قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الخميس، 4 فبراير 2016

مجلة الدرب العربي الصادرة عن حزب البعث العربي الاشتراكي- قطر موريتانيا عدد شباط (فبرير) 2016

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مجلة الدرب العربي
الصادرة عن حزب البعث العربي الاشتراكي- قطر موريتانيا
عدد شباط (فبرير) 2016
شبكة البصرة
إدارة للتعليم الخاص.. أم إدارة للرشوة
لطالما تحدثنا عن تفشي الرشوة في بلادنا وخطورة هذا التفشي على مستقبل البلاد والسلم الاجتماعي.
ونحن، إذ نكثر من الكتابة عن هذه المواضيع، إنما نتوخى لفت انتباه صاحب القرار ليتخذ ما يلزم لتجنيب البلاد ويلات التفسخ والاضطراب قبل فوات الأوان. فنحن لا نملك إلا تأشير أوجه الخلل ومواطن الفساد في عموم المرافق العمومية. وفي سياق هذه المعالجات، لن نتأخر عن حمل شكاوى وهموم ومظالم المواطنين المستضعفين على صفحات الدرب العربي. وهذا من حقهم علينا، وهو أقصى ما نملكه تجاههم في هذه المرحلة، بينما يملك أصحاب القرار التحقيق في هذه الأمور ورفع ما كان فيها من ظلم وهموم. واليوم، نسلط الضوء على قطاع من أهم قطاعات الدولة وأكثرها ارتيادا من المواطنين، وبالتالي أكثرها مردودا، سلبا وإيجابا، عليهم: إنه قطاع التعليم الخاص. فهذا القطاع تحول، بحسب ألسنة المرتادين، إلى وكر متخصص في الرشوة جهارا نهارا، دون خجل ولا وجل. ونستسمح تلك الكفاءات الوطنية والشخصيات النزيهة في هذا القطاع. فهذا البيان ليس موجها إليها. ولولا حرصنا على تجنب ذكر الأشخاص على قاعدة " ما بال أقوام..." و لفائدة الإصلاح دون التشهير أو الإساءة لأحد بذاته، لولا ذلك لذكرنا الأسماء كما يتداولها مرتادو هذا القطاع، حتى يتبين المقصودون بتهمة الرشوة وابتزاز المواطنين. وهذه الشخصيات المرتشية في القطاع مرجعية، أي مدراء. وقد فقدت كل حياء ؛ وهي تتصرف على ذلك النحو كما تشاء. ومن هذه الشخصيات من يبتز المواطنين بقربه اجتماعيا من رئيس الجمهورية، ومنها من يتباهى بنسبه وحسبه في قومه، وأحيانا يتعرض ببدنه وقوة جسمه. نحن لا نؤكد ولا ننفي. ومن هنا، وجب على أولياء الأمر التحقيق في هذا الموضوع ومحاسبة من تثبت عليهم رذيلة الرشوة والابتزاز والسعي للثراء بمعاناة وظلم المواطنين. إذ كيف يقبل أن تعين الدولة شخصا على إدارة عمومية لحل مشاكل الناس وتسهيل حصولهم على حقوقهم والتخفيف من معانتاهم، ثم يحول مهمته ومسؤوليته إلى وسيلة قذرة لجمع المال الحرام على حساب المواطنين، دون رقيب ولا حسيب. وإذا تحولت إدارات التعليم الأخرى إلى أوكار للرشوة على أيدي مدراء مرتشين، كما هو الحال في إدارة التعليم الخاص، فمن ينتصر لآلاف المواطنين الذين قص الظلم ألسنتهم وقصت المادة سواعدهم؛ فلا يملكون مالا يدارون به للحصول على حقوقهم. وما هو مستقبل تلك الكفاءات الوطنية والنزيهة التي تعمل تحت إمرة مديرين مرتشين على غرار إدارة التعليم الخاص. وكيف تتصرف هذه الشخصيات إزاء مشاهدة عديد صفقات الرشوة اليومية لتغليب قضية باطلة على قضية عادلة.. وكيف يتم إصلاح قطاع يتولى المسؤولية فيه أفراد مشهود لهم بالرشوة وخيانة المهنة وموت الضمير وعدم الكفاءة العلمية والجرأة على الضعفاء؛ بل هم أسوأ من في هذا القطاع؟.
إنها آفة الرشوة الخطيرة التي يجب الاعتراف بتفشيها بصورة صارخة في عموم مرافق الدولة على أيدي كائنات بشرية لا تملك من مزايا الإنسان إلا توظيف المسؤولية لأحط غرض. ولذلك، من الضروري النهوض ببرنامج وطني عاجل وفاعل لاجتثاث الرشوة والمرتشين من هذه المرافق قبل أن تستفحل هذه الظاهرة اللعينة وتصبح قيمة اجتماعية، مثل سرقة المال العام..

حوانيت أمل.. أمام تفاقم الطلب
شكلت حوانيت "أمل" - التي فتحتها السلطات الموريتانية- تخفيفا وعونا اقتصاديا لقسم كبير من الأسر الموريتانية ذات الدخل المحدود، في ظل تفاقم محموم لأسعار جميع السلع والمواد الاستهلاكية الضرورية. ومع أن هذه الحوانيت تقتصر في خدمتها على بعض السلع الأساسية دون بعض آخر. إلا أنه، مع ذلك، لا ينبغي المكابرة في دورها؛ فقد ساهمت في تخفيف وطأة الأسعار الجنونية في المواد الاستهلاكية، التي تصاعدت بصورة منفلتة من كل عقل ومنطق، فقد كان الأمر شبيها بالفوضى السعرية، التي تحدث عادة مع الفوضى الأمنية. ومن المعروف أنه كان يستفيد من خدمة هذه الحوانيت، في الأغلب، شريحة الفقراء دون الشرائح الأخرى، لأسباب اقتصادية وسوسيو- ثقافية. فهذه الشريحة يتفشى بين أسرها ضعف الدخل على نطاق واسع وغير مقيدة "بعقدة الغنى" التي تكبل كثيرا من الأسر عن الاستفادة من تلك الحوانيت خوفا من تصنيفها في خانة الفقراء.. وكان لهذا الأمر، أكبر الأثر وأطيبه على الفقراء، نظرا لتوفر الحوانيت على ما يكفي من مخزون في أغلب الأحيان. ولكنه من الملاحظ أن انتشار البطالة وتدني الأجور والارتفاع المذهل، والمتواصل في الصعود، للسلع الاستهلاكية قد أحدثت فعلها في الشرائح الاجتماعية "المترفعة عن حوانيت (أمل)"، وأصبحت مضطرة للتوجه إليها، للحصول على المواد الموجودة في هذه الحوانيت لقاء أسعارها الرسمية المضبوطة والمناسبة لأصحاب الدخل الضعيف، وهم، اليوم، الأكثرية في عموم الشرائح الاجتماعية. غير أن تزايد أعداد المواطنين وتزايد الطلب، بالنتيجة، تحت ضغط الغلاء، قد أثر سلبا على كمية المخزون من المواد الغذائية في هذه الحوانيت. فأصبحت حوانيت "أمل" غير قادرة على تأمين ما يكفي من الكميات حتى تستجيب لحجم الاحتياجات ومستوى الطلب المتصاعد على هذه الحوانيت. فمادة الأرز، على سبيل المثال، غير متوفرة حتى كتابة هذه السطور في حوانيت "أمل" برغم أن الرز المستورد قد عرف ارتفاعا مرعبا في أسعاره بعد ارتفاع التسعرة الجمركية عليه. إن على السلطات أن تستعد لارتفاع الضغط بارتفاع الطلب على حوانيت "أمل"، طالما أن أسعار المواد الغذائية في الأسواق وصلت إلى مستويات يستحيل على جميع المواطنين، بمن فيهم كبار المسؤولين، شراءها، أي أن جميع المواطنين سيتوجهون، هذه المرة، إلى حوانيت أمل نتيجة للارتفاع الهائل في أسعار المواد الغذائية واحتفاظ البنزين بأسعاره الباهظة، برغم هبوط أسعار النفط إلى أدنى مستوى في سائر أنحاء العالم، باستثناء بلادنا التي ترى أن في ارتفاعه عندنا حكمة ونعمة لصالح الفقراء. وبالتالي، سيكون من الخطأ الجسيم عدم أخذ تزايد الطلب الكبير جدا على حوانيت "أمل" بعين الاعتبار عند شراء الكميات، في مثل هذه الظروف الصعبة، وإلا ستقع مجاعة مخيفة، حتى في العاصمة نواكشوط والمدن الكبرى من البلاد.

بربرية أمريكا انفضحت.. وإيران سرطان دم
العجيج الإعلامي الذي حرصت عليه وسائل الإعلام الغربية حول رفع العقوبات عن إيران وعن أهميته في إرساء السلم العالمي كان واضحا أنه زوابع رمل للتغطية على منكرات وفظائع تبيتها الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها إيران، كما سيحدث في مدينة المقدادية بأيام قليلة. صحيح أن الولايات المتحدة الأمريكية بات من المعروف، في العالم كله، أنها قوة غاشمة تخاف الشعوب من بطشها وبربريتها التي تتفرد بها هذه القوة المارقة على القانون الدولي وعلى قيم الإنسانية، بعدما كانت تتخفى في جرائمها في تقديم مشروع الديمقراطية المغري للشعوب. لقد انتهت تلك الصورة الخادعة عقب فظائع أمريكا باحتلالها للعراق. وحين تكون دولة (ما) لا تملك إلا عنصر القوة الباطشة في سياستها الدولية، فإنها تصبح وحشا ضاريا يخافه الجميع ويعمل على قتله بكل الوسائل، ويتربص الدوائر به، ولو طال الزمن. فالديمقراطية والحرية،اللتان سوقت بهما هذه الامبريالية العقورة غزوها للعراق وتدمير شعبه، ما لبثت هذه الخديعة أن انفضحت لشعوب المعمورة وانكشفت معها الخيوط الخفية الأخرى للتحالف الاستراتيجي الأمريكي الإيراني، الذي تمكن من الاستمرار في سرية تامة لأكثر من ثلاثين سنة؛ وخصوصا على شعوب العالم الإسلامي التي وقع كثير منها في أكبر خديعة بالشعارات التي كان يرددها الدجال الخميني مثل " الشيطان الأكبر" و " قوى الاستكبار العالمي" وغيره من زوابع الرمل التي أقذت ملايين العيون وأعمتها عن حقيقة ملالي إيران المخربة للإسلام والمدمرة للعرب. لقد اندفعت تيارات إسلاموية وليبرالية وحتى (عروبية) بعاطفة مجلجلة، في ثمانينيات القرن الماضي، باتجاه تصديق الزيف الفارسي المخبأ في شعارات إسلامية تصلح لخداع السذج والمتنطعين. لقد كان يكفي هؤلاء أن يتحدث الخميني عن فلسطين حتى ولو أنه صرح (بتحريرها) بعدما يحتل بغداد ويسترجع دولة البحرين إلى أصلها – إيران. كما أنه قطع شك الشاه، في ملكية إيران لجزر الإمارات العربية، بيقين الملالي بهذه الملكية التي تطال العراق والكويت وأجزاء من المملكة العربية السعودية. ويأتي الاتفاق النووي الأمريكي الإيراني ليعيد إنتاج الخديعة من جديد بأن هذا الاتفاق يصب في مصلحة العالم ؛ وهو يحظى بمباركة عالمية، ما عدى "إسرائيل" و "المحافظين الجدد في أمريكا" و"قوى الإرهاب الدولية". وهذا، بطبيعة الحال، يكفي لجر تلك التيارات للدفاع عن إيران والعمل على "تبييض" صورتها القذرة، التي بدأت تتكشف تدريجيا للرأي العام العربي، على الأقل. وتريد أمريكا وإيران أن نتسلى بجميع سخافاتهم على جثث ملايين العراقيين والسوريين واليمنيين والبحرينيين والأحوازيين. فنحن، في نظرهم، غير قادرين على التمييز بين الحقيقة والزيف، لأن قسما من نخب العروبيين يظل لاهثا خلف مواقف أمريكا وإيران المتصارعة في العلن و المتحالفة في الخفاء على كل التفاصيل، على حساب مصلحة الأمة العربية، وأكثر من مليار من المسلمين عبر العالم. فمتى ينتبه أولئك العروبيون من الوهم الإيراني القاتل.. ومتى يدركون أن إيران سرطان دم يجب معالجته على الفور، عبر استثمار حالة وعي الجماهير العربية بخبث إيران، وتحويلها إلى طاقة للوقوف في وجه هرقل وكسرى المحتقرين للعرب، والحاقدين على الإسلام. ما الذي ينتظره هؤلاء العروبيون من إيران بعدما تباهى دهاقنتها باحتلال أربع عواصم عربية وبوجود عشرات الآلاف من المليشيات المسلحة في أكثر من دولة عربية لفرض المشروع الإيراني الصفوي الفارسي؟.. إنه يتوجب من كل قوى الأمة تجميع الجهد وتأجيل الخلافات لصد هذا التحالف الرهيب، وإلا فإن المصير سيكون مؤلما. والتاريخ لن يرحم نخبا تهدر دم أمتها وتقضي على وجودها باتباع الاستثمار الدعائي المنوم لقطاعات عريضة من الشعب العربي في ابروبوغاندا إيرانية ثبت كذبها و لا يبدو أن لها نهاية.

لماذا البعث.. وما ذا خسر العالم بغيابه؟
تحدثنا،سابقا، عن أن غياب حزب البعث من السياسة الدولية لم يجلب إلا الدمار والخراب في منطقة الوطن العربي، والأخطر من ذلك أنه أفسح المجال وفتح الطريق أمام تيه عظيم في أوساط الشباب العربي، مما جر إلى تفشي مجاميع الإرهاب عابرة للحدود، وانجر عنه فشل أكثر من دولة عربية، كليا أو جزئيا. وما دام غياب حزب البعث عن السياسة الدولية، وخصوصا في الساحة العربية، قد ترتب عليه هذا الحجم الهائل من الكوارث على كل المنطقة، وبدت فيه الأمة العربية في وضع أشبه (بالجيفة) التي تجلب إليها كل الكواسر والضواري برائحتها الكريهة، فلماذا نغض الطرف عما لحق بنا ونظل نلهث خلف الولايات المتحدة الأمريكية التي تصر على تقسيم الأمة العربية تقسيما جديدا بالشراكة الصارخة مع إيران والروس. وها هي تدخل مرحلة تنفيذ هذا التقسيم، الذي طبخته طويلا على جحيم الطائفية المذهبية، بقرار عودتها العسكرية إلى العراق بحجة استعادة مدينة الموصل من " الإرهاب" الذي خلقته، أمريكا نفسها، خلقا لتشويه صورة المقاومة الوطنية العراقية، ولتخلق الظروف المناسبة لتحالفها الدولي الذي يمكنها من تقسيم العراق وسوريا وصولا لتقسيم كل الدول العربية، بما فيها المملكة العربية السعودية؛ بل إن كل الأقطار وكل النخب العربية التي تدس رؤوسها في التراب عن رؤية هذا الخطر الوجودي ستعيش واقع تقسيم بلدانها، واحدا بعد الآخر؛ ولن يسلم منها قطر واحد من التشطير مهما كان فقيرا أو صغيرا، بينما كانت نخبها تتظاهر، حصريا،من أجل خفض أسعار البنزين أو من أجل الحوار حول منافع السلطة، برغم أهمية هذه المطالب في سياق الحفاظ على وجود الكيانات الوطنية. إذن، نقول إنه مادام التآمر على البعث وحزبه لم يكن ينطوي على فائدة، بشهادة الوقائع، على أية جهة دولية في الوطن العربي، ولا على أية جهة حزبية أو تيارية مخاصمة إيديولوجيا لحزب البعث، مادام الأمر وصل إلى هذه النتيجة الكارثية على الجميع فلماذا التمادي في العزة بالإثم؟.. نحن نعرف أن قطاعا هاما من النخب العربية يعترف، صمتا، بخيبة أمله في الولايات المتحدة الأمريكية، التي تآمر معها عسكريا واستخباريا وسياسيا وإعلاميا لإطاحة النظام الوطني في العراق، وكانت النتيجة أنهرا من دماء الشعوب وتمكين عصابة من العملاء والنهابين في دولة بحجم وأهمية العراق في العالم. إنه يجب تحويل هذا الاعتراف الصامت بالخطيئة إلى فعل وفعالية لدعم حزب البعث ومقاومته التاريخية مع القوى الوطنية في العراق، خصوصا وقد ثبت أنه (يرفد لحميه) فلا يستطيع مكابر أن يجادل في صلابة البعثيين وقوة رصيدهم المعنوي وتشبعهم بقيم الصمود والمقاومة الشريفة. فبرغم الإجماع، غير المسبوق في التاريخ، عليه من قوى الامبريالية العالمية والعملاء من الأنظمة العربية و من التيارات الاسلاموية والليبرالية، وبرغم طوفان التشويه الإعلامي لتجربته ورموزه والإقصاء والتهميش لأعضائه، لم يستسلم حزب البعث وظل يناضل بأرقى ما يكون النضال في ساحات كل الأقطار العربية، وظلت مقاومته التاريخية المسلحة في العراق تقاتل الغزاة حتى بالأسلحة الحجرية وبالأظافر إلى أن هربوا مدحورين، مذهولين من حجم الفعل المقاوم الذي فجره حزب البعث والقوى الوطنية تحت أقدامهم. أليس هذا هو الحزب الذي يستحق نزع القبعات احتراما لمناضليه، بخلاف باقي العناوين والأغلفة السياسية التي تهاوت كالطوب أمام أول اصطدام بالعدو الأجنبي أو أول إغراء بالسلطة والمال، حتى في ظل الاحتلال. إن حزب البعث العربي الاشتراكي يشكل تاجا على رؤوس كل العناوين، التي لم يعد في أيديها إلا الانضمام لميدان المنازلة في جنب حزب البعث أو الموت السياسي أو التسلل داخل طوابير قوى الاستعمار الجديد..

البؤس.. ضرب من النار
لطفا.. أيها القراء الكرام، فلقد أرهقناكم بالحديث غير الشيق عن مواضيع غير شيقة. وهذا ليس بإرادتنا و لا من سجيتنا. ولكن الظروف التي يمر بها وطننا وتوجد بها أمتنا هي ظروف لا تترك مجالا بالمطلق للتفكير في مواضيع الابتسامة والفكاهة والترويح عن النفس. فكيف نتسلى ونلهو بالحياة، وخيرة شبابنا وزاد خبرتنا تدفع بهم ظروف الحياة القاسية إلى أسوأ الخيارات : إلى شبكات الإرهاب الدولي أو مجاميع المافيا العالمية لتهريب المخدرات وغسيل الأموال الوسخة. لذلك، لطفا منكم، تحملونا حين نكثر من هذه الكتابات التي لا نريد من ورائها إلا تنبيه العقول في هذا الوطن وهذه الأمة؛ إذا ما كان بعد فيها عقول وهمم.. فكما كتبنا مرة سابقة، فإن تربة الإرهاب هي في الظلم الاجتماعي، وسماده في سوء السياسات التي تتخذها الأنظمة البائسة ؛ التي تجيد سياسة الاعتماد على من ردئ وساء من مجتمعاتها. فالتعيينات في الوظائف السامية في الدولة والترقيات في المناصب لا تقوم إلا على معيار الرداءة في الأداء والفقر في الأهلية العلمية والأدبية. فهذا وزير لأنه مشهور بالكذب وسارق لما قد أمن عليه، وهذا مدير لمؤسسة لأن في سيرته الذاتية ما يخدش الضمير ويمجه الذوق الرفيع. وهذا نائب في الجمعية الوطنية لأنه يمتلك البشر ويسوقهم كقطعان الضأن إلى حيث يبتغي الحاكم. وهكذا.. لا تريد الأنظمة السياسية  البائسة من شعوبها إلا أسافلها، ولا تعتني منها إلا بوغد حقير أو مخبر نكير.
وفي أحضان هذه البيئة التي تنعدم فيها كل إمكانية للحياة الكريمة، تترعرع كل الآفات الاجتماعية وتزدهر كل أعشاب الشذوذ الخلقي والمعنوي، وتتقلص مساحة الرغبة في الحياة نفسها، ويتحول الموت إلى مطلب للبائسين للانفكاك من قبضة الحياة القاسية. فالموت أهون، في حالة البؤس، من أنياب الحياة التي تقطع نياط القلب كل يوم ألف مرة دون شفقة في ظل أنظمة الجهل والجهالة. فعندما يعود طلاب الوطن حاملين معهم أرقى الدرجات العلمية والتقنية والطبية من أشهر الجامعات العالمية، و حاملين كل معاني الوطنية والحماس لبناء أوطانهم في حنايا ضلوعهم وشغاف قلوبهم، ثم تدفع بهم أنظمة الرداءة إلى البطالة والموت البطيء بالتسكع بين مكاتب ووزارات ومجالس إدارات يتربع عليها أنفار من الفاشلين في الدراسة والحياة أو ممن بلغوا من الكبر عتيا ونكسوا في الخلق والعقل، فعندها لا تعجب من تحول آهات هؤلاء الشباب إلى حريق يأكل كل شيء. فتصوروا، يا أولي الألباب، أن خيرة شبابكم من أصحاب الكفاءات العلمية ينهون السنين على السنين في ذهاب تعيس وإياب بئيس، يدورون، عبثا، بين تلك التفاهات البشرية التي تتحكم في مصائرهم، في فيض من السعادة والهناء، مع قلوب خلت من كل شفقة ورحمة. وصدق من قال:
إذا ورث الجهال أبناءهم غنى   وجاها فما أشقى بني الحكماء.

في مثل هذه البيئة الطاردة للكرامة الآدمية، فمن الطبيعي والسهل أن يهتدي المجرمون إلى ضالتهم في هذا الشباب، ويجندوهم لمشاريعهم الهدامة، لأن أهلهم فرطوا فيهم وحكامهم خذلوهم، وبالتالي لم يجد هذا الشباب مخرجا من مأساته إلا بتناول الوسيلة القاضية على الجميع، انتقاما من الأنظمة والمجتمع والحياة. فساحة الموت الرحيبة أنسب لدفن الآلام والأوجاع والمظالم، والتسكع في بقايا ثياب بالية، في مشهد جنائزي يتلذذ به السافلون. فعلى من تقع المسؤولية، في هذه الحالة.

حين تهاجر الشعوب بعيدا عن أوطانها..
ساسة الغرب وحكامه يسيطرون على كل شيء في حياتنا.. وذلك ليس راجعا دائما للقوة العسكرية؛ بل كثيرا ما يعود للسيطرة على العقول واستيطان الأذهان وتخريب الأفهام. فعلى قدر انتشار جيوشهم وأموالهم وصنائعهم، تنتشر كذلك مصطلحاتهم ومفاهيمهم، التي تعبر عن مصالحهم ومشاغلهم وهمومهم وقلقهم. وهذا، ليس غريبا، هو الآخر، لأن الضعيف مولع بتقليد القوي، كما يقول ابن خلدون.
ومن بين هذه المفاهيم التي تفرض علينا سلطانها، هو مفهوم "الهجرة الدولية"، و"الهجرة غير الشرعية"، التي لا تخلو ساحة سياسية ولا فكرية، في وطننا العربي و الإفريقي، من الحديث عنهما في شكل ورش وندوات ومحاضرات وبحوث أكاديمية. والسبب في هذا الطغيان أن الهجرة الدولية والهجرة السرية أو غير الشرعية تشكل شغلا شاغلا وبؤرة اهتمام كبير للغربيين. ومن هنا، تركيز العقل الغربي على هذه المفاهيم من زاويتين: الأولى أهمية هذه الهجرة للمجتمعات الغربية التي تعاني من شيخوخة مفنية اقتصاديا وعسكريا وعلميا لهذه المجتمعات إذا استمرت شيخوختها دون علاج، بحسب العديد من الدراسات البحثية في هذا الموضوع. والزاوية الثانية هي خطورة الهجرة على هذه المجتمعات لجهة مفاعيلها الثقافية والدينية و الديمقراطية والأمنية، إذا لم يتدخل العقل الغربي (الماكر) في دراسة وتقنين هذه الهجرة بأدوات غربية تمكنه من فرز الجوانب الإيجابية الصافية للهجرة عن جوانبها السلبية. وهكذا، فالأمر يقتضي تركيزا غير عادي في تناول ظاهرة الهجرة (غير الشرعية) وتكثيف الحديث عنها بشكل مزدوج، أي في بلدان المهاجرين ثم في بلدان مصب الهجرة، التي هي بلدان الغرب. والغرض من هذه الازدواجية في الدراسة هو مقابلة التحليلات والأهداف والأسباب والحلول المقدمة عن الهجرة في (البيئات الطاردة) و (البيئات الجاذبة) حتى نتحصل على أكثر من رأي في الغرب وفي بقية أنحاء العالم، أي من وجهتي نظر البيئتين، معا. ولكن المغالطة تكمن في تصوير حكام الغرب للهجرة وكأنها عمل إرادي تقوم به بعض المجموعات والأفراد من بلدانهم إلى بلدان الغرب. فتكون الهجرة بهذا المعنى أشبه بهجرة بعض الحيوانات لتي تهاجر من مواطنها الأصلية، دوريا، إلى بيئات مناخية أكثر إمتاعا، دون تدخل أو سب قسري خارجي. بينما هجرة الشعوب والأفراد من أوطانها ليست عملا طوعيا، إذا استثنينا الرحالة السياحيين، بل هي بسبب الفقر الناتج عن نهب الغرب الاستعماري لثروات بلدانهم، او بسبب الفتن والاحتراب الداخلي الذي يخلق الغرب أسبابه (مثال العراق، ليبيا، سوريا، روندا، اليمن، بوروندي، البسنه والهرسك...) ويعمل على إدامته وتغذيته. أو بسبب الغزو والاحتلال وإحراق الأوطان (فلسطين والعراق) بالحروب الاجتماعية والمذهبية. وبالتالي، فإن حكام الغرب يهدفون إلى تدمير هذه الشعوب وفرض الهجرة على الكفاءات العلمية والتقنية والطبية لاستيعابها وامتصاص مؤهلاتها تحت يافطة " الهجرة الشرعية" بينما يبقون على الآلاف من هذه الشعوب يواجهون الموت بالتجويع والحصار في أوطانهم أو يقضون في أعالي البحار غرقا. وكل هذا يتم فرزه بآلية التمييز اللاانسانية بين الهجرة الشرعية واللاشرعية. أي هجرة الكفاءات المرغوبة من الغرب، وهجرة عديمي الأهلية المنبوذين، غربيا.

احذروا ضعاف النفوس..
في الظروف القاسية، التي يقل فيها النصير ويكثر فيها المثبط، يقل فيها، أيضا، الصامدون، بخلاف الظروف المريحة التي يكثر فيها الزيف ويتقدم فيها الكاذبون حتى لا يكاد المرء يميز بين الصادق والكاذب، والأمين وغير الأمين، والمخلص والمزيف، والوفي والمخادع... وقد عرف الناس هذه الحقيقة البشرية منذ آماد بعيدة، وجرت على ألسنة الحكماء في صيغ حكم وأمثال سيارة. فالعرب تقول : لولا المشقة لساد الأرذل، أو لولا المشقة لساد الناس جميعا. والقرآن الكريم يقر وجود هذا التداخل في الطبيعة البشرية، أي تداخل الصدق والكذب والأمانة والخيانة والوفاء والغدر والانتهازية والإخلاص...
ولذلك، كان من حكمة الله أن يمتحن هذه النوازع البشرية حتى يميز الخبيث من الطيب، بعضه عن بعض، وتظهر تلك الطويات على حقيقتها دون غبش، فتستبين الأنفس القوية من الأنفس الضعيفة، والفضائل من الرذائل، ومعادن الرجال النفيسة من معادن الرجال الخسيسة. وأكد القرآن على ضرورة امتحان الرجال كي يتضح الأصيل من المغشوش والقوي من الخائر، فقال جل وعلى: [الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين]. والأسوء ليس في تساقط الضعفاء في الظروف الصعبة ؛ فهذا شيء طبيعي يرجع إلى معدن كل فرد على حدة وإلى ظروفه الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والثقافية و درجة طاقة تحمله. فمن الناس من يهبه الله طاقة تحمل وأعصابا مقدودة من فلاذ، ومنهم من هم دون ذلك، نزولا حتى نرى بعض الناس ليس مستعدا لتحمل ساعة من نهار للدفاع عن حق أو للصد عن مبدأ. ومنهم من ترغمهم الظروف لوقف العطاء دون تخل عن الوفاء. ومن الناس من يتظاهر بالإيمان بمبدأ معين لفترة طويلة، وهو في الحقيقة ليس بمؤمن به أصلا؛ وإنما رمت به موجة انفعال في ظرف من الظروف، أو جاءت به أحداث خاصة لحداثة سنه وقلة خبرته، أو أتى به تأثير أو جاذبية شخص أو أشخاص آخرين، أو طلبا لمنافع مادية ومعنوية في ظروف الرخاء. وهذا الصنف من الناس ينتهي به المطاف منتهيا، بعدما يذوي عوده ويتحطم على صخرة الواقع القاسي. هذا ناهيك عن الأشخاص السيئين في فطرتهم، تعرف في وجوههم المنكر، يدخلون بمهمة تحطيم البنيان من الداخل وبث روح الضعف والاستكانة، ولا يزيدون إلا خبالا. وكلا تعرفهم بسيماهم. إنما الأسوأ في أمر هؤلاء جميعا هو تصيدهم للضعفاء وأصحاب العواطف ممن يسهل انكسارهم. فالذي يتخلى عن مبدئه، لسبب من الأسباب، لا يريد أن ينسحب بنفسه، وإنما يسعى بكل جهد أن يعمم وصفة الضعف ونموذج الخذلان على أكبر عدد ممن عرفهم على خط النضال ؛ ويجتهد في تزويق وتلفيق تبرير ضعفه. وهو بطبيعة الحال يعرف مواطن الضعف فيهم، ولا يكف عن الضغط على مناطق الحساسية والوجع، بغرض تمرير اليأس والإحباط إلى النفوس. فيرسم لوحة قاتمة للمستقبل ويغلق الأفق على الأمل، ويضع مكانه التوتر النفسي وشبح الفشل المريع. إن كثرة مجالسة هؤلاء ترهق معنى الحياة، لأنها أشبه بمجالسة الأموات، أو الإقامة الدائمة عند المقابر. فمن يلازم المقابر لن يفكر في الحياة، بل يموت قبل موته.

الشيخ الدكتور محمد الهاشمي..
هذا العالم، الذي نعيش فيه، يمتاز بتراجع مرعب للقيم الإنسانية، وتفاقم مختلف الظواهر الذئبية وتفشي السلوك العدواني بين بني البشر. وكلما تفاقمت هذه الظاهرة تقلصت مساحة الرجولة، بمعنى النخوة، وقل الرجال من أصحاب القوة في الحق والثبات على المبدأ، حتى تكاد النماذج القليلة المتبقية من هذه الطرز من الرجال تشبه النقطة البيضاء في العتمة الكاملة. ومن هنا، - وفي هذه البيئة الإنسانية الملوثة والمسممة – تنتعش كل صنوف النفاق والارتزاق والكذب، وتزدهر روح " التقية الفارسية" التي تعكس العقلية الصفوية المدسوسة على الإسلام. وهي (التقية) تشريع فاسد للضعف في الحق، وتسويق لرذيلة الكذب وتأصيل للنفاق والغدر والخيانة وعدم الأمانة. وكلها مواصفات لنموذج الصفوي. ومن أروع ما شاهده المسلمون، عموما، والعرب خصوصا، في العقد الأخير، هو ذلك البرنامج الذي أشرفتم عليه شخصيا على قناتكم الكريمة – المستقلة- تحت عنوان: الحوار الصريح بعد التراويح. فهذا البرنامج كشف لأول مرة حقيقة العقيدة الصفوية الممزوجة بالدجل الفارسي ؛ نقول أول مرة للملايين من العرب والمسلمين في بلدان المغرب العربي. فإلى حدود 2007، كانت الأغلبية الساحقة من عموم السكان عندنا مفتونين بل مأفونين بالخميني وسواه من مرازب الدجل الفارسي. فكم من الشباب حملوا اسم ذلك الدجال، وكم منا كان مغترا، إلى درجة التقديس، بتلك العمائم الكالحة، التي نثرت عواصف مدمعة في عيون الملايين من أبناء المغرب العربي. ولكن، بحمد الله، ثم بفضل جهودكم الفكرية، بات كثير من الموريتانيين، اليوم، يراجع مواقفه من هذه الشياطين ويعلن ندمه على ما أولى من حب وتعظيم لهم بفعل الجهل بالعقيدة الصفوية والخديعة بالشعارات الكاذبة لثورة الخميني وقبيله، والتي حولت مناطق المسلمين، في كل مكان، إلى حرائق بسبب الاقتتال الطائفي والمذهبي. واليوم، يتابع الموريتانيون باهتمام بالغ، وخصوصا النخب الليبرالية، حديثكم الناصح لأشقائنا في تونس الغالية لقطع كل علاقة سياحية أو غيرها مع هذه السرطانات الصفوية، التي لا تدخر جهدا، من أي نوع كان، إلا وظفته لتفجير وطننا العربي خاصة بالمليشيات المسلحة. وأمل الشعب الموريتاني فيكم كبير وفي قناتكم الموقرة أن تواصلوا تلك التوعية الضرورية، ضرورة وجودية قبل أن تكون أخلاقية وعقدية وإنسانية، لهذا الشعب ولغيره في منطقة المغرب العربي، عموما. إننا في موريتانيا نعاني جديا من جهلنا بتاريخ الفرس وما ألحقوه من تخريب بالإسلام، وما يختزنوه من كراهية وحقد للعرب. فهذا الشح في المعلومات التاريخية عن الكراهية التي يتمسك بها الصفويون مضاف إليه بعد المسافة بين شعب المغرب العربي وبين جرائم إيران الملالي في الأحواز العربية وفي العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين... سهل مهمة الاستخبارات الإيرانية في الاختراق الثقافي والاقتصادي في هذه المجتمعات البسيطة، عموما، في تكوينها النفسي والتراكمي. والمصيبة الأخرى أنه بعدما تحرر قسم كبير من الإخوان المسلمين عندنا من تأثير أفيون الخميني، إلا أن قسما ضخما من إخواننا العروبيين (الناصريين)، وهم أعزاء علينا، ما زالوا يعضون على ملالي إيران بالنواجذ، برغم وقاحة المسئولين في هذه الدولة المستهزئين بالعرب وبصحابة النبي محمد (صلى)، وبرغم فظائعها وجرائمها واحتلالاتها لأكثر من قطر عربي. وعلى أية حال، تقبلوا من مناضلي الدرب العربي في موريتانيا أطيب المشاعر..

تقدير.. وتنبيه
إذ تقدر الدرب العربي عاليا تلك المواقع الوطنية التي تنشر بعض مواضعها، فإنها تنبه إلى أن بعضا آخر نشر دون الإشارة إليها. ولذا، يرجى الإشارة إلى الدرب العربي عند نشر مواضعها أو الاقتباس منها.
شبكة البصرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق