مختار بوروينة
وكالة انباء الاربطه
تستقطب الزيارة المرتقبة للرئيس الفرنسي هولاند إلى الجزائر اهتماما بارزا في الساحتين السياسية والإعلامية لكلا البلدين وبالرغم من أن هذا التنقل لم يعلن بعد عن تاريخه الرسمي إلا أن وزراء خارجية البلدين يتحركان على أكثر من محور في التحضير لها كثقل سياسي كبير كون زيارة هولاند تعتبر الأولى من نوعها له إلى الجزائر بعد انتخابه رئيسا.
في تصريح لوزير الخارجية الجزائرية قال ان العلاقات الجزائر - الفرنسية هامة جدا بالنسبة للطرفين، لكنها في نفس الوقت ثقيلة ومركبة، مشددا على ضرورة التمييز بين العلاقات التي ينظمها السوق بصفة شبه آلية، والعلاقات الرسمية المبنية على اتفاقيات وبرامج ملموسة على المستويين السياسي و الإداري، كاشفا عن وجود اتفاقية خماسية بهدف ضبط برامج للتعاون الجزائري – الفرنسي في شتى الميادين والقطاعات معتبرا إياها خطة تكميلية للتجربة الخماسية السابقة 2007 -2011
بخصوص الماضي الاستعماري لفرنسا بالجزائر، فإن قضية الذاكرة حتى وإن كانت غير مطروحة كنقطة رسمية في جدول أعمال زيارة هولاند فإنه من المؤكد وحسب الشحن الإعلامي لا يمكن تجنب ذكرها، لا سيما وأن السلطات الجزائرية تسجل بارتياح التصريحات المشجعة للرئيس هولاند في هذا الاتجاه الذي يبقى مفتوحا لمزيد من التوضيحات التي ينتظرها الشعب الجزائري بخصوص قضية الذاكرة التي لا تهم فقط الحكومتين بل أيضا الرأي العام و بإمكان هذه الزيارة استحداث الظروف المناسبة لإعادة تكييف الذاكرة المشتركة خارج العلاقات الثنائية، و تتداول وسائل الإعلام الحديث عن الحاجة إلى تشاور سياسي مستمر حول عديد القضايا الإقليمية والدولية ذات الإهتمام المشترك، بهدف تعزيز الثقة وفتح قنوات للتواصل و تبادل المعلومات بغية تحديد مفهوم واضح لموقف كل طرف حول القضايا التي تهمه الأمر الذي سيعطي لهذه الزيارة طابعا سياسيا محضا.
معلوم أن الرئيس هولاند كان قد باشر مساعي حثيثة من أجل إعادة ترتيب العلاقة مع القارة الإفريقية، وبدأت هذه المساعي من جنوب إفريقيا، غير أن الأهم سيكون محو الآثار السلبية لمرحلة حكم نيكولا ساركوزي التي شهدت توترا كبيرا في العلاقة مع المستعمرات السابقة ومن ضمنها الجزائر.
ترى فرنسا أن العلاقة مع الجزائر تمثل إحدى مفاتيح العلاقة الفرنسية الإفريقية، وقد زادت انعكاسات الأزمة الليبية والوضع السائد بالشريط الساحل – الصحراوي خصوصا بمالي هذه العلاقة أهمية، ولعل تقارب وجهتي نظر البلدين حول هذه القضية يمثل مؤشرا إلى سعيهما إلى تجاوز خلافاتهما السابقة، فقد قال وزير الداخلية الفرنسي مانويل فاليس خلال زيارته إلى الجزائر مؤخرا أن الحديث عن وجود خلافات بين الجزائر وفرنسا حول أزمة مالي فيه كثير من المبالغة، وهو ما أكده وزير الخارجية الجزائري، ويبدو أن التوافق بين البلدين حديث حول ضرورة الدفع باتجاه حوار سياسي بين باماكو والمتمردين الطوارق مع التعامل بحزم مع الجماعات الإرهابية دون استثناء خيار العمل العسكري .
والحاصل أن فرنسا تسعى إلى تنقية الأجواء مع الدول الإفريقية المحورية ومن ضمنها الجزائر بما يضمن نجاح زيارة الرئيس الفرنسي، ويحاول اليسار الفرنسي أن يرسم صورة جديدة للنفوذ في إفريقيا، القارة التي شهدت أكبر حضور للاستعمار الفرنسي.
ويتمثل هدف هولاند المعلن في إدانة شديدة وواضحة للاستعمار والتخلي عن خطاب تمجيد الماضي الاستعماري لفرنسا. ورغم أن باريس لا تقدم التزاما واضحا بالاعتذار عن الاستعمار بل إنها تستبعده تماما في المرحلة الحالية، غير أن هناك حديثا صريحا عن امكانية دفع تعويضات للدول المتضررة من العبودية وهي دول إفريقيا السوداء فضلا عن إدانة الاستعمار والكف عن تمجيده .
قضية أخرى كانت قد أثارت خلافا بين الجزائر وفرنسا، وتتمثل في السعي إلى التأثير على دول الساحل الإفريقي، وهذا التأثير كان جزءا من السياسة الخارجية الفرنسية في عهد ساركوزي حيث أرادت باريس تعزيز سيطرتها في الدول التي كانت مستعمرات سابقة، ويرتبط الأمر أيضا بمراقبة الاهتمام الأمريكي بالمنطقة عن كثب، وهناك سعي لا يمكن إغفاله للاقتراب من منابع النفط والغاز الجزائري، وقد كان النشاط الاستخباراتي الفرنسي في المنطقة محاطا بالشبهات وأثارت حادثة الضغط الذي مارسته باريس على حكومة أمادوتوري للرضوخ لمطالب ما يسمى «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» من أجل تحرير الرهينة الفرنسية بيار كامات، والذي يعتقد أنه عميل لجهاز مكافحة التجسس الفرنسي المعروف باسم المديرية العامة للأمن الخارجي، حمل اشارات سلبية جدا للجزائر، حيث أدت استجابة مالي للضغط الفرنسي إلى حدوث أزمة دبلوماسية غير مسبوقة بين الجزائر وجارتها الجنوبية، والأمر هنا يتعدى الموقف السلبي لفرنسا من مسألة مكافحة الإرهاب، وهو موقف ظلت تطبعه الإزدواجية و عدم التعاون خاصة ما تعلق بالامتناع عن التفاوض مع الإرهابيين ودفع الفدية لهم، ليصل إلى تسميم علاقة الجزائر مع دول المنطقة، وهو ما قد يشكل تهديدا مباشرا لأمن واستقرار المنطقة وأمن الجزائر أيضا.
على الصعيد الاقتصادي تسعى فرنسا اليوم إلى القيام بهجوم مضاد على مستوى القارة الإفريقية، ولا يخفى الفرنسيون قلقهم من تزايد النفوذ الاقتصادي الصيني في القارة الإفريقية وينتقدون الدعم الذي تتلقاه الشركات الصينية من قبل الحكومات من أجل تنفيذ مشاريعها في القارة السمراء، وقد ازدادت المخاوف من الزحف الصيني بعد انعقاد قمة الصين في بكين في شهر نوفمبر 2006، حيث قررت الصين مسح ديون الدول الإفريقية و أعلنت عن خطة لدعم استثماراتها في القارة .
وحسب الأرقام الرسمية فإن الاستثمارات الصينية في إفريقيا بلغت 7.8 مليار دولار مع نهاية سنة 2008 بعد أن كانت لا تتعدى 491 مليون دولار سنة 2003، غير أن اللافت هنا هو التطور السريع لحجم التبادل التجاري بين الطرفين، فقد وصل هذا التبادل إلى ما قيمته 100 مليار دولار سنة 2008 وهو السقف الذي كان يأمل الصينيون في بلوغه سنة 2010، ونصف هذا التبادل هو صادرات صينية في إتجاه القارة السمراء بلغت أكثر من 50 مليار دولار أمريكي.
وبالنسبة للجزائر تتواجد الصين من خلال الشركات التي تنجز مشاريع كبرى في قطاعات الأشغال العمومية، كما هو شأن الطريق السيار شرق غرب والسكن والنقل حيث يشتغل أكثر من 30 ألف عامل صيني في هذه المشاريع، وبلغت الاستثمارات الصينية في الجزائر قرابة مليار دولار .
غير أن الأهم من هذا هو أن الشركات الصينية تنفذ مشاريع في الجزائر بقيمة تفوق أربعة مليارات دولار تذهب جل التحاليل السياسية و التي تصدرها بعض الأقلام المؤثرة على أن استعادة المكانة الاقتصادية تحتم على فرنسا تقديم تنازلات سياسية،و تدرك الجزائر هذه الحقيقة، وقد أطلقت في وقت سابق إشارات إلى أنها ستربط المصالح الاقتصادية ببعض القضايا السياسية ومن ضمنها مسألة الاعتذار عن جرائم الاستعمار، غير أن الأهم من هذا هو ربط المصالح بقضايا سياسية تتعلق اساسا بالدور الإقليمي للجزائر وأمنها من جهة الجنوب، ومن هنا يمكن فهم قرار شركة رونو الفرنسية اقامة مصنع لها في الجزائر والذي لمح رئيس الشركة إلى طابعه السياسي باعتبار أن اقامة مصنع في الجزائر بعد افتتاح مصنع مماثل في مدينة طنجة المغربية لا يمثل خيارا مجديا في
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق