بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
|
جدلية العقل الإنهزامي
في إنتظار المعجزة!
|
شبكة البصرة
|
علي الكاش
كاتب ومفكر عراقي
|
يعج مجتمعنا العراقي بكثير من الظواهر الإجتماعية الشاذة ذات الصبغة الدينية والتي ترسخت في عقول الناس المتخلفين وعيا وثقافة، وتحولت معظمها الى ممارسات سلوكية مقبولة جماهيريا ورسميا لعدة أسباب منها- أولا: حث رجال الدين على ممارستها بإعتبار الثقافة والوعي والمواطنة تطمس دورهم المؤثر في المجتمع، وفي خسارة العقل الجمعي تتراكم ارباح الخمس في خزائنهم. ثانيا: عامل الزمن الذي رسخها في العقول وألبسها جلباب الدين رغم تعارضها كليا مع الدين والقيم الأخلاقية. ثالثا: دعم الحكومة لها كونها وسائل فاعلة تمكنها من تغطية إدائها الفاشل! وأبرز دليل على ذلك هو إعتراف المالكي من خلال وثيقة سربها موقع ويكيليكس بأنه مع قيام الأقاليم" لم يبقى عندي ما أحكمه سوى الجنوب الشيعي المتخلف، فأهل الجنوب أميون يكتفون بأن أقيم لهم سنويا مراسم أربعينية الحسين" والغريب عدم إعنراض المرجعية أو الشيعة على حديث المالكي الذي يفتخر بأنه شيعي أولا ومسلم ثانيا وعراقي ثالثا. رابعا: إنتشار الأمية والتخلف الثقافي والمعرفي، وإنحسار الوعي الديني لدى الغالبية العظمى من أفراد المجتمع الذين يغلبون المذهب على الدين.
هذه الظواهر المستوردة والدخيلة على مجتمعنا الغرض منها تشويه معالم الدين الحنيف وإظهار المسلمين بصورة مخزية، لأنها ممارسات منحرفة من نتاج ظلمات الجاهلية الحديثة المستمدة جذورها من العصور الوسطى، تسعى لهزيمة العقل وشل روح الإبداع والإبتكار. ظواهر هجينة تحرض على الجمود والإنكسار والتراخي والتهاون أمام حل أمراضنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية المزمنة. بسببها تركنا الجوهر وأبلينا أنفسنا بالقشور. ركنا همومنا جنابا دون أن نوليها قدرا كاف من التفكير والبحث لغرض معالجتها وفق المنطق الصحيح والرؤية السليمة والعمل الدؤوب وبذل الجهود وليس بأنها قدر كُتب علينا يتوجب إنتظار المعجزة السماوية التي ستحلها وتحل معها مشاكل البشرية جمعاء. فيا لسوء حظنا المتعثر وحسن الحظ البشرية التي ستنعم بحل مشاكلها على حسابنا! رغم ان المنطق يؤكد إن مشاكل غيرنا هي غير مشاكلنا، ومشاكلنا هي غير مشاكل غيرنا. وهذه بديهية يمكن ملاحظتها على مستوى الفرد والمجتمع والدولة والعالم.
نحن نعتمد على قوى ميتافيزيقية لتنقذنا من الجور، الضعف، الجهل، الفقر، المذله، الهوان، التخلف والطغيان، قوى خفية خارقة تدخل من باب الرجاء والتمني لتشطب كل مشاكلنا وتحل محلها العدالة والعزة والقوة والسعادة! تفكير إتكالي سقيم وأعوج يعبر عن الكسل والخمول والإستكانة وإرجاء الضروريات الى آماد سائبة الأطراف، وتوكيل غيرنا بمهمة رفع الحيف عنا. فبدلا من أن نبدأ خطوتنا الأولى على الأرض ننتظر خطوة من السماء.
طيب! لماذا لانبذل جهد ومشقة للتخلص من الظلم والإستعباد والفساد؟ السبب: لأننا عجزة مشلولون نتقاعس عن رفع الأغلال وفك قيودنا بأنفسنا. ولأن هذا الوضع الجامد يريحنا من مشقة التفكير وإستفراغ الجهود لعمل ما يجب عمله. لذلك قنعنا به كحل مريح في آخر المطاف. إذن ما فرقنا عن اليهود الذين قالوا للنبي موسى((فأذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون)) سورة المائدة/24؟ ومتى ندرك ان التغيير الإيجابي يبدأ من الذات أولا! ومن السماء ثانيا؟ تماشيا مع الآية الكريمة ((إن الله لا يُغير ما بقوم حتى يُغيروا ما بأنفسهم)) سورة الرعد/11.
إذا كانت الأوضاع المأساوية- كما يزعم الوعاظ- تجري بالقضاء والقدر وإنتظار المعجزة، ولا أحد يمتلك عنان خياره! أليس هذا إعتراف ضمني بأن الحكام الظالمين والطغاة والفاجرين والمفسدين هم قدرنا؟ أي هي مشيئة السماء التي يجب أن نتقبلها ونبرأ ساحتهم من الجرائم، لذا فالأمر مقدر ولا حيلة لنا به؟
لكن الذكر الحكيم يسفه هذا الطرح البليد. وإلا لما فرض علينا الجهاد؟ أليس من حقنا، بل الواجب علينا أن نضع حدا للفساد والظلم وننتفض ونثور على الطغاة والمفسدين والظالمين ونحاكمهم على ما إقترفوا من جرائم بحق شعوبهم؟ أم نبقى خانعين ومهزومين نندب حظنا العاثر بدون فعل حتى تأتي المعجزة؟ هل نبقى أسرى الحوزات والمنابر وحلقات الذكر والتصوف والدروشة وخطب وعاظ السلاطين وأدعية الخلاص والنصر منتظرين النصر من الله؟ وهل ينصرنا المولى عز وجل ونحن نقف مكتوفي الأيادي أمام الطغاة والظالمين؟ أليس من يسكت عن حقه شيطان أخرس؟ فهل نطلب من الله أن ينصر الشياطين الخرسى؟
فقهاء السلاطين يدفعون بزخم في هذا الإتجاه الخاطيء رامين بالمسئولية البشرية بلا حياء على الله تبارك وتعالى بإفترائاتهم الحمقاء ودعاويهم الباطلة. يخدرون عقولنا ويشلون أيدينا بأن الجور والإستعباد والجهل والفقر والإستعمار والفساد كلها قضاء كتبه الله علينا ولا مجال لرد القدر والقضاء. أقنعونا بأن"المكتوب على الجبين لازم شوفه العين"! وأولوا آيات الله في غير معانيها، كما في سورة الأنفال/17((وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى)). وتركوا تكملة الآية((وليبلي المؤمنين منه بلاءً حسنا)). وفي سورة التوبة/51((قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا)). وتركوا تكملة الآية((وعلى الله فليتوكل المؤمنون)). يريدوننا أن نقنع صاغرين بما يحصل كقدر محتوم، فلا نبلوا بلاءا حسنا! ولانتوكل على الله لنشرع في عمل يأمرنا به!
يريدوننا كسالى نسخة طبق الأصل منهم. تنابل يرتزقون ويغتنون بلا واعز ضمير من أخماس الجياع والفقراء والجهلاء. يريدوننا أن ننتظر في محطة المعجزات السماوية، وتجاهوا بإن قطار المعجزات مضى بلا رجعة. تناسوا أو تجاهلوا آيات أخرى تحث على العمل والقوة والجهاد كما في سورة الأنفال/59((وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة)). والحث على الجهاد كما في سورة الصف/4 ((إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص)). سؤال مهم لعلماء الدين: هل يحق للرعيه الثورة علي الحاكم الفاسد والظالم وعزله عن الحكم؟ إن كان الجواب نعم! إذن بطلت فكرة إنتظار معجزة السماء لتخلصنا من الجور، ونتوكل على الله بالعمل لإزاحة الفاسدين والظالمين. وان قالوا: لا يجوز! خالفوا بذلك كلام الله وسنة نبيه! وسنلجمهم بتعليل ثورة الإمام الحسين(ع) على الفساد!
مع كل محنة يتضرع فقهاء السلطان واتباعهم سائلين المولى تبارك إسمه بجملة"اللهم عجل فرجه"! عجيب هذا الأمر فهم لايسألونه سبحانه إنهاء الظلم المحدق بهم من كل صوب! بل يسألونه أن يعجل بفرج عبد من عباده لينهيه. عجبي! أي شرك وكفر في هذه الجملة المقيته التي يرددوها كالببغاوات دون أن يدركوا معناها الإلحادي؟ وأية إستهانة بقدرة الله؟ الا يعلموا بأن من إستعان بغير الله ذل؟ ألا يعلموا إن الله تعالى فَضَل العاملين والمجاهدين على القاعدين((قل اعملوا فسيرى الله عملكم)) سورة التوبة/105؟ ألا يعلموا إن الله تبارك اسمه لايغيث المتخاذلين واليائسين والمتقاعسين ولا يفرج عنهم كربهم وقهرهم؟ ثم كيف يعجل عليهم بالفرج وهم لايؤمنون بقدرته بل بقدرة عبد من عبيده؟ وكيف يُعينهم وهم منومون تنويما مغناطيسيا منذ أكثر من عشرة قرون في عيادة طبيبهم الغائب عن حياتهم والحاضر في عقولهم فقط؟ فلا هو جاء ولاهم إستفاقوا أو يأسوا من إنتظارهم الممل! إي تنويم عميق هذا؟ لايفيقهم منه لا طقطقة اصابع ولا حتى دوي مدافع؟
إنهزاميتنا، عبوديتنا، مذلتنا، فقرنا، جوعنا، مرضنا، ظلمنا، تخلفنا جهلنا. جميعها أقفال مغلقة مفاتيحها عند الغائب الحاضر! فلا مندوحة لنا سوى الانتظار! لذا نسأل الله عز وجل من اكثر من ألف سنة أن يعجل فرجه! والخالق لا يستجيب دعائنا! لماذا ونحن خير أمة أخرجت للناس؟ الجواب ببساطة لأن الله جٌل ذكره منذ اكثر من 14 قرن قد حلٌ لنا هذه المعضلة ولكننا غفلنا عنها((اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا)) سورة المائدة/3. إذن الدين كمل فلا أنبياء ولا رسل ولا أوصياء ولا إنتظار لمنقذ! لدينا القرآن والسنة النبوية والعقل الذي يحثنا الله على إستخدامه فهم مفاتيح الفرج. وإلا لماذا تتكرر كلمة(تعقلون) و(تعلمون) وغيرها في الذكر الحكيم؟ لاشك بأنه عندما يغلق الناس باب العقل فهي تغلق معها تلقائيا أبواب الدين والدنيا.
كان لابد لفقهاء السلاطين من رقعة جديدة يرقعون بها فتقهم الكبير لتبرير تخلف الغلام المعجزة عن مواعيده. فخرجوا علينا بحماقة جديدة وهي وجود نقص في كفة جورنا وظلمنا في ميزان الغائب! لذا لا يخرج (صلوات الله عليه) الا بعد ارتفاع كفة الجور الى مستوى أعلى! والطامة الكبرى هي لا المنتظر ولا نوابه ووكلائه من فقهاء السلاطين حددو لنا مستوى الظلم لنعرف مكاننا منه وفي أي مستوى نحن!
حسنا! ألسنا كعراقيين في قاع الحضارة وفي قمة التخلف والإنحطاط.؟ السنا شعب الجهل والأمية والفقر والجوع والفساد والظلم والإستعباد؟ مع هذا فالمنتظر غير قانع بمستوانا المنحط ويريدنا أكثر إنحطاطا! النقطة التي تثار بهذا الصدد: هل يُلزم الأنبياء والمصلحون بأن يتوقفوا عن جهود الإصلاح والبناء إلى أن يبلغ الفساد والجور أشده؟ التأريخ والمنطق السليم يفسدان هذا الرأي.
على سبيل المثال بلغ الفساد الحكومي على أرض المنتظر وبالقرب من حفرته(700) مليار دولار-تقرير امريكي، بمعنى مصدر صديق وليس معادي للعملية السياسية-. وأكثر من(1) مليون قتيل، و(4) ملايين مهجر داخل وخارج العراق، (1) مليون عاطل عن العمل، نصف مليون معوق، مليون إرملة ويتيم، (5) ملايين أمي لايعرفون القراءة والكتابة(تقرير منظمة اليونسيف عام 2009). بلد بلا ماء ولا كهرباء ولا خدمات ولاذمة ولا ضمير. بلد الفساد والمفسدين والعملاء واللصوص والارهابيين والمزورين. بلد الارهاب والمخدرات والميليشات والنهب والسلب والخطف والقتل على الهوية. ماذا يريد المهدي أكثر من هذا الفساد والإنحطاط؟ لما لم يحدد مستويات الفساد والظلم حتى يعلم الناس ما هو مطلوب منهم فيزدادوا مثلا فسادا وظلما حسب متطلبات ظهوره الميمون لإسعافنا!
الأمة العاجزة فقط هي التي تنتظر المعجزة، والأمة السليمة هي التي تصنع المعجزات. الأمة السليمة تعمل بشرف وغيرة لتحقيق العدالة والرفاهية والمساواة والتقدم لشعبها. والأمة العاجزة تنتظر بلا ملل ولا كلل من ينقذها من محنتها. الأمة السليمة مبدأها العطاء، والأمة العاجزة مبدأها الأخذ. الأمة السليمة تنتج لتسد وتأكل لتعيش وتعمل لتسعد. والأمة العاجزة تعيش لتأكل وتنام لتعجع وتستيقط لتركد. الأمة السليمة تحقق أحلام شعبها. والأمة العاجزة تحول احلام شعبها الى كوابيس. الأمة السليمة تنظر للأرض والأمة العاجزة تنظر للسماء. الأمة السليمة تزخر بالنخب الواعية والإرادات النزيهة والعقول الحرة والنفوس المؤمنة. والأمة العاجزة تزخر بالأميين والمرضى والفقراء واللصوص والمجرمين.
شتان بين الأمتين وشتان بين المهديين مهدينا ومهديهم! مهدينا المختفي في حفرة بائسة تحت الأرض ومهديهم البارز الواقف بثقة على الأرض. مهدينا الخائف المهزوز الشخصية ومهديهم الشجاع الواثق من نفسه. مهدينا الرعديد الذي يخشى الحكام، ومهديهم الشجاع الذي يتحدى المقصلة والمشنقة ويعتليها بكل إباء وفخر. مهدينا الوحيد المنعزل الذي لا يحس بمعاناتنا ولا يساعدنا. ومهديهم القائد الجماهيري الذي يتحسس كل مشاكهم. مهدينا أسير الحفرة ومهديهم أسير الإرادة الحرة. مهدينا اللغز ومهديهم حل اللغز، مهدينا الغروب ومهديهم الشروق. مهدينا الساكن الجامد والخامل ومهديهم المناضل المكافح والناشط. مهدينا الغائب السقيم والعقيم، ومهديهم الحاضر والمعافى والسليم. جمهور مهدينا الجهلاء والفقهاء، وجمهور مهديهم العقلاء والعلماء.
لكن من هو مهديهم؟
مهديهم ليس واحد، بل جمهرة من المهديين ثوار وزعماء مصلحين وعلماء في كل مجالات المعرفة. مهديهم ماوتسي تونغ وماركس ولينين وجيفارا وغاندي ولنكولن ولوثر وروسو وفولتير واقبال وفرويد وهافلوك ونيوتن وانشتين واسحق سنجر مخترع (مكائن الخياطة) وادور تيلر(مخترع القنبلة الهيدروجينية) وادمون بيكريل(مخترع الصور الملونة) والأخوة رايت، والفريد نوبل (مخترع الديناميت) والكسنر جاهام(مخترع التلفون)، والكسندر فليمغ(مخترع البنسلين) وباردن(مخترع الترانسيستور)، وبورش(مخترع العدسات) والآلاف غيرهم.
مهديهم حاضر بالثوار والمصلحين والفلاسفة والمخترعين والمكتشفين ممن قدموا للبشرية خدمات عظيمة. فما قدم مهدينا ونوابه ونواب نوابه للبشرية؟ معظم المنتجات التي يستخدمها اتباع المنتظر ابتداءا من الإبرة والسيارة والقطار وصعودا للطائرة والتلفزيون والمطابع والأدوية كلها من مخترعات مهديين الغرب، معظم الالبسة والادوات المنزلية وبقية التجهيزات التي يستخدمها اتباع المهدي هي من صناعة مهديين الغرب. بل ان بعض المنتجات ومنها الصناعية والزراعية تصنعها دول وثنية وتصدرها لأمة المهدي المسلمة!
الفرق بين أمة الغرب وأمة المنتظر: إن الأولى تصنع أقدارها ومصائرها، والثانية تنتظر اقدارها ومصائرها. هم يعملون بجد وشرف وغيرة بلا توقف، ونحن في إجازة مفتوحة منذ 12 قرن في إنتظار المعجزة.
ولا معجزات! يا أمة عاجزة، قد ضحكت من عجزها الأمم.
|
شبكة البصرة
|
الخميس 22 شعبان 1433 / 12 تموز 2012
|
قال سبحانه وتعالى
قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم
الجمعة، 13 يوليو 2012
جدلية العقل الإنهزامي في إنتظار المعجزة!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق