استعراض لمسار التاريخ القديم والحديث نجد ان هذه البلاد المباركة كانت على مر العصور مسرحا للحروب والغزوات من قبل الغرب والشرق، وكانت دماء العرب تسيل مثل الانهار في المساجد والشوارع. و لم يسجل على العرب انهم كانوا غزاة ضد الغير بل مدافعين عن انفسهم وديارهم. ولم يكونوا طامعين في ديار الاخرين او في ثرواتهم، ولم تتوجه جحافلهم نحو الغرب الا مرة واحدة عندما توجهت الى الاندلس داعية الى الخير والهداية والنهضة والتقدم. وقد اقام العرب اعظم حضارة في الاندلس ساد فيها العلم والعقل، في وقت كانت اوروبا تعيش في سبات القرون الوسطى، قرون الجهل والتخلف والرق والعبودية، حيث كانت الكنيسة تحكم باسم الرب وتعين الملوك والامراء، ويمنح القساوسة صكوك الغفران للعبيد وعامة الناس. وكان الدجالون يضربون المرضى حتى الموت بدعوى اخراج الشياطين من اجسادهم. ولم تتوجه هذه الجحافل نحو الشرق الا مبشرة بالهدى والاستقامة ونيل رضى الله ونشر دين المحبة والسلام، بعد ان كان سكان هذه البلاد يعبدون النار.
وما ان نهضت اوروبا وبدأت ثورتها الصناعية الاولى واكتشف الاوروبيون الحديد والبوصلة وصنعوا السلاح حتى توجهوا بأصاطيلهم نحو الشرق طامعين في موقع بلاد الشرق الاستراتيجي (قلب العالم) بهدف السيطرة على التجارة بين الشرق والغرب، اي السيطر على تجارة حرير الصين وتوابل الهند التى كانت حكرا على الاسطول العربي انذاك، ومن اجل هذا الهدف توجهت اساطيل البرتغال في القرن الخامس عشر نحو بحر العرب وتعاونوا مع العثمانيين لضرب الاسطول العربي ومن ثم السيطرة على التجارة بين الشرق والغرب.
غزوات وخداع غربي :
وتوالت الغزوات الغربية لبلاد الشرق وابرزها الغزوات (الصليبية) التي دامت قرابة مائتي سنه، تحت شعار تخليص الصليب من ايدي العرب المسلمين، في حين كان الهدف الابرز هو السيطرة على البلاد التي تدر " لبنا وعسلا "، بدليل ان الغزاة سرقوا مل ما وقعت عليه اعينهم، لم يوفروا الكنائس من السرقة والنهب.
وعانى العرب من خداع الغربيين كثيرا، ولاسيما في الثورة العربية الكبرى عام 1916، وخداع الشريف حسين بن علي والعرب بعامة والتنصل من الوعود التي قطعتها بريطانيا وفرنسا له، وكافئتا العرب بابرام اتفاقية (سايكس ـ بيكو) ومن ثم منح بريطانيا اليهود وعد بلفور 1917، واكمل الغرب هذه المؤامرات بالسيطرة على البلاد العربية بالقوة العسكرية، والتنكيل بالعرب لانهم انتفضوا من اجل الحرية والاستقلال، فقتلوا من العرب ملايين الابرياء كما حصل في الجزائر وبلاد الشام والعراق.
اما الفرس فقد جعلوا بلاد العرب مسرحا لحروبهم مع اليونانيين والروم، وقد سيطروا على هذه البلاد ردحا من الزمن، وساموا اهلها مر العذاب، وسخروهم في الاعمال التي توفر لهم القوة والمنعة. كما استثمروا الخداع والتعاون مع اليهود من اجل اسقاط بابل، وكانت وسيلتهم المال والنساء. وعندما جاء الاسلام اوفدت الرسل الى زعماء تلك البلاد لدعوتهم للاسلام وترك عبادة النار، ولكنهم عاملوا الرسل اسوأ معاملة، ورفضوا كل عروض المسلمين، فكانت هزيمتهم في معارك ذي قار ونهاوند والقادسية. ومنذ ذاك الوقت والعداء مستحكم في نفوسهم ضد العرب والمسلمين من غير العقيدة التي يؤمنون بها.
تنافس محموم على بلاد العرب :
اليوم يتنافس الغرب والشرق على بلاد العرب طمعا في ثرواتهم وفي موقعهم الاستراتيجي بين القارات، الغربيون ربطوا الاسلام بالارهاب زورا وقد جاؤوا الى بلادنا غزاة ارهابيون بدعوى مكافحة الارهاب ولحماية الكيان الصهيوني، وتأمين تدفق النفط الى بلادهم بالكميات التي يحتاجونها، والغربيون هم الذين صنعوا الارهاب بكل اشكاله ومعانيه، وهم الذين شجعوا على تنمية الارهاب من اجل قهر عقائد اخرى مناهضة لعقيدة الغرب الرأسمالية كما حصل في افغانستان في ثمانينات القرن الماضي. كما انهم جاؤوا الى بلادنا بدعوى نشر الديمقراطية على النموذج الغربي، القائم على الحرية الفردية اقتصاديا وفكريا لتفكيك المجتمعات العربية، وثلم السيادة الوطنية.
اما الخطر القادم من الشرق فهو خطر(ولاية الفقيه)، تلك العقيدة التي ترى انها هي على صواب وكل العقائد الاخرى على باطل، وكما كانت سلطة الكنيسة مطلقة لا ترد ولا تجاوز عليها حتى من الملوك والامراء، فان سلطة الولي الفقيه هي ايضا سلطة مطلقة واجبة التنفيذ، وهو الذي يمنح مفاتيح الجنة لمن يريد، ويدعي لنفسة كرامات اقرب الى كرامات الانبياء. وهذه العقيدة لديها عقد تاريخية ازاء من افقدهم سلطانهم يوم ما، اي ازاء العرب الذين اطفأوا نار المجوس قبل 1400 سنة ونيف، وقد استندواعلى العقيدة الاثني عشرية والعمل على نشرها بالاغراء والترويج بالمادة والغرائز.
لماذا يكرهوننا؟
لماذا هذا الكرة للعرب؟ ألأنهم هم الذين اختارهم الله تعالى من بين الامم لحمل رسالة الاسلام الى البشرية كلها؟. ام لانهم كسروا شوكة الفرس مرتين في غابر الايام؟، ام لان الامة العربية قد حملت رسالة الله سبحانه وتعالى بكل جدارة، وكان القرآن الكريم بلغة العرب؟
الامة العربية ارتفعت بهذه الممارسة ونالت مرتبه متميزة عن الامم الاخرى، وتلك ميزة لهذه الامة عن باقي الامم التي اعتنقت الاسلام. وهذه الميزة مازالت تؤهل الامة العربية لان تلعب دورها القيادي الريادي في التبشير إلى الاسلام- كما عبر القائد الشهيد صدام حسين في احاديث كثيرة- وقد يصعب على اية امة امنت به ان تبشر بالاسلام، إلا إذا أجادت اللغة العربية إجادة ترقى إلى فهم القرآن الكريم وتفسير معاني سوره وآياته.
اي دور للعرب؟
وعندما ينادي القوميون في الوطن العربي بالدور الريادي للامة العربية، فان هذا الدور ليس كالادوار التي قامت بها بعض القوميات في العالم، أي القيام بدور محدود، بل هو دور إنساني، لان رسالة القومية العربية التي تضطلع بها الامة العربية هي رسالة حضارية انسانية ترفد البشرية بكل عطاءات الخير والسلام. والدعوة لدور العرب القيادي، ليس انتقاصا من الامم الاخرى، بل هو استمرار لممارسة الدور الذي اوكله سبحانه وتعالى إلى العرب. وعليه فانه من العسير جدا المطالبة بوحدة اسلامية او وحدة العالم الاسلامي، قبل وحدة الامة العربية وقيامها بدورها الريادي الرسالي، استمرارا لرسالة سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم). ومن هذا فقد طالب الاستاذ الراحل احمد ميشيل عفلق الامة العربية بان تستشرف دورها الطليعي بين الشعوب الاسلامية كجزء اساسي من دورها الحضاري في العالم، واطلق الاستاذ الراحل مقولته الشهيرة منذ عام 1943 (في ذكرى الرسول العربي) ان (العروبة جسد روحه الاسلام).
ان قضية العلاقة بين العروبة والاسلام، علاقة متينة لا انفصال بينهما، فالعروبة وعاء للاسلام. كما ان الاسلام بدون عروبة لايمكن تصوره، لان قوة الاسلام من قوة العرب، ولايمكن ان يتصور عالم اسلامي قوي، قبل ان يسبقه عالم عربي قوي، "فملحمة الاسلام لاتنفصل عن مسرحها الطبيعي الذي هو ارض العرب، وعن ابطالها والعاملين فيها وهم كل العرب" والاسلام كان ومازال يعني تجدد العروبة وتكاملها.
ما يميز قوميتنا :
والسؤال هو كيف نميز قوميتنا عن القوميات الاخرى؟ ان الذي يميز القومية العربية انها ليست قومية متعصبة، بل قومية حضارية انسانية، وقد عاش في كنف الامة العربية ايام توحدها، كل الاقليات القومية والدينية والطوائف والمذاهب والمدارس الفكرية. وكانت السمة البارزة هي التفاعل الحي، والحوار المسموع بين الجميع، واحترام كل المعتقدات.
ومن هنا يمكن ان نضع ايدينا على السر في عداء الغرب الامبريالي والصهيونية وعداء نظام الملالي في ايران للعرب وللاسلام، ومحاولة الاساءة إليه، ومحاولاته اعطاء الامم والشعوب خارج الامة العربية دور المبشرين بالاسلام. فالغرب والشرق الذي يخشى الاسلام، انما يخشى العروبة اولا، لان هؤلاء يخشون من الانبعاث الحضاري الانساني للامة العربية الذي يحدث توازنا في العالم.
عداء مشترك للاسلام والعرب :
ان محاولات تشويه الاسلام هي تشويه للعرب ايضا لانهم الذين اوكل الله اليهم حمل الرسالة منذ 1400 سنة، وما زالت تلك المهمة تقع على عاتق العرب. وعندما يعمد الغربيون الى تشويه صورة الاسلام بالاساءة الى رسول المحبة محمد (صلى الله عليه وسلم) تارة بالرسوم الكاريكاتيرية، وتارة بالافلام المجسمة، انما ينطوي على عنصرية مقيتة، وليست تعبيرا عن حرية الرأي التي يدعون. واذا كانت ثقافة الغرب تسمح بالافتراء او الاساءة الى الرموز الدينية اي الى الانبياء،ولديهم حرية الجدل والحوار حول الانبياء وبالذات حول سيدنا عيسى بن مريم وتجسيدة والجدل حول ألوهيته وكونه الرب او ابنه او هو ضمن الثالوث المقدس، فهو شأنهم ولا نتدخل فيه، بل نبقى على احترامنا لكل الانبياء والرسل كما امرنا الله تعالى في القرأن الكريم، فمن باب اولى ان يحترموا الاخر اذا كانوا يؤمنون بالحوار الحضاري، لان اولى اوليات الحوار هو الاعتراف بالاخر والاستماع الى رأيه واحترام معتقداته وعدم الاساءة له. ولما كان الغرب يحتجون على مفكر بارز مثل روجيه غارودي لانه شكك في عدد الذين قضوا في المحرقة وقدموه الى المحاكم، فلا يجوز الاحتجاج على ردة فعل العرب والمسلمين عندما يسيئوا الى الاسلام او الى الرسول. لقد سبق لباكستان ان تقدمت الى مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة مشروع قانون يقضي بتحريم ومنع الدول من الاساءة الى الاديان، وقد وافقت غالبية دول العالم عليه وصار قانونا يحتاج الى التزام وتنفيذ، ومن واجب العرب والمسلمين ان يطالبوا الامم المتحدة بتفعيل هذا القانون كما فعلت قوانين اخرى كانت لصالح الصهاينة مثل قانون " اشاعة ثقافة السلام بين الامم، وكان المقصود به السلام مع الكيان الصهيوني.
الاسلام والمسلمون يحترمون ويجلون كل الاديان السماوية وكل الانبياء ولا يفرقون بينهم، كما ان الاسلام والعرب حملة راية الاسلام يرفضون التعصب بالاجمال، اما ان يتذرع الغربيون بعدد من المتطرفين الذين يغذون الارهاب، ـ وليس دفاعا عنهم ـ بل لابد من قول الحقيقة، فان هؤلاء المتطرفين لم يظهروا الا رد فعل على ظلم الغربيين للعرب واحتقارهم للعرب واهمالهم لقضاياهم الكبرى مثل قضية فلسطين والعراق. في حين ان العرب كما اوضحت في المقدمة لم يحاربوا الغربيين ولا الشرقيين، بل نقلوا لهم جميعا نتاج حضارتهم من العلم والادب والفن والاخلاق، واليوم عندما يحارب العرب المحتلين الصهاينة والامريكان فانهم يدافعون عن وطنهم المحتل ليس الا..
اساءة الملالي اخطر :
اساءة الشرقيين لا تقل اساءة عن اساءة الغربيين، فالغربيون لهم ثقافتهم المناهضة للاسلام وللعرب، وتدعو الى (صدام الحضارات)، وتغذيها منظمات ماسونية وصهيونية معادية لكل الامم. اما اساءة الشرقيين وبالذات الفرس ونظام ملالي طهران فهي اكثر ايلاما لان هؤلاء يدعون انهم حملة الاسلام من مذهب خاص يعتقدون انه المذهب الاصح في الاسلام، وما عداه خارج عن الايمان، ومألهم الى النار.وتكمن اساءة الشرقيين في تحقير رموز الاسلام وبالذات صحابة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ومعروف ان هدم الرمز اما ان توجه له الطعنة الاولى او الى من حوله لينهار بالتالي. وهكذا هي استراتيجية القتال بالسيف، اما ان تبدأ بالاطراف ليسهل قتال القلب، او تبدأ بالقلب لينهار الاطراف ويفروا من المعركة.
اساءة الغربيين تقابل بردة فعل كبيرة من العرب والمسلمين، اما اساءة الشرقيين فانها تثير الفتنة والانقسام، وهذا الاسلوب في الاساءة اخطر على الاسلام وعلى المسلمين، لانها اساءة من داخل البيت، وعندما يتفكك البيت سرعان ما ينهار، ومن ثم ينهار المجتمع.
ولنا في الوضع العراقي خير برهان، فقد غزا الغرب والولايات المتحدة بخاصة العراق تحت ذرائع واهية ثبت بطلانها وزيف ادعاءاتها، وعندما اضطرت القوات الامريكية ان تنسحب تحت وطأة ضربات رجال المقاومة العراقية الباسلة، سمحت الولايات المتحدة لنظام الملالي لأن يحل محلها في العراق عسكريا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا. ورغم ادعاء الادارة الامريكية انها تريد نشر المنهج العلمي في الحكم وفي الثقافة، فانها سمحت لنظام ولاية الفقيه ان ينشر ثقافة التخلف والعودة بالعراقيين الى ما قبل الاسلام. فكما كان العرب قبل الاسلام يعبدون الاصنام فالثقافة الجديدة تدعو الى عبادة الفرد لكونه نائب " الامام المعصوم "، وطاعته واجبة في كل الامور. وكما كان العرب قبل الاسلام يتداولون عدة انماط من الزواج، منها " زواج الرهط " و " الاستبضاع " و زواج البغاء ". فقد تم الاستعاضة عن هذه الانماط بزواج المتعة والسفر والجهاد والستر وغيرها الكثير التي ابتدعها ملالي طهران، الذين يضعون الطقوس بمرتبة العبادات، وهي طقوس راسخة في ذاكرة الفرس منذ عهد الديانة المجوسية وتقديس النار، والديانه المانوية والزرداشتية.
ان ما تبثة الفضائيات من اساءة الى اصحاب الرسول وزوجاته هي اكثر اساءة الى الرسول نفسه، وان التشكيك بنسب العرب ينسحب الى التشكيك بنسب الرسول كما فعل الكفار في امريكا في فلمهم الاخير. ومحاولة التشكيك بصحة الروايات الواردة عن الصحابة ومحاولة تكذيبهم واتهامهم بتحريف القرأن وصحة الاحاديث يفتح الباب على مصراعية لتبادل الاتهامات من طرفي المسلمين ومن المتطرفين من الطائفتين. فالاساءات التي يقترفها الملالي لاتقل اساءة عن اساءات الغربيين، بل اكثر تأثيرا في المجتمعات الاسلامية بحيث تحولت الى فتن وحروب اهلية طابعها طائفي بامتياز كما هو الحال في العراق وسوريه ولبنان، واذا كان من حق الملالي ان يجسدوا بعض ولاتهم ويرسمون الصحابة بالصورة التي تروق لهم فلا يجوز الاساءة الى الاخر، والتحريض على الفتنة بين المسلمين.
حوار الطوائف هل يرى النور؟
والاقتراح الذي قدمه ملك السعودية ـ وان كان متأخرا ـ حول حوار المذاهب والطوائف، لابد ان يقبله الجميع وبالذات ملالي ايران ان كانوا مسلمين صادقين ينشدون وحدة المسلمين، ويكفوا عن نبش الماضي العقيم، ويعيشوا في الحاضر لبناء المستقبل.ان الحكم الديني او باسم الدين هو حكم فاشي لا ينسجم مع معطيات العصر، ان الحكم الرشيد هو الذي يفهم علاقة الدين والدولة، اي حماية المؤسسات الدينية من تدخل الدولة وطغيانها، وبالمقابل حماية الدولة من فتاوى رجال الدين التي تقف امام التقدم والنهضة، وتعود بالمسلمين الى عصر ما قبل الاسلام ـ كما اسلفنا ـ.
من هذا المنطلق يمكن معرفة اسباب تصادم الغرب والشرق مع طموحات الامة العربية وسعيها نحو النهضة والتقدم، فهذا التصادم ليس سببه العوامل الاقتصادية والجغرافية والسياسية والعسكرية، على اهميتها، بل سببه العامل الحضاري، لان دور الامة العربية الحضاري يتعدى الحدود الجغرافية للوطن العربي في تأثيره في الامم الاخرى.
ونتيجة خوف هؤلاء من دور العرب الحضاري، فقد عمدت الدول الغربية إلى تقسيم الامة، امعانا في تشتيت الامة وجهدها، وهذا الدور المعادي لم يقم به الغرب ضد دول اخرى اكبر من العرب حيث السكان، حيث قسموها إلى دولتين او ثلاث كما حصل في كوريا وفيتنام والمانيا.
واجبات القوى القومية لعمل مستقبلي :
وازاء هذا الخطر الذي يهدد القومية العربية والامة ومنعها من القيام بدورها الحضاري والانساني، فان الامة العربية باتت مطالبة بعمل مستقبلي استراتيجي، والقوى في الوطن العربي مطالبة، بالارتفاع فوق الانانيات الفئوية، والتعصب الحزبي، والالتقاء والحوار والاتفاق على صيغة ترتفع بالامة فوق خط التردي. وهذا العمل العربي المستقبلي، لايلغي العمل الوطني، كما ان التوجه القومي لايلغي العمل الوطني، وضمن هذا المنظور لابد ان يكون العمل تحت غطاء الدين داعما للعروبة وليس متناقضا معها، لان العرب هم الذين حملوا رسالة الدين إلى الاخرين، خلاف ماحصل ويحصل في الغرب، حيث جاءهم الدين من الخارج. و إذا كان متوقعا ان يحصل التصادم بين الدين والقومية في الغرب- للاعتبار آنف الذكر- فانه لايجوز ان يحصل مثل هذا التصادم في الوطن العربي، أي بين القومية العربية والاسلام، لانها قومية مؤمنة، غير متعصبة إزاء القوميات الاخرى وإزاء الاديان والطوائف، لان كل " بيت عربي في فجر الرسالة الاسلامية قد نضح دما حتى اوصل الرسالة إلى حيث ينبغي ان تكون".
ان الفهم العميق للعلاقة الحيوية بين العروبة والاسلام، هو الذي اعطى كل هذه القيمة للفكر القومي، وجعله يستشرف افاق المستقبل للنظريات الاخرى. فعندما تصدى الاستاذ الراحل للشيوعية، فليس لانه يعاديها ابدا، بل لانه وجدها غير صالحة لبلادنا، ولانها نظرية نبتت في بيئة اوربية، وبدأت ناقصة مشوهة، اهملت الجانب القومي، والجانب الروحي. ولذلك وجد انها تحفر قبرها بنفسها، وتعجل بزاولها قبل اوانها.
وقد روى الاستاذ امين شقير حادثة على لسان الاستاذ الراحل منذ عام 1946 عندما سيطر ماوتسي تونغ على بلاد الصين بثورة شيوعية، انه توقع ان تصطدم النظرية الشيوعية في الصين بالطموحات القومية، وكذلك الاختلاف والافتراق عن النظرية الماركسية التي يدين بها الاتحاد السوفياتي السابق. وقد حصل ماتوقعه الاستاذ الراحل من افتراق وخلاف بين الحزب الشيوعي الصيني والماركسية، ومن ثم الخلاف بين البلدين الكبيرين. كما حصل ماتوقعه الاستاذ الراحل في عقد السبعينات بان الماركسية تحفر قبرها بيدها لانها اهملت النزوع القومي للقوميات واهملت الجانب الروحي لدى الانسان.
ومن هنا نجد ان الفكر القومي يؤكد على الايمان ورفض الالحاد. اما الدعوة الى العلمانية والدولة المدنية، فانها تقترن برفض العلمانية بالمفهوم الغربي المجرد من الجوانب الروحية والمعنوية، والتي ترفض الدين ولاتحاسب على الالحاد، لان الاخذ بهذا المفهوم هو افراغ للقومية العربية من محتواها الحضاري الروحي الانساني. و إذا كان هذا المحتوى يمثله الاسلام، فهو افراغ للعروبة من الاسلام، وهذا امر مستحيل لان العرب هم اصحاب رسالات سماوية، فهم الذين نزلت عليهم الرسالات وهم الذين حملوها إلى العالم، عكس الغرب الذي جاءه دينهم من الخارج.
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق