بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
|
روسيا والازمة السورية.. بين حسابات الربح والخسارة
|
شبكة البصرة
|
د. حسن طوالبه |
بات واضحا ان فلاديمير بوتن لديه طموح باعادة روسيا الى سابق عهدها القومي المؤثر في السياسه الدولية، وعلى ارض الواقع تمكن بوتن ان ينهض بروسيا على الصعيدين الداخلي والخارجي، فقد تحسن الاقتصاد الروسي بسبب ارتفاع اسعار النفط والغاز وكذلك نمو الصناعات العسكرية وخاصة الصناعات المخصصة للتصدير، اذ اصبحت الصناعات العسكرية الروسية تضاهي في جودتها الصناعات الغربية والامريكية بخاصة، وزاد الطلب عليها من قبل الدول النامية.
وعلى الصعيد الخارجي سعى بوتن الى استرجاع العلاقات السابقة للاتحاد السوفيتي المنحل مع دول العالم، وخاصة مع الدول الكبيرة التي تشكل ثقلا في العالم النامي (العالم الثالث) سابقا، مثل الهند والبرازيل وجنوب افريقيا والدول المحسوبة على اليسار في امريكا اللاتينية، كما سعى الى تعزيز العلاقة مع العملاق الصيني، وشكل مع الصين ثنائيا مؤثرا في منظمة شنغهاي التي تجمع الى جانب هاتين الدولتين العظميين دول اسيا الوسطى اضافة الى ايران. والهدف الروسي هو العمل على اقامة نظام دولي متعدد الاقطاب، يخلف التفرد الامريكي منذ انهيار الاتحاد السوفيتي عام ـ 1991 1989. ومواجهة حلف الاطلسي الذي من المفترض ان ينتهي دوره بحل حلف وارشو، بل تطور دوره فدخلت دول جديدة فيه، ولاسيما دول اوروبا الشرقية التي كانت في السابق تابعة للاتحاد السوفيتي. وقد شعرت روسيا بالخوف من هذا التمدد لحلف الاطلسي الذي وصل الى حدودها وبالذات دول بحر البلطيق الثلاثة. ولذلك تعمل روسيا على ان تكون احد حماة الامن الاوروبي، وليس حكرا على الدول الاوروبية والولايات المتحدة.
وعلى الصعيد الخارجي نفسه وقفت روسيا بحزم الى جانب كل من ايران وسوريه في ازمتيهما النووية للاولى والداخلية للثانية. فروسيا تزود ايران بالسلاح وبالذات الدفاعات الجوية اضافة الى التبادل التجاري المتنامي، كما تزود ررسيا ايران بمفاعل نووي للاغراض السلمية حسب المعلن في وسائل الاعلام، ولذلك تقف ضد محاولات الغرب وقف النشاط النووي الايراني للاغراض الحربية، اي توجهات نظام الملالي في ايران الى انتاج اليورانيم المنضب الكافي لانتاج قنابل نووية، وقد عرضت روسيا على ايران والمجموعة الدولية (5+1) تخصيب اليورانيم في روسيا او نقل اليورانيوم من ايران الى روسيا لتطمين الغرب على سلامة توجه المشروع النووي الايراني، وهذا الموقف منح نظام الملالي فرصة المناورة والمماطلة في المحادثات مع الفريق الدولي (5+1).
اما موقف روسيا من الازمة السورية فانه محكوم بدافعين. الاول : ردة فعل على ما حصل في ليبيا، اذ خرجت روسيا " من المولد بلا حمص " ـ كما يقال في الامثال ـ، لانها اعتبرت تنفيذ الغرب لقرار مجلس الامن الدولي فيه دوافع واغراض سيئة بعيدة عن مضمون القرار الذي اجاز تدخل حلف الاطلسي لاغراض انسانية، اي حماية المدنيين الليبين، في حين تحول التدخل الغربي الى هجمات عسكرية ضد قوات القذافي تمهيدا لاسقاطه. وبعد الاطاحة بالقذافي تنافست شركات النفط الغربية على اقتسام الغنيمة ولم تنل موسكو اي شيئ من هذه الغنائم. كما ان الغرب كسب مواقع استراتيجية عسكرية في البحر المتوسط على الشواطئ الليبية.
اما الدافع الثاني : فهو ان لروسيا قاعدة عسكرية في ميناء طرطوس السوري، الامر الذي يمنحها مساحة للمناورة في مياه البحر المتوسط، وقاعدة اسناد للاسطول الروسي في المحيط الهندي ، وهذه فرصة لروسيا ان تكون حاضرة في الازمات التي تعصف بمنطقة الشرق الاوسط. ونقطة ارتكاز للبحرية الروسية في البحر المتوسط قبالة الاسطول السادس الامريكي.
علينا ان نعرف ان روسيا تفتش عن مصالحها الذاتية والكونية، وان تكون شريكة في رسم السياسة الدولية ولاسيما بعد الانكسارات العسكرية الامريكية في العراق وافغانستان، اضف الى ذلك الازمات الاقتصادية المتتالية التي انهكت الميزان التجاري الامريكي، وسببت في مزيد من العجز في الميزانية السنوية وتزايد الديون على الخزينة الامريكية، ومن الواضح ان بوتن احسن من يتصيد الفرص ويقتنصها في الوقت المناسب.
واذا اقتضت مصالح روسيا التخلي عن اي نظام في العالم النامي كما تخلت عن حليفها (صربيا) وحليفها العراق، فانها سوف تحذو حذو الغرب الذي يغلب مصالحه على مصالح الدول، ولنا في سياسة الولايات المتحدة ازاء حلفائها خير دليل على انتهازيتها والمعايير المزدوجة التي تتبعها في القضايا الدولية، فقد تخلت الولايات المتحدة عن حلفائها المقربين امثال : نوريغا وشاه ايران وماركوس الفلبين وحسني مبارك مصر وزين العابدين تونس وعلي عبدالله صالح اليمن. فهل تتخلى عن بشار الاسد في سوريه؟.
وقرأة للسجل الروسي القديم والمتوسط يؤشر ذات النهج الانتهازي والمصلحي، فقد سبق لروسيا السوفيتية ان تخلت عن العراق ومن قبل عن صربيا، في اكثر من موقف اثناء الحرب بينه وبين ايران، وبينه وبين الولايات المتحدة والغرب بعامة، وقد تنصلت من العهود والاتفاقيات المبرمة بين الطرفين، في حين ان النظام الوطني ظل وفيا للصداقة التي تربطه مع روسيا السوفيتية وروسيا الغورباتشفية، ورغم حاجة العراق للسلاح وقطع الغيار عام 1982، فانه رفض اعطاء الولايات المتحدة نماذج من دبابات ت:72 وطائرات سوخوي او ميغ 29 مقابل تسهيل مهمة تزويده بما يحتاجه من الاسلحة وقطع الغيار، واستعاض عن ذاك العرض بشراء السلاح وقطع الغيار من مصر في عهد السادات بوساطة السلطان قابوس.
حتى هذه اللحظة ما زالت موسكو لم تعلن رسميا عن تخليها عن الاسد، ولكن في الجلسات الخاصة او السرية فانها ـ وعلى ذمة المصادر غير الرسمية ـ تقول انها غير متمسكة ببقاء الاسد، اذا كانت تلك هي رغبة الشعب السوري. وان القرار في هذا الشان هو للشعب السوري. ومن الحجج التي تسوقها الدبلوماسية الروسية خوفها من تسلم الاسلاميين السلطة في سوريه، وهو الخوف نفسه الذي كانت الادارة الامريكية تبديه اثناء الانتفاضات العربية، ولكن هذا الخوف سرعان ما تبدد، وبتنا نسمع مصطلح " الاسلام الامريكي "، وها هو الرئيس الامريكي اوباما يوجه دعوة رسمية الى الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي لزيارة واشنطن.
ان خوف روسيا من تسلم الاسلاميين السلطة في سوريه قائم اذا استمر الوضع على ما هو عليه الان، اي استمرار الحرب كما سماها الاسد في اول لقاء له مع الحكومة الجديدة التي قيل انها حكومة وحدة وطنية، فالحرب الدائرة الان في سوريه هي حرب ضد الشعب السوري، وكلما استمرت هذه الحرب وزادت رقعتها الجغرافية كلما توسعت فرص التدخل الخارجي سواء العربي الخليجي او الدولي، وصار وضع النظام مقلقا وقابلا للتفكك والانهيار.
بعد مرور 15 شهرا على انتفاضة الشعب السوري، وسقوط عشرات الالاف بين قتيل وجريح صارت فرص اللقاء بين النظام والمعارضة ضعيفة جدا ان لم نقل معدومة حسب المواقف المعلنة من الطرفين الحكومي والمعارضة، ولاسيما بعد تنامي قوة الجيش السوري الحر عددا وعدة، وبعد الاخبار التي تقول انه تسلم اسلحة غربية جديدة متطورة مضادة للدروع ومضادة للطائرات السمتية، وتسلم النظام اسلحة متقدمة من روسيا، لان الثقة بين الطرفين تلاشت تماما، واذا ما استمرت الحرب بين النظام والمعارضة بكل اطيافها المختلفة او المتفقة، فانها ستقود سوريه الى الدمار، وسواء انتصر النظام او انتصرت المعارضة فان الطرفين سيستلمان بلدا مدمرا مشتتا، يكون بيئة صالحة لاستمرار الحرب الاهلية والطائفية، كما حصل في العراق. وفي كلا الحالتين ستكون روسيا خاسرة ايضا، لانها ستتعامل مع بلد ضعيف غير قادر على التعامل التجاري المربح، واذا كان التبادل التجاري بين سوريه وروسيا يقدر بمليارين او اكثر او اقل، فان التبادل التجاري بين روسيا والولايات المتحدة اضعاف اضعاف هذا الرقم، فهل تفرط روسيا بهذه العلاقة الدائمة مقابل علاقة مع بلد سائر نحو الدمار؟.
اما محاولات الامم المتحدة وروسيا اشراك ايران في عملية حل الازمة السورية فلها اهداف تخدم الاطراف الدولية ايضا، فموافقة الادارة الامريكية على زيارة كوفي عنان الى طهران لاشراكها في ايجاد حل للازمة السورية انما هو ترضية لنظام الملالي واغراءه اخذ دور مهم في الشرق الاوسط الى جانب تركيا والكيان الصهيوني، مقابل تخليها عن تخصيب اليورانيوم القابل لصناعة الاسلحة النووية. اما روسيا فانها ايضا تريد ضمان مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية في المنطقة، ويظل لها دور فاعل في احداث المنطقة.
روسيا معنية بايجاد حل للازمة السورية لكي تبقي على مصالحها في المنطقة ولا تخرج من المولد بلا حمص كما حصل في ليبيا، وقد اثار هرب العميد مناف طلاس الى تركيا ثم الى باريس ضجة غير التي صاحبت انشقاق ضباط اخرين والتحقوا بالجيش الحر، فماذا يعني ذلك؟، العميدمناف طلاس هو ابن وزير الدفاع السابق العماد اول مصطفى طلاس (1972ـ2004) الذي يعيش حاليا في باريس ايضا، وقد كان لابنته ناهد عجه ارملة الملياردير السعودي اكرم عجه، وصديقة الرئيس بشار الاسد وزوجته وكثيرا ما احنفت بهما في باريس هي التي سهلت عملية خروج والدها مصطفى وشقيقها فراس الى باريس من قبل، وتتحدث وسائل الاعلام عن نية روسية لترشيح مناف طلاس الابن لرئاسة سوريه بدلا من بشار كحل سلمي للازمة السورية، فهل سيكون طلاس الابن حليف روسيا المستقبلي؟، وهل ستقبل به المعارضة رغم انه يمثل الطائفة السنية، ومن مدينة حمص التي صارت قلعة المقاومة لنظام بشار الاسد؟.
كل الاطراف " تغني على ليلاها " وتعمل من اجل ضمان مصالحها، امريكا تريد امن الكيان الصهيوني، وتدفق النفط الى الغرب بدون عراقيل، والولايات المتحدة تخلت عن تواجدها في العراق لصالح ايران من اجل الهدف الانف ذكره. اما روسيا فانها ايضا تريد ضمان مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية في المنطقة الملتهبة القابلة للاشتعال، ومن هذه المنطقة سوف ستصوغ الدول الكبرى ديباجة النظام الدولي الجديد المتعدد الاقطاب، واذا كفلت الولايات المتحدة هذا الدور لروسيا، فهل تتمسك روسيا بالاسد ونظامه؟.
اما سوريه النظام والشعب فهما الخاسران بالنتيجة، والعناد الذي يصر عليه النظام ويغذيه الغرور والعنت، فلن يقود البلاد الا الى الدمار، والقوة العسكرية والمناورات بالاسلحة الثقيلة لن تقدم اية فائدة اذا فقد الحاكم ثقة الشعب به كله او قطاعات واسعة منه، وما فائدة بقاء النظام في بلد مدمر، فاقد للشرعية الدولية، مكروه من قطاعات كبيرة من الشعب فقدت اعز ما تملك من الابناء وكلمت في شرف بناتها. وما فائد انتصار المعارضة على اشلاء بلد مدمر ومسرحا للعبة الامم؟.
اذا كانت روسيا عازمة على اخذ دور دولي قائد في النظام الجديد، فعليها ان لا تقف ضد ارادة الشعوب، لان وضع روسيا الداخلي ليس احسن حالا من البلدان العربية، فكل القوميات في روسيا لم تنل حقوقها في الحرية والحكم الذاتي الحقيقي، وعليها ان تتعلم الدرس الذي مارسته روسيا من قبل لقمع القوميات، بان الحل الامني لن يقود الى السلام والامان والتقدم والنهضة، ومن هذا المنطلق عليها ان تتصرف في الازمة السوريه. والا ستفقد هيبتها في العالم.
والامر يخص الانظمة العربية التي تنفذ اجندات خارجية، فلا بد ان تكون هذه الانظمة داعية سلام، لا داعية حرب، فضعف سوريا والعراق ومصر هو ضعف للامة العربية، ومنح الغرب والصهاينة ونظام الملالي فرصة التدخل في الاوضاع العربية لاقتطاع اجزاء اخرى من الارض العربية، تضاف الى ارض فلسطين ولواء الاسكندرون والاحواز والجزر العربية الثلاث. واذا كان بعض الحكام لايخافون على اشقائهم، عليهم ان يخافوا على عروشهم، فالزحف قادم على الجميع، ولايجوز الاعتماد على الاجنبي ابدا، وسوف يتخلون عنكم كما تخلوا عن زملائكم الزعماء الاخرين.
|
شبكة البصرة
|
الخميس 22 شعبان 1433 / 12 تموز 2012
|
قال سبحانه وتعالى
قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم
الجمعة، 13 يوليو 2012
د. حسن طوالبه : روسيا والازمة السورية.. بين حسابات الربح والخسارة
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق