الذكاء لدى فلاسفة الفساد.. لا فرق بين بذورها وبذور خضراء الدمن فكلتا البذرتين الملعونتين تنبتان في منبت السوء، وتنتميان إلى مستنقع الرذيلة.. حكومة العملاء أنموذجاً.!
للذكاء تعاريف عدة تعبر كلها عن القدرة الإبداعية، التي يمتلكها الإنسان في حل المعضلات الفكرية الصعبة، لكنه في القاموس الانتهازي يحمل أكثر من معنى، وتنقلب مفاهيمه عند أصحاب الوجوه الزئبقية، الذين تخصصوا بتوظيف أدمغتهم في مشاريع الخبث والدهاء والغش والحيلة والمراوغة، حتى صار معنى الذكاء في تطبيقات التشكيلات الإدارية الفاسدة يعبر عن مهاراتهم الشيطانية في تدمير مستقبلنا، ويعكس عبقريتهم في استثمار المناصب الإدارية وجني الفوائد النفعية، فالعبقري عندهم هو الذي يستغل وظيفته في جمع المال الحرام، ويغير لونه في المواسم بما ينسجم مع اللون السائد في كل عصر ومصر، اما النزيه فهو في نظرهم الغبي الذي لا يحسن انتهاز الفرص، فيستخفون به ويستهزئون بأمثاله من المتعففين، الذين رفضوا الانحراف والانجراف، واختاروا السير لوحدهم في المسالك المستقيمة الموحشة، وربما يقع المتعففون ضحايا لممارسات الفئات المنحرفة الفاسدة..
فالمفسدون يعدون أنفسهم أذكى من غيرهم، وهذا الذكاء الزائد (إن كان هناك ذكاء فعلا) هو الذي يمنحهم (الحق) في استغلال مواقعهم ومناصبهم ودرجاتهم الوظيفية، ويشجعهم على الاستفادة من نفوذهم في تشكيلات الدولة أو في التنظيمات الحزبية أو النقابية أو الاجتماعية أو في القطاع الخاص، بالاتجاهات التي تحقق مآربهم الشخصية، فالذكاء في معايير هؤلاء يعني إتقان الغش والتحايل والفهلوة، ويعني انتهاز فرص التسلق نحو الأعلى، والقفز فوق درجات السلم الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي، وممارسة الانتهازية بأبشع صورها، والإفراط في تسجيل المكاسب الجشعة في سجلات الفرهود واللغف والابتزاز واللختنة، وإجادة التظاهر بالمظاهر المزيفة التي أسبغت بعض الخصال الشرعية على (الرشا) والعمولات المالية المليونية، وجعلتها في خانة (الهدايا) و(العطايا) و(الإكراميات) المشرعنة..
الذكاء في حسابات اللصوص والحرامية يعني أيضا اللجوء إلى أساليب الخداع والتضليل في الاتجار بالممنوعات، ونهب المال العام، وتلفيق الاتهامات الباطلة للكفاءات الإدارية المنضبطة، فانقلبت المعايير رأسا على عقب في مخططات أصحاب الضمائر المعطوبة، إلى المستوى الذي ظهرت فيه علينا أكثر من (رويبضة) في الزمن الذي خوّنوا فيه الأمين، وائتمنوا الخائن، وكذبوا فيه الصادق، وصدقَوا الكاذب، واقتفوا أثر فيلسوفهم ميكافيلي وتعلموا في مدرسته، وعملوا بنصيحته، فاختاروا مكر الثعالب وخداعها ومراوغتها في مواجهة الناس، فالإنسان الثعلب هو الذي يتقن التنكر بحلل زائفة، فيُظهر الصدق والعدل والوفاء، ويستبطن الغدر والكذب والنفاق..
ولا يعلم الميكافيليون إن البقاء دائما للأصلح والأكفأ والأذكى، ولن تفرض علينا رويبضاتهم وثعالبهم المراوغة معاييرها الغبية في صياغة المعاني الهشة للذكاء، فذكاؤنا الفطري هو الذي كشف لنا مدى مكرها وخداعها، وسيأتي اليوم الذي تتبدد فيه سياسة وأد الكفاءات، لأنه من غير المعقول أن تستمر الأعراف الفاسدة على ما هي عليه في تهميش أصحاب المواهب والقدرات العلمية والخبرات المهنية، ومن غير المعقول أن تكون هي التقاليد الإستراتيجية المعتمدة في ترميم قواعد هياكلنا الإدارية الآيلة للانهيار..
ختاما لابد لنا من الاعتراف بذكاء فلاسفة الفساد في ربط السياسة بالطائفية، عندما ربطوها بالنصوص وعمقوها بالنفوس، فبرعوا في ترويج الولاءات المذهبية المتطرفة، وأبدعوا في تغييب التحالفات الوطنية..
ختاما لابد لنا من الاعتراف بذكاء فلاسفة الفساد في ربط السياسة بالطائفية، عندما ربطوها بالنصوص وعمقوها بالنفوس، فبرعوا في ترويج الولاءات المذهبية المتطرفة، وأبدعوا في تغييب التحالفات الوطنية..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق