إلى أمين عام الأمم المتحدة
سميرة رجب
معالي الأمين العام، بصفتك المسؤول عن أداء كل المنظمة الأممية، بما فيها المفوضية السامية ومجلس حقوق الإنسان، أضعكم أمام مآس وانتهاكات لحقوق الإنسان لا ترتكبها الحكومات بل يرتكبها المدعوون «الثوار»، وهذه وقائع يومية تجري في بلادي، مملكة البحرين، لا توليها مؤسساتكم اهتماماً متوازياً يحقق كل مبادئ ومعاهدات حقوق الإنسان الدولية، التي باتت مصدر إلهام حركات التغيير والمصالح الاستعمارية في منطقتنا العربية، في إطار الصراع على النظام الدولي الجديد..
أكتب هذه الواقعة التي حدثت مساء يوم الخميس 29 مارس 2012، في شارع بحريني مزدحم بالحركة المرورية على مدار اليوم، ليلاً ونهاراً.. وتحدث عشرات المرات في اليوم الواحد لأبناء بلدي على يد مجاميع من الأطفال المدربين أعلى تدريب لإلحاق الأذى بالدولة، وشرعيتها الممثلة في الشعب، لصالح أحزاب دينية تستغل العقائد المذهبية لنشر الإرهاب وتكميم الأفواه..
أكتب هذه الواقعة بعد أن قرأت تقرير لجنة تقصي الحقائق الأممية التي أمرتَ بتشكيلها برئاسة البروفيسور محمود شريف بسيوني، لمعرفة حقيقة الانتهاكات التي حصلت في ليبيا خلال فترة «الثورة».
أكتب هذه الواقعة لأن التقرير «الليبي» سرد مئات الوقائع من الانتهاكات الخطرة التي تمثلت في الاعتقال والتعذيب والاغتصاب والقتل والتشويه والمداهمة والأسر، ولكن هذه الانتهاكات لم ترتكبها قوات النظام فقط، حينذاك، بل توزعت بالمناصفة تماماً ما بين انتهاكات مروعة مارسها «الثوار»، وانتهاكات مروعة مارستها قوات القذافي، بحسب التقرير.. فكان نصف التقرير بعنوان «انتهاكات قوات القذافي»، والنصف الآخر بعنوان «انتهاكات الثوار».. فتساوى الطرفان في انتهاكات حقوق الإنسان والاستبداد، وفي قتل الشعب الليبي، وهذا ما يدعونا إلى التساؤل، هل انتهى عصر الاستبداد في ليبيا أم ان القادم سيكون أسوأ من السابق؟
وأكتب هذه الواقعة لأن التقرير «الليبي» شجعني لأسرد انتهاكات المدعوين «الثوار» في البحرين أمام المنظمة الدولية، لربما تستدرك هذه المنظمة الواقعة الليبية لتوفير الحماية للشعب البحريني الذي يعاني اليوم من انتهاكات المدعوين «الثوار» في حالة مشابهة تماماً لذلك التقرير الأممي عن ليبيا.
ولربما تستدرك المنظمات الحقوقية بأنها باتت عنصراً رئيسياً في انتشار العنف وانتهاكات حقوق الإنسان في مجتمعاتنا، لما تعانيه (المنظمات) من قصور في معاييرها وأدائها، مما يدفع باتجاه تسلط الإرهاب على المجتمع، ولأنها لا تزال تنظر فقط بعين واحدة، مسلّطة على سلوك الأنظمة، من دون الاهتمام بسلوك وأداء المنظمات والأحزاب السياسية التي تمارس الإرهاب تحت شعار المطالبة بالديمقراطية.
الحادثة، مشابهة لعشرات الحوادث اليومية التي يعيشها الشعب البحريني ويحاول التغلب عليها، فتعرضت سيدة بحرينية شابة في الثلاثينيات من عمرها مساء الخميس المذكور، في سيارتها مع أطفالها الثلاثة (ما بين سنتين وتسع سنوات) إلى محاولة إشعال نار تحت سيارتها التي كانت تنتظر في مقدمة الشارع أمام الإشارة الضوئية، حيث نزل عدد من الأطفال الملثمين بالسواد، وبدأوا بسكب الوقود تحت سيارتها، ووضعوا الإطارات وأشعلوا النار، ولاذوا بالفرار، وارتفعت الألهبة، ووصل الدخان إلى داخل السيارة، فكانت لحظات رعب وإرهاب عاشتها تلك السيدة ما بين محاولتها ثني الجناة عن جريمتهم، وما بين إنقاذ أطفالها والهروب بالسيارة في شارع لا منفذ منه، حيث النار أمامها وقافلة من السيارات تنتظر خلفها، وهي تسمع سعال أطفالها المرعوبين وهم يقاومون الاختناق، فما كان لها إلا الالتفاف بسيارتها، التي اصطدمت بعدة سيارات قبل صعود الرصيف بحثاً عن مأوى آمن لإخراج الأطفال وإنقاذهم من الاحتراق بالنار، أو الاختناق بالدخان.. فواجهت هذه العائلة الصغيرة الموت الأكيد الذي كان بفعل فاعل وبتعمد وسبق إصرار من دون أن تتمكن حتى الآن من تسجيل قضيتها ضد الجناة، لأنهم أشباح مدربون يخرجون مع الظلام ويختفون بين الناس في النهار، وتحميهم منابرهم الدينية.
هذا نموذج واحد من الوسائل الإجرامية التي يعمل بها الإرهابيون في البحرين، ويدافع عنهم المعممون على منابر المساجد (وبإمكاننا أن نسطر مئات القضايا المشابهة والأكثر سوءا)..
هذا نموذج من الإرهاب الذي لا تقبل جمعية «الوفاق» الإسلامية (الطائفية) وأتباعها في البحرين بإدانته، لأنها لا تملك القوة القيادية لعمل ذلك..
هذا نموذج من الواقع الذي يحاول الإرهابيون في البحرين إخفاءه عن العالم، وعن منظمات حقوق الإنسان..
وهذا نموذج من الأداء اليومي الذي تمارسه جمعية «الوفاق» وأتباعها، والذي جلَب لها المزيد من الكراهية في صفوف الشعب البحريني..
هكذا يعمل الإرهابيون على انهيار الاقتصاد، ونشر البطالة، وتكميم الأفواه، وفرض الرعب في المجتمع البحريني.. فهل هذه ثورة أم إرهاب؟.. وهل هذا عمل ثوري أم عمل إرهابي؟..
وأخيراً هل هذا ما تدافع عنه منظمات حقوق الإنسان الأممية، أم هي جرائم وانتهاكات بحق الشعوب وبحقوق الإنسان؟..
وهل بإرهاب الشعوب تتحقق الديمقراطية، أم إننا متجهون نحو عصر الاستبداد والدكتاتوريات المفرطة؟.
ودمتم معالي الأمين العام..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق