هل نحن قادرون على استقراء او التنبؤ بالمستقبل
كثيرة هي الأحداث التي يمكن التنبؤ أو التوقع بحدوثها من خلال قراءة التاريخ ودراسة الحاضر بما يوفره من معلومات وتطبيق قوانين حركة التطور المجتمعي وقوانين الطبيعة التي لا زال الإنسان في صراع مع الطبيعة لكي يسخرها لمصلحة تطوره . ومن خلال السنوات الماضية فإن الأحداث التي مرت على ألامه العربية التي أثرت تأثيرا كبيرا على حياة العرب وعلى الصراع الدائم لحركة التطور والتقدم الحضاري الذي تتوق ألامه لتحقيقه . فهل كان العرب انظمه ومؤسسات ومنظمات حزبيه ومفكرين وعلماء قادرين على التنبؤ بحدوثها من خلال فهم حركة الواقع وتداخلات العوامل ألمحركه لهذا الواقع بحيث تتمكن ألامه من التعامل الخلاق مع الأحداث الدائرة وتسخيرها لخدمة ألامه وقضاياها المصيرية ؟؟
هذا السؤال بقدر تشعبه لا يمكن الاجابه عليه إلا بعد استعراض العوامل المؤثرة على حركة التطور العربي والاجابه على اسئله أخرى نطرحها من خلال سياق ألكتابه . و هنا يمكننا القول إن البعث العربي الاشتراكي باكتشافه القوانين المحركة لحركة المجتمع العربي , والتطبيق الخلاق الذي أرسى دعائمه سيد شهداء العصر الرئيس القائد صدام حسين من خلال ( نظرية العمل البعثيه ) الذي استطاع في فتره وجيزة أن ينهض بالعراق أرضا وشعبا ومن خلال عوامل أهمها استقراء المستقبل بكل إشكاله في حالة السلم والحرب وإعداد الخطط للتفاعل مع أحداث المستقبل بما يخدم حركة النهوض العربي , حيث كانت كل المعارك على كل الجبهات ألداخليه والخارجية حاضره في ذهن القائد (( لن نبتئس عندما يصبح القتال ضرورة ملحه للدفاع عن الحق عن السيادة وعن الآمال ....لن نبتئس عند ذلك من خوض المعارك الضارية على جبهات متعددة ومسبقا نحن واثقون من النصر , لا على جبهة واحده وإنما على كل الجبهات التي نقاتل فيها ...ننطلق في هذا من نفس طويل وصبر لا حدود له ..نحن لا نطمح بالحسابات الانيه السريعة القصيرة النظر أن نحسم معاركنا على كل الجبهات بسنه أو سنتين وشهر أو شهرين ......حتى نسعى لأن نحسم بعضها بالقدر الذي نستطيع بالتحديد الزمني المتوازن مع مسيرة الثورة , لكننا في نفس الوقت نعلم إن معاركنا سوف تكون طويلة وقاسيه و ستستمر لزمن طويل , وليس مهما أن نسأل أنفسنا هل ستكون أمامنا معارك , هل سنخوض معارك ؟ فهذه أسئلة تجيب عليها المسيرة التي ارتضينا لأنفسنا أن نسير فيها . المهم في كل هذا أن نقول بضوء المسيرة هل أعددنا ما يلزم حتى تكون النتيجة , في المحصلة النهائية المنتصرين ؟ هذا ما نستطيع الاجابه عليه بكل اعتزاز .. نعم , نعم في المعارك الداخلية ونعم لمن يحاولون أن يطرقوا على السياج الخارجي لوطننا )) (1) .
هكذا هو تفكير القيادة في الحزب والدولة في العراق لذلك فإنه في كل المعارك يتم التعامل وفق رؤيا واضحة ناتجة عن استقراء المستقبل والتنبؤ بإحداثه , حيث تحمل العراق قدره الذي يفوق تحمل أي دوله اكبر من العراق بأضعاف المرات , و بهذه البصيرة الفذة النافذة إلى أعماق المستقبل تتضح فيها ألصوره الواضحة للمقاومة العراقية البطلة التي تكبد التحالف الشرير أقسى الخسائر مما فكك التحالف وجعل قوى الغزو لا تستطيع خوض حربا أخرى في أي مكان وجعل اقتصادها يترنح على كف عفريت وخسائرها البشرية والمادية والمعنوية تحصى بأرقام فلكيه.
هذا في عراق البطولات والملاحم الخالدة , أما بقية الأقطار العربية هناك شك أن بمقدورها أن تستقرى المستقبل وهذا ما أوضحته وكشفته ما يسمى بالثورات الشباببيه التي رأينا حالة التخبط والانهيار لهذه الدول ومدى هشاشة مؤسساتها عامه , وإذا كان الرفيق الشهيد صدام حسين قد تنبئ بسقوط حسني مبارك فإن المفكرين العرب القوميين من خلال مصادر المعلومات المتوفرة قد شككوا في ما يسمى الثورات واعتبروها انتفاضات مسيره خارجيا تخدم المخططات الاستعمارية وهذا هوا واقع الحال فعلا
إذا ما هي العوامل التي تؤثر على استقراء المستقبل ؟
يمكن تلخيص أهم العوامل المؤثرة في استقراء المستقبل بالاتي :
أولا: العامل التاريخي
إن المقدرة على فهم حركة التاريخ وتفسير أحداثة والتفاعل معه كقاعدة أساسيه لفهم الحاضر وتحديد تحديات المستقبل أو التنبؤ بالأحداث المستقبلية بوجود (( فلسفه للتاريخ واحده من الدراسات الفكرية التي جمعت بين المنهج العقلي التحليلي الفلسفي والفحص الواقعي الموضوعي لأحداث التاريخ ( السلبية والايجابية ) واستيعاب معطياتها )) (2) كما ان الفهم الواضح للتراث الإنساني العربي الحضاري عند حدود المرحلة الاسلاميه الزاخرة بالعطاء لا يحجب عنا فهم التراث الحضاري للعرب من المحيط إلى الخليج عبر منجزات الإنسان العربي قبل الإسلام لان (( كل الحضارات الانسانيه التي نشأت في الوطن العربي إنما تعبر عن شخصية ألامه وأبنائها النابعين من أصل المنبع الواحد , إذا كانت لهذه الحضارة خصوصية وطنيه فإنها جزء من ألسمه القومية الأعم )) (3), و لان كان التاريخ عبارة عن أحداث فإنه (( على المؤرخ الاجابه في مادته المكتوبة عن ثلاثة اسئله وهي : ماذا حدث ؟ , كيف حدث ؟ , ولماذا حدث ؟ , والسؤال الأخير محور الخلاف بين المؤرخين والاجابه عنه تسمى (تفسير التاريخ) ))(4), ولكي توضح ألصوره فإنه من البديهي إن تكون هنا سؤالين آخرين وهما : متى حدث ؟ , أين حدث ؟ لتصبح الاسئله خمسه السؤالين الأخيرين لتحديد الزمان والمكان الذي حدث فيهما الحدث .
الأحداث التاريخية لا تتصل بل تتقاطع ((فالاتصال يعني انسياح الحدود وتداخل الإحداث والوقائع . في حين إن الحدث يقع والوقوع يعني تحقيق الحدث من حيث المفردة وليس ثمة مفرده إلا عندما تقوم لها تخوم وتتشكل لها ملامح ويعلو جبينها اسم واحد ... فالمفردة دائما حيث يكون توقعها أقرب إلى المفاجئة منه إلى الانتظار و الارتسام القبلي . ومهما كان للانتظار توقعه المستقبلي فإن مستقبله يأتي مختلف على الأقل بما فيه من تفاصيل وجزئيات تشكل له نسيجه الحقيقي )) (5)...ولا يمكن تصور التاريخ حدث واحد حيث انه إذا كان (( التاريخ حادثا واحدا مشدودا وممطوطا إلى مالا نهاية .. ولا حاجه عندئذ إلى تعيين الوقائع , وتسمية الفواصل , وتاريخ ما أتى من قبل , وما يأتي من بعد )) (6) .
كما انه يجب إن تستحضر كل التفسيرات لإحداث التاريخ بما يعزز ثقتنا بصواب النهج الحضاري للامه على أساس المبادئ الخالدة للامه العربية .
ثانيا: التحديات الخارجية
يمكن تقسيم التحديات الخارجية إلى :
1 _تحديات إقليميه ناتجة عن تماس حدود الوطن العربي بالشعوبية المتطلعة إلى خيرات الوطن العربي تدفعها إطماعها التوسعية وأحلامها باستعادة ماضيها الإمبراطوري للتدخل في الشؤون الداخلية للعرب أو محاولات شن حروب مدمره على العرب واحتلال الأرض العربية .
2 _ بؤر توتر ناتجة عن الحدود المصطنعة بين الأقطار العربية . ومع إن أكثرها قد حل بترسيم الحدود بين بعض الأقطار العربية إلا إن بعضها لازال يشكل تهديد واضح للسلم العربي .
3 _التحدي الأخطر هو التحدي الاستعماري الامبريالي الصهيوني حيث إن اكبر تهديد للوجود القومي للامه العربية هو الكيان الصهيوني المغتصب لأرض فلسطين و لإحساسه الدائم بأنه جسم غريب بين العرب ومغتصب للأرض العربية فانه ومعه الامبريالية الاستعمارية يحيك المؤامرات ليشغل العرب بذاتهم وليتمكن من إحكام وجوده وتهويد الأراضي العربية في فلسطين مستفيد من جملة التناقضات المصطنعة محليا ودوليا . ولن تسلم الأقطار العربية من تهديده حتى ولو وقعوا معاهدات سلام لان الصهيونية وكل المنظمات اليهودية الأخرى لا تحترم و لا تعترف إلا بلغة واحده هي لغة القوه والقوه فقط .
يتضافر التهديد الصهيوني مع التهديدات الامبريالية للسيطرة على ارض العرب ليس لنهب ثروات العرب فقط وإنما أيضا لإذلال الشعب العربي عبر أجندات لا تسقط من مقدمتها الحرب الصليبية و دائما يستخدم ويستحضر كل أساليب الدعم لموقفه العدائي كاستخدام المنظمات الدولية و الاقليميه وتلك التي تدعي بأنها إنسانيه بل ويجبر العديد من دول العالم للوقوف في أحلافه أحلاف القتل والتدمير والقتل الجماعي وتشريد الأطفال و النساء وقتل العلماء ونهب التراث التاريخي وتدمير الثقافة العربية . وهذه العدوانية ليست نزوات حكام يطمعون في التوسع والبناء الإمبراطوري ولكنها حروب لها امتداداتها التاريخية وتتضافر فيها كل الجهود الشعبية والمنظمات المختلفه ويكون الفكر والدين المحرك الأول عبر مخططات تصدر عن علمائهم ومفكريهم وقساوستهم ورهبانهم من خلال مراكز الدراسات الاستعمارية . وان كان لهذه الدراسات التي تقرحت بها عقول ومفكري الموت والدمار الامبريالية أهميه كبرى في التنبؤ بالمستقبل, فإن كثيرين من مفكري ألامه العربية تحدثوا عن ما أسموه خطوط حمراء تفرض على الدول النامية لتحدد مسارات التطور الحضاري وعندما تحاول أي دوله أن تتجاوز هذه الخطوط فان كل عوامل الشر والعدوان تتكالب عليها لإرجاعها إلى الوراء خطوات عديدة أو تعيدها إلى عصور التخلف في القرون الوسطى ( كما قال جيمس بيكر وزير خارجية امريكا لطارق عزيز مهندس السياسة الخارجية العراقية قبيل أم المعارك الخالدة في جنيف ) .
ولكن عندما تستقر الأوضاع السياسية و ألاقتصاديه لأي بلد لفترة تزيد عن العقدين , ولا تتحكم في مسيرة التطور في البلد المعني أي من المنظمات المالية العالمية الامبريالية أو الشركات الاحتكارية الكبرى فإنه من الطبيعي بحسب جدلية التطور العام مع الزمن تكون البلد في حالة تقدم إلى الأمام وقد تقترب من الخطوط الحمراء الأمر الذي يدفع الامبريالية العالمية بمعالجات الحالة أي بإرجاع عجلة التنمية خطوات إلى الوراء وقد ينطبق على هذه العملية نظرية ألسببيه المرتدة التي سنتطرق لها لاحقا .هنا يتبادر إلى الذهن سؤال ... هل استغل الشباب العربي المسحوق و المقهور بالبطالة والفساد والجوع والذي يتوق إلى التغيير من قبل الأعداء ؟ لإرجاع الدول العربية إلى الوراء إذا لم يتم زرع بذور الفوضى ألخلاقه و التفتيت الطائفي والقبلي و نحن نرى حجم التدهور الاقتصادي والسياسي و تأثيرهما على الجانب الاجتماعي للامه العربية وبالأخص مصر وتونس واليمن و سوريا وليبيا .
ثالثا: التحديات الداخلية
· إن واقع التجزئة التي فرضت على ألامه أهم التحديات التي تواجه ألامه في حاضرها ومستقبلها وان أي تقارب للأقطار العربي ولو في حدوده الدنيا يحقق للامه نوع من الاستقرار و إن الأمن القومي العربي أهم ما يجب أن يتحقق ولو في الحدود الدنيا و هنا فإن مبادئ الإعلان القومي الذي أعلنه الشهيد القائد صدام حسين عام 1980 م حري بان يتم التفاعل معه والتهيأه لتطبيقه.
· كما إن أهم التحديات التي تواجه ألامه العربية في حاضرها ومستقبلها القريب والبعيد يكمن في طبيعة هذه الانظمه القطرية المتهالكة التي سلمت رقاب أبنائها للقوى الاستعمارية وتسير عبر النصائح الاستعمارية والتي تسوقها النصائح إلى هلاكها وهذه الانظمه تعتقد بأنها تؤمن الحماية لها من خلال الطاعة ومن أهم ما أفرزته هذه الانظمه :
1 __ تغليب المصالح القطرية على المصالح لاستراتيجيه للامه العربية .
2 __ الغرق حتى الإذنين في المشاكل القطرية الناتجة عن سؤ التخطيط الاقتصادي والسياسي والتعامل مع تلك المشاكل بحسب ظهورها , وحدتها دون استقراء للمشاكل التي تفرضها طبيعة التطور الاجتماعي والاقتصادي فلا توجد استراتيجيه للحلول على المد الطويل .
3 __ التخبط الواضح بين الهوية القطرية والهوية القومية بل ظهور الهويات المناطق والطائفية وتغليبها على الهوية الوطنية والقومية دون أن توجد أي تدخل للانظمه وكأن الأمر لا يعنيها .
4 _ المعاهدات الامنيه ومعاهدات الحماية وزرع القواعد الاجنبيه على الأرض العربية.
5 _ محاولات التقرب من الكيان الصهيوني و والتعامل معه اقتصاديا وسياسيا على حساب المصلحة العليا للامه .
· حالات الضياع التي تسود ألامه وهي كما لخصها الدكتور الياس فرح في تعقيبه على الأستاذ محمد حسنين هيكل في ندوه مركز الدراسات العربية لندن 6,7 مارس 1988م القاهرة ( الرؤية للنظام العربي.... الواقع والطموحات ) (7)
ا _ ضياع ( الهوية )الذي يطرح الاسئله عن معنى العروبة وعن تعريف ألامه وعن القومية العربية ...
ب _ ضياع العقلانية المستسلمة للظروف باسم الواقعية والمتجاهلة لشخصية الواقع ولطبيعة التاريخ ولحركة التغيير في المجتمع العربي وللطابع الحضاري الذي يميزها.
ج _ ضياع ( المناهج التجريدية ) التي تطبق المقاييس والتصورات الهندسية النظرية على الواقع وكذلك المناهج التجريبية ألمختبريه التي تتعامل مع الواقع العربي كما لو انه جثه هامدة للتشريح بعيد عن حركة الحياة والمعاناة وتكتفي بالإحصاء والأرقام ولا تهتم بما يعج في داخل المجتمع العربي من تناقضات , وما يتفجر من طاقات ..
د _ضياع ( الرومانسية ) التي تكتفي بالوقوف على الإطلال دون إطلالة على المستقبل , دون أن تنتزع من الحاضر دروسا مستقبليه .
إن المستقبل باب مغلق إمام النزعات المتقوقعة على ذاتها والأفكار التي لا تؤمن بالتطور والتجدد والممارسات التي لا تعرف الاصاله .
· الأحزاب الدينية المتغطية بالدين الغارقة في الطائفية ذات النوازع الانفصالية والمرتبطة بقوى خارجية إقليميه أو دوليه والتي تزرع بذور الفتنه والاقتتال و تلك ذات النزعه السلطوي التي يمكن أن تفرط بالولاء الوطني للحصول على كرسي الحكم .
· الحركات الانفصالية التي ترتهن أو الغارقة بالعمالة التي تلبي رغبات الاستعمار في تفتيت الوطن العربي .
· الأوضاع ألاقتصاديه المتدهورة والأوضاع السياسية الغائبة عن مصالح ألامه المتطلعة للحرية والديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة .
· عدم الاعتماد على الإحصاءات والأرقام الحقيقية وتحليلها كمؤشر على التطور المجتمعي وكمؤشر لاستقراء المستقبل وذلك لخضوع المعلومات للرقابة الصارمة للاجهزه الامنيه ولا تعطى لمراكز الدراسات الوطنية والقومية إن وجدت ...
· قلة الناتج الفكري والعلمي والبحثي وذلك لعدم قيام المؤسسات البحثية بدورها وإن وجدت بحوث على قلتها فإن السياسيين لا يتعاطون معها بل ولا يقرأونها وتبقى حبيسة الكتب والإدراج .
إن أي تصور للتطور القطري لا يعتمد أساسا للترابط القومي وتداخلات القطري بالقومي لن يكون له النجاح لان العرب أمه واحده كما إن أي استقراء للمستقبل لا يؤخذ البعد القومي كحقيقة حيه لن يكتب له النجاح .
الفلسفة طريق للتنبؤ بالمستقبل
لقد تميزت حركة البعث العربي الاشتراكي باكتشافها القوانين المحركة للمجتمع العربي وإن هذه القوانين تشكل أساسا واقعيا عند دراسة تاريخ ألامه أو تشخيص حاضرها أو محاولة التنبؤ بمستقبلها كما إن واحد من القوانين الذي يركز على جدلية التوافق بين القانون الاجتماعي والقانون الطبيعي دون التطابق حري بان يكون حاضرا عند محاولة استقرا المستقبل ومعنى هذا ((إن البعث ميز بين القوانين الطبيعية , و بين القوانين الاجتماعية التي ميدانها المجتمع و الإنسان , فقوانين الطبيعة ( مكرره ) وقوانين المجتمع متبدلة متطورة متغيره ....ولا يصح إطلاق الأحكام الطبيعية المطلقة على المجتمع و قوانينه وكأنه مجتمع ساكن )) (8) ولكن يمكن الاستفادة من قوانين الطبيعة ضمن جدلية التطور المجتمعي والتوافق مع قوانين المجتمع المتطورة في مرحله زمنيه بعينها .
إذا كانت الميتا فيزيقيا تعرف بأنها ((كل مالا يدخل في الحس , أي إن كل مفهوم لا يمكن رده إلى ما تنبئنا به الحواس هو ميتافيزيقيا )) (9). وعليه فان كل نشاط فكري أو عقلي هو نتاج الميتافيزيقيا ما لم يكن للحس معطياته المحسوسة . ولكن دماغ الإنسان والجهاز العصبي جهاز متفاعل مع الجسم والمحيط وان المعرفة أكثر من تجميع الأحاسيس .
ويقول الدكتور محمود حياوي حماش (( إن المشتغلين بالعلم ينطلقون من مبدأ وجود العالم حولهم وجودا حقيقيا , وان الأشياء والظواهر التي يدرسونها واقعيه أو متعلقة بالواقع ..... إننا نمتلك حاليا قدرا وافرا عن المعرفة المتعلقة بالواقع , ورغم إن البشر غير مزودين بأعضاء حس نفاذ أو قادر على معرفة كل شيء إذ إنها محدودة ولكن بإمكاننا معرفة الكثير , وان النشاط العلمي للإنسان يمكنه من زيادة هذه المعرفة كما ونوعا . .....ونظرا لان الواقع في كثير من الأحيان ليس معطى للحواس أو لأجهزة القياس والملاحظة بكل تفاصيله . إن العقل البشري يمتلك قده على محاولة إكمال ألصوره من المعطيات التي تعتبر ناقصة , لتكوين فروض ومفاهيم ونظريات تمكن من النظرة الاشمل )) (10)
وعلى هذا الأساس فان النظرة إلى المستقبل تنطلق في الأصل من دراسة الواقع والتعامل مع معطياته وجمع المعلومات التي هي نتاج النشاط البشري في جميع المجالات ونتاج التطور المجتمعي وبمعنى آخر حساب الزيادة في النتاج البشري وعلاقات الزيادة بكل الجوانب المؤثرة في هذه الزيادة كمثال الزيادة في السكان مقابل ألرقعه الجغرافية و الأراضي المستغلة أو غير المستغله أو تلك المتضررة (بالتصحر مثلا) ومقابل الإنتاج الاقتصادي وتأثيرها على دخل الفرد أو تأثيره بزيادة الإنتاج نظرا لزيادة حجم ألعماله وهكذا .
وهنا تكمن ( مشكلة لاستقرا ) التي هي ((وجود قفزه من جزئيات محدودة إلى القانون العام وهذه قفزه غير مألوفة طالما انه ليس ثمة تعادل بين الجزئيات والقانون الذي ينطبق عليها وعلى غيرها مما لم يخضع بعد للاستقراء أو التجربة )) ( 11) .
يعني إننا من خلال المعلومات التي هي جزئيه نحاول أن نستنبط قوانين (فرضيات) لحركة المستقبل ينطبق على المعلومات طبعا الحقيقية والدقيقة وعلى غيرها و نحن في الحاضر ولم يأتي المستقبل فكيف يمكن أن نستقرء المستقبل أو نجرب القانون ( الفرضية) إذ نحن هنا لا يمكننا التكلم عن قوانين بقدر ما نتكلم عن فرضيات تقترب من أن تكون قوانين ويمكننا أن نحدد أهم الأسس للفرضيات وهي كما يراها الدكتور محمود حياوي حياش :
1) أن يتقيد بالواقع والملاحظات وان لا يكون خيالا بحتا .
2) أن يكون الفرض واضحا وخاليا من الغموض .
3) أن لا يتعارض مع قانون طبيعي معروف بصحته ومثبت بالوقائع .
4) أن يكون الفرض قادرا على تفسير الوقائع التي وضع لتفسيرها .
5) أن يكون له جانب اختباري أو محتوى تجريبي يمكن التحقق منه .
ولكن نحن نتكلم عن مستقبل أي إن الأساس الخامس لا يمكن تطبيقه ولكن يمكن تأكيد حصول الفرض بنسبه مؤيه لكي نعطي أرجحيه لفرضيه على أخرى .
والشكل رقم (1) يوضح كيف ننطلق من حقيه الواقع الحلي إلى حقيقة الواقع في المستقبل
السببية ومسارات الزمن
تستخدم ألسببيه الاماميه والمرتدة لتصور ووضع الفرضيات والمبادئ على الظواهر الخارقة وذلك للتفسيرات الفيزيائية . ويمكن أن نستعين بها في أي بحث يحاول إيجاد تصور مستقبلي بفرضيات تعتمد على المعلومات الواقعية في الحاضر بعد تحليلها .
(( وهكذا فان ألسببيه الاماميه تشتمل على أحداث خارقه تتعلق بالمسار للزمن أي أحداث خارقه تتجه من الماضي إلى الحاضر . ومنه إلى المستقبل وهي خارقه لأنها لا تخضع للشروط الفيزيائية للزمان والمكان . و تشمل ألسببيه المرتدة على إحداث خارقه تتجه في مسار عكسي في الزمن من المستقبل إلى الحاضر فالماضي . وهي عندما تسير بسرعة لا تتجاوز سرعة الضوء قد تقف عند الحاضر (الآن) , ولكن عندما تتجاوز سرعة الضوء فإنها تتجاوز الحاضر إلى الماضي , أما ألسببيه التراجعية فربما أيضا تشتمل على بعدين التسبب ألموقعي في حدود الزمان والمكان , والتسبب اللام وقعي (تأثير النفس على المادة (PK ) و هذا التسبب ألموقعي في مساره التراجعي لا يمكن أن يتجاوز سرعة الضوء في حركته المرتدة وعلى العكس منه التسبب اللاموقعي أو التأثير النفسي المرتد retro-pk فانه يمكن ان يؤثر تأثير فوريا على الأحداث التي تسبقه في الزمن , لان سرعته تتجاوز سرعة الضوء .)) (12) .
إذا فالسببية المرتدة سواء كانت موقعيه أم لا موقعيه تسير ارتداديا في الزمن المستقبل إلى لحظه في الحاضر وهي لحظه يمكن أن تكون فيها الإحداث محدده وغير قابله للتغيير ((ومن المنطق فان يكون هناك شخص قادر على أن يدرك ارتداديا أحداث الماضي من دون أن يكون قادر على إيقافها أو منعها عن طريق التأثير النفسي المرتد )) (13) . وهذ قد لا يمكننا ان نتعامل معه ونحن نحاول استقراء المستقبل بما لدينا من معلومات ولكنه حقيقة علميه نتعامل معها كنظريات يمكن أن تحدث عند الحركة بسرعة الضوء.
انظر شكل 2
إن التنبؤ بالمستقبل ( Precognition ) لا يستدعي فيه التسبب المرتد فهو يسير في بسرعة تتجاوز سرعة الضوء وكذلك الحال بالنسبة لل ( Pk ) الاماميه التي تؤثر على الأحداث المستقبلي هاو الحاضرة , وذلك لأنه في التنبؤ يمارس الحدث المستقبلي تأثيرا ارتداديا على الوعي . وكذلك الأمر في التأثير النفسي ( Pk ) الأمامي فيفترض انه يؤثر على أحداث الماضي او يكون تأثيره ثنائيا بمشاركة التنبؤ المستقبل.
ويمكن تفسيرها أكثر بالشكل 3
حسب الدكتور صلاح فليفل
النظرية النسبية
((طبقا للنظرية النسبية لاينشتاين فان الساعة تتباطأ كلما اقتربنا من سرعة الضوء وتقف نهائيا عندما تبلغ تلك السرعة وهي السرعة التي يتوقف فيها مرور الزمن بالنسبة للساعة . )) (14 )
فإذا كانت عجلة التنمية تسير بسرعة معينه و تطور المجتمع يسير بسرعة اعلي من سرعة التنمية يحدث خلل هام حيث تتفاقم المشاكل الاجتماعية نتيجة لعدم تلبية التنمية لحاجات المجتمع إما إذا أردنا انلا يحدث خلل فانه يجب إن تتساوى سرعة التنمية مع تطور المجتمع حتى لا يحدث ذلك الخلل وإذا افترضنا إن التنمية أخذت تتطور أكثر من سرعة تطور المجتمع فسيحث خلل ولكن من نوع آخر مثلا أن تجد مستشفيات أو مدارس بدون أطباء أو مدرسين ولو افترضنا انه حدثت كارثة طبيعيه أو مصطنعه كحرب مثلا ودمرت العديد من البناء التحتية أي فان التنمية ستتراجع إلى الخلف عدة خطوات وعليه يجب حساب مقدار التراجع إلى الوراء في التنمية لتحديد ألنقطه التي تراجعت إليها التنمية وتهيئة الأسباب للانطلاق بسرعة عاليه لتتساوى عجلة التنمية مع التطور المجتمعي . فيزيائيا إذا كنت في قطار والقطار يسير وصديقك يركب دراجة ويسر بجانب القطار و أنت تتحدث معه فلكي تستمر المحادثة يجب على صديقك أن يسير بسرعة القطار . و إذا سار صديقك بسرعة اعلي من سرعة القطار وسبق القطار وعند نقطه في المستقبل اكتشف عبوه ناسفه , فانه لكي ينقذ القطار فعليه العودة بسرعة الضوء ليلحق القطار قي الزمن الحاضر أي الآن ليوقف القطار قبل أن يتحرك إلى الأمام . وهنا يمكن أن تتم الحسابات بطريقة حساب المتجهات أي حساب المعدل استنادا إلى فرق السرعة بالنسبة لمتجهين متعاكسين في الاتجاه والشكل 4
يوضح ذلك حسب الدكتور صلاح فليفل الجابري.
((و الشيء الذي يتحرك ارتداديا في الزمن سوف يبقى إلى الأبد في ألحضه التاريخية لبداية رحلته , ذلك لان حركته الاماميه مع مسار الزمن سوف تكون مساوية بالضبط لحركته المرتدة . أما إذا ارتد الشيء بسرعة تفوق سرعة الضوء فانه سوف يدخل في زمن موجود قبل بداية رحلته فمن اجل أن تعمل ألسببيه المرتدة فان الشيء سواء كان قوه أو جسيما يجب أن يكون مستقلا عن الزمن أي لا موقعي non__local))) (15 ).
بمعنى آخر أي إذا كانت عجلة التنمية تسير عكس إرادة تيار الهدم كان تكون حربا مستمرة فإنها إن سارت بسرعة تساوي سرعة الهدم فلن يحدث تطور أما إذا سارت عجلة التنمية بسرعه اكبر من سرعة الهدم فانه ستحصل تنميه توثر ايجابيا في حياة المجتمع . ويمكن أن تمثل بزورق يسير في نهر عكس جريان تيار النهر فان الزورق اذا سار بسرعة تساوي سرعة التيار فانه سيبقى مكانه أما أذا كانت سرعة الزورق اكبر من سرعة التيار فانه يتقدم بالى الأمام والعكس صحيح .
الشكل 5 يوضح ذلك
ومما يزيد الأمر تعقيدا إننا نتكلم عن فرضيات يمكن أن تحدث في المستقبل أي انه يجب الحساب بأفق واسع يستوعب كل المتغيرات التي يمكن أن تحدث في المستقبل من واقع الحال في الزمن الحاضر .
1 __ سيد شهداء العصر القائد صدام حسين __حول كتابة التاريخ بغداد 1978م
2 __ د. علي حسين الجابري _ القائد والبعث __ افاق عربيه العدد4 نيسان 1988م بغداد
3 __ سيد شهداء العصر القائد صدام حسين __ حول كتابة التاريخ بغداد 1978م
4 __أ.د. صالح علي باصره __ ( التاريخ , المؤرخ ,المصادر, التفسير التاريخي) _ مجلة العلوم الانسانيه والاجتماعيه _جامعة عدن العدد 12 يوليو__ديسمبر 2003 م
5 __مطاع صفدي __مدخل في قراءة القائد التاريخي __مجلة افاق عربيه العدد 11 تشرين ثاني 1989/ بغداد
6 __ المصدر السابق
7 __ د. الياس فرح __التصور المستقبلي للنظام العربي افاق عربيه العدد 4 نيسان 1988 بغداد
8__د. علي حسين الجابري __القائد والبعث __ افاق عربيه العدد 4 نيسان 1988م بغداد
9__ د. محمود حياوي عماش اليتافيزيقيا وفلسفة العلوم افاق عربيه العدد 4 نيسان 1988 بغداد
10 _ المصدر السابق
11 _ المصدر السابق
12 _ د. صلاح فليفل الجابري __السببيه المرتده ومسارات الزمن افاق عربيه __ تشرين الاول 1996 م بغداد
13 _ المصدر السابق
14 __ المصدر السابق
15 __ المصدر السابق
بقلم/
خالد عبد الله الجفري
جامعة عدن
كلية النفط والمعادن