د.مصطفى سالم : خطورة مخطط واشنطن ليس في اسقاط الحكومات بل في شطب دول وتفتيت اخرى..

د.مصطفى سالم : خطورة مخطط واشنطن ليس في اسقاط الحكومات بل في شطب دول وتفتيت اخرى..

د.مصطفى سالم رئيس تحرير وكالة انباء الرابطة  علينا القلق بشكل جدي من مخطط سيشطب دول عربية ويؤسس جديدة على انقاض دولة اخرى في نفس الوقت الذي برز فيه التيار الاسلامي السياسي الرجعي. وفق دراسة كانت قد أعدت قبل احداث ربيع الناتو وجدنا ان الخطط التقسيمية يرتبط بصعود قوى دينية. وقد توهم البعض ان الخطاب الديني يتعارض مع التقسيم ولكن في حقيقته سيجد مبررات لذلك. منذ غزو العراق عام 2003 تدمر الركن العربي الذي كان يحفظ ادوار اقليمية في المنطقة، وتحول مربع التوازن العراق ايران تركيا العدو الصهيوني الى مثلث خرج منه العراق المحتل لغاية الان محطما . لكن القصة لا تنتهي هكذا، فالرقم الصعب والحكم الجسور للشهيد صدام حسين كان التحدي الاصعب في مواجهة شرق اوسط يعاد انتاجه. وكانت دول الخليج العربي لاعب يدفع ويحرض على العراق دون أن يكون لهم نظرة استراتيجية في ان عراق صدام حسين كان سدا عتيدا امام المخطط الامبريالي. وبعكس بقية الدول مثل مصر وتونس واليمن، احتاج عراق صدام حسين الى ان يُحاصر بشكل مريع لمدة قاربت 13 عاما، ومنع عنه حتى اقلام الرصاص وشنت عليه اكثر من حرب وتواطأ حكم السعودية وإيران والعدو الصهيوني والأردن وتركيا وسوريا والكويت ، كل هؤلاء كانوا شركاء لتحطيم اقوى نظام عربي وأكثرهم صلابة . و لم يحتاج حكم مبارك سوى الى الضغط على الجيش لإجباره على الرحيل بعد مظاهرات اكتفت بإسقاطه ليستلم الحكم اكثر القوى رجعية و التي تاريخها يقول انها دوما كانت تدار من قبل المخابرات البريطانية ثم الامريكية. بينما صمد حكم الشهيد معمر القذافي امام هجمة امبريالية صهيونية رجعية هي الثانية من حيث الحجم بعد العراق، وعانت ليبيا من خيانة عملاء الناتو كما كان العراق يُقتل فيه المقاوم العراقي والعربي على يد الشيعة والأكراد خدم قوات الاحتلال الامريكي. الانظمة العربية التي لا تملك سوى متابعة مواطنيها ولا تعرف التعامل مع الاهداف الكبرى لواشنطن كانت تتوقع ان تلبية مطالب البيت الابيض سيوفر لها ديمومة البقاء دون ان تدرك أن تهيئة التيارات الاسلامية الرجعية والعميلة كما في شيعة العراق ، او كما هم الاخوان المسلمين وما يسمى القاعدة الوهمية هو امر يتطابق مع متطلبات مرحلة جديدة تتعلق ليس فقط بمواجهة واشنطن لبكين وعلاقتها مع اوروبا وموسكو، بل بطريقة بناء دولة لصوص ومتخلفين كما هو العراق حاليا وكما هي مصر وليبيا وتونس واليمن الذي اصبحت كرامة الوطن فيه هي الاستجابة لمطالب السفير الامريكي في صنعاء. الان ، جاء قطار الموت ليصل الخليج العربي، والخيانة الامريكية هي اساسا، سلوكا للامبريالية لم يتغير اطلاقا فقط الذي حدث ان واشنطن عليها استبدال حلفاءها بتشكيلة مريضة متخلفة. وليس من المعقول القول ان هناك فرصة لمواجهة الخطط الامريكية من قبل الحكومات في الخليج العربي، اذ لا يوجد مثل هذا الامر ، ويمكن فقط زيادة خسائر واشنطن امام عالم يدار دوليا لمصلحة الامبريالية ودول كبرى. لن يكون هناك وقت للسعودية والكويت والبحرين وقطر، واعتقال المعارضين لن يجدي وسيخلق ضحايا ، ما يجب فعله حقيقة هو الديمقراطية وهو امر ترفضه هذه الحكومات التي تعتقد ان البلاد اما ملكا لها، أو أن بقاء الحكم كما في البحرين هو سر بقاء هذا البلد الصغير مستقرا وعربيا، لأن الشيعة هناك لديهم الرغبة كما في العراق لتحويل الوطن لمعتقل كبير وفساد لاينتهي وتبعية لواشنطن وطهران في وقت واحد. ومن يعرف طبيعة الاحزاب الشيعية الدينية سيدرك انها تملك المعتقدات التي تسمح ان تجمع بين الولاء لواشنطن والتبعية لايران في نفس الوقت. الديمقراطية هي التي ستكون الغطاء الامريكي لسبب الاطاحة بالحكومات في الخليج العربي اذ لا يشكل العامل الاقتصادي حدثا رئيسا للخروج على الحكم رغم وجود تفاوت اقتصادي كبير بين مواطني دول الخليج العربي وداخل كل دولة من دولها، لكن حتى من هو في الحد الادنى افضل من غيره في دول اخرى، عدا السعودية التي فيها فقر حقيقي وفساد كبير للعائلة الحاكمة المترهلة العجوز. وبالتحديد ان الصراع سيكون ضمن مثلث البحرين الكويت السعودية، اذ هناك معارضة وهناك اسباب للتمرد على الحكم. لكن هناك ملف سيكون خطيرا في دول الخليج العربي، يمهد لتغيير حاسم يشمل هوية البلد خلال فترة لن تتجاوز عام 2015 ، و سيكون البلد الخليجي الجديد كما يخطط الغرب هو خليط سكاني من حقه ان تكون هويته استنادا لهذا الخليط. ولابد التأكيد أن العامل السياسي سيكون حاسما في الخليج العربي، ولهذا تدعم واشنطن وإيران معا المعارضة الشيعية في البحرين، هذه المعارضة التي رقصت بسبب احتلال العراق و وزعت الحلوى يوم اعدام الشهيد صدام حسين . وهم يعتقدون الان ان واشنطن وطهران يمكن ان يمنحا الحكم للشيعة في البحرين بسيناريو يشبه ما حصل في العراق لكن دون غزو وفي ماعدا اعتمادهم بالخطة على القيام بأعمال عنف ثم ترد المنامة عليها واستصدار قرار دولي فيما بعد ضد الحكم البحريني. وليتم منع العملاء الجدد لواشنطن لابد من التعامل كشركاء في الوطن مع قوى وطنية مخلصة وهي الأكثر لا تحجيمها او اعتقالها ، و الغاء مبررات خروجهم على الحكم وهي مبررات تتعلق حاليا بالانتخابات والدستور ، واللحاق لمعالجة هذه المسألة أفضل من انتظار البيت الابيض ليقرر هل يسقط الحكم في الكويت مثلا بمذبحة او بخروج سلمي . رغم ان الانتقال السلمي للحكم هناك لا يتم سوى عن طريق موت امير والمجيء بآخر. خطورة المخطط الامريكي انه لا يتعلق بالحكومات فقط بل بشطب دول واستحداث اخرى ، ولهذا ستكون الدماء ثمن حدود لدول جديدة في المنطقة. المخطط الامريكي كما اعتمد على ايران في مشاركته لتدمير العراق ، لديه نفس النظام الايراني ليكون جزء من لعبة تدمير دول اخرى لكن بالنسبة لدول الخليج العربي لن تكون ايران وحدها الشريك الاقليمي في هذه المهمة ، هناك دوما مفاجآت ستأتي من الذين عشقهم للتاج البريطاني أكبر من حبهم لهوليود. هذه المفاجآت كلها تنصب على خلق حالة جديدة ، وبدقة خريطة جغرافية معترف بها دوليا وجزء لن يعترف به، وحدث ولا حرج بعد ذلك.