قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الثلاثاء، 15 أكتوبر 2024

هل تستطيع الدول منع تحليق الصواريخ والطائرات فوق أجوائها الوطنية؟

 هل تستطيع الدول منع تحليق الصواريخ والطائرات فوق أجوائها الوطنية؟

نزار السامرائي   وجهات نظر



كَثُرَ الحديث في موضوع اغلاق أجواء عدد من الدول المجاورة لفلسطين المحتلة، بوجه الطائرات أو الصواريخ الإيرانية و (الإسرائيلية) التي يطلقها كل طرف نحو الطرف الآخر، وحساسية إيران المصحوبة بلهجة تهديد صريح أو ضمني للدول العربية المجاورة لفلسطين المحتلة.

وكأن الدول المجاورة ل(إسرائيل)، تمكنت من منع صواريخ إيران ومسيّراتها التي أطلقتها في أوقات سابقة نحو (إسرائيل)، حتى تلمح بأنها ستنظر إلى سماح هذه الدول في حال عبور الطائرات (الإسرائيلية) أجواءها، على أنه مشاركة في العدوان أو على الأقل التواطؤ معه، ومع ما في هذا المنطق من ازدواجية المعايير، هذا إذا نحينا وجهات النظر السياسية جانبا، فإنه من الناحية الفنية مستحيل.
على العموم لي كتاب اسمه "الحروب واتفاقيات الحدود العراقية الإيرانية، وأثرها في العلاقات بين البلدين" الصادر عن دار دجلة ناشرون وموزعون/ عمان/ الأردن/ عام 2015، وهنا أستل منه هذا البحث الذي يتناول هذا الأمر من وجهة نظر قانونية.
حدود الدول الجوية
وهو الهواء الذي يعلو إقليم الدولة، وهناك ثلاث نظريات بشأن هذه الحدود وهي: -
1 – نظرية حرية الهواء الذي يعلو إقليم الدولة: ويرى المؤيدون لهذه النظرية أن المجال الجوي لا يخضع لسيادة دولة من الدول بل هو متاح للجميع.
إن تطور تكنولوجيا الصواريخ العابرة للقارات، وكذلك وضع الآلاف من الأقمار الصناعية في مدارات ثابتة حول الكرة الأرضية، يجعل من المستحيل على معظم دول العالم حماية أجوائها، وخاصة في أعالي الفضاء المحيط بها، ومنع حركة هذه التوابع المخصصة للتجسس أو للاتصالات، ومعلوم أن الكلف المرصدة لما يسمى بالدرع الصاروخية تنوء بها حتى الاقتصادات الكبرى في العالم بما فيها الاقتصاد الأمريكي، ولو أن الأمر يرتبط بحركة الطيران المدني التجاري فقط، لكان ممكنا من الناحية النظرية لكل الدول أن تضمن سلامة أجواءها، ليس بقوة السلاح وإنما بقوة الاتفاقيات الدولية الملزمة للدول الموقعة عليها والموثقة لدى الأمم المتحدة .
2 – نظرية السيادة المقيدة: ويرى أنصار هذه النظرية أن سيادة الدولة تمتد إلى ارتفاع معين من إقليمها، أما ما يعلو ذلك فهو حر لجميع الدول، يمكن أن تكون هذه النظرية أكثر قبولاً لأنها واقعية وممكنة التطبيق من الناحية العملية، شريطة أن تستند إلى اتفاقيات دولية جماعية ملزمة للدول الموقعة عليها، وتحظى برعاية الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وكذلك دعمها من جانب الأمم المتحدة، وفي هذه الحالة فقط يمكن ضمان احترامها من قبل الدول الأعضاء في المنظمة العالمية، وفي حال خرقها من أي طرف يجب فرض غرامات محددة، أو اتخاذ تدابير مانعة من تكرار الخرق لضمان احترام الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وصيانة أجواء الدول غير القادرة على حماية أجوائها بقدراتها الذاتية من التجاوز وإدخالها في نزاعات لا مصلحة لها فيها، ويمكن الاستدلال على أن الدول لا تستطيع حماية نفسها من الخرق لأجوائها في الفضاء العالي، أن الولايات المتحدة لم تنجح حتى اليوم في اختبارات ما تسمى بالدرع الصاروخية لحماية أجوائها من ضربات غير محسوبة، فإذا كان هذا حال بلد الولايات المتحدة فكيف سيكون حال الدول الأقل تطوراً؟
3 – نظرية السيادة المطلقة للدولة على ما يعلو إقليمها من هواء مهما ارتفع: وهذه النظرية ومهما استندت على أسس قانونية، فإنها من الناحية العملية غير قابلة للتطبيق، ولا يمكن لأية دولة في عالم اليوم أن تفرض سيادتها المطلقة على أجوائها مهما ارتفعت، فالأجواء ليست مهيأة لإقامة خطوط دفاعية، ثم إن هذا المبدأ لا يمكن ضمانه في كل الأوقات، لأن الدول الكبرى التي تريد توجيه صواريخها لضرب أهداف محددة في دول ثالثة لا تنتظر أخذ إجازة من دول صغيرة كي تقوم بذلك، أو إذا تعرض أمنها القومي للخطر فإنها ستبادر لاستخدام صواريخها في ضرب أهداف محددة في دولة معادية عبر أجواء دولة أو دول ثالثة، ولا يتوقع منها أن تأخذ رخصة من دولة ما، من أجل السماح لصواريخها بالمرور عبر أجوائها لضرب دولة ثالثة، وهذه الصواريخ، لا بد أنها مرت بأجواء دول ظلت تقدم افتراضات غير واقعية عن سيادتها على أجوائها، ولا يمكن تطبيقها عمليا، لأن قدرتها على فرض سيادتها المطلقة على أجوائها تبقى خاضعة لعوامل كثيرة، ولعل ما جرى خلال الحرب التي قادتها الولايات المتحدة على العراق سواء في عام 1991م أو في عام 2003م، ما أعطى الدليل القاطع على سقوط نظرية السيادة المطلقة على الأجواء الإقليمية بما فيها الهواء العالي، فماذا فعلت الدول التي مرت الصواريخ الأمريكية فوق أجوائها، بما فيها الدول التي لم تكن موافقة على شن الحرب؟ وهل كانت تستطيع الاحتجاج على مرور الصواريخ الاستراتيجية فوق أجوائها؟ وإذا فعلت ذلك هل يمكن أن تحقق شيئا ملموسا من وراء الاحتجاج؟ بل ماذا تفعل الولايات المتحدة اليوم وهي تعرف أن المئات من أقمار التجسس السوفيتية سابقا والروسية حاليا، تمسح أجواءها على مدار الساعة؟ في الوقت الذي تعرف فيه أنها تمتلك عددا مماثلا من أقمار التجسس الصناعية التي تحلق في الأجواء الروسية والدول الأخرى دون استئذان منها.
هذه مساهمة مني في إعطاء أجوبة قانونية عن أسئلة تترد هذه الأيام عن قدرة الأردن أو العراق فنيا أو سياسيا، في منع كل من إيران و(إسرائيل) عن خرق أجوائهما.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق