يختلف المحللون في تقديراتهم حول أبعاد وأهداف وخلفيات فيلم "براءة المسلمين" الذي بث على شبكة الانترنت في لقطات مدتها حوالي 14 دقيقة، وقد قيل أنها جزء من فيلم مدته 120 دقيقة مسيء للإسلام ورسوله.
الغضب اجتاح الشرق الأوسط خاصة والدول الإسلامية عامة حيث هاجم محتجون سفارات ومؤسسات أمريكية واحرقوا الأعلام الأمريكية وسقط قتلى وجرحى بينما سارعت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" إلى تعزيز الحراسة حول عدد من المنشات الدبلوماسية بإرسال قوات من مشاة البحرية إلى بعض السفارات زيادة على تحريك قطع من الأساطيل الأمريكية وخاصة السادس في المتوسط نحو سواحل دول عربية وإسلامية تقول واشنطن أن سفاراتها بها قد تتعرض للتهديد.
مسؤولية الحكومة الأمريكية
يوم الخميس 13 سبتمبر قالت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون ان لا علاقة لحكومة بلادها بالفيلم، مضيفة نحن نرفض تماما مضمونه ورسالته، بالنسبة لنا.. بالنسبة لي شخصيا.. هذا الفيديو مقزز ويستوجب اللوم. يبدو ان له هدفا معيبا بشدة تشويه سمعة دين عظيم واثارة الغضب.
وبينما نأت كلينتون بالحكومة الامريكية عن الفيلم، فإنها قالت "أعلم أنه من الصعب لبعض الناس ان يتفهموا السبب في أن الولايات المتحدة لا يمكنها او لا تمنع ببساطة مثل هذه الانواع من تسجيلات الفيديو التي تستوجب اللوم من ان ترى النور. وأضافت أشير إلى انه في عالم اليوم ومع تكنولوجيات اليوم فإن هذا الأمر مستحيل من الناحية الفعلية. لكن حتى لو كان الأمر ممكنا فإن بلدنا له تاريخ طويل في حرية التعبير التي تم تكريسها في دستورنا وقانوننا. نحن لا نمنع المواطنين الأفراد من التعبير عن ارائهم مهما كان مقززا.
وقالت كلينتون "توجد بالطبع أراء مختلفة في أنحاء العالم بشأن الحدود الخارجية لحرية التعبير. لكن يجب ان يجري نقاش بشأن اقتراح بسيط بأن العنف ردا على الكلام أمر غير مقبول".
وفي مساندة لكلام كلينتون أوضح يوجين فولوك الأستاذ في جامعة كاليفورنيا في لوس انجليس ان التعديل الأول للدستور الأمريكي يحمي حرية التعبير لجميع المواطنين.
وقال "ان ذلك يصح بالنسبة لسلمان رشدي، ويصح لمنتجي مسلسل ساوث بارك ويصح لاولئك الناس"، مضيفا "حتى الدفاع عن العنف أمر محمي. وفي هذه الحالة ليست المسالة متعلقة بالعنف بل انها تحريف وانتقاد للدين".
واكد المحامي اندي كونتيغوليا "انه امر يحميه تماما التعديل الاول". وقال هذا الاخصائي في التعديل الاول للدستور لوكالة فرانس برس "لا اعتقد انه يمكن ملاحقته من الحكومة الأمريكية.. الا اذا كان هناك قانون فدرالي لا أعرفه يسمح بملاحقته لكلمات بذيئة"، أو التحريض على الشغب.
عدد من المعلقين وخاصة في أوروبا ردوا على كلام كلينتون بالقول: لماذا لا تمارس واشنطن نفس السلوك المعارض لما يسمى بالدعاية المناهضة للسامية عندما يتعلق الأمر بمهاجمة الدين الإسلامي.
حديث الإدارة الأمريكية عن حماية حرية التعبير فيه مغالطات كبيرة، ففي العام 2004 مثلا صادق الكونغريس الأمريكي بأكثرية الأصوات على المقترح الذي منح حكومة واشنطن سلطة وواجب متابعة الأعمال المعادية للسامية والعنصرية في كافة أنحاء العالم ونشر التقارير بهذا الشأن.
قبل ذلك وفي العام 1992، وبريادة من الحكومة الأمريكية أعلنت الأمم المتحدة بأنه يجب اعتبار معاداة السامية خطراً من الواجب استنكاره ومحاربته بالوسائل القانونية. وفي إعلان رسمي صادر عن الأمم المتحدة منذ ديسمبر من العام 2004 دعت المنظمة الدول الأعضاء لمكافحة العنصرية، وقد شمل ذلك مكافحة اللاسامية.
وفي تفنيد لتبريرات الإدارة الأمريكية عن عجزها في معاقبة صانعي الفيلم بعث الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر برسالة إلى الرأي العام العالمي وإلى بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة يطالب فيها بقوانين دولية تمنع التطاول على الإسلام تماثل تلك التي تجرم المساس بالسامية.
وأضاف في إشارة إلى الفيلم "أليس هذا العبث اللا مسئول يماثل دعَاوى المساسِ بالسامية التي تستنكرونَها في كل حين، والتي تَصدر الأحكام القضائية ضد المتهمينَ بارتكابها في العديد من بلاد العالَم، ولو كانوا من كبار المفكرين والعلماء؟.
رفض شركة غوغل
يوم الجمعة 14 سبتمبر رفضت شركة غوغل ما ذكرت أنه طلب ورد من البيت الأبيض لإعادة النظر في قرارها بالابقاء على مقطع من فيلم "براءة المسلمين". وذكرت انها فرضت مزيدا من القيود على امكانية مشاهدة الفيلم امتثالا للقانون المحلي وليس استجابة لضغوط سياسية. وقالت الشركة "فرضنا قيودا على امكانية الدخول اليه في دول يعتبر فيها غير قانوني مثل الهند واندونيسيا بالاضافة إلى ليبيا ومصر في ضوء الأوضاع الحساسة للغاية في هذين البلدين. هذا الموقف يتماشي بشكل كامل مع المبادئ التي وضعناها أول مرة في سنة 2007".
كتب صحفي عربي "من انتجوا هذا الفيلم يعرفون ماذا يفعلون، وخططوا للفتنة جيدا، وتوقعوا ردود الفعل الاسلامية والعربية الغاضبة، لأنهم درسوا النفسية الإسلامية، وحساسيتها تجاه هذا الأمر، مثلما وعوا جيدا مكانة الرسول لدى مليار ونصف المليار من أتباعه في مختلف أرجاء المعمورة".
تحويل الاتهامات
بموازاة مع تصريحات كلينتون وردود الفعل عليها ذكرت وكالة فرانس برس أن رجلا ادعى انه صاحب فيلم "براءة المسلمين" أكد ان لا علاقة لحكومة الولايات المتحدة بالفيلم لا من قريب ولا من بعيد، مضيفا انه "غير نادم" ويفكر ببثه كاملا.
الملفت أن تصريحات الرجل جاءت في مقابلة اجرتها اذاعة "راديو سوا" الممولة امريكيا والتي قالت أنه مصري وأن مصادر اكدت لها انه نيقولا باسيلي نيقولا.
وعبر الرجل للاذاعة عن حزنه لمقتل السفير الامريكي لدى ليبيا كريس ستيفينز وزملاء له. واعتبر ان "امريكا تعرضت للظلم في هذا الموضوع (...) اشعر بالحزن على مقتل السفير لكني لست نادما" لبث الفيلم.
واضاف ان "الفيلم ملكي انا وطوله حوالي ساعتين وكل ما وضعته على الانترنت 14 دقيقة فقط وافكر حاليا في وضعه كاملا ولم يحرفه احد".
يوم الجمعة 14 سبتمبر ذكرت الصحافة الامريكية ان فيلم "براءة المسلمين" صورته جمعية خيرية مسيحية بالقرب من لوس انجليس تحت إسم "مقاتلو الصحراء".
وأفادت صحيفة "لوس انجليس تايمز" نقلا عن مصدر مقرب من مؤسسة "لوس انجليس فيلمز" وهو المكتب الذي يمنح الاذن بتصوير الأفلام، ان هذا المكتب منح الاذن لانتاج الفيلم إلى "ميديا اوف كريست".
وكالة فرانس برس التي أوردت هذه المعلومة ذكرت أنها لم تتمكن من الاتصال بالمكتب. ولكنها أضافت أن رئيس هذه الجمعية التي تقول أنها "تسلط الضوء على يسوع" في العالم هو المصري جوزف نصرالله عبد المسيح.
وحسب وسائل الإعلام الأمريكية، فقد تم تصوير الفيلم عام 2011 في مدينة دوارت (45 كلم الى شرق لوس انجليس) بالتعاون مع القبطي المصري نكولا باسيلي نكولا (55 عاما) الذي يقطن في سيريتوس (40 كلم الى جنوب لوس انجليس).
من ناحيتها، اكدت نائبة الامين العام لمدينة دوارت كارين هيريرا لوكالة فرانس برس وجود مقر "ميديا فور كريست" في المدينة ولكنها نفت ان يكون هناك اي اذن لتصوير فيلم بهذا الاسم.
واضافت ان "الوثيقة الوحيدة من البلدية التي تتعلق بميديا فور كريست هي افادة بوجودها في ديوارت منذ العام 2006 ولكن لا يوجد اي اذن لتصوير فيلم". واوضحت "من أجل التصوير في الخارج يجب ان يكون هناك إذن وهم لم يطلبوا أي اذن".
واشار مراسل وكالة فرانس برس ان موقع الجمعية على الانترنت وعلى فيسبوك الذي كان متوفرا صباح الجمعة 14 سبتمبر اختفى عند الظهر.
عملية نقل مسؤولية تحضير الفيلم إلى أوساط عربية وقبطية خاصة ساهمت فيها كذلك أوساط عربية. يوم الجمعة 14 سبتمبر صرح رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يوسف القرضاوي أن "الغربيين اعتادوا الإساءة للمقدسات الإسلامية بين فترة وأخرى، فقد أساؤوا للنبي محمد صلى الله عليه وسلم من خلال رسوم لا تليق بأي من البشر".
وتابع "وأساء البابا نفسه للمسلمين خلال محاضرة له، وها هم جماعة من الامريكيين معظمهم للأسف من الأقباط المصريين ينشرون على شبكة الانترنت فيلما يسيء للاسلام".
يذكر أنه في البداية عندما بدأت الضجة حول الفيلم ذكر أن منتجه أمريكي يهودي يحمل الجنسية الإسرائيلية والأمريكية، غير أن الأخبار المبثوثة تبدلت تدريجيا، وكان ذلك سببا لإثارة كثير من الشكوك وإحياء نظرية المؤامرة.
السيناريو الملفق
في مقابلة نشرت الثلاثاء 11 سبتمبر في صحيفة وول ستريت جورنال هاجم باسيل الاسلام مباشرة. وقال "الاسلام سرطان" مضيفا انه جمع 5 ملايين دولار من حوالى 100 مانح يهودي واستعان بحوالي 60 ممثلا وطاقما من 45 شخصا لتصوير الفيلم الذي يدوم ساعتين، وذكر أن العمل في الفيلم استمر طوال ثلاثة أشهر عام 2011 في كاليفورنيا.
وقيل أن الفيلم عرض في إحدى دور العرض في هوليوود قبل ثلاثة أشهر وذهب طي النسيان، حتى نشر نسخة مدبلجة بالعربية في الأسبوع الثاني من سبتمبر 2012 وبثتها محطة مصرية.
افراد فريق التمثيل وطاقم التصوير اعربوا عن غضبهم يوم الاربعاء 12 سبتمبر بحسب محطة "سي ان ان" التي نقلت بيانا مشتركا يقول ان "فريق التمثيل والتصوير برمته غاضب جدا ويشعر انه استغل من طرف المنتج".
وتابع البيان "اننا 100 في المئة لا نقف وراء هذا الفيلم، تم خداعنا بخصوص اهدافه ونواياه...اننا مصدومون حيال اعادة كتابة السيناريو والاكاذيب التي قيلت لكل المشاركين".
وقالت الممثلة سيندي لي غارسيا التي تلعب دور امرأة تقدم ابنتها إلى "النبي" ليتزوجها انها لم تكن تعلم ان الفيلم دعاية مناهضة للاسلام، مضيفة انه تمت اضافة حوارات سجلت فوق الحوارات المصورة في الفيلم.
وقالت غارسيا لموقع "غوكر" لاخبار المشاهير "كان يفترض ان يتناول الفيلم كيف كانت الأمور قبل الفي عام". وتابعت "لم يكن فيه شيء عن محمد او المسلمين او اي شيء من هذا القبيل".
وبدت دبلجة الحوار واضحة حتى للمشاهد العادي لمقتطفات موجزة تستغرق 14 دقيقة للفيلم منشورة على الانترنت حيث تم إدخال كلمات بشكل فج وسط الجمل.
وأفادت تقارير على الانترنت نقلتها صحيفة نيويورك تايمز ان القبطي المولود في مصر موريس صادق وحليفه القس تيري جونز في فلوريدا الذي ذاع صيته لاقدامه سابقا على احراق نسخ من القرآن، تعاونا على الترويج للفيلم.
الفوضى الخلاقة
يوم الخميس 13 سبتمبر 2012 أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تعليقه على ردود الفعل العنيفة على الفيلم الأمريكي أن روسيا تخشى أن تعم "الفوضى" في الشرق الأوسط مضيفا أن هذه هي الحال السائدة عمليا الآن".
في تقديرات أولية أفادت مصادر رصد أوروبية أن المخابرات المركزية الأمريكية وضعت تقريرا مسبقا عن توقعاتها بردود الفعل في الدول العربية والإسلامية على فيلم "براءة المسلمين". وأضافت تلك المصادر أن الوكالة أنشأت وحدة تحليل ومتابعة خاصة لتسجيل ردود الفعل وكل ما يحيط بها، وأنها ترى أن الاحتجاجات التي تجري ستسمح لها بتحديد حجم القوى المناهضة للسياسة الأمريكية وطرق تعزيز منظمات المجتمع المدني التي تمول كليا أو جزئيا من الولايات المتحدة، وكذلك إمتحان قدرة الدبلوماسية الأمريكية على التأثير على أجهزة الدول المختلفة خاصة بعد التغييرات السياسية التي عرفتها بعض الأقطار العربية.
وتضيف نفس المصادر أن الأزمة التي سيثيرها الفيلم ستكون أداة كذلك في يد الإدارة الأمريكية للتوجيه أو للتأثير على أحداث محتملة في مناطق من الشرق الأوسط حيث توجد أعداد كبيرة من المسيحيين الذين تروج أوساط داخل الولايات المتحدة أن من حقهم الانفصال عن دولهم الأصلية لضمان حقوقهم. البعض أضاف أن الاضطرابات يمكن كذلك أن تشكل سحابة دخان لتغطية فشل المخططات الأمريكية في بلاد الشام بسبب الموقف الروسي الصيني.
المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ومقره لندن اعتبر يوم الخميس 13 سبتمبر ان ردود الفعل ضد الأمريكيين تشكل "اختبارا كبيرا لمصداقية" الأنظمة الجديدة المنبثقة عن التحولات السياسية في المنطقة.
وقال اميل هوكايم خبير الشرق الأوسط في المعهد الدولي في مؤتمر صحافي أن "الهجمات كانت مفجعة، لكن من وجهة نظر إستراتيجية فان الأكثر أهمية هو رد الحكومتين الليبية والمصرية ورد الفعل الشعبي على ما حدث والذي سيشكل اختبارا حقيقيا".
واضاف هذا الخبير "انه اختبار كبير لمصداقيتهما الدولية" معتبرا ان العمليات الانتقالية في هذه الدول ستكون "دامية ومؤلمة ومعقدة".
ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة تهدد هذه الاحتجاجات بتعاظم الدعوات الى خفض الوجود الأمريكي في العالم العربي وفقا للمصدر نفسه.
وأضاف "اعتقد أن السوريين سيكونون أول من يدفع الثمن لأن الآمال في حدوث تدخل قد خبت حقا بعد ما حدث في اليومين الماضيين".
الإرتباك الأمريكي
الشكوك التي تحيط بسلوكيات الإدارة الأمريكية تعززها أحداث عدة، يوم الجمعة 14 سبتمبر 2012 قال متحدث باسم الرئيس الامريكي باراك اوباما انه لا يوجد لدى المسؤولين دليل على ان الهجوم الذي اسفر عن قتل السفير الامريكي في ليبيا كان مخططا سلفا وهو تأكيد يزيد من الغموض بشأن هذا الحادث.
وعلى الفور بعد الهجوم الذي تعرضت له القنصلية الامريكية في بنغازي بليبيا ليل الثلاثاء نقل على نطاق واسع في وسائل الاعلام عن مسؤولين امريكيين طلبوا عدم نشر اسمائهم قولهم انهم يعتقدون ان الهجوم مخطط ومنظم بشكل جيد.
ولكن جاي كارني السكرتير الصحفي لاوباما قدم نسخة مختلفة لتفسير الأحداث. وقال كارني في إفادة صحفية "لا توجد لدينا في هذه اللحظة معلومات تشير او تقول لكم ان هذا يشير إلى أن أيا من هذه الاضطرابات مخططة سلفا".
وادت التصريحات التي ادلها بها سناتور امريكي بارز يوم الجمعة الى زيادة التخبط بشأن ما تعرفه الحكومة الأمريكية عن هذا الهجوم. وبعد إفادة قدمها وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا قال الديمقراطي كارل ليفن الذي يرأس لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأمريكي للصحفيين انه فهم أن هذا الهجوم مخطط ومتعمد.
وقال مسؤول أمريكي آخر "كل شيء رأيته يقول ان هذا هجوم مسلح ومخطط بشكل كبير. ليس حشد يرد على الفيلم. ما اذا كان هذا مخططا أم لا مسألة اخرى".
يوم الجمعة 14 سبتمبر كذلك نشرت صحيفة "ذي انديبندنت" البريطانية مقالا لمراسلها كيم سينغوبتا كشف فيه ملابسات مقتل السفير الأمريكي في ليبيا، مشيرا الى النقص في الاجراءات الامنية، واغفال التحذيرات بأن البعثة الأمريكية كانت معرضة للاستهداف. كما يشير إلى اعتقاد المسؤولين الأمريكيين بأن عملية القتل كانت انتقاما للهجمات التي تقوم بها الطائرات الامريكية بلا طيار في باكستان واليمن ومناطق أخرى.
وأضافت الصحيفة أنه حسب اقوال مصادر دبلوماسية فانه كانت لدى وزارة الخارجية الامريكية معلومات موثوقة قبل 48 ساعة من مهاجمة الجماهير للقنصلية في بنغازي وللسفارة في القاهرة، الا انه لم تصدر أي تحذيرات للدبلوماسيين لكي يتخذوا احتياطات كافية وعمليات "تأمين" تفرض بموجبها قيود متشددة على الحركة.
وكشفت الصحيفة البريطانية عن فقدان ملفات في غاية السرية من مبنى القنصلية ومن بين الأوراق المفقودة تلك التي تحتوي على أسماء أشخاص ليبيين وعرب يعملون مع الأمريكيين ما يجعلهم عرضة للمخاطر، وكذلك معلومات مفصلة عن شركات الأمن الخاصة التي تتعامل معها واشنطن في المنطقة وتقارير عن تهريب السلاح من ليبيا إلى دول الجوار وإلى جماعات تعتبر في القاموس الأمريكي إرهابية، بينما قيل أن المستندات الأخرى كانت تتعلق بعقود نفطية، وهو ما قد يشكل إحراجا للإدارة الأمريكية.
نقرات ذكية
نشرت صحيفة "ذي اندبندنت" البريطانية يوم الخميس 13 سبتمبر تعليقا لكبير مراسليها ومعلقيها على شؤون الشرق الأوسط روبرت فيسك يتناول فيه الفيلم الأمريكي قال فيه:
"وهكذا فإن نقرات ذكية أخرى على الانترنت تشعل الحريق في الشرق الأوسط: رسومات هزلية للرسول، ثم حرق القرآن، والآن فيديو "لإرهابيين" (براءة المسلمين) بجلابيب وصحراء مزيفة. المجرمون الغربيون يختبئون بعد ذلك (وهو متطلب أساسي للشهرة) بينما الأبرياء يموتون اختناقا، أو تقطع رؤوسهم، أو يقتلون بطرق أخرى المسلمون الغاضبون ينتقمون، ويثبت المتعاملون بالقمامات اتهاماتهم العنصرية للإسلام بأنه دين عنيف.
المحرضون يعرفون بالطبع أن السياسة والدين لا يمتزجان في الشرق الأوسط. فهما متطابقان.
عندما نشرت صحيفة دانماركية كانت نكرة رسما هزليا للرسول محمد وفي عمامته قنبلة، تم إشعال النار في السفارة الدانماركية في بيروت. وعندما قرر قس في تكساس "إرسال القرآن إلى الموت"، ظهرت السكاكين في أفغانستان ونحن نترك جانبا الحرق "العرضي" لصفحات من القرآن من جانب أطر عسكرية أمريكية في باغرام. والآن يتسبب فيلم يتعمد الإساءة في قتل الكثيرين".
من نواح عديدة، هذا مجال معروف. ففي اسبانيا القرن الخامس عشر رسم الهزليون صورا للرسول وهو يقوم بأفعال لا يمكن الحديث عنها. ولا تظنوا أن مخالبنا نظيفة الآن: فعندما عرضت إحدى دور السينما في باريس فيلما ظهر فيه المسيح وهو يمارس الجنس مع امرأة، احرقت هذه السينما، وقتل أحد المترددين عليها، وكان القاتل مسيحيا.
بمساعدة تكنولوجيتنا المدهشة الجديدة، لا نحتاج على أي حال إلا لاثنين من الحمقى ليشعلوا حربا مصغرة في العالم الإسلامي خلال ثوان.
أن يُقال بغباء أن الولايات المتحدة ستذهب لخوض "حرب صليبية" ضد "القاعدة" شكرا لك يا جوج بوش هو أمر، ولكن توجيه إهانة إلى أمة بأكملها هو أمر آخر، مختلف جدا. إن عنصرية من هذا النوع تستثير كثيرا من القلوب الغاضبة.
إن مما يبعث على السخرية أن هناك متسعا لمناقشة جادة بين المسلمين حول إعادة تفسير للقرآن الكريم مثلا، لكن الاستفزاز الغربي وغربي هو يا للعجب يغلق الباب أمام رواية كهذه. وفي غضون ذلك، نحن نضرب صدورنا دفاعا عن "حرية الإعلام". وأخبرني محرر لصحيفة نيوزيلندية بفخر ذات يوم كيف أن صحيفته أعادت نشر الرسومات المسيئة للرسول وعمامته ذات القنبلة. ولكن عندما سألته عما إذا كان يعتزم نشر رسم هزلي لحاخام مع قنبلة في قبعته في المرة القادمة التي تغزو فيها إسرائيل لبنان، سارع للاتفاق معي على أن ذلك سيعتبر عملا مناهضا للسامية.
هناك إشكالية وازدواجية بالطبع. فبعض الأمور تتجاوز الحد، وبحق. وهناك أمور أخرى ليس لها حدود على الإطلاق. وسألني عدد من مقدمي البرامج الإذاعية عما إذا كانت الاحتجاجات في القاهرة وبنغازي تم توقيتها ربما "لتتزامن" مع ذكرى 11 سبتمبر 2001. ولم يخطر ببالهم مطلقا أن يتساءلوا عما إذا كان المستفزون الذين أنتجوا الفيلم المسيء للإسلام قد اختاروا تاريخ إطلاقه ليتصادف مع 11 سبتمبر.
الاستفزاز المبرمج
ما يعزز نظرية الاستفزاز المبرمج هو أن تصرفات أقطاب الحكم في الولايات المتحدة، فبدلا من أن يركزوا على ما من شأنه نزع فتيل الوضع المتوتر، عملوا في الاتجاه المعاكس تماما. وسجل تركيز كبير على مصر التي تتحرك جماعات ضغط أمريكية عدة منذ سنوات من أجل تقسيمها على أساس ديني كما حدث للسودان.
يوم الأربعاء 12 سبتمبر صرح أوباما، في مقابلة تليفزيونية، "لا أعتقد أننا نعتبر مصر حليفًا، ولكننا لا نعتبرها عدوا، ولكننا نتوقع بأنها سوف تستجيب لإصرارنا على أن تكون سفارتنا محمية، وحماية موظفينا".
وقال الرئيس الأميركي في المقابلة إنه إذا اتخذ مسؤولو الحكومة إجراءات تبين أنهم "لا يتحملون المسؤولية" فإنه في هذه الحالة "ستكون هناك مشكلة كبيرة حقا".
"أعتقد أن ما نراه حتى الان على الاقل أنهم في بعض الحالات يقولون الصواب ويتخذون الخطوات الصحيحة وفي حالات أخرى ربما لم تكن طريقة استجابتهم لأحداث مختلفة متسقة مع مصالحنا".
من جانبه أكد "مارتن أنديك" السفير السابق للولايات المتحدة لدى إسرائيل، في تصريح لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، "إن مصر تعد القضية الأكبر سياسيا، فمن ناحية لم يتم قتل أمريكيين، ولكن هذه هي المرة الرابعة التي يتم فيها الاعتداء على السفارة في القاهرة مع قيام الشرطة المصرية بعمل القليل جدا"، وتسائل "أنديك": "أين كانت إدانة الرئيس مرسي لهذا"؟.
قبل أن تمر 48 ساعة على تصريحات أوباما قالت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون يوم الجمعة ان على زعماء مصر وليبيا واليمن وتونس وهي دول شهدت هجمات على بعثات دبلوماسية امريكية هذا الاسبوع أن يبذلوا قصارى جهدهم لاستعادة الهدوء ورفض "استبداد الغوغاء".
وأضافت "يجب على الناس العقلاء والقادة العقلاء في هذه البلاد ان يفعلوا كل ما بوسعهم لاستعادة الأمن ومحاسبة المسئولين عن هذه الأعمال العنيفة".
موازاة مع تصريحات أوباما وكلينتون قال مرشح الرئاسة الأمريكية عن الحزب الجمهوري ميت رومني يوم الجمعة أن على مصر حماية أمن الدبلوماسيين الأجانب وإلا خاطرت بفقدان المساعدات العسكرية التي تحصل عليها من الولايات المتحدة والتي تبلغ 1300 مليون دولار سنويا، مؤكدا أن الولايات المتحدة يجب أن تكون أكثر حزما مع مصر.
وقال "على سبيل المثال بالنسبة لمصر أعتقد أننا يجب أن نوضح بجلاء أنه من أجل الحفاظ على علاقة وصداقة وتحالف ودعم اقتصادي مع الولايات المتحدة يتعين أن تحمي حقوق الأقليات في الدولة. وأخيرا لا بد من بين أشياء أخرى أن تحمي سفارات دولتنا والدول الأخرى".
واعتبر ميت رومني أن دول الشرق الأوسط بحاجة إلى "قيادة أمريكية". وقال رومني اثناء اجتماع في اطار حملته الانتخابية في فيرفاكس في فيرجينيا ان "العالم بحاجة الى قيادة امريكية. الشرق الاوسط بحاجة إلى قيادة أمريكية وانوي أن أكون رئيسا يجسد هذه القيادة التي تحترمها أمريكا والتي تحقق لنا الإعجاب في كل مكان في العالم".
وأضاف رومني امام 2700 من أنصاره الذين اجتمعوا في إحدى الحدائق "عندما ننظر إلى العالم اليوم، قد نقول أننا تحت رحمة الأحداث بدلا من أن نكون نحن من يحركها. ذلك ان إحدى الصفات الأساسية لأمريكا هي تحريك الأحداث".
غضب على السياسة الأمريكية
يوم السبت 15 سبتمبر نشرت مجلة "تايم" الأمريكية تحليلا كتبه توني كارون تحت عنوان: أمريكا لن تستطيع وقف الاحتجاجات ضد سفاراتها بسبب تراكم آثار سياساتها في المنطقة وقال:
"لقد شهد يوم الجمعة 14 سبتمبر احتجاجات في بلدان بعيدة تباعد سري لانكا ونيجيريا وجزر المالديف، بالإضافة إلى مواجهات قاتلة في عدة مناطق. وتعيد صلاة الجمعة رمزيا تأكيد وحدة المؤمنين ويمكن استخدامها لتذكيرهم بفكرة أن هجوما على المسلمين في أي مكان أو على رموز دينهم يجب الشعور به كهجوم على المسلمين في كل مكان.
إن يوم الجمعة كان دوما في السنوات الأخيرة ذروة للاحتجاج، سواء على غزو العراق، أو تعذيب السجناء في سجن أبو غريب، او قصف إسرائيل لقطاع غزة، أو تدنيس جنود أمريكيين في أفغانستان للقرآن أو على يد قس مغمور في فلوريدا. وكما الحال في كل دورات الاحتجاج السابقة، من المأمون المراهنة على ان السخط بشأن فيلم "براءة المسلمين" سينحسر في نهاية الأمر بالرغم من أن موت محتجين يخلق مظالم جديدة يمكن أن تديم القضية.
ولكن الناطق باسم البيت الابيض جي كارني ربما تجاوز حده عندما أصر يوم الجمعة على ان الاحتجاجات نشأت "ردا لا على سياسة الولايات المتحدة، ولا على الادارة، ولا على الشعب الأمريكي وإنما ردا على فيديو، على فيلم حكمنا عليه بأنه يستحق الشجب ومثير للاشمئزاز. وهذا لا يبرر بأي شكل رد الفعل العنيف عليه، ولكن هذه ليست بأي حال احتجاجات موجهة ضد هيبة الولايات المتحدة او سياساتها".
إن الأمر ليس أبدا بهذه البساطة.
إن السبب في أن نتفة "دليل" على العداء الأمريكي للاسلام كتدنيس القرآن، مثلاً، او نشر فيديو يعطي صورة ممسوخة عن النبي محمد تشعل الغضب نحو مؤسسات الولايات المتحدة في نفوس مثل هذا العدد الكبير من المسلمين هو الطريقة التي نظر بها اولئك المسلمون وخبروا سياسة الولايات المتحدة. إن الإهانات المباشرة للاسلام كتلك التي يحتوي عليها الفيلم المسيء هي اداة فعالة في ايدي اولئك الذين يهيجون ضد تورط الولايات المتحدة في الشرق الاوسط وضد اولئك العرب الذين يمكن ان يعملوا مع واشنطن لانهم يضعون كل مظالم العالم العربي واهانات الولايات المتحدة الشنيعة مثل فيلم "براءة المسلمين" لن تترجم بسهولة الى غضب على قوة الولايات المتحدة لولا الغضب الذي يغلي منذ وقت طويل تجاه واشنطن بسبب غزواتها لبلدان اسلامية، ودعمها للحكومات الإسرائيلية، وضرباتها بالطائرات من دون طيار وأكثر.
إن الغضب العميق من السياسة الخارجية للولايات المتحدة هو الحالة القائمة سابقا منذ مدة طويلة التي فشلت جهود اوباما في تغييرها بصورة تغييرا مهما. والسخط ازاء فيلم مسيء هو الفيروس الانتهازي الذي يخلق أزمة عندما يختلط بالحالة القائمة من قبل. وتستخدم حالات الإهانة الأمريكية للاسلام لاثبات ان سياسات وافعال الولايات المتحدة الاكثر اثارة لغضب العرب العاديين ليست مجرد خيارات السياسة الخارجية المدفوعة بالمصلحة الذاتية واجندات اخرى وانما تعبيرات عن عداء اعمق تجاه الاسلام نفسه وهو دليل يعمل كمحفز كيماوي يسبب غليان الغضب المترسب.
نعم، ان هذا أمر يستغله دائما انتهازيون اشرار تحركهم اجندات ساسية ضيقة، ولكن الغضب نفسه حقيقي، وهو ليس مقتصراً على فيلم. ومن دون الغضب الموجود من قبل، سيكون الفيلم في الواقع مثل صاعق من دون ديناميت. واتحاد العنصرين وحده هو الذي يسبب الانفجار.
لقد هب العالم الاسلامي غضبا على الولايات المتحدة بصورة مستمرة خلال معظم مدة رئاسة بوش تحديدا بسبب حربيها على العراق وافغانستان، ودعمها غير المشروط لاسرائيل بينما هي تضرب الفلسطينيين، وبسبب النفاق الواضح في سياستها.
واذا كان العرب يشعرون بالغضب نتيجة "الرسائل المتباينة" التي تصدر عن ادارة اوباما، فان ذلك يعود إلى ان الرئيس الأمريكي تعهد في القاهرة في العام 2009 بكسر حاجز سياسة فترة بوش، لكنه فشل مرات كثيرة في تنفيذ تعهداته. ولا يرجع الغضب الذي يعتمل في صدور العرب من التغييرات التي اجراها اوباما منذ فترة ادارة بوش، وانما من استمرار ادارته أكثر من مرة في تنفيذ سياسات فترة بوش في الشرق الأوسط. ويطالب البعض ان يظهر اوباما "الريادة الامريكية" بالتعامل بمزيد من التقارب والخطى المتطابقة مع خطى رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو. فهل سيساعد ذلك على تهدئة مشاعر الجماهير المندفعة نحو سفارات الولايات المتحدة في العالم العربي؟.
يتراوح الذين يقررون السياسة الامريكية الخارجية المدروسة ما بين احد اشد الصقور روبرت كاغان، وكان مستشارا رئيسيا لادارة بوش خلال فترة حرب العراق، وبين خبراء ليبراليين من امثال ناثان براون من معهد كارنيغي، حيث انهم يتفقون على دعم القيام برد فعل محسوب يعترف بالازمة السياسية والاقتصادية التي يمر بها العالم العربي.
فلا التأفف من "النقاء المعنوي" ولا تحاشي التناقض والغموض المتواصل في السياسة الامريكية يمكنه ان يوفر قدرا كافيا من التوجيه. ذلك انه مع التغييرات التي تطرأ على العالم العربي، تطرح تساؤلات جديدة تتعلق بها وبالدولة العظمى في خضمها ايضا. والحديث الذي لن يكون مريحا بدأ للتو فقط".
Omar_najib2003@yahoo.fr
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق