حديث في العدالة
توجان فيصل*
وكالة انباء الرابطه
الأسبوع الماضي تم نشر خبرين لم يجر أي ربط بينهما رغم كونها وثيقي الصلة ببعضهما.
الخبر الأول يتحدث عن رفض المحكمة العليا البريطانية الإفراج المبكر عن المعتقل الأردني نزار الهنداوي المحكوم بالسجن خمسة وأربعين عاما في بريطانيا بتهمة محاولة تفجير طائرة ركاب إسرائيلية عام 1986 , بوضع قنبلة في حقيبة خطيبته الإيرلندية دون علمها. والهنداوي الذي قضى ستة وعشرين عاما في سجون بريطانيا ,صار مؤهلا حسب القوانين البريطانية منذ العام 2001 ,للإفراج عنه بعفو, ولكن وزارات الداخلية البريطانية ظلت ترفض طلبه هذا. وأول بارقة أمل لاحت حين قبلت المحكمة البريطانية العليا قبل عام النظر في طلبه, وحينها صدرت عن المحكمة أقوال من مثل وجوب أن يكون "تطبيق العدالة بالطريقة نفسها على الجميع أيا كان الطابع المشين للجريمة " , حسب قول القاضي . ولكن قرار المحكمة الصادر في 17 ديسمبر الجاري جاء برفض الإفراج بعفو عن الهنداوي البالغ الآن 57 عاما, ما يعني أن فرصته الوحيدة تبقى أن يفرج عنه في العام 2016 عند إكماله ثلثي مدة محكوميته.
أما الخبر الثاني الأحدث, فيتعلق بطلب المدعي العام في اسكتلندا, خطيا, من رئيس الوزراء الليبي علي زيدان , مساعدة الحكومة الليبية في فتح ملفات تفجيرالطائرة الأمريكية "بان أميركان" فوق مدينة لوكربي الإسكتلندية عام 1988 , فيما أعلنت الحكومة البريطانية أنها " تضغط " على طرابلس للتعاون وتحقيق تقدم سريع في القضية .. هذا في حين أن القضية كانت قد نظرت في محكمة اسكتلندية في عهد القذافي الذي سلمهم المتهمَين الليبيّين الذين برأ أحدهما فيما أدين عبد الباسط المقرحي وحكم عليه بالسجن مدى الحياة عام 2001. وقد دفعت لبييا مبالغ باهظة كتعويضات لأسر ضحايا لوكربي , وحتما دفع القذافي مبالغ إضافية وقدم تنازلات أخرى ليتم الإفراج عن المقرحي في العام 2009 "لأسباب إنسانية" كونه مصابا بالسرطان وقدر الأطباء أنه لن يعيش لأكثر من ثلاثة أشهر.. وكونه لم يمت في غضون الشهر الثالث أدى لموجة غضب اسكتلندية -بريطانية - غربية وظفت لمزيد من ابتزاز نظام القذافي .. ومع أن المقرحي توفي في مايو عام 2011, يجري الضغط مجددا على ليبيا لإعادة فتح ملف القضية, وحتما للشروع في ابتزاز النظام الجديد في ليبيا هذه المرة. ويبدو خنوع الحكومة الليبة الحالية من ردها بانها مستعدة لفتح جميع الملفات المتعلقة بقضية لوكربي, ولكنها قالت ان الأمر يحتاج إلى سنة أخرى على الأقل تكون فيه "قد فرضت الأمن والاستقرار في البلاد", أي إنها تخشى الغضبة الشعبية المحقة!
وأثناء كل هذا الحديث عن تفجير لوكربي الذي تم ومحاولة الهنداوي التي لم تتم, لا يجري ذكر لا أردني ولا ليبي ولا مصري ولا عربي لجريمة تفجير سابقة بعقد ونصف قام به سلاح الجو الإسرائيلي وبأوامر رسمية معترف بها , لطائرة الركاب الليبية فوق صحراء سيناء عام 1973. ومن بين الضحايا الأشهر لتلك الجريمة, وزير الخارجية الليبي حينه (ما يجعل القضية سياسية أيضا), ومذيعة التلفزيون والشاعرة المصرية سلوى حجازي, والطيار الفرنسي الجنسية الذي أثبتت أقواله في الصندوق الأسود للطائرة أن إسقاطها جاء متعمدا ورغم معرفة أنها طائرة مدنية ضلت الطريق قليلا بسبب عاصفة رملية .. أي أن لدول وجنسيات عديدة قضايا مماثلة على إسرائيل لم تتخد أية إجراءات تطبق "العدالة بنفس الطريقة". وأتوقف هنا عند ضحايا أردنيين, بما أن الأردني الهنداوي يجري رفض إطلاق سراحه رغم قضائه ستا وعشرين عاما في السجن لشروعه في تفجير مماثل لم يتم. ووقفتي حميمية, فلي صديقة شاعرة هي أيضا, كان من بين من قتلوا بدم بارد من ركاب الطائرة الليبية الذين تجاوز عددهم المائة, أمها وطفلها الوليد الذي كانت تركته في رعاية أمها في ليبيا على أن تعود به الجدة للأردن .صديقتي لا تطلب تعويضات مالية وتقول إن دم طفلها ودم أمها يمكن غفرانه فقط مقابل عودة وطنها المحتل: فلسطين .. ولكن لا يبدو أن الحكومة الأردنية (مثلها السلطة الفلسطينية وحكومة الثورة الليبية وحكومة الإخوان المصرية ) معنية بأي من هذا .. بل لأن حكومات الأردن المتعاقبة لم ولا تحرك ساكنا بشأن المواطن الهنداوي طوال ست وعشرين عاما من سجنه !!
أمر يوجب إعادة الشعوب النظر فيما تريده من الربيع العربي كي لا يصبح خريفا في عمر صديقتي المنتظرة لإحدى الحسنيين : الثأر لدم ابنها وأمها بتحرير وطنها ..أو شهادة الباقية على عهد الأمومة والبنوة والمواطنة الصالحة.
*كاتبة أردنية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق