مقدمة
إن التغيرات العميقة التي تشهدها البشرية في مجال الاتصالات وتقنياتها المذهلة وباستخداماتها، فرضت حقائق على الأرض بين المؤثر والمتأثر، بين المرسل والمتلقي واتسعت دائرة التواصل الاجتماعي السياسي إيجابيا أو سلبيا في إحداث متغيرات في دول ومنظومات أحزاب واتجاهات وتحالفات على أساس المصالح والمستهدف عدوا كان أم صديقا، وفي كيفية تفاعل الأفكار والآراء والخطط وبدرجات قياسية في اختزال وإدارة الوقت. كأدوات قوية للنمو الاقتصادي والاجتماعي وبالمقابل خلقت ظروف اقتصادية واجتماعية وظفت لصالح القوى الأقوى محققة موازنات قلقه في البني الإستراتيجية الأمنية والعسكرية لدول وشعوب أخرى في المقدمة منها الأقطار العربية مستخدمة اطر وقنوات الإعلام الاجتماعي المبرمج والمتدرج مع اختصاصات الإعلام الأخرى والانثروبولوجيا باتجاه تعبئة الناس نحو ما تهدف إليه مصالحها التي في اغلبها غير مشروعه ومنها الممهدة للاحتلال المباشر وغير المباشر والتدخل عن بعد والاستحواذ والهيمنة بما يعطيها نتائج في الاستجابة وحرية التجاوب مع هذه المؤثرات (كحواضن) والمتأثرات (كأهداف) متجاوزة القانون الدولي والإنساني،لاسيما عندما تغيب التنمية وحقوق الإنسان في تلك الأوساط والبلدان المستهدفة بالعدوان والاحتلال. وكان لشبكات الانترنيت والبث الفضائي الإعلاني. الدعائي. التحريضي الاجتماعي النفسي. دور في إدارة الأذهان والتأثير، وتغطية المخططات في إعادة ورسم وتغيير الخطط وفق مشيئة ونوايا الأقوى الممتلك للقوة في العالم ومن خلال هذا المنفذ الفاعل المتمثل بالإعلام الاجتماعي وهذا الاستخدام الذي اجتمعت فيه وسائل الاتصال والبنى التحتية والتغيرات الديمغرافية يعد سابقة خطيرة. و الالتقاء يعد أيضا سابقة تاريخية مؤدية إلى تغييرات عميقة، الخاسر فيها هو من يتخلف عن التنمية والعلم في بناء المجتمع وعيشه الذي هو في مؤداه أمنه القومي. فإذا كان هذا الاستخدام أصبح حقائق بل واقعا في إدارة الصراع بين دول وأنظمة وجيوش وحركات سياسية بين متضارب ومتفق وجميها تراهن على كسب الشارع.... فما هو السبيل العملي في استخدام هذه الاتصالات والتقنيات في التواصل مع المجتمع لتعبئة الجماهير لحزب أو حركة تتبنى النضال والكفاح والمناهضة والثورة لطرد الاحتلال وعملاؤه للحصول على الحرية والاستقلال كالبعث نموذجا.
حقائق:
ان استخدام الإعلام الاجتماعي وبالتقنيات العالية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ومن يتحالف معها، جعلت عدد من السلطات في بعض الدول ومنها الأقطار العربية أشبه بالتابع الذي ترغب بتغيره بعد ان تضعفه وتجعل نقاط وهنه واقعيه تدريجيا بما تجعله يتراجع إلى حد ما من نطاق الأمة والمؤسسات الكبيرة إلى نطاق المؤسسات الصغيرة والأفراد وكان الحال واضحا في تونس. ليبيا. ومصر.اليمن وبمستويات معينه وبأساليب مختلفة. وهنا لابد من فهم هذه المتغيرات على مستوى السياسة الخارجية.ومزيج التغيرات الكبيرة على الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية حول العالم.وقوة هذه التغيرات على حركات المعارضة في الأقطار العربية.علما إن التكنولوجيا ليست هي سبب ما يحصل لكنها تلعب دورا مهما في التأثير. أو بتعبير آخر، أن أيا من الأحداث التي تشهدها الأقطار العربية ناتج عن أسباب مختلفة منها داخلي وآخر صناعة خارجية رسمت استراتيجياتها لتدمير الوطن من ذاته من خلال الإعلام الاجتماعي وما يغذيه وبواسطة وبوسائل الاتصالات والتكنولوجيا المتطورة...مما أدى ذلك على تشجيع وظهور الحركات الاعتراضية للأنظمة وإظهار معاناة الناس من البطالة والعيش والتعليم والصحة والسكن والحرية وعوامل ومعاناة أخرى،مما سهل للحركات السياسية المناهضة والمعارضة وفي اغلبها ليس الأفضل والبديل أن توظف حركة الشارع المعارض ضد الدولة أو ضد النظام أو ضد النهج في جانب مطلبي سرعان ما تحول إلى جانب مسلح ودماء ودمار للبلد بتوجيه وأوامر لخدمة الاستراتيجيات التي يعتمدها حلف الناتو تحت مسمى الربيع العربي الذي في نتائجه وصول الإسلام السياسي الموظف عمالة لحلف الناتو الاستعماري.
أظهرت قوة هذه الشبكات ووسائل الاتصال المتطورة وشبكات المعلومات اللا مركزية في تسهيل المعلومات بحرية والسماح للحركات المعارضة بالاستخدام الأمثل وبكثافات عالية وفتحت نوافذ على العالم الخارجي، وقد برهن التاريخ المعاصر إن تكنولوجيا الاتصالات المتطورة ومنها تكنولوجيا الشبكة التي تشكل الجهاز العصبي للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية تقاوم السيطرة المركزية وتعزز التحركات والأفكار غير المركزية.
تعزز دور الإعلام الاجتماعي من خلال التنظيم الذي يغذي البث الإعلامي في جميع اختصاصاته الأخرى وهي عديدة ومتنوعة في تغطية أخبار (التغيير) في المنطقة المقصودة أو المعنية من هذا العالم الواسع على سبيل المثال المنطقة العربية (منطقة الشرق الأوسط) أو الذي حصل في تجمع الناس في ساحة التحرير في مصر ورفعوا لافتات حملت أسماء وشعارات على موقع توتير.. قامت الفضائيات العربية والأجنبية العميلة والصديقة بالتقاط هذه الصور وبثها على العالم كله للفت النظر إلى ما يجري في هذه البلد أو المنطقة من العالم. وقد سرعت وسهلت وفعلت هذه الاتصالات ألحديثه من خلال شبكات الانترنيت والفضائيات والتليفون النقال أو الجوال التغيير السياسي من خلال جمع الأشخاص أصحاب التفكير المماثل في شبكة واحدة محققة التنسيق المباشر للحركات وللتحركات بحيث بات ما كان يتطلب سنوات يتم في أسابيع وأشهر قليله. وكان الحال لما يحدث مذهل، وطبيعي ان هناك من وضع مقدماته على أسس الخطط ذات القراءات الإستراتيجية وتنفيذها بما يشبه العمليات والحركات العسكرية التي تمثلت فيها القيادة والسيطرة على جيوش شعبية تزحف في الشوارع وتعتصم في الساحات للتواصل بين المتحالفين نحو الهدف مع إلغاء عامل البعد الجغرافي وتعاملت بإدارة الوقت(بالثواني) اوامرا وتعليمات وتنسيق واستجابات ومواقف ومعلومات وخطابات وتعبئة للوصول إلى الأهداف.
وقد حقق وعزز ووثق الإعلام الاجتماعي روابط كان ضعيفة القواسم بين ممن توجد بينهم قواسم نحو هدف يوحدهم مع اختلافاتهم الفكرية والعقائدية والاهتمامات والخلفيات المتنوعة في الحركات الاحتجاجية كما على شبكة الانترنيت حيث تظهر هذه الخلافات بعد تحقيق الهدف الذي اتفقوا عليه،و هو متوقع ومألوف وعلى مر محطات التاريخ يتمثل بمرحلة ما بعد التغيير أو ما بعد الثورة أو ما بعد الاحتلال وخلال التحرير بسبب تضارب المصالح ومستويات الالتزام بين الوطنية الحقة وبين المصالح الذاتية والتحيزية وبين الوطنية الحقة وشدة الامتدادات الخارجية في سيادة القرار الداخلي أو الوطني ونقيضه، والفرق بينهما يعد موقف أخلاقي كبير في فك الازدواج ووضوح الافتراق بين الوطني والعميل.
ومن هنا ممكن أن يكون استخدام الإعلام الاجتماعي أداة قوية للالتزام بشكل مباشر مع الشعب في موجه محلية من قبل الحزب الوطني القومي المعاصر الثائر المنتفض الذي يتبنى مقاومة الاحتلال وعملاؤه كحالة العراق والبعث نموذجا،لاسيما وان الحزب هو ظاهرة اجتماعية يهدف وطنيا وقوميا وإنسانيا في نضاله وتجسيد شعاره الذي يتطلع إليه الشعب نحو أهدافه وتطلعاته في الحرية والبناء في إطار السيادة،وكذلك في الجانب الرسمي من خلال التفاعلات المستوعبة استيعابا ايجابيا لما يحدث عندما يكون سبق في الوعي والمعالجات قبل فوات الاوان، مثال على ذلك الجزائر. وبات بإمكان الشعوب التعليق على حدث جديد واحد من خلال هذه التكنولوجيا والإعلام الاجتماعي. وتبادل الحلول للمشاكل المشتركة، مع الاهتمام بالأفكار وتطوريها واستثمارها في الرياده الاجتماعية والاقتصادية بالإضافة إلى الثقافات الأخرى في البناء الاستراتيجي التنموي لخدمة الوطن قبل أن تفرض حقائق على الأرض يستغلها العدو القوي لتحريك الشارع تحت شعارات الحرية والديمقراطية الزائفة ومن ثم استثمار قوة وحركة الشارع الذي انساق بسبب نصف الوعي أو باللاوعي لمخاطر قيادة حركة الشارع امبرياليا من خلال الأرضيات التي استخدمها الإسلام السياسي الهادم للعروبة والإسلام معا.وهنا تقع المسؤولية على عاتق النظام السياسي الذي يحكم الوطن. ومن الناحية الواقعية أن ما تعانيه الأقطار العربية هو مزيج من الأزمات بعضها قد خلقته التدخلات الأجنبية أي بفعل عامل خارجي في العديد من المنافذ منها الاحتلال السافر كما حصل في العراق ومنها غير المباشر كما حصل في ليبيا، وبعضها بسبب تراكمات داخلية أسبابها عدم مواكبة التنمية واستيعاب روح العصر في العيش والحريات والتقدم والازدهار في شؤون الحياة المختلفة التي ينتظر الشعب معالجتها منذ زمن بعيد ولأجيال مضحية ومدافعة عن الوطن كواجب وطني.
لايخلو أي بلد أو أي مجتمع أو أي شعب من عوامل الانقسام مثلما تكمن فيه عناصر الوحدة والوئام، لاسيما وان الحياة هي هكذا تعيش فيها الجماعات البشرية منذ أن تشكلت العائلة والقبيلة والمجتمعات والى ما نحن فيه وعليه ألان في البلدان والأوطان والعالم، فعندما تكون الاتجاهات والثقافات والسياسات في قيادة البشر مؤمنة في التغيير والتطوير والتحرير كسنة من سنن الحياة بتوظيف واستخدام الموارد البشرية والمادية في البناء والعمران البشري والعمران المادي في إطار القانون والعدالة واحترام إنسانية الإنسان وتحقيق طموحات الأجيال في تعاقبها عبر مراحل هذه الحياة تكون قد جعلت من عملها عيشا واستقرارا وأمنا لبلدانها وشعوبها،ولكن العكس هو السائد يتمثل في إن المشكلة ليست في الانقسامات والتفرد والاستحواذ بل تكمن في اتجاه الانقسامات السياسية والاجتماعية إلى سبل أخرى مختلفة تحول الصراع السليم في المجتمع إلى معاضل مشاكل وأزمات عيش وقهر ودماء وموت كما يحدث الآن في الصراعات الطائفية والعنصرية والقبلية في العراق وفي أقطار عربية أخرى، وكذلك ما حدث في بعض دول العالم الأجنبي في إفريقيا وأوربا وايرلندا وحرب الصرب في يوغسلافيا بالرغم من التحولات في الأنظمة السياسية والاجتماعية خلال القرن العشرين فان هذه المكامن ستبقى قائمة في المجتمعات مهما حصلت التطورات الاجتماعية والثقافية والعلمية والحضارية ولكن هذا التعدد الطبيعي حياتيا وتاريخيا وواقعيا يزدهر في الوحدة والوئام في إطار الوطن عندما يكون خيار هؤلاء البشر في هذا الوطن خيارا إنسانيا في كيفية التعامل الايجابي الفعال تعدديا وديمقراطيا في إطار احترام الثقافة وتطبيق العدالة والاستمرار بالتنمية وعندما يحصل العكس فان الصراع السلبي بهدف الموت والدمار يستمر في استغلال العدو والدول الطامعة في الإثارة السلبية نحو أهداف خطيرة يتبناها الاستعمار الجديد لفرض هيمنته على السياسة والاقتصاد والأمن في ذلك البلد الذي استهدفه.
الشعب له حقوق وعليه واجبات ومهمات في العمل والبناء وفرص الحياة وفي الدفاع عن الوطن وأمنه القومي، ومن حقه وكما تعيشه الشعوب المتقدمة أن يحيا حياته في العيش والحرية والأمن، ومن حقه أن يطالب بتحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية،وعندما يطالب بهذا الاتجاه فهو يكون قد امتلك قوة هائلة في التغيير والثورة نحو مستقبله الأفضل، ومن واجب من يقود ومن يحكم وينظر ويرسم استراتيجيات ومهما كانت طبيعة الحكم أن يعي أن الشعب له الشرعية القانونية والدستورية والإنسانية التي يطالب بها وبكافة تعددياته واثنياته وشرائحه الاجتماعية تحت رعاية القانون والعدالة. وان الإخلال بهذه الحقوق يعني ظهور الاصطراع السلبي الطبقي والاثني والعنصري والطائفي وظهور المعارك الجانبية التي سرعان ما تصل إلى سفك الدماء وتدمير البناء ويكون العدو الخارجي قد دخل سافرا أو ضامر أو غير مباشر وهذا ما يحدث الآن في أقطار العروبة من قبل دول العدوان وتوظيف عملاء من أنظمة وأشخاص وجهات في المال والأفكار والموت والدمار. إما إذا انتفض الشعب تحت مطالب موحدة مطالب العدالة السياسية والاجتماعية بعيدة عن الطائفية والمنطلقات الاثنية الأخرى فإنها بكل تأكيد تكون مع الوجود الفاعل لقيادتها النزيهة أو طليعتها الملتزمة وطنيا تكون قد أحرزت ثورتها دون تدخل أجنبي، وخلاصة هذا القول في هذا المجال إن الموازنة الوطنية مرهونة بين النظام القائم والشعب في الالتزام على صعيد الواجبات والحقوق وفهم تركيبة المجتمع التي هي بالأساس تركيبة اجتماعية طبيعة تاريخيا وواقعيا وهذا أساس مهم في بناء المجتمعات وتجنب الأخطار.
العلاقة بين النضال والإعلام الاجتماعي
تشكل منظومة القيم الاجتماعية في مفهوم وطبيعة حزب البعث العربي الاشتراكي التزاما راقيا كونها تنطلق من فكره ونضاله الاجتماعي السياسي كحزب وطني قومي تقدمي معاصر إنساني موحد، يتجسد ذلك عمليا لرفاقه في أوساطه الاجتماعية والشعبية وهو يسمو فوق الطائفية والعنصرية والترسبات السلبية التي من المفترض إنها تخلفت إلى الوراء بفعل عوامل الثقافة والتقدم، له مكانته وسمعته مهما علت صيحات الأعداء ضده ومهما استخدمت عمليات الاجتثاث ضده،له تجاربه في قيادة النضال السري والايجابي، وله تجاربه في قيادة دوله محققا انجازات في التنمية والنضال وامتلاك القوة والدفاع عن الوطن والأمة العربية، يستخلص من تجاربه الدروس والعبر بكل شجاعة، وممارسة النقد البناء في التخطي الايجابي نحو الصحيح، فهو ملتزم بما نظر وفكر وخطط مع استيعاب المعطيات الجديدة والمتغيرات والمستجدات وبرؤية المستقبل، محذرا من الزوايا الميتة التي لا تخدم المرونة عندما تكون ضرورة مناسبة، يناضل تكامليا في جميع نواحي الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية والإعلامية والعلاقات الداخلية والخارجية في الإطار القانوني للمقاومة الوطنية العراقية الباسلة في مواجهة الاحتلال وإفرازاته. وتجسيد دوره المجتمعي الذي يتطلب منه أن يجسد التزامه في دستوره ونظريته في الموقف البناء الملتزم باتجاه القضايا الوطنية والقومية، لاسيما أن ما يحدث في الوطن العربي هو بسبب تداعيات احتلال العراق وسقوط الأمن العربي القومي مما هيئ للآخرين من أعداء تقليدين وجدد فرص الاندفاع في البطن العربي بمعاونة الأنظمة الفاسدة في شبه الجزيرة العربية العاملة والفاعلة تنفيذيا في الإستراتيجية الأمريكية وحلف الناتو في الاحتلالات المباشرة وغير المباشرة لأقطار العروبة بعد أن وظفت عمالة الإسلام السياسي في جميع حركاتها واتجاهاتها لمحاولة فصم العروة الوثقى بين العروبة والإسلام وللقضاء على العروبة والإسلام الحنيف معا. مما يتوجب الأمر على العرب جميعا وعلى الأحزاب الوطنية والقومية وعي هذه المخاطر من جانب ووعي الدور والالتزام بالفكر الوطني القومي من جانب أخر والاضطلاع بالمواقف والأدوار الفاعلة الصحيحة وفي المقدمة منها توسيع دائرة النضال الاجتماعي والسياسي والمقاومة ضد الاحتلال الأمريكي الذي احتل العراق بمعاونة الأنظمة العميلة في شبه الجزيرة العربية وهذه حقيقة لاينكرها إلا الدخيل عل النضال وفكر البعث واخلاقة وهو في نقطة تحول سلبي وافتراق عن الأفكار والمبادئ، ولربما هو جهل في السياسية والتكتيك. وفي كلتا الحالتين لابد من معالجة.
من هذا المنطلق يتجسد المبدأ :نحن نرفض ونقاوم الاحتلالات المباشرة وغيرها، نرفض ونقاوم الاتجاهات المرسومة في خطط واستراتيجيات الأعداء، المحتل، والأنظمة في بعض الأقطار العربية التي ساندته وحرضته على احتلال العراق، وما يجري حاليا من ادوار مكمله لاحتلال العراق في الأقطار العربية،كي نحافظ على التماسك مع من تبقى وطنيا وقوميا وبما يلزمنا الموقف الوطني والقومي لأفكارنا ولمواقفنا لتطويرها كي لا نتخلف عن المرحلة، وكما هي الحقيقة التي يغيب بها الحزب في أكثر الساحات العربية على صعيد الشعارات ومن يرفعها ويجسدها. بوقت غطت الساحات شعارات حركات الإسلام السياسي الموظف عمالة مع انسياق العواطف والتعمد معا لخدمة العدوان والاحتلال والاستعمار الجديد ووصول أعضائها إلى كراسي البرلمانات ليثبت صوتا ويغير دستورا ويتبنى التشريعات والقرارات دون ان يصل بعثي واحد إلى هذه البرلمانات ليمثل صوتا للشعب وهذا الحال يستحق الوقفة والنقد والدرس والانتفاض على الأخطاء والكسل والرهونية وفي مواجهة من يتحملها بدءا من القيادات ومن خلال المؤتمرات التي يعد انعقادها ضرورة مهمة ولان الواقع كشف امرأ يتطلب منا أن نتطور في الاتجاهات الكفيلة بالنهوض والمعارضة والثورة انطلاقا من فكر وثقافة وحقيقة حزب البعث العربي الاشتراكي وجماهيره ومواقفه الوطنية القومية التقدمية الاجتماعية والإنسانية الموحدة والمعاصرة ومعالجة الأمور بالعروبة وبالقومية التقدمية لأنها هي الطريق الموحد نحو الهدف في الوحدة والمنعة والقوة وتوسيع العمل الجبهوي وطنيا وقوميا والوقوف مع الدول التي تحاول ان تضعف سياسية القطب الواحد المتغطرس من خلال النضال الإنساني بعد ان فرزت الخنادق. والاستمرار على فضح التأمر والخيانة والامتداد للأجنبي الذي تنفذه الأنظمة الفاسدة في شبه الجزيرة العربية. وهذه هي الأخلاق الثورية في التزامات وعهد الرفاق بحزبهم.
وهذه المواقف أولا كونها مواقف أصيله وكما يفترض في حزب البعث العربي الاشتراكي، ولأن حزبنا استهدفه المحتل وعملاؤه واحتل العراق، والمحتل هو الولايات المتحدة الأمريكية ومن تحالف معها بما فيهم الأنظمة في شبه الجزيرة العربية، يناضل ويقاوم حتى تخرج دولة الاحتلال ومن تحالف معها من العراق وتلتزم بما يترتب عليها في القانون الدولي الإنساني وقوانين واتفاقيات جنيف بشأن ما يترتب على الدولة المحتلة وبعيدا وبلا تنازل وبلا خلل في مواقفنا الفكرية والاجتماعية كحزب وطني قومي تقدمي يمثل الشعب، لذلك فان الحزب عندما يقف في الدائرة التي تتسع عربيا ودوليا في مناهضة ومقاومة الغطرسة الامريكيه. والوقوف بجانب الأقطار العربية في مواجهة حلف الناتو وعملاؤه الذي يستهدف ارض وشعب وثروة العرب فهو التزاما أخلاقيا ومبدئيا واستراتيجيا وكموقف سياسي يقف خلفه الفكر وهنالك فرق كبير بين تبديل انظمه من قبل الشعب وبين موجة يقودها حلف الناتو والرجعية العربية، والفرق كبير بين تغيير أشخاص وأنظمة وحكومات وبناء دستور جديد وفق لصك الانتداب مصنف. وبين هدف المستعمر ومن يتحالف معه من الرجعية العربية في إيجاد وبث وتكريس الفرقة في هذا القطر أو ذاك لاسيما وأهداف الاحتلال نحو التقسيم دائما،هذه الأحوال والوقائع جميعها تقع في مواجهة البعث لاعداءه وفقا لمفاهيمه الاجتماعية والمبدئية والتنظيمية والسياسية،وان البعث يحيا الآن في إطار المقاومة والمناهضة والانتفاضة والثورة والتحرير فهو في حالة طبيعة ان يعيش وسط الناس من خلال التثقيف والتحريض على الثورة بمؤثرات الإعلام الاجتماعي بعد ان اعد نفسه ورفاقه وأصدقاءه.
ومن جانب مهم ان البعث واع للفرق الكبير والواسع بين الدين وبين اجتهادات التطويع والتطبيع مع أنظمة دول العدوان من خلال دعاة الأحزاب الموصوفة بالإسلام السياسي والفرق كبير بين الولاء للوطن والأمة وبين السير تحت لواء الأجنبي سمعا وطاعة وتنفيذا في مفهوم التبعية وكما يحدث الآن، والأمثلة أصبحت علنية بعيدا عن التراشق السياسي أو أي اتهام بل الإثبات هو القائم،وبمجرد التماس المتعاون مع هذه الأقطاب ألعميله فان الفرقة بين أبناء الشعب تأخذ مخاطرها إلى كسر العظام بعد نخرها. إضافة لما يحصل على صعيد الحزب من تداعيات بسبب الأخطاء المبدئية والتكتيكية والاستراتيجيه، لذلك فان مناضلوا الحزب يدركون خطورة الميل بعيدا عن موازنات والتزامات فكره في القيادة والتثوير والتعبئة وإعلام وثقافة البعث ومقاومته كمرتكز وكبوصلة توصله إلى أهدافه المرحلية والمستقبلية الإستراتيجية لان فكره يتفاعل مع وحدة الشعب وفكره يجعل طريقه مستنيرا كي لايكون في التيه ويعيش الأزمات الداخلية والخارجية من جهة، كذلك يدرك مناضلوا الحزب خطورة الميل باتجاه قطب عميل يكرهه الشعب لدوره في العمالة للأجنبي وللاحتلال لان ذلك يخسر حزبنا في وسط جماهيري واسع، هذا الوسط ينتظر منا إزاحة القطب التاريخي في إقطاعيته وعمالته وسطوته على الشعب قبل وإثناء وبعد الاحتلال، وكان الأصح أو الأجدر ان نكسب الشعب حتى يركع القطب المعني أو يهرب ويهتف الشعب بتحرير العراق موحدا ومزدهرا في تعددياته الطبيعية في المحبة والوئام وكامل السيادة من دهوك حتى الفاو.
أما على الصعيد العربي..فان الواقع ليس فيه التباس: هنالك جدلية بين اضطراب الأوضاع داخل الأقطار العربية وبين مخططات واستهداف الاستعمار الجديد بخططه الجديدة للوطن العربي الكبير، فكلما انفقدت التنمية ومتطلبات العيش وغياب العدالة الاجتماعية والبنى السياسية والحرية، اتسعت دائرة المعارضة أشخاصا وأحزابا مما يخلق منافذ أو نقاط وهن وضعف من خلالها يدخل الأجنبي في رسم خططه وتنفيذها، وكلما زادت الانقسامات الاجتماعية والسياسية بين أبناء الوطن وفق الشعار الاستعماري القديم الجديد (فرقد تسد) يكون حلف الناتو قد حقق أهدافه بعد أن هيأ أرضيات للإعلام الاجتماعي والدخول إلى الظاهرة ليأخذ دورا يخدم إستراتيجيته بعد أن تخلفت الأحزاب الوطنية والقومية عن قيادة الشارع ومشاعره وثوراته بالاتجاه الذي يخدم الشعب والوطن والحفاظ على الأمن القومي لاسيما وان هذا الجدل رسمته الدول الأجنبية الاستعمارية في خططها وفقا لأبنيتها الإستراتيجية والمستقبلية منذ زمن...، ونلاحظ ذلك واضحاً في التقرير المرقم 1352\ في 24/4/1964م الذي نوقش في دورة الكونجرس الأميركي رقم 88 حيث جاء فيه ((يمكننا أن نحقق بعض أهداف سياستنا الخارجية من خلال التعامل المباشر مع شعوب الدول الأجنبية بدلاً من التعامل مع حكوماتها من خلال استخدام أدوات وتقنيات الاتصالات الحديثة، يمكننا اليوم أن نقوم بإعلامهم والتأثير في اتجاهاتهم، بل وممكن في بعض الأحيان أن نجرفهم على سلوك طريق معين، وهذه المجموعات يمكنها بدورها أن تمارس ضغوطاً ملحوظة وحتى حاسمة على حكوماتها)) والعملية واضحة والأفعال مخطط لها في تعبئة شعوب بلدان وفق مشيئة وخطة المستعمر الجديد بهدف ازدهار اقتصاده والارتقاء بقوته وتحقيق طموحه السياسي وبسط سطوته وهيمنته على حساب الشعوب ومنها شعبنا العربي المظلوم.
الخلاصة:
التغيرات العميقة بسبب التطور العلمي في الاتصالات والإعلام وتأثيرها تتطلب من مناضلي البعث وعي أهمية النضال والأعلام الاجتماعي كونه ممهد للثورة على الاحتلال وإذنابه وهو سلاح تحريضي مؤثر.وان متطلبات النضال تلزمنا تفعيل وتنشيط جميع الأذرع نحو تكاملية الانجاز في إطار نضاله ومقاومته للاحتلال وللاستعمار بكافة إشكاله ومنافذ دخوله.
تنسجم وتتفاعل تطلعات الجماهير مع فكر ونضال البعث طبيعيا وهكذا هي أفكاره ونظريته وإستراتيجيته وتاريخه ونضاله نحو التطلع للمستقبل والبعث هو القوى المؤهلة والمراهن عليها في المستقبل في التحرير والاستقلال وهذا يتطلب من الحزب ان يحسن الدور والنضال والموقف والبيان والخطاب السياسي بمعالجة الأمور وفقا لمبادئه الموحدة وبذلك فهو يحتاج إلى الوقفة الفاحصة الناقدة نقدا بناءا لما سبق ولما نحن نعيشه الآن من رهونية خطيرة يعيشها (العراق والأمة والحزب) وهذا هو سبيل البعث نحو الحفاظ على وحدة العراق وقيادة شعبه الوفي وتعديل المسارات التي افرزها الاحتلال البغيض. مع تجنب الاجتهادات وبعض الوسائل والتحالفات وبعض ردود الأفعال التي لاتعبر عن رؤية البعث الصائبة لأنها بالتأكيد تؤدي فعلها السلبي الخطير على الحزب والجماهير معا. وتجنب بعض الكتابات الاطلاقية في توجيه التهم التي تأخذ منحى لايخدم الوحدة الوطنية وتماسك الأمة في مواجهة الإخطار والمخططات العدوانية الهادفة إلى التقسيم الجغرافي والعنصري والديني الطائفي، وحزب البعث العربي الاشتراكي كانت رؤيته صائبة في المعالجات منذ نشأته وواعية لتجاوز المحن ولا غبار على ذلك. مما يتطلب الانتباه والأمر يتوجب الانتباه ايضا ومعالجة الخطأ، والسير على درب النضال المنسجم مع فكر ومواقف الحزب كي لانخسر جماهيرنا وحزبنا.
وعلى شبابنا ان لايغيب عن النضال الوطني والقومي الحقيقي في قيام الثورات تاركا المبادأة لعدوه الاستعمار وحلف الناتو والرجعية العربية ومؤامراتها باستدراج العفوية الجماهيرية بما يجعلها قوة تحت تأثيره، ممتصا لزخمها وعفويتها من حيث لاتدري(أي الجماهير). وبواجهات الرجعية العربية لأسباب عديدة منها ضبابية المواقف وقوة الإعلام المعادي الموجه. والرهونية التي تعيشها الحركات والأحزاب الوطنية والقومية وضعف مهامها في التعبئة العقلية الفكرية والجماهيرية في اخذ دورها كطليعة حزبية تتصدر قيادة الثورة والتغيير مما أدى إلى فسح المجال لحركات وأحزاب الإسلام السياسي الموظف من قبل حلف الناتو للحصول على مستويات عالية في تعبئة الشارع لصالحها إضافة إلى أنها كانت(أي حركات وأحزاب الإسلام السياسي) مهيئة تنظيميا كأحزاب وخطط وشعارات ووسائل وتحالفات.مما أوصلها هذا إلى مواقع لتحتل مكانتها في البرلمات بصوت عال. لذلك على الشباب الوطني والقومي ان يضطلع بدوره وبالارتقاء علميا وعمليا في التواصل والنضال الاجتماعي ومن خلال الإعلام الاجتماعي باستخدام الاتصالات الحديثة وهي مطلقة الحرية لان ما يعانيه شعبنا في العراق والوطن العربي يتطلب ضرورة وعي دور النضال والإعلام الاجتماعي واستخدامات وسائل الاتصالات المتطورة في وضع الخطط التي يقف الاختصاصيين في الاقتصاد والسياسة والانثروبولوجيا وعلم النفس وما يتفرع من هذه العلوم وغيرها ذات العلاقة التفاعلية على رأس خططها في تغذية الإعلام الاجتماعي الممهد للثورة في مواجهة الاحتلال وإذنابه.
- انتهى المقال –
ملاحظة : انظر من الآراء والأرقام وهذا التطور وهذا التأثير وأين نسبة الوعي المطلوب منه
(*) هذه المعلومات والمواقف والآراء مقتبسة بنصوصها وكم هي وكما نشرت في الصحف البريطانية.....
شهد العقد الماضي تزايداً رهيباً في الدخول إلى الانترنت. إذ يقدر أحد المواقع أن استخدام الانترنت منذ عام2000 حتى 2010 قد تزايد من 360 مليون شخص إلى ما يقارب 2 مليار شخص وهم ثلث البشرية تقريباً. وأكثر مناطق النمو السريع تقع في أفريقيا (ارتفع من أربعة ملايين إلى مائة وعشرة ملايين شخص) ثم الشرق الأوسط (ارتفع من ثلاثة ملايين إلى ثلاثة وستين مليون شخص). كما أن عدد مستخدمي الانترنت في الصين أكبر من عدد سكان الولايات المتحدة الأمريكية.
إن نمو الإعلام الاجتماعي مثير للإعجاب فلقد ارتفع عدد مستخدمي الفيس بوك من 150 مليون عام 2009 إلى أكثر من 500 مليون مستخدم اليوم. وفي مارس الماضي أعلن موقع الفيس بوك أن عدد مستخدميه في بريطانيا وصل إلى 30 مليون.. تقريباً نصف عدد السكان.
ويمكن أن نؤرخ لهذا التوسع الهائل للانترنت وتطور الإعلام الاجتماعي بعام 1996 حيث تكونت مؤسسة تسمى (تحالف المواطنين الداعمين للانترنت). وكان هذا التحالف يناهض بنود مرسوم أصدرته الحكومة الأمريكية (مرسوم آداب التواصل) ولقد وصف هذا التحالف نفسه بأنه مجموعة من دعاة الحرية المدنية، ومزودي خدمة على ألنت وكتب ومجلات وجرائد. كانوا حوالي 56 ألف شخص الذين كونوا النواة الأولى لمجتمع الانترنت.
ويعتبر هاندز عام 2006 عام الانجاز العظيم لويب 2.0 والإعلام الاجتماعي. عندما قررت مجلة تايم أن تكون شخصية العام (أنت) وبداخل العدد مقال للكاتب ليف جرو سمان. الذي يعتبر فيه عام 2006.” قصة عن المجتمع والتعاون بشكل غير مسبوق. انه خلاصة المعرفة ويكيبديا، والمليون قناة على اليوتيوب،إنه قصة عن القوة الكبيرة الناجمة عن القلة، عن مساندة الآخر دون مقابل، بطريقة لن تغير العالم فقط، بل ستغير الطريقة التي يتغير بها العالم. “
يعتبر جرو سمان الانترنت أداة تجمع المساهمات الصغيرة لملايين البشر وتجعلها تعني الكثير.” إنه ثورة حقيقية.، فرصة لبناء نوع جديد من التفاهم الدولي ليس عبر علاقة السياسيين والعظماء، بل عبر المواطنين البسطاء.”
ويرى هاندز أن العصر الرقمي يمكن أن يكون مدخلاً إلى فعل تواصل واسع، يمنح نفسه آفاقاً جديدة من المعارضة والمقاومة والتمرد.. إنه مملكة “الجماهير” التي أظهر ويب 2.0 قوتها.
أما جيمس جلاسمان وهو مسئول حكومي أمريكي سابق، فقد تحدث في مؤتمر عقدته جوجل و فيس بوك، ورأى أن الإعلام الاجتماعي سوف يمنح الولايات المتحدة ميزة كبيرة في حربها على الإرهاب مضيفاً ” لقد قلت منذ زمن أن تنظيم القاعدة يأكل غذائنا على الانترنت ” لكن الوضع تغير الآن، فتنظيم القاعدة مازال عالقاً في ويب 1.0 بينما يعتمد الانترنت الآن على التفاعل والحوار.
هل يمكن أن يلعب الإعلام الاجتماعي الدور الفعلي الذي يطمح إليه المحتجون؟ يرى البعض أن الويب2.0 يعتبر حاجزاً يحول دون ممارسة نشاط فعلي، حيث أنه طريق مختصر لنشاط كسول تعرفه إيفنجي موروزوف على أنه ” شعور بالارتياح لممارسة نشاط افتراضي، ليس له تأثير سياسي أو اجتماعي. حيث يمنح المشاركين في الحملات وهم التأثير في مجريات الأحداث في العالم بمجرد الانضمام إلى مجموعة على الفيس بوك.”
إيفنجي متخصصة في الإعلام الاجتماعي وتسعى لتقديم نصائح لصناع السياسات حول نشر الديمقراطية، وهي ترى أن النشاط الكسول هو نوع من النشاط لجيل يتسم بالكسل، يقول أحدهم : لماذا نعتصم ونتعرض للقبض علينا ونتعرض لوحشية البوليس والتعذيب إذا كان بإمكاننا أن نطلق حملة في الفضاء الافتراضي؟ وتضيف جودي دين أن الناس غالباً يعتقدون أنهم نشطاء بمجرد أن يضغطون على أزرار أو يضيفون أسمائهم إلى مجموعة أو يكتبون تعليقاً على مدونة. وهو نوع من التفاعل السلبي، الذي قد يمنع شيئاً حقيقياً من الحدوث. ثم تضيف في نفس السياق ” إن دائرة التواصل مبتورة ليس لأن الناس لا يريدون المشاركة، بل لأننا نحن لا نريد.”
ويعتبر الكاتب الكندي مالكوم جلادو يل أفضل مثال على الجدل الدائر حول هذا الموضوع، ففي مقاله” تغير صغير : لماذا لن تنتشر الثورات على التويتر” يرى أن الإعلام الاجتماعي أنتج شبكات ضعيفة الترابط، بينما تعتمد الحركة الحقيقية على روابط قوية. ويفرق جلادويل بين الأصدقاء المقربين والأصدقاء عن بعد. ثم يستدعى ما قاله دوج ماك آدم في عام 1964 عن حملة صيف الحرية، حيث لاحظ أن النشطاء الذين اشتركوا في الفاعلية كانوا مجموعة من الأصدقاء. ثم يضيف جلادويل: يظهر هذا النمط مرة أخرى في دراسة حول الألوية الحمراء وهي مجموعة إرهابية إيطالية من السبعينيات.
أظهرت هذه الدراسة أن سبعين في المائة من المجندين لديهم أصدقاء داخل التنظيم. وينطبق نفس الكلام على المجاهدين في أفغانستان. وينطبق حتى على الأحداث الثورية التي تبدو تلقائية، مثل المظاهرات في ألمانيا الشرقية التي أدت إلى سقوط جدار برلين. كل هذه الأشكال تميزت بقلب صلب ذو روابط قوية.
وبشكل ما، لا تعتبر نتائج هذه الدراسة مفاجئة، حيث أن الاحتجاجات التي تنطلق بعيداً عن أماكن العمل، لن تنضم إليها إلا عبر الأصدقاء الذين يشاركونك نفس الاهتمامات.
وما يهم جلادويل في هذه المرحلة هو التناقض بين نوع النشاط، وبين ارتباطه بالإعلام الاجتماعي. فهو يعتبر أن الفيس بوك أداة فعالة للتعامل مع معارفك، و للتواصل مع أصدقاء يصعب عليك الالتقاء بهم.
ويعتمد جلادويل في هذه النقطة على كلام عالم الاجتماع مارك جرانفوتر ” أن أصدقائنا هم المصدر الأساسي لحصولنا على الأفكار والمعلومات الجديدة.” ثم يختلف معه حول قدرة الإعلام الاجتماعي في إثارة الاحتجاجات، لأن الروابط الضعيفة لن تؤدى إلى نشاط تكتنفه خطورة.
لكن المفيد في الأمر أنك قد تحصل على توقيعات كثيرة على أحد الحملات دون مجهود كبير في النقاش ومقابلة الناس. ويرفض جلادويل المزاعم التي تقول أن الإعلام الاجتماعي قادر على زيادة عملية التحفيز، ويرى أنه يزيد عملية المشاركة عن طريق تقليل مستوى التحفيز الذي تحتاجه المشاركة.
ويرى ميكا وايت، وهو محرر في أحد المجلات، أن ما يحدث ليس نتيجة التطور التكنولوجي ولكن بسبب قوى السوق. ويعتقد وايت أن هناك معركة مشتعلة حول معنى (نشطاء) ويفرق بين النشطاء الرقميون الذين يتبنون منطق السوق الحر، وبين المعارضين لمنطق السوق في التغير الاجتماعي.
تكمن المشكلة، في وجهة نظر وايت، في النشطاء الذين يتقبلون أفكار التسويق المستخدمة في بيع ورق التوليت لبناء حركات اجتماعية. ويرى خطورة في استبدال النقد السياسي بمنطق الإعلانات.
وإذا كان وايت محقاً، فإن تزايد الحملات على الانترنت سوف يمثل خطراً على اليسار. ولكى نحكم على كل هذه الآراء عن قوة أو خطر الإعلام الإجتماعى، علينا أن ندرس بعض الأمثلة لاستخدامه في السنوات القليلة الماضية.
هل استخدام تويتر يشعل ثورة؟!
كانت حملة باراك أوباما عام 2008 محاولة سياسية على نطاق واسع لاختبار الإعلام الاجتماعي. لقد صرح ديفيد بلوف مدير حملة أوباما أن الحملة خلقت تأثير الدومينو الذي استخدم الانترنت والرسائل النصية وأشكال التواصل الأخرى في تكوين شبكة ضخمة من المنظمين والمتطوعين. ولقد تحول موقع أوباما إلى مركز للحملة الانتخابية، حيث صنع المتطوعون أكثر من مليوني بروفايل ومائتي ألف دعوة(event) وشكلوا 35 ألف مجموعة و400 ألف مدونة وحصلوا على 30 مليون دولار عبر سبعين ألف صفحة على ألنت.
الحملة لم تكن مجرد نجاح على الانترنت فقط، ولكن طريق الانترنت تم تنظيم حملات الشوارع بالاتصال بالمتطوعين المسجلين على الموقع. لقد استخدم الانترنت كغيره من الوسائل لتنظيم النشطاء ولم يتركهم نشطاء أمام الكمبيوتر فقط. ولقد صرح توماس جينسمر، أحد واضعي استرتيجية حملة أوباما على ألنت، أن هدف الحملة كان إعطاء الناس مهام حقيقية لينفذوها في أحيائهم. كما صرح بلوف بعد الانتخابات” لقد أردنا التحكم في الإعلانات والتحكم في مجال العمليات ولم نرد إهدار إمكانيات الملايين من الناس، ومئات الآلاف من المتطوعين بشكل كامل.”
لقد أظهر النجاح الكامل لحملة أوباما أن الإعلام الاجتماعي قادر على لعب دور مركزي في التنظيم. ولكن هناك جانب أخر، هو انتشار حملة أوباما بين شعب غاضب من بوش ومن التعامل الحكومي مع الأزمات الاقتصادية. لقد تفاؤل الشعب الأمريكي برسالة التغيير التي قدمها أوباما حتى وإن لم تحدد ملامح هذا التغيير.
لقد كان حوالي 61% من الديمقراطيين متحمسون لمرشحهم مقابل 35% فقط من الجمهوريين المتحمسين لمرشحهم. وبالإضافة إلى الإيمان الحزبي به، توجه أوباما إلى مساحة عريضة من النشطاء في المجتمع وحاول ضمهم إلى حملته خاصة من السود، وذوى الأصول اللاتينية. لذلك أظهرت هذه الحملة قدرة الإعلام الإجتماعى على إثارة حراك سياسي فعال. وأظهرت أيضاً فائدة الإعلام الاجتماعي للاشتراكيين ونشطاء الطبقة العاملة الذين لا يملكون موارد كبيرة، ولا يحصلون على دعم الشركات، وليس لديهم موظفين متفرغين. ويجب أن ندرك أن هدف هذه الحملة على ألنت لم يكن تكوين قاعدة تنظيمية ولكن تنظيم حملة انتخابية.
أما في بريطانيا، فنذكر المظاهرة التي نظمت في لندن في أبريل 2009 احتجاجاً على اجتماع رؤساء دول العشرين الكبار، بعد شهور من دعم البنوك في أواخر 2008. ويذكر هذا الاحتجاج بالأساليب القمعية للشرطة ومقتل أيان توملسون بعد ضربه على يد ضابط شرطة. وفي ذلك اليوم احتجزت الشرطة آلاف المحتجين ومعظمهم من الشباب، في الشوارع حول بنك انجلترا.
ويرى هاندز التنظيم لإعداد هذه المظاهرة اتبع أسلوب عمل الشبكات، حيث نظم الانترنت القوى المختلفة ووزع المعلومات. ولقد عرف من وقفوا خلف المظاهرة أنفسهم بأنهم مجموعة مرتبطة بأحداث بنك انجلترا في الأول من أبريل.
وأبرز هاندز أن التيار الإعلامي العام ركز على دور كريس نايت وهو أستاذ أنثروبولوجيا في جامعة شرق لندن، في تنظيم الاحتجاجات وقدمه على أنه قائد المظاهرة. كما قدم هاندز تحليلاً لعدد كبير من المقالات التي ظهرت في نطاق واسع من الجرائد من الديلى ميل حتى الجاريان، ولقد قدمت هذه المقالات وصفاً محدوداً للحدث على أنه ” احتجاج قد يتم بواسطة الفوضويين والمرتبطين بهم “.
كما استنتج هاندز أن كل المقالات لم تقدم دوافع المحتجين، واكتفت بذكر غضبهم وقدرتهم على العنف، وتعامل الشرطة معهم.
في الحقيقة إن تعامل الإعلام البرجوازي مع الاحتجاج كان أحد أسباب نجاحه بسبب كثافة تناوله في التليفزيون والجرائد لأسابيع قبل حدوثه. إنه لمن الخطأ تصور أن المحتجين يذهبون إلى المظاهرات بسبب مجموعة من المطالب فقط وهو نفس الخطأ الذي يقع فيه من يتصورون ضرورة وجود برنامج كامل من أجل بناء حركة، أو هؤلاء الذين يؤكدون على ضرورة (تعليم) الناس عن القضايا الحقيقية حتى يتزايد عدد النشطاء الواعين اجتماعياً.
وفيما يتعلق بمظاهرة بنك انجلترا، هناك تداخل وتفاعل بين الانترنت، والزعماء مثل كريس نايت والإعلام البرجوازي، هذا التفاعل وضع المحتجين في المكان الصحيح. وهذا درس لليسار، فعليه أن يستخدم كل الوسائل الممكنة لبناء حركة. ولقد ظهر هذا بوضوح- في ظروف مختلفة- خلال احتجاجات نهاية 2010.
كان احتلال برج ميل بنك في العاشر من نوفمبر 2010 نقطة تحول فارقة في المعركة ضد التحالف الذى يقوده المحافظين في بريطانيا. كما مثلت الاحتجاجات الجذرية للطلاب تغيراً في طبيعة النقاش حول مقاومة الخصومات والرسوم. والمثير للاهتمام في هذا السياق هو فشل اتحاد الطلاب الرسمي في دعم هذه الفاعلية، وما تبعه من تظاهرات نظمت بعيداً عن الاتحاد. لقد تم الإعداد لهذه التظاهرات قبل أسابيع من انطلاقها في اجتماع للحملة القومية لمناهضة الخصومات والرسوم. كما حصل على دعم من خلال التصويت في مؤتمر شبكات نشطاء التعليم في 31 أكتوبر، ثم انتشرت أخباره عن طريق الرسائل الالكترونية والفيس بوك، لكنه لم يحصل على قوة دفع حقيقية إلا بعد مظاهرة 10 نوفمبر.
إن احتجاجات الطلاب تكشف بوضوح عن إمكانيات الإعلام الاجتماعي في زيادة الثقة في إمكانيات المحتجين، حيث لا توجد مرتكزات قوية لليسار. لكن التحدي المفروض على النشطاء المناهضين للرأسمالية ليس في استبدال التنظيمات اليسارية بل في البحث عن طرق لتقويتها وإعادة بناءها. وهذا ما نلمحه بوضوح عندما نرى الدور الذي لعبه الإعلام الاجتماعي في الثورات العربية.
ومن الضروري في هذا السياق تذكر الاحتجاجات الإيرانية والحركة الخضراء. فلقد تم استخدام الإعلام الاجتماعي خاصة تويتر أثناء الاحتجاجات التي اندلعت بعد انتخابات 2009. وعلقت مستشارة وزير الخارجية الأمريكي أليس روس قائلة: لعب الإعلام الإجتماعى دوراً جوهرياً في تنظيم الاحتجاجات. لكن مهدي يحيى نجاد، مدير موقع إخباري باللغة الفارسية في لوس أنجلوس يرى أن تأثير تويتر داخل إيران كان صفراً. ثم يضيف قائلاً:” هناك ارتباك كبير ولكن بمجرد أن تدقق في الأمر سوف تكتشف أن معظم الذين استخدموا تويتر كانوا أمريكان، يرسلون الرسائل لبعضهم البعض.”
يبدو أن استخدام تويتر والإعلام الإجتماعى كان محدوداً في تنظيم الاحتجاجات ولقد اكتشفت شركة سيسموس، وهي شركة تحليل للإعلام الإجتماعى أن عدد المسجلين في إيران على التويتر عشية انتخابات 2009 كان فقط 19.235 أى بنسبة 0.027 من السكان. واكتشفت أيضاً أن الكثير من المتعاطفين مع الحركة الخضراء غيروا موقعهم على التويتر إلى طهران لكي يربكوا السلطات الإيرانية. وكان من المستحيل أن تحدد هل رسائل التويتر تأتى من طهران أم لوس أنجلوس مثلاً.
القوة الحقيقية التويتر في ذلك الوقت كانت في أن عدداً قليلاً من الناس كان قادراً على الحصول على المعلومات من إيران ونشرها شرقاً وغرباً. ومن الغريب أن تتجاهل الصحف دور الإعلام الإجتماعى في تفجير الثورات الشعبية. حيث أن هذه الصحف ترى أن عصر الثورات قد ولى وأن دور الطبقة العاملة قد انتهى كمحرك للتغيير الإجتماعى. وعندما لعبت الطبقة العاملة المصرية دوراً حاسماً في إسقاط مبارك، سقطت هذه الادعاءات.
في مقال له بعنوان ” التويتر لا يستطيع إسقاط الديكتاتوريات” يناقش جاى كوهين الطريقة التي اختزل فيها الحوار حول دور الإعلام الإجتماعى في الثورات العربية إلى جمل من قبيل ” تويتر يسقط الديكتاتوريات، أو أدخل على الانترنت لتصنع ثورة. وهذا التبسيط يخفي السؤال الجوهري حول كيفية تأثير الانترنت على توازن القوى أثناء الاحتجاجات بين الدولة، والشعب الذي سأم هذه الدولة.
وهناك مبالغة حول دور الإعلام الإجتماعى في تنسيق فعاليات الاحتجاج، حيث ترى الناشطة السياسية المصرية جيهان إبراهيم أن التنسيق كان يتم في اجتماعات مباشرة. لقد استخدم الفيس بوك والرسائل الالكترونية للدعوة من أجل التظاهر في مصر لمدة سنوات لكن هذه الاحتجاجات كانت محدودة. كما أن الحراك الكبير في الشارع بعد يوم 25 يناير لم يكن بسبب زيادة ارتباط المصريين بالإعلام الإجتماعى، بل بالثقة التي اكتسبها الناس من أحداث تونس، وآلية عمل النشطاء في توزيع المنشورات ورفع الشعارات في المناطق الشعبية التي يقل فيها التواصل عبر الانترنت. لقد كان هذا عملاً خطيراً يعرض النشطاء للاعتقال والضرب، لكنه كان ضرورياًَ للحراك الجماهيري في التحرير وفي كل مكان في مصر.
وسوف أقتبس مقطعاً مما كتب سلطان ألقاسمي وهو كاتب إماراتي غطى الأحداث في المنطقة بشكل موسع، وهو يقول ” لعب الإعلام الإجتماعى دوراً هاماً في ربيع الثورات العربية، لكن هناك مبالغة في تأثيره. فلقد قطع الانترنت عن مصر لعدة أيام لكن الحركة لم تتوقف.
وتعانى ليبيا الآن من قطع للانترنت، ومع ذلك نرى الحركة مستمرة بخطى واسعة. لقد كان التأثير الأكبر للإعلام الإجتماعى في نقل الأخبار إلى الخارج، حيث لم تصل هذه الأخبار إلى الإعلام العادي إلا من خلال تويتر والمدونات. وكان لهذه المعلومات والأخبار أثراً كبيراً في جذب اهتمام المواطنين في جميع أنحاء العالم الذين تضامنوا مع الشعوب المظلومة، وحاولوا الضغط على حكوماتهم لتتخذ رد فعل حيال ما يجرى.”
إن سرعة انتقال المعلومات من قارة إلى قارة بواسطة النشطاء الذين يستخدمون الانترنت، جعلتنا نرى المحتجين في قلب ميدان التحرير، يرفعون الأعلام المصرية ويرفعون يافطة كتب عليها ” مصر تساند عمال وسكنسون ” ويراها العالم أجمع، وفي وسكنسون نفسها، حيث شكل العمال احتجاجات ضخمة ضد خفض حقوق اتحاد التجارة. يقول جون ستافليز، وهو واحد ضمن 50 ألف شخص اشتركوا في الاحتجاج الأول ” أن الإلهام جاء من مظاهرات الطلاب في بريطانيا والاحتجاجات في تونس ومصر. “
وتشير هذه التجارب أن الإعلام الاجتماعي مفيد في أنواع النشاط السياسي التي يهتم بها اليسار بشكل تقليدي. لكن الأمر يتطلب الحذر لأن البعض يرى أن طبيعة المحتجين سريعة الانفعال، وكفاءة الانترنت تؤدي إلى الاعتقاد بأن التنظيم ليس ضرورياً. وهذا الاعتقاد يغفل قضية البناء الطبقي التي يتم تجاهلها عن مناقشة موضوع الانترنت.
الطبقة 2.0
في 25 يناير قام النظام بتصرف مدهش. فعلت مصر ما لم يخطر على بال أحد بالنسبة لأي دولة يعتمد اقتصادها بشكل كبير على الانترنت. قام النظام بقطع الانترنت كلياً ليسكت صوت الاحتجاجات، لكن هذا لم يأتي بالنتيجة المطلوبة، فلقد تزايدت قوة المحتجين. و ما فعلته تلك المقامرة الخاسرة، أنها أظهرت الطبيعة الطبقية للانترنت.
من يظن أن الانترنت فضاء محايد، تتنافس فيه كل الأطراف، فهو حالم. ففي مقال حديث عن الرأسمالية والانترنت يرى كل من بيلامى فوستر وماك شسنى ” التكنولوجيا لا تتقدم بسلاسة عبر التاريخ، فإنها تتطور في سياق اجتماعي و اقتصادي وسياسي. ولقد حدد لها هذا السياق مسارها وشكلها في عصر ثورة المعلومات. فقبل كل شيء يجب عليك أن تدفع لمزود الخدمة حتى تدخل على الانترنت. ومزودات الخدمة قادرة على منعك من الدخول. على سبيل المثال، في مصر قامت فودافون وشركات الاتصالات الأخرى بقطع الخدمة بأوامر من النظام، لمنع تواصل المحتجين. وأعادت الخدمة لترسل رسائل داعمة لمبارك.
وعلى مستوى الإعلام الاجتماعي، فإن الفيس بوك وشبكات التواصل الاجتماعي، هي شركات يمكن أن تمنع المستخدمين إذا رغبت في ذلك، ويمكن أن تفرض قيوداً على المجموعات التي تتجاوز قواعد تلك الشركات. الفيس بوك مملوك جزئياً لبنك جولدمان ساشز وجى بى مورجان اللذان يسعيان حالياً لشراء 10% من تويتر. كما قفزت القيمة السوقية لأسهم فيس بوك من 50 مليار إلى 75 مليار دولار ما بين يناير ومارس.2011 لقد أثبتت الرأسمالية مهارتها في استغلال مواقع جديدة لتراكم رأس المال وبالطبع الانترنت ليس استثناءاً.
إن الطبيعة الطبقية للانترنت تتجاوز هذا السطح الظاهري بل تمتد لمجال البرمجيات.(oss) البرامج المتاحة التي يتم تطويرها بشكل مفتوح، وتوزع مجاناً. يمكن اعتبارها شكل من أشكال ديمقراطية البرامج. ولكن حدود السوق لا تكتف فقط بعالم الانترنت، كما يشرح جوزيف كونارا في نقاشه حول لينكس أكثر الأمثلة نجاحاً للبرامج المتاحة. إذ يقول” أن التطوير يعتمد على فريق تطوير مركزي تصل إليه كل اقتراحات التغيير. وطبقاً لأحد المحللين، هناك ألف شخص فقط يساهمون في التغيرات التي تتم في لينكس، وهناك مجموعة أصغر مكونة من مائة شخص أسهموا في37 ألف من 38 ألف تغيير. والمائة شخص يعملون بأجر من تشغيل النظام. وهناك شركات عملاقة مثل إنتل وأي بى أم وغيرها تدفع بموظفيها للعمل على تطوير لينكس، لأن لديهم رغبة في منافسة نظام التشغيل ويندوز حيث أنهم راكموا أموالاً طائلة، تسمح لهم بالهيمنة على السوق العالمي.”
ويستنتج جوزيف أن نجاح مشروعات البرامج المتاحة تم امتصاصه بسرعة إلى السوق الرأسمالي وتحول إلى مصدر للربح. وهذه النقطة تتوافق مع ملاحظات نيكولاس كار حول أن الرأسماليون ليس لديهم خوف كبير من دخول المتطوعين في هذا المجال، حيث أن الابتكارات المجانية على الويب تخلق أرضية لمشروعات تجارية.
يجب أن نضع الطبقة في اعتبارنا ونحن نفكر في العواقب التنظيمية للنقاش الذي تفرضه علينا ضخامة إمكانيات الانترنت. فعندما ترى لوري بينى أنه على المتمردين أن يعيدوا تنظيم المقاومة لكى يكونوا أكثر تأثيراً، فإنها بذلك تقبل أفكار الليبرالية الجديدة عن الطبقة العاملة والتي ترى أن قوة العمل المنظمة قد تدنت على مستوى العالم بسبب البطالة وانخفاض الأجور، وتشتت العمال، بسبب الاعتماد على عالمية المصادر والإنتاج بينما يبقى العمال في مجتمعات منقسمة و مغلقة.
هناك خطورة حقيقية أن يقبل اليساريون هذه الآراء، وأن يتحولوا إلى جناح يساري في كورس نيوليبرالى، بدلاً من محاولة استيعاب التغيير في نمط التوظيف في الأعوام الماضية.
ويرد ألكيس كالينوس على لوري قائلاً ” إن جريدة العامل الإشتراكى تتيح لنا تنظيم حوار أسبوعي مع آلاف النشطاء. وأحد مميزاتها هو أنها لا تتواجد فقط على الانترنت، ولكنها منتج ملموس يمكن أن يباع في وقت معين ومكان معين. في محيط السكن وأماكن العمل و أمام شباك التذاكر وفي المظاهرات وتثير تفاعل مباشر وجهاً لوجه مع المشترى. ويسمح لنا هذا بتطوير علاقات دائماً مع النشطاء، وبهذه الطريقة نقوى أنفسنا ونوسع نطاق كفاحنا.”
وعندما تقول لوري أن المجموعات على الانترنت تتبادل المعلومات والخطط عبر تويتر والرسائل النصية في المظاهرات فإنها تواجه مشكلة النطاق. قد يكون هذا مفيداً على نطاق ضيق، ولكن لا يمكن تنفيذه أثناء مسيرة مكونة من مئات الآلاف، أو أثناء إضراب كما أنها تواجه مشكلة التفكير الاستراتيجي على المدى الطويل.
إن موجة الاحتجاجات الحالية نجحت بشكل فعال في إدراج مشكلة تحاشى ضرائب الشركات إلى دائرة الاهتمام لدى جمهور عريض. وتعقد الحملة اجتماعاتها عبر تويتر، ولكن عندما حاول أحد الأعضاء أن يدعوا إلى أحد الفاعليات، ثار جدل كبير، لم يحسم إلا على نطاق ضيق بين مجموعة من الناس، لديها الوقت لمناقشة القضايا عبر الانترنت.
إن قضية عدم وجود هيكل تنظيمي لاتخاذ القرار على ألنت يمكن أن يبدو ديمقراطي، ولكنه في الحقيقة ليس كذلك، وقد يظهر هذا على نطاق أوسع عندما ينضم عدد أكبر من الناس في الحملة. أو عندما تفشل الحملة في تحقيق أهدافها.
يقول بول مانسون المحرر الاقتصادي بجريدة لجارديان أن الحقيقة تنتشر أسرع من الأكاذيب على الفيس بوك. والسؤال المطروح: لماذا تنتشر الحقيقة أسرع من الأكاذيب في عالم يمزقه الانقسام الطبقي، والانترنت ليس استثناءاً من هذا الانقسام؟ كيف يمثل الدخول إلى وسائل الإعلام الإجتماعى فلتر فعال لمنع الأكاذيب.
بالنسبة لمانسون الأفكار تظهر ثم تختبر بسرعة قبل أن تدخل في السياق الثقافي العام إذا كانت جيدة أو تختفي إذا كانت سيئة. ولكن ماذا يقصد مانسون ب جيد أو سيء؟! وما مدى تأثيره في التغيرات الاجتماعية؟ أنا مثل ملايين غيري، مغرم بمشاهدة التليفزيون أثناء تناول العشاء، وليس لدى أى وهم في أن هذا قد يؤدى إلى حرب ضد سياسة التقشف الحكومي. وهناك نقطة هامة، وهى خطر الانغماس في التكتيكات، وانتظار ما قد تسفر عنه نشاطات قصيرة الأمد، على حساب التفكير الاستراتيجي في أهداف طويلة الأجل.
إن الكثير من الأفكار التي طرحتها التحركات الأخيرة ليست جديدة. ففي عام 1998 قال عالم الاجتماع الفرنسي أندريه جروز ” إن المستقبل المنظور لا يحمل أي أزمات للرأسمالية الأوروبية قد يدفع العمال إلى إضرابات عامة ثورية ” وفي خلال شهور شهدت فرنسا أكبر إضراب عام في العالم، وهزت الأزمات الرأسمالية المتوالية قارة أوروبا في السنوات التالية لكلامه.
ولقد ألمح كريس هارمن في حديثه عن الحركات التي هزت الولايات المتحدة في الستينيات إن العفوية وعدم وجود هيكل تنظيمي قد تناسب المواقف المفاجئة، أو الانفجار العفوي لعدد كبير من الطلاب.. حيث يخرجون إلى الشوارع ويحتلون المباني، ولا يقلقون بشأن الإستراتيجية والتكتيك والتنظيم. ولكن عندما تجبر الحركات على التقهقر، فجأة يشعر الناس أنهم بحاجة لهياكل تنظيمية وبحاجة أيضاً لبعض الفهم للقوى التي تعمل في المجتمع. بحاجة إلى ايدولوجيا.
إن التنظيم السياسي هو ببساطة إدراك لحقيقة أن بعض الناس ينفصلون عن الأفكار المهيمنة على المجتمع أسرع من غيرهم. إن من ينفصلون أولاً، يحتاجون إلى تنظيم أنفسهم لكي يكسبوا الآخرين على أفكارهم، ولكي يواجهوا مناورات الدولة والطبقة الحاكمة. وإذا تخيلنا أن الانترنت يعتبر طريقاً مختصراً لتحقيق ذلك، نكون قد أخطأنا وآمنا بالحتمية التكنولوجية. أما إذا استوعبنا هذا، يمكن أن نفكر بشكل مثمر في كيفية دمج الانترنت ووسائل الإعلام الاجتماعي في مشروع سياسي لتغيير العالم.
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق