من "غضب الرب" إلى "نيلي".. تاريخ سري ومعلن للاغتيالات الصهيونية
حين هدد رئيس جهاز الأمن الداخلي الصهيوني "الشاباك"، رونين بار، قبل أيام، بتصفية "قادة حماس" حول العالم، استحضر على نحو لافت "عملية ميونيخ" التي وقعت في سبعينيات القرن الماضي، وذلك بقوله في تسجيل مصور: "حدد لنا مجلس الوزراء هدفا.. هو القضاء على حماس.. هذه ميونيخ الخاصة بنا. سنفعل ذلك في كل مكان".
وأضاف بار، مشيرا، وفق ما نقلت وسائل إعلام صهيونية، "في غزة، في الضفة الغربية، في لبنان، في تركيا وفي قطر.. ربما يستغرق الأمر بضع سنوات لكننا مصممون على تنفيذه".
وبذكره "ميونيخ" كان بار يشير إلى الرد الصهيوني على مقتل 11 من أعضاء الفريق الأولمبي الصهيوني في ايلول/سبتمبر 1972، عندما شن مسلحون من منظمة "أيلول الأسود" الفلسطينية هجوما على مقر بعثات دورة الألعاب الأولمبية بالمدينة الألمانية.
وكانت الحادثة دفعت الاحتلال، حينها، لتشكيل لجنة سرية برئاسة رئيسة الوزراء غولدا مائير، ووزير الدفاع موشيه دايان، للرد على مقتل الرياضيين الصهاينة عبر عمليات استخباراتية أطلق عليها "غضب الرب"، وذلك بهدف اغتيال كل من له علاقة بصورة مباشرة أو غير مباشرة بمنظمة "أيلول الأسود".
وتورد وسائل إعلام صهيونية وغربية أن اللجنة التي تشكلت، والأفراد التابعين لها، أو كما يعرفون بـ"الجواسيس"، وجميعهم يتبعون "الموساد"، ظلّوا يتعقبون أفراد "أيلول الأسود" إلى أن تمكنوا من قتل العديد منهم.
ومن بين القتلى وائل زعيتر ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في إيطاليا، الذي "اغتيل عند مدخل شقته في ساحة هانيبال وسط روما"، كما توضح وكالة "وفا"، ومحمود الهمشري ممثل "منظمة التحرير" في باريس الذي اغتيل في يناير 1973، بعد انفجار شحنة ناسفة "وضعها الموساد في هاتفه".
بالإضافة إلى باسل الكبيسي وحسين البشير وزياد مونشاسي ومحمد بودية الفنان والناشط السياسي الجزائري في "حركة النضال الفلسطيني"، أحد قادة منظمة "أيلول الأسود"، بحسب "وفا".
ورغم أنه من النادر أن يعترف الاحتلال أو تتبنى عمليات اغتيال في الخارج بشكل فوري أو حتى بعد سنوات من حصولها، يورد كتاب "انهض واقتل أولا" للصحفي الاستقصائي الإسرائيلي روين بيرغمان أن (إسرائيل) نفذت منذ الحرب العالمية الثانية أكثر من 2700 عملية من هذا النوع.
وحتى قبل تأسيسها عام 1948، قتل مسلحون دبلوماسيين أوروبيين شاركوا في الإدارة البريطانية الانتدابية لفلسطين، حسب "وول ستريت جورنال".
وعقب التأسيس، تضيف الصحيفة، أنه في الستينيات "استخدم جواسيس (إسرائيليون) رسائل مفخخة لاستهداف علماء ألمانيا النازية السابقين، الذين ساعدوا مصر على مشروع لتطوير الصواريخ".
"مهمة كبيرة تبعها إخفاق"
ولم تقتصر العمليات الاستخباراتية الصهيونية التي تلت "عملية ميونيخ" على مقتل النشطاء المذكورين سابقا، بل تعدت ذلك إلى "مهمة أكبر"، قادها إيهود باراك عندما كان قائدا لوحدة النخبة في الجيش الصهيوني "ساريت متكال".
واستهدفت الوحدة في نيسان/ أبريل 1973 قيادة "منظمة التحرير الفلسطينية"، وتضمنت المهمة التي أُطلق عليها اسم عملية "ربيع الشباب" عملية إنزال برمائية لفريق كوماندوز في العاصمة اللبنانية بيروت.
وحال وصول أعضاء الفريق إلى الشاطئ، نسقوا مع عملاء "الموساد" في المدينة وعمدوا إلى صرف الانتباه من خلال ارتداء ملابس نساء، وكان في مقدمتهم باراك.
وفي تمام الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، بدأوا العملية في شارع فردان وسط العاصمة اللبنانية، وأسفرت عن مقتل ثلاث قادة من "منظمة التحرير"، هم محمد النجار أبو يوسف (قائد العمليات في فتح) وكمال عدوان (المسؤول عن تفعيل خلايا في فلسطين) وكمال ناصر (المتحدث باسم فتح).
وتمكن الاحتلال من تصفية واغتيال عدد من أفراد "أيلول الأسود" بالفعل، ومع ذلك تشير صحيفة "وول ستريت جورنال" إلى أن "عملية "غضب الرب" أدت أيضا إلى واحدة من أكثر الإخفاقات السرية الصهيونية إحراجا في عام 1973، عندما قتل فريق من العملاء الصهاينة نادلا مغربيا في النرويج، بعدما تصوروا بالخطأ أنه مسلح فلسطيني متورط في "هجوم ميونيخ".
وتم القبض على 6 من العملاء الصهاينة الـ15، وحُكم على 5 منهم بالسجن لفترات قصيرة لدورهم في عملية القتل، وفق الصحيفة ومصادر إعلامية متقاطعة أخرى.
"حملات واغتيالات"
وستكون حملة الاغتيال التي يهدد بها المسؤولون الأمنيون في (إسرائيل) قادة حماس امتدادا لعملياتهم السرية المستمرة منذ عقود، التي كثيرا ما تردد الحديث عنها.
ويمكن الإشارة إلى بعض تلك العمليات التي نفذت خارج أراضي غزة والضفة الغربية.
ففي الثامن من تموز/يوليو 1972 قتل غسان كنفاني المثقف الفلسطيني العضو البارز في "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" في انفجار سيارة مفخخة في العاصمة بيروت، وبعدما توجهت كل أصابع الاتهام نحوها، اعترف الاحتلال باغتياله في عام 2005.
وبعد ست سنوات في 28 من آذار/مارس 1978 قتل وديع حداد زعيم الجناح العسكري لـ"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" مسموما بمعجون أسنان في برلين الشرقية بجمهورية ألمانيا الديمقراطية، وفق ما أوردت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية.
وتقول مصادر فلسطينية إن "الموساد" هو المسؤول عن اغتيال حداد، وبينما لم يعترف الاحتلال أو تعلق، أشار الصحفي الصهيوني أهرون كلاين مؤلف كتاب "حساب مفتوح" في 2010 إلى أن "حداد وقع ضحية أول عملية قتل بيولوجية نفذها الموساد".
وبعد أقل من عام على اغتيال حداد قتل علي حسن سلامة مسؤول الجهاز الأمني لحركة "فتح"، إثر تفجير استهدف موكبه في بيروت، في كانون الثاني/يناير عام 1979، بعدما اتهمه "الموساد" بأنه "المخطط الرئيسي لعملية ميونيخ عام 1972".
ويعتبر سلامة من أبرز القيادات الفلسطينية الذين برزوا في سبعينيات القرن الماضي، وكان قد رافق الرئيس الراحل ياسر عرفات خلال زيارته التاريخية للأمم المتحدة عام 1974، وخلال المباحثات الأميركية – الفلسطينية، حسب وكالة "وفا".
وتتهم منظمة التحرير "الموساد" باغتيال مسؤول المنظمة، مأمون مريش في 1983، إلا أن الجهاز الصهيوني لم يعلق على هذه المعلومات، أو يعلن تبني العملية رسميا.
ومن بين الأسماء الأخرى خليل الوزير الملقب بـ"أبو جهاد"، العضو المؤسس والقائد العسكري لحركة "فتح"، الذي قتل في منزله بتونس العاصمة في نيسان/أبريل 1988 بعد عملية إنزال على شاطئ المتوسط.
وأيضا محمد فتحي الشقيقي الأمين العام لـ"حركة الجهاد الإسلامي"، الذي قتل برصاص مجهولين أمام فندق في مالطا 1995، من ومحمد الزواري عضو "كتائب القسام" ومهندس الطائرات من دون طيار لديها، بعد إطلاق الرصاص عليه داخل سيارته في صفاقس بتونس، ديسمبر 2016.
وفي عام 1997، أمر بنيامين نتانياهو، الذي كان يقضي فترة ولايته الأولى كرئيس للوزراء، جواسيس صهاينة بقتل خالد مشعل، أحد مؤسسي حماس الذي كان يعيش آنذاك في العاصمة الأردنية عمان، وفق وول سرتيت جورنال.
في تلك الفترة دخل الفريق الصهيوني الأردن متنكرا في هيئة سائحين كنديين وهاجم مشعل خارج المكتب السياسي لحماس في عمان.
وتشير وسائل إعلام أردنية وغربية، بينها تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال"، إلى أن أحد العناصر رش مادة سامة في أذن مشعل، ولكن تم القبض عليه مع عضو آخر في الفريق قبل أن يتمكنوا من الفرار.
ودخل مشعل في غيبوبة، وعلى إثر ذلك هدد الأردن بإنهاء معاهدة السلام مع (إسرائيل)، وبعدما ضغط الرئيس بيل كلينتون آنذاك على نتانياهو لإنهاء الأزمة أرسل الأخير رئيس الموساد إلى عمان ومعه الترياق الذي أنقذ حياة مشعل.
وفي حادثة أخرى وقعت عام 2010 استخدم فريق من العملاء الصهاينة جوازات سفر أوروبية مزورة للسفر إلى دبي، حيث تنكروا بهيئة سائحين أثناء انتظار وصول محمود المبحوح، مؤسس الجناح العسكري لحماس، الذي قاد جهود الحركة لشراء الأسلحة.
وحسب "وول ستريت جورنال"، أظهر مقطع فيديو للمراقبة في وقت لاحق أعضاء الفريق وهم يرتدون زي لاعبي التنس، وهم يتبعون المبحوح إلى غرفته، حيث أصاب العناصر زعيم حماس بالشلل ثم خنقوه.
وفي حين بدا في البداية أن المبحوح توفي لأسباب طبيعية، إلا أن مسؤولي دبي تمكنوا في نهاية المطاف من التعرف على فريق الاغتيال واتهموا الاحتلال بالاغتيال. واستغرق الأمر سنوات لإصلاح الضرر الذي لحق بعلاقات (إسرائيل) مع الإمارات العربية المتحدة.
وترى "وول ستريت جورنال" أن "الهجوم الفلسطيني المميت على الرياضيين الصهاينة في أولمبياد ميونيخ عام 1972 هو الذي عزز احتضان (إسرائيل) للاغتيالات السرية كأداة لسياسة الحكومة".
ما بعد 7 أكتوبر؟
تصريحات رئيس جهاز الأمن الداخلي الصهيوني "الشاباك" رونين بار التي هدد بها بتصفية قادة حماس في الخارج ليست الوحيدة، بل سبقتها أخرى لنتانياهو جاءت عقب محطة تمهيدية كشفت عنها وسائل إعلام صهيونية بعد هجوم السابع من أكتوبر.
ونقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين قولهم إن أجهزة المخابرات الصهيونية تستعد لقتل قادة حماس في جميع أنحاء العالم عندما تنتهي الحرب في قطاع غزة، مما يمهد الطريق لحملة تستمر سنوات لمطاردة المسلحين المسؤولين عن هجوم 7 أكتوبر.
وبأوامر من نتانياهو، تعمل وكالات التجسس الصهيونية الكبرى على خطط لمطاردة قادة حماس الذين يعيشون في لبنان وتركيا وقطر، الدولة الخليجية، التي سمحت للجماعة بإدارة مكتب سياسي في الدوحة لمدة عقد من الزمن.
وفي 22 من نوفمبر كان نتانياهو يكشف عن نواياه، في خطاب ألقاه على مستوى البلاد، وقال: "لقد أصدرت تعليماتي للموساد بالعمل ضد قادة حماس أينما كانوا"، في إشارة إلى جهاز المخابرات الخارجية الصهيوني.
وأضاف وزير الدفاع، يوآف غالانت في ذات الخطاب أن قادة حماس يعيشون في "الوقت الضائع.. لقد تم وضع علامة عليهم للموت"، وتابع: "النضال يدور حول العالم، سواء الإرهابيين في غزة أو أولئك الذين يسافرون على متن طائرات باهظة الثمن".
ووفق ما نقلت الصحيفة الأميركية عن مسؤولين فإن "السؤال المطروح الآن على القادة (الإسرائيليين) لا يتعلق بما إذا كانوا سيحاولون قتل قادة حماس في أماكن أخرى من العالم، بل أين وكيف"؟
وتضيف الصحيفة أن "عمليات القتل المستهدف في الخارج يمكن أن تنتهك القانون الدولي وتتعرض لخطر ردود الفعل العكسية من الدول التي يعمل فيها القتلة دون إذن منهم".
وتعيد تصريحات بار ونتانياهو المشهد لما كانت عليه (إسرائيل) بعد 20 يوما من هجوم حماس في السابع من أكتوبر.
وفي ذلك الوقت ذكرت وسائل إعلام صهيونية أنه تم إنشاء وحدة خاصة من عملاء "الشين بيت" (جهاز الأمن الداخلي) و"الموساد" (جهاز المخابرات الخارجية) أطلق عليها اسم "نيلي".
والاسم اختصار لجملة "نتساح يسرائيل لو يشاكر"، وهي اقتباس توراتي ترجمته: "خلود (إسرائيل) لن يكذب"، ويشير أيضا إلى شبكة تجسس يهودية دعمت بريطانيا ضد الدولة العثمانية في فلسطين من 1915 إلى 1917 أثناء الحرب العالمية الأولى، وفق "فرانس برس".
وأوكلت لهذه الوحدة الخاصة مهمة "تعقب أعضاء حركة حماس المسؤولين عن هجوم أكتوبر والقضاء عليهم"، في هدف يتقاطع مع ما أعلنه رئيس الشاباك، وأثار تحذيرات صدرت حتى الآن من جانب تركيا فقط.
وقال مسؤول في المخابرات التركية، الاثنين، إن تركيا حذرت (إسرائيل) من "عواقب وخيمة" إذا حاولت ملاحقة مسؤولين من حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) خارج الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك في تركيا.
وأضاف المسؤول "تم توجيه التحذيرات اللازمة للمحاورين بناء على أنباء تتعلق بتصريحات لمسؤولين (إسرائيليين)، وجرى إبلاغ (إسرائيل) بأن (مثل هذا التصرف) ستكون له عواقب وخيمة".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق