قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الجمعة، 27 ديسمبر 2024

القصه الحقيقيه للإرهاب الحديث .....أين نشأ الإرهاب الحديث؟

 زيجينو بريجنسكس: القصه الحقيقيه للإرهاب الحديث

أين نشأ الإرهاب الحديث؟


مقالة مهمة نشرت لأول مرة بتاريخ 27 يونيو 2017 في موقع (The Anti-Media) (الإعلام المضاد)

 

بقلم  داريوس شحتهماسيبي

نقلها للعربية خالد الجفري


توفي زبيغنيو بريجنسكي ، مستشار الأمن القومي السابق للرئيس  جيمي كارتر في مستشفى في فرجينيا عن عمر يناهز 89 عامًا. وعلى الرغم من اعتراف صحيفة نيويورك تايمز بأن المستشار الحكومي السابق كان ((منظرًا استراتيجيًا متشددا ) فإن إشارة الصحيفة إلى إن إرثه يعتبر إرثًا إيجابيًا لا حدود له قد لا يكون منطقياً كما قد يتصور القائمون على المؤسسة الاعلاميه.

في حين تلعب المملكة المتحدة  بمستويات  ما يسمى "التهديد الإرهابي" في أعقاب الهجوم المدمر الذي نفذه فرد محسوب على تنظيم داعش - وبينما تدخل الفلبين في حالة  شبه كاملة من الأحكام العرفية  في أعقاب الدمار المتهم فيه تنظيم داعش - فإن وفاة بريجنسكي في الوقت المناسب بمثابة تذكير بالسعي إلى فهم أعمق لأصل الإرهاب الحديث في المقام الأول.

وكما قالت صحيفة  نيويورك تايمز  ، فإن ((الكراهية المتصلبة التي يكنها بريجنسكي للاتحاد السوفييتي" قد وجهت الكثير من السياسة الخارجية الأميركية "سواء للأفضل أو الأسوأ)). وحيث أضافت صحيفة  التايمز :

(لقد قام بريجنسكي بتقديم مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية للمتشددين الإسلاميين الذين يقاتلون القوات السوفييتية الغازية في أفغانستان . كما إنه شجع الصين ضمناً على مواصلة دعم النظام القاتل ( لبول بوت) في كمبوديا، خشية أن يستولي الفيتناميون المدعومون من السوفييت على ذلك البلد) )  .هذا تأكيد مضاف )

في حين أنه من الجيد من جانب صحيفة  نيويورك تايمز  أن تشير إلى دعم بريجنسكي للمتشددين الإسلاميين، فإن التقليل من تأثير أجندته الانتقامية في السياسة الخارجية من خلال جملة واحدة, إذ يقلل من للرعب الحقيقي الذي أوجدته سياسات بريجنسكي.

(الرئيس ريغان مع مجموعه من قيادات المجاهدين الافعان الصوره من (هنا

وبما أن الانقلاب الذي وقع في أفغانستان عام 1973 أدى إلى تنصيب حكومة علمانية جديدة تميل نحو السوفييت، فقد سعت الولايات المتحدة إلى تقويض هذه الحكومة الجديدة من خلال تنظيم  محاولات انقلاب متعددة  بواسطة الدول التابعة لأميركا، باكستان وإيران (كانت إيران تحت سيطرة  الشاه المدعوم من الولايات المتحدة في ذلك الوقت . ( وفي يوليو/تموز 1979، أعطى و أذن بريجنسكي رسميا  بتقديم المساعدات للمتمردين المجاهدين في أفغانستان من خلال برنامج وكالة المخابرات المركزية المسمي (عملية الإعصار(.

 


إن العديد من الناس يدافعون عن قرار أميركا بتسليح المجاهدين في أفغانستان لأنهم يعتقدون أن ذلك كان ضرورياً للدفاع عن البلاد والمنطقة الأوسع من العدوان السوفييتي.ولكن هذا غير صحيح.  لأن تصريحات بريجنسكي نفسه تتناقض بشكل مباشر مع هذا المنطق. ففي مقابلة أجريت معه عام 1998،  اعترف بريجنسكي  بأن إدارة كارتر، من خلال تنفيذ (عملية الإعصار(.، (زادت عن عمد من احتمالات) تدخل السوفييت عسكرياً (مما يشير إلى أنهم بدأوا في تسليح الفصائل الإسلامية قبل غزو السوفييت، لأنه من المنطق أن يكون دعم المجاهدين غير صحيح  لأن المقاتلين من أجل الحرية في أفغانستان لم يكونوا في حاجة إلى صد الغزو في ذلك الوقت لأنه لم يبدءا بعد). ثم صرح بريجنسكي قائلاً:

(( ما الذي يجعلني أندم على ذلك؟ كانت تلك العملية السرية فكرة ممتازة. وكان لها تأثير حيث تم جر الروس إلى الفخ الأفغاني، وأنت تريدني أن أندم على ذلك؟  في اليوم الذي عبر فيه السوفييت الحدود رسميًا، كتبت إلى الرئيس كارتر: لدينا الآن الفرصة لمنح الاتحاد السوفييتي حرب فيتنام الخاصة به)).

ولم يقتصر هذا الحديث على التفاخر بتحريض على الحرب وانهيار الاتحاد السوفييتي في نهاية المطاف.

 وقد أكد (روبرت جيتس) ــ مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية السابق في عهد  رونالد ريغان  وجورج  بوش  الأب ووزير الدفاع في عهدي  جورج دبليو بوش  وباراك  أوباما  .

في مذكراته  التي تحمل عنوان  (من الظلال) أكد بشكل مباشر أن هذه العملية السرية بدأت  قبل ستة أشهر من الغزو السوفييتي وهدفها الحقيقي يتمثل في استدراج السوفييت إلى مستنقع على غرار فيتنام.

كان بريجنسكي يدرك تماماً ما كان يفعله. فقد كان السوفييت آنذاك عالقين في أفغانستان لمدة عشر سنوات تقريباً، يقاتلون في مواجهة إمدادات لا تنتهي من الأسلحة التي تزودهم بها الولايات المتحدة والمقاتلين المدربين. وفي ذلك الوقت، ذهبت وسائل الإعلام إلى الإشادة  بأسامة بن لادن  ـ كأحد أكثر الشخصيات نفوذاً في العملية السرية التي قادها بريجنسكي. ونحن جميعاً نعلم كيف انتهت تلك القصة.

صوره لغلاف كتاب زيجينوبريجنسكي (رقعة الشطرنج الكبرى)

ورغم معرفته الكاملة بما آلت إليه (عملية الإعصار
(.التي مولتها منظمة الاستخبارات المركزية ، إلا أن بريجنسكي  صرح في عام 1998  للمحاورين معه بما يلي:

((ما هو الأهم بالنسبة لتاريخ العالم؟ طالبان أم انهيار الإمبراطورية السوفييتية؟ أم بعض المسلمين الهائجين, أم تحرير أوروبا الوسطى ونهاية الحرب الباردة؟))

في ذلك الوقت، رفض المحاور السماح لهذه الإجابة بالمرور، ورد قائلاً:

"بعض المسلمين المتألمون؟ ولكن من المعروف أن الأصولية الإسلامية تمثل اليوم خطراً يهدد العالم أجمع".

وقد رفض بريجنسكي هذا التصريح بشكل قاطع، قائلاً: ((هراء((!!

هذا الحديث حدث في الماضي عندما سأل الصحفيون مسؤولين حكوميين أسئلة ملحة، وهو أمر نادر الحدوث في أيامنا هذه.

لقد أدى دعم بريجنسكي لهذه العناصر المتطرفة بشكل مباشر إلى  تشكيل  تنظيم القاعدة، والذي يعني حرفياً "القاعدة"، حيث كان بمثابة القاعدة التي انطلقت منها عمليات صد الغزو السوفييتي المتوقع. كما أدى إلى إنشاء  حركة طالبان ، الكيان القاتل الذي أصبح الآن في طريق مسدود في معركة لا نهاية لها مع قوات حلف شمال الأطلسي.

وعلاوة على ذلك، وعلى الرغم من تصريحات بريجنسكي، التي تحاول تصوير الهزيمة الدائمة للإمبراطورية الروسية، فإن الحقيقة هي أن الحرب الباردة لم تنته قط بالنسبة لبريجنسكي. ورغم أنه كان  منتقداً لغزو العراق في عام 2003 ، فإن قبضة بريجنسكي الخانقة على السياسة الخارجية الأميركية استمرت حتى وفاته.

وليس من قبيل المصادفة أن تبنت إدارة أوباما في سوريا استراتيجية شبيهة بتلك التي انتهجتها الإداره في أفغانستان في التعامل مع حليف روسي آخر ــ الأسد في سوريا. فقد جاء في برقية سربها موقع ويكيليكس في ديسمبر/كانون الأول 2006 ــ كتبها  ويليام روبوك ، القائم بالأعمال في السفارة الأميركية في دمشق في ذلك الوقت ــ  ما يلي :

((إننا نعتقد أن نقاط ضعف بشار تكمن في كيفية اختياره للرد على القضايا التي تلوح في الأفق، سواء كانت خياليه أو حقيقية، مثل الصراع بين خطوات الإصلاح الاقتصادي (مهما كانت محدودة) والقوى الفاسدة المتجذرة، والقضية الكردية، والتهديد  المحتمل للنظام من الوجود المتزايد للمتطرفين الإسلاميين العابرين للحدود السوريه)).  وتلخص هذه البرقية تقييمنا لهذه (نقاط الضعف) إذ تشير إلى أنه قد تكون هناك أفعال وتصريحات وإشارات يمكن للحكومة الأميركية أن ترسلها من شأنها أن تعمل على  تحسين احتمالات ظهور مثل هذه الفرص.)   تأكيد آخر مضاف)

وعلى غرار (عملية الإعصار)، كانت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في عهد باراك أوباما  تنفق نحو  مليار دولار سنويا على تدريب المتمردين السوريين (على  ممارسة تكتيكات إرهابية، على الرغم من ذلك).  وتتقاسم أغلبية هؤلاء المتمردين  ) أيديولوجية داعش الأساسية، ولديهم هدف صريح يتمثل في إقامة دولة الشريعة الإسلامية في العراق و سوريا.

وكما هو الحال في أفغانستان، اجتذبت الحرب السورية روسيا رسميا في عام 2015، وتم الحفاظ على إرث بريجنسكي من خلال  التحذير المباشر الذي وجهه أوباما  إلى الرئيس الروسي  فلاديمير بوتن  بأنه يقود روسيا إلى مستنقع آخر على غرار أفغانستان.

إذن من أين حصل أوباما على هذا؟ ربما من الكتاب الذي ألفه بريجنسكي، والذي من شأنه أن يجر سوريا إلى حرب مروعة استمرت ست سنوات، والتي جلبت مرة أخرى قوة نووية كبرى  في صراع مليء بجرائم الحرب  والجرائم  ضد الإنسانية ؟

الجواب: من بريجنسكي نفسه.  فاوفقاً لأوباما ، فإن (بريجنسكي كان بمثابة مرشد شخصي له، و"صديقاً متميزاً),  تعلم منه الكثير. وفي ضوء هذه المعرفة، فهل من المستغرب أن نشهد اندلاع العديد من الصراعات من العدم أثناء رئاسة أوباما؟

في السابع من فبراير/شباط 2014،   نشرت  هيئة الإذاعة البريطانية نص  محادثة هاتفية تم التنصت عليها بين مساعدة وزير الخارجية  فيكتوريا نولاند  والسفير الأميركي في أوكرانيا  جيفري بيات . وفي تلك المكالمة الهاتفية، كان ممثلا الإدارة الامريكيه يناقشان من هم الأشخاص الذين  يريدون تعيينهم في الحكومة الأوكرانية بعد الانقلاب الذي أطاح بالرئيس الموالي لروسيا  فيكتور يانوكوفيتش.

وهنا، نجد أن بريجنسكي نفسه  دعا إلى  الاستيلاء على أوكرانيا في كتابه الصادر عام 1998 بعنوان (  رقعة الشطرنج الكبرى  حيث صرح بأن أوكرانيا كانت ))مساحة جديدة ومهمة على رقعة الشطرنج الأوراسية... ومحور جيوسياسي لأن وجودها كدولة مستقلة يعني أن روسيا لم تعد إمبراطورية أوراسيه)).

 

حذر بريجنسكي من السماح لروسيا بالسيطرة على أوكرانيا وذلك لأن

)) روسيا تستعيد تلقائيًا القدرة على أن تصبح دولة إمبراطورية قوية، تمتد عبر أوروبا وآسيا.((

 

وبعد أوباما،  تولى دونالد ترامب  منصبه بعقلية مختلفة تماما، حيث كان على استعداد للعمل مع روسيا والحكومة  السورية  في مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية. ومن غير المستغرب أن بريجنسكي  لم يدعم  مساعي ترامب للرئاسة وكان يعتقد أن أفكار ترامب في السياسة الخارجية  تفتقر إلى التماسك .

ولكن في العام الماضي فقط  بدا أن بريجنسكي قد غير  موقفه من الشؤون العالمية وبدأ بدلاً من ذلك في الدعوة إلى ((إعادة تنظيم العالم)) ــ إعادة توزيع القوة العالمية ــ في ضوء حقيقة مفادها أن الولايات المتحدة لم تعد القوة الإمبريالية العالمية التي كانت عليها ذات يوم. ومع ذلك، بدا وكأنه لا يزال يشير إلى أنه في غياب الدور القيادي العالمي لأميركا، فإن النتيجة ستكون "فوضى عالمية"، لذا بدا من غير المرجح أن يكون تغييره في التصور متجذراً في أي تغيير حقيقي ذي مغزى على رقعة الشطرنج الجيوسياسية.

وعلاوة على ذلك فإن وجود وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في حد  ذاته يعتمد على فكرة التهديد الروسي، كما يتضح من  الهجوم الشامل الذي تشنه الوكالة على إدارة ترامب  كلما بدا أن الانفراج ممكن مع الاتحاد السوفييتي السابق.

لقد مات بريجنسكي بسلام على سرير المستشفى، على عكس الملايين من المدنيين النازحين والقتلى الذين كانوا مجرد بيادق في ألعاب الشطرنج الجيوسياسية الملتوية التي كان بريجنسكي يلعبها والتي كانت مليئة بالدماء والجنون. لقد ترك إرثاً يتمثل في الجهاد المسلح، وتشكيل تنظيم القاعدة، الذي قاد  الهجوم الأكثر تدميراً على الأراضي الأميركية من قِبَل كيان أجنبي في تاريخنا الحديث ، والازدراء الكامل لروسيا باعتبارها عدواً دائماً لا يمكن ـ ولا ينبغي ـ أن يتحقق السلام معه أبداً.

المقاله منشوره بالانجليزي (هنا)

الصورة المميزة: مانديل نجان / وكالة الصحافة الفرنسية / غيتي إيماجز

المصدر الأصلي لهذه المقالة هو  موقع  The Anti-Media ©  داريوس شحتهماسيبي ،  ذا أنتي ميديا

لتحميل او قراءة (رقعة الشطرنج الكبرى) لزيجينوبريجنسكي (هنا)