ليبيا عراق أخرى بذات الحجة والتدمير !
وطن للأنباء- كتبت: رولا حسنين
لم يمضِ شهر على إعلان لجنة تحقيق بريطانية عن الخطأ غير المبرر الذي ارتكبه رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير عندما قرر دفع تعزيزات عسكرية بالتشارك مع أمريكا في العراق بحجة "وجود أسلحة دمار شامل في العراق تهدد المنطقة"، حتى يطل علينا مجلس الأمن مساء أمس الجمعة بقرار ضرورة سحب الأسلحة الكيميائية من ليبيا، بطلب من بريطانيا.
"طلب تقدمت به بريطانيا ووافق عليه أعضاء مجلس الأمن بضرورة سحب الأسلحة الكيميائية من ليبيا خوفاً من استحواذ متطرفين عليها واستخدامها بغير غرضها" مشهد يعيد آخر حدث قبل أعوام، يختلف فيه المكان، اليوم ليبيا وبالأمس كانت العراق، حجة احتلالهما واحدة "وجود أسلحة كيميائية" والحجة دوماً تبرر التدمير.
عودة الى التاريخ قليلاً، سنقرأ فيه أن أمريكا احتلت دولة العراق عام 2003، بحجة وجود أسلحة كيميائية تحت سيطرة رئيسها آنذاك صدام حسين، وأنه من الممكن استخدامها بما يضرّ المنطقة، فاحتُلت العراق وتدمرت كلياً، وانقسمت طائفياً بعد تعزيز المفاهيم الدينية التي تناسب أهواء أمريكا وتابعيها، لنرى اليوم العراق تعاني من ويلات حجج غربية واهية، ثم نقبل الاعتراف المتأخر الذي يفيد بأن احتلال أمركيا للعراق لم يكن مبرراً ولا داعٍ له، ولكن بعد ماذا؟ بعد احتلال وتدمير كلي للعراق؟ بعد استحداث نكبة ما زال العراق يعاني منها بل وتتفاقم كل يوم؟ اعتراف أمريكي يفيد بأن حجة وجود أسلحة كيميائية تبيّن أنها كذبة استغلتها أمريكا لاحتلال العراق وتدميرها وبعث التفرقة والشرذمة في مجتمعها، واحلال حالة القتل بين العراقيين لسنوات طوال ما زلنا نشاهده يومياً.
قراءة التاريخ تتسطر فعلياً اليوم، فحال ليبيا اليوم ليس أفضل حالاً من العراق، منذ اندلاع "الثورة الليبية" عام 2011، والولايات الأمريكية عبر الناتو تتدخل في ليبيا وهذا لا يخفى، ليطل علينا مجلس الأمن أمس بقراره القاضي بضرورة سحب الأسلحة الكيميائية من ليبيا خوفاً من استحواذ متطرفين عليها واستخدامها بما يضر المنطقة، وكأن مجلس الأمن قديماً كان يسمح لليبيا امتلاك الأسلحة الكيميائية ليجيز سحبها اليوم، وكأن الدول الغربية عبر تدخلها الواضح في ليبيا تحتاج لمبرر آخر تتدخل من خلاله بمنطقة الشرق الأوسط كلها، وكأن الناظر لليبيا اليوم لا يؤمن أن الشرذمة والتفتت قد أصاب مجتمعها عدا عن القتل والإرهاب الذي يهددها كل ثانية، وكل ذلك بحجج واهية، فليبيا اليوم هي عراق الأمس، والاحتلال إرهاب يصنع الارهاب ثم يشتكيه لمجلس الأمن الذي يبرر الإرهاب الغربي.
ما يزيدنا امتعاضاً هو أن الدول الغربية تحتل الشرق الأوسط كله، وتدرك ماهية أحواله، وتتدخل في شؤونه صغرت أم كبرت، ثم نتناقل خبر أن "محاربة الارهاب وتخليص المنطقة من ويلات أخرى" هي هدف تلك الدول في احتلالها لنا، هل نحن فعلياً ننتظر اعتراف رسمي مستقبلي يفيد بأن احتلال ليبيا كان خطأ آخر يضاف لسجل الأخطاء العالمية التي كلّفت دماء وضحايا لا عداد لها، وتدمير لدول لا يمكن اصلاحها غداً!؟.
المثير للدهشة أن مجلس الأمن الذي قرر استسهال احتلال ليبيا عبر حجة الأسلحة الكيميائية المدعى أنها بحوزتها لا يعلم أن الأسلحة النووية التي تمتلكها دولة الاحتلال الاسرائيلي التي تحتل فلسطين منذ عشرات السنوات أخطر من الاسلحة الكيميائية في ليبيا إن وجدت أصلاً، وهل مجلس الأمن لا يقرأ التاريخ الذي تلطخ بالدم بعد كذبة جورج بوش الرئيس السابق للولايات الأمريكية خلال احتلاله للعراق؟، هل مجلس الامن لا يعي أن الحجة التي تستخدمها الدول الاحتلالية ذاتها ربما مع تغيير بسيط في المسميات و"بهرجتها" لتتناسب مع كمية ضخ الاحتلال لدول الشرق الأوسط؟، وهل تختلف أمريكا عن بريطانيا في مسوغات الاحتلال، وماذا تختلف العراق عن ليبيا في حتمية التدمير المستقبلي رغم التدمير الآني التي تشهدها الدول وغيرها من الدول العربية؟، وهل نُكذّب أنفسنا عندما نعلم أن الإرهاب الذي يخرج باسم الدين هو ما صنعته الدول الغربية لتدميرنا، فلو عدنا قليلاً لما قاله رئيس وكالة المخابارت الأمريكية السابق جيمي وولسي عام 2006 "سنصنع لهم إسلاماً يناسبنا" أليس الإسلام الذي يناسبهم هو الذي يراه الكل اليوم أنه إرهاب؟، أليس الإسلام الذي يناسبهم أصبح يعني التطرف؟، أليس الإسلام الذي يناسبهم كان من صنع يدهم وصدقناه نحن، أليس الإسلام الذي يناسبهم هو سبب شرذمة العراق وليبيا وغيرها؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق