قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

السبت، 5 مارس 2016

صلاح المختار : تأثير بنية الوعي الاجتماعي على الصراع العالمي الحالي

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تأثير بنية الوعي الاجتماعي على الصراع العالمي الحالي
شبكة البصرة
صلاح المختار
العالم رقعة شطرنج كبرى نلعب عليها أجمل الألعاب
اللورد البريطاني كيرزون

المشكلة الستراتيجية الاخطر في عالمنا المعاصر التي قد تكون احد اسباب الحرب العالمية الثالثة هي حالة الجمود stalemate السائدة على محركات الازمات الدولية الساخنة والتي نرى فيها كلا طرفي الصراع الحالي (امريكا ومن معها وروسيا ومن معها) عاجزين عن حسمه لافتقارهما للشروط المطلوبة للحسم، فما هي اشكاليات تحقيق النصر؟
المشكلة الاساسية لامريكا هي انها تفتقر لاهم العناصر الحربية المحققة للنصر وهي المعنويات في بناء جيشها ولهذا هزمت في فيتنام والعراق نتيجة عدم قدرة الجندي الامريكي على الصمود في معارك يبدي فيها الطرف التحرري صمودا وشجاعة وذكاء في خوض المعارك فتنهار القوات الامريكية رغم تفوقها الكبير عسكريا وتكنولوجيا وماديا، ولهذا فان اكثر ما تخشاه امريكا الان هو اجبار جيشها على خوض حرب طويلة وكبيرة وهذا ما اثبتته تجربة الهزيمة الامريكية في العراق نتيجة عمليات المقاومة العراقية والتي لو تتوقف وكانت مناسيبها اعلى بكثير من من مناسيب حرب فيتنام فهزمت امريكا في عملية جمع النقاط وليس بضربة قاضية اي معركة كبرى.اما النقص الثاني الذي يحرم امريكا من النصر الحاسم رغم امتلاكها كل مستلزماته باستثناء المعنويات فهو تعقد ازمة النظام الرأسمالي الامريكي وابرز تعبيراته المباشرة ازمته النقدية لان النظام النقدي العالمي يعتمد على الدولار وهو وصل سقفه الاعلى في التوسع بلا غطاء ذهبي فصار الدين العام مقاربا للناتج القومي دافعا امريكا الى حافة الانهيار لهذا فان اي حرب طويلة وكثيفة الحدة تضع امريكا على حافة الانهيار ليس العسكري فقط بل الاقتصادي وفي الداخل ايضا.
لكن المنافس الرأسمالي لامريكا على النفوذ وهو روسيا هو الاخر فيه عيوب بنيوية تحرمه من القدرة على تسجيل النصر الحاسم رغم انها تمتلك ميزة حرمت منها امريكا وهي صلابة التكوين النفسي لمواطنيها وجيشها وتحملهم اضعاف مضاعفة لما يتحمله الجندي الامريكي فهي بسبب ذلك قوية عسكريا وتمتلك مالا تمتلكه امريكا، الا انها والصين ايضا ضعيفتان تكنولوجيا واقتصاديا مقارنة بامريكا لهذا فانهما – روسيا والصين - عاجزتان عن خوض حرب طويلة مثل امريكا ولكن لاسباب مختلفة.
من هنا فان الصراع الحالي الحقيقي ليس حروبا مباشرة بل عودة لسياسة الحرب بالوكالة التي توفر لكلا الطرفين فرص ابعاد شبح كشف عيوبه القاتلة بتجنب التورط في حرب مباشرة ستدمر كلا الطرفين وربما كل العالم، وحرب الوكالة هذه ايضا محكومة بشروط منها عدم تجاوز حد التكاليف التي تتحملانها، فهي اذن حروب وكالة بين راسمالية متقدمة وراسمالية متخلفة من اجل ليس الاسواق بالاساس كما كانت الحربين العالميتين الاولى والثانية بل من اجل تقرير شكل الهرم الحاكم للعالم، مادام العدو غير الراسمالي قد اختفى – على مستوى الدول - واصبحت اسواق العالم مفتوحة وتحكمها مواصفات واسعار السلع اضافة للنفوذ العسكري والامني.
ازمة روسيا هي نفس ازمة الاتحاد السوفيتيالفرق الهائل بين تقدمها الذي نتج عن سياسة حرق المراحل الستالينية – التي كنت في فترتي الستينيات والسبعينيات معجبا بها - وبين تكوين الانسان الروسي الذي بقي اسير ثقافة مزدوجة رأسمالية واقطاعية (شرقية غربية) بكل مابينهما من تناقضات حادة احيانا ومنها تناقض العفوية والارتجال وطغيان العواطف والحماس في الكتلة الشرقية والتي تعيق فهم او اكتشاف الخلل البنيوي او تتجاهله انطلاقا من حسابات لاعقلانية حول امكانية الاصلاح بلا اعادة نظر جذرية بينما الانسان في امريكا وغرب اوربا ثقفته رأسمالية متبلورة تحررت من اي تأثير للنظم السابقة للراسمالية.
ويترتب على ذلك ان نمط التفكير الغربي (الامريكي – الاوربي) عقلاني براغماتي منظم بارد مخطط وهذه التناقضات تترك اثرها الكبير على مجرى الصراع مهما كانت القوى متوازنة ورأينا ذلك في عجز الحزب الشيوعي السوفيتي عن معالجة عيوبه القاتلة والتي كانت واضحة ولعل ابرز من نقدها ماوتسي تونغ الزعيم الصيني وكاسترو وجيفارا والاخير لم يتردد في توجيه نقد حاد وعلني ل(لانحرافات) السوفيتية عن اصل الاشتراكية بينما كان السوفييت بحاجة لنظرة عقلانية نقدية شاملة، كما تفعل الرأسمالية الامريكية التي تجدد شبابها كلما وصلت لمرحلة الانهيار بعد دراسات معمقة ودقيقة، رغم ان ازمات الاتحاد السوفيتي البنيوية كانت واضحة لمن يدرس نظام راسمالية الدولة الذي كان سائدا فيه، وهذا ينطبق على الصين التي ابتدعت مفهوم (اقتصاد السوق الاشتراكي) مع ان اقتصاد السوق هو النقيض الكامل للاشتراكية طبقا لجيفارا وكاسترو والقادة السوفييت! هنا تكمن مقاتل نظم اوربا الشرقية والتي عالجتها كوبا بنظرة عقلانية خدمت النظام الاشتراكي فيها فبقي رغم انهيار الكتلة الشيوعية.
اذن التكوين الروسي والصيني مختل : اختصاص علمي متقدم وانفجاري يقابله تخلف في الوعي الاجتماعي وبالتبعية في السلوك الفردي والاجتماعي، لان الوعي الاجتماعي لا ينشأ في جيل او مرحلة واحدة بل هو ثمرة تراكمات طويلة تتفاعل وتتداخل وتتحول تدريجيا الى حاكم للسلوك لهذا فان النزعة الستالينية رغم انها حققت قفزات هائلة صناعيا وتكنولوجيا الا انها عوقت التفكير العقلاني فعجزت عن تحقيق تنام مساو ومرافق في الوعي الاجتماعي وتعبيراته الاهم هي العقلانية الباردة، وتركت بصماتها المعيقة على مسيرة الاتحاد السوفيتي وخلخلت بنيته الاجتماعية بانواع مختلفة من السلبيات وفي مقدمتها تحلل كوادر الحزب الشيوعي وتسلل الفساد والنزعات القومية اليها في دولة تضم عدة قوميات.

كيف يظهر ذلك التناقض في التطبيق العملي في ميادين الصراع؟ ان اول مظهر للتفوق الامريكي هو القدرة على رسم سيناريوهات عقلانية بعيدة المدى وتسخير موادر ضخمة لكافة انواع دراسات الانسان والمجتمع والطبيعة لاجل اكتشاف عوامل القوة والتفوق بينما السوفييت كانوا والروس مازالوا يخططون بطريقة وضع الخطط الخمسية السوفيتية اي انها مخططات تشبه المخططات العسكرية الجاهزة بينما الوعي الاجتماعي يتطلب خططا بالغة التعقيد والدقة والتنوع وتغطي كان الاحتمالات المستقبلية ولا تتردد عن التغيير مهما كانت اثاره مادام يخدم هدف التفوق في الصراع ويديم الرأسمالية ويمنع انهيارها.
لو اخذنا التدخل الروسي في سوريا لرأيناه محاطا باحتمالات غالبة بانه تم بناء على تخطيط امريكي وليس بقرار روسي منفرد فامريكا تريد من جهة تحقيق اهدافها بواسطة روسيا لتجنب حروبا طويلة ومهلكة اقتصاديا وبشريا، مثلما تريد من جهة ثانية توريط الروس في افغانستان اخرى تكبح قدرتهم على تحقيق نهوض سريع بعد انهيار الاتحاد السوفيتي لان تقدم روسيا تكنولوجيا واقترابها من نمط التفكير الامريكي بخصوص فهم المستقبل والتخطيط للتأثير المباشر في رسم صورته وانماط الحياة فيه يسمح لروسيا بان تعود لتحتل المركز الذي كان الاتحاد السوفيتي يحتله كشريك مكافئ لامريكا وهو ما ترفضه امريكا بقوة واصرار.
اما بوتين ولانه يفكر بعواطف الماضي الامبراطوري الروسي اكثر مما يفكر بعقلية الغرب الباردة فهو وان كان يفهم اللعبة الامريكية بوضوح الا انه قرر خوض الصراع في سوريا على امل عاطفي ايضا بانه سيفرض على امريكا الاعتراف به شريكا مكافئا للغرب في قيادة العالم. ما حصل لبوتين الذكي جدا هو انه استسلم لعواطف قومية روسية مهما كانت تشكل دافعا قويا للصمود الا انها بافتقارها للعقلانية الحقيقية جعلته يتورط في لعبة سوف تنسف كل ما بناه وتعيد روسيا الى مرحلة قد تكون اكثر تخلفا من مرحلة يلتسين.
نصل هنا الى دور بنية الوعي الاجتماعي في تقرير نهايات الصراع فالغرب تفوق وانتصر علينا وعلى غيرنا لانه يفكر بطريقة باردة وعقلانية وصلت حد البراغماتية – والتي نرفضها طبعا – فحقق التفوق رغم انه لم يكن صاحب قضية عادلة ومشروعة وانما هو معسكر استعماري هدفه الاول والاخير نهب واستغلال الشعوب، وهذه الملاحظة تنطبق على العرب ايضا فالنصر لا يصنع بمجرد تحديد الاهداف بصورة صحيحة والاقتناع بمشروعيتها بل بالقدرة على القيام بعملية دراسة مستمرة وحية لما يجري ورسم تصورات متعددة لكافة الاحتمالات واستبعاد العواطف التي تورط في حسابات غير صحيحة وبناء على ذلك ممارسة دور يفهم كافة تعقيدات الصراع ولا تبسطه انسياقا مع عواطف نبيلة لكنها تعيق تحقيق التفوق او على الاقل التقدم المطلوب.
المرجح ان المستفيد النهائي في سوريا لن يكون روسيا بل ستخرج متضررة اكثر من اي طرف اخر لان بوتين يفكر بطريقة مبنية على مبادرات فيها الكثير من العواطف بدليل انه راهن على قبول الغرب له بدون تحليل حقيقي لواقع الغرب وطريقة تفكيره وطبيعة اهدافه الواضحة والمعلنة والان يراهن على النقيض وهو استخدام الحرب في سوريا وغيرها وسيلة للوصول الى هدفه وهو اعتراف الغرب به شريكا مكافئا. ما قاله اللورد كيرزون هو العقلانية بعينها فالشطرنج هو لعبة عقلنة الخطوات ولا مجال فيها للعواطف والتركيز الذهني اهم عناصر التفوق فيها، وهذا القول يجسد حالة عالم غريب متناقض في انماط تفكيره ويفرض عقلانية باردة واحيانا جدا.
Almukhtar44@gmail.com
3-3-2016
شبكة البصرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق