم إلى مستشفيات أو أقسام خاصة مما جعل عدوى المرض تنتقل من السجناء المصابين بمرض التدرن إلى السجناء الأصحاء، كما أنّ وزارة العدل ترفض السماح بإدخال الأدوية التي تجلبها عوائلهم في حين أنّ المادة 22 من القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء نصت على أنّ “السجناء الذين يتطلبون عناية متخصصة فينقلون إلى سجون متخصصة أو إلى مستشفيات مدنية. ومن الواجب حين تتوفر في السجن خدمات العلاج التي تقدمها المستشفيات، أن تكون معداتها وأدواتها والمنتجات الصيدلانية التي تزود بها وافية بغرض توفير الرعاية والمعالجة الطبية اللازمة للسجناء المرضى، وأن تضم جهازا من الموظفين ذوي التأهيل المهني المناسب”، كما نصت المادة 24 أيضا على “عزل السجناء الذين يُشك في كونهم مصابين بأمراض معدية أو سارية، واستبانة جوانب القصور الجسدية أو  العقلية التي يمكن أن تشكّل عائقا دون إعادة التأهيل، والبت في الطاقة البدنية على العمل لدى كل سجين، وأنّ على الطبيب أن يقدم تقريرا إلى المدير كلما بدا له أنّ الصحة الجسدية أو العقلية لسجين ما قد تضررت أو ستتضرر من جراء استمرار سجنه أو  من جراء أي ظرف من ظروف هذا السجن”.


السل في سجون النساء:
ينتشر  مرض السل (التدرن) في سجون النساء كا هو الحال في سجون الرجال والأحداث، حيث ارتفعت أعداد السجينات المصابات بالمرض في سجن بغداد المركزي (سجن السايدفور ببغداد) وفي سجن الحلة المركزي بمحافظة بابل، إنّ إصرار  وزارة العدل على عدم عزل المصابات بالمرض جعل المرض ينتقل إلى السجينات الأخريات وحتى إلى أطفال بعض السجينات اللواتي يحتضن أطفالهن الرضع في السجن، بينما نصت المادة 23 على واجب سلطات السجون باتخاذ التدابير اللازمة لتوفير  دار حضانة مجهزة بموظفين مؤهلين، يوضع فيها الرضع خلال الفترات التي لا يكونون أثناءها في رعاية أمهاتهم.
كما أنّ شعبة الطبابة في دائرة الإصلاح العراقية (وهي الشعبة المسؤولة عن الرعاية والخدمات الطبية في سجون وزارة العدل) لا تؤدي واجبها القانوني والإنساني كما ينبغي، رغم أنّ القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء ذكرت في المادة 26 أنّ على الطبيب أن يقوم بصورة منتظمة بمعاينة الجوانب التالية وأن يقدم النصح إلى المدير  بشأنها:
(أ) كمية الغذاء ونوعيته وإعداده.
(ب) مدى اتباع القواعد الصحية والنظافة في السجن ولدى السجناء.
(ج) حالة المرافق الصحية والتدفئة والإضاءة والتهوية في السجن.
(د) نوعية ونظافة ملابس السجناء ولوازم أسرتهم.
(هـ) مدى التقيد بالقواعد المتعلقة بالتربية البدنية والرياضية، حين يكون منظمو  هذه الأنظمة غير متخصصين.

ومن خلال ما تم رصد وتوثيقه فإنّ مركز بغداد لحقوق الإنسان BCHR والمنظمة البلجيكية الدولية لحقوق الإنسان BAMRO يؤكدان أنّ طريقة تعامل وزارة العدل العراقية ودائرتها الإصلاحية مع تفشّي مرض السل (التدرن) في سجونها تتجاوز حد الإهمال وتتعدى الفردية الى المنهجية.

التوصيات:
يوصي مركز بغداد لحقوق الإنسان BCHR والمنظمة البلجيكية الدولية لحقوق الإنسان BAMRO بما يلي:
أولا:        قيام مجلس النواب العراقي بعقد جلسة عاجلة لاستجواب وزير العدل (حيدر ناطق الزاملي) ومدير عام دائرة الإصلاح العراقية (محمد الساعدي) وجميع مدراء ومسؤولي السجون بسبب جرائم الانتهاكات المتزايدة في السجون العراقية.
ثانيا.       تشكيل لجنة حقوقية (غير مسيسة) وبإشراف دولي لاستلام إدارة جميع السجون العراقية وأن تتبنىى تلك اللجنة ما يلي:
  1. التحقيق مع وزير العدل العراقي (حيدر ناطق الزاملي) ومدير عام دائرة الإصلاح العراقية (محمد الساعدي) وجميع مدراء ومسؤولي السجون في جرائم سوء المعاملة والتعذيب والإنتهاكات كافة، وكذلك التحقيق مع المسؤولين السابقين عن ملف السجون العراقية وفي مقدمتهم رئيس الوزراء السابق (نوري كامل المالكي) ووزير العدل السابق (حسن حلبوص حمزة الشمري).
  2. توفير فريق طبي متخصص لإجراء فحوصات عاجلة لجميع السجناء في السجون العراقية وعزل من يُشك بإصابته بأي مرض عن باقي السجناء لتفادي انتشار الأمراض، وتوفير العلاج المطلوب للمرضى منهم، وتوثيق آثار التعذيب الجسدي الذي يتعرض له أغلب هؤلاء السجناء.
  3. العمل على تهيئة أماكن احتجاز ملائمة للحياة البشرية ومطابقة للشروط والمعايير الدولية المعتمدة.
  4. العمل على توفير محاكم تتوفر فيهما شروط العدالة لجميع هؤلاء السجناء.
  5. إلغاء القوانين والتشريعات القمعية التي تتعارض مع العدالة والمنطق القانونين وخاصة قانون مكافحة الإرهاب وقانون المخبر السري.
مركز بغداد لحقوق الإنسان
المنظمة البلجيكية الدولية لحقوق الإنسان
9/10/2015

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق