استهلت حملة القصف التي تقودها السعودية في اليمن ببداية مروعة، على الأقل فيما يتعلق بحصيلة الخسائر المدنية، فخلال الأسبوع الأول من العمليات العسكرية ضد مقاتلي الحوثيين، أصابت طائرات التحالف العربي مناطق كثيفة السكان في العاصمة صنعاء، وغيرها من مراكز المدنيين، وتوفي في الغارات عشرات من المدنيين ومنهم أطفال. وبحسب منظمة الصحة العالمية، لقي 643 مدنيا حتفهم منذ بداية النزاع، وجرح 2226 في مجمل القتال. وفي تلك الأثناء لم تجد هيومن رايتس ووتش، التي نعمل بها، أدلة على وجود أهداف عسكرية يمكن أن تبرر الخسائر الفادحة في غارة 30 مارس/آذار على مخيم معروف للنازحين في المزرق (شمال اليمن)، حيث قتل 29 مدنياً وجرح 41، بينهم 14 طفلاً و11 سيدة.
وحينما أعلنت الولايات المتحدة أنها ستوفر الدعم اللوجيستي والاستخباراتي لعملية عاصفة الحزم، صارت مرتبطة بالحرب. وبحسب التفسير المعتمد للقانون الدولي فقد تترتب عليها التزامات بتقليل الضرر الواقع على المدنيين بموجب قوانين الحرب. لكن حتى إذا لم يكن الأمر كذلك فإن علاقتها الوثيقة بالحملة العسكرية ينبغي أن تمثل حافزاً كافيا لدفع التحالف إلى إعادة النظر في أساليبه الحربية.
إن الرهانات باهظة، بما أن الوضع الإنساني سيتدهور لا محالة. وقد ذكرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، منذ اليوم الأول، وجود عقبات تشمل غياب الضمانات الأمنية، منعت المساعدات الطبية العاجلة من الوصول إلى المدنيين. وفي الأيام القليلة الأخيرة نجحت بعض شحنات المساعدات في دخول البلاد، لكنها لا تكفي للتعامل مع هذه الأزمة الإنسانية متزايدة التعقيد. ومن الآن فصاعداً سيكون على كافة أطراف النزاع أن تتعامل بجدية مع التزامها بتسهيل وصول المعونات الإنسانية.
والأمر الذي لا يبشر بخير هو أن بعض أعضاء التحالف العربي لهم سجلات رديئة في مجال الالتزام بقوانين الحرب، فهناك أدلة ذات مصداقية على استخدام السعودية للذخائر العنقودية في اليمن أثناء غارات جوية ضد قوات الحوثيين سنة 2009، مما خلف قنيبلات غير منفجرة تبقى مميتة طوال سنوات. أما قوات السودان، وهو جزء من التحالف، فقد ارتكبت الفظائع طوال سنوات في دارفور وغيرها، فجلبت على رئيس البلاد أمر اعتقال بتهمة الإبادة العرقية من المحكمة الجنائية الدولية.
وقد اتسم أعضاء التحالف بالبطء حتى الآن في التصدي لبواعث القلق الإنسانية. ولم يقدم الناطقون باسم التحالف أي وعد علني بتسهيل توصيل المساعدات الطبية أو ضمان التنقل الآمن للمدنيين. كما لم يقدموا، عند السؤال، أي أساس قانوني له مصداقية للغارة التي أصابت مخيم النازحين. وكان كل ما قاله مسؤول عسكري سعودي هو أنه "ربما كانت النفاثات المقاتلة ترد على نيران" بدون تقديم أية أدلة لتأييد ادعائه.
كما أن الحوثيين، الذين سيطروا على معظم شمال اليمن منذ سبتمبر/أيلول 2014، لهم بدورهم سجل ردئ فيما يتعلق بأمن المدنيين، فقد واصلت الحركة تجنيد الأطفال، وسارع المقاتلون المتمردون المسيطرون على المناطق الحضرية إلى تصويب بنادقهم نحو المتظاهرين. وفي اليوم الأول من الغارات الجوية، شاهدت هيومن رايتس ووتش قوات الحوثيين وهي تطلق الأسلحة المضادة للطائرات من حي سكني، معرضة السكان المحليين للخطر.
وفي تلك الأثناء عملت القاعدة في شبه جزيرة العرب، الخصم العتيد للحوثيين، على استغلال غياب القانون عن جنوب اليمن للاستيلاء على مدينة المُكلّا الساحلية. وقد ارتكب التنظيم في السنوات الأخيرة العديد من الهجمات العشوائية عديمة التمييز التي قتلت وجرحت مدنيين، كما اعترف بتجنيد ونشر الجنود الأطفال.
وهنا يأتي دور الولايات المتحدة، فرغم أنها ليست من أعضاء التحالف إلا أن دعمها له قد يجعلها طرفاً في النزاع بموجب القانون الدولي. وقد صرح مسؤول عسكري رفيع المستوى، لم تتم تسميته، لوكالة "آجنس فرانس بريس" في الأسبوع الماضي بأن الولايات المتحدة عرضت تزويد طائرات التحالف الحربية بالوقود في الجو، خارج المجال الجوي اليمني، إضافة إلى معلومات استخبارية عن مواقع قوات الحوثيين، ولكن بدون "تزويدهم بمعلومات استهدافية".
وإذا صح أن الولايات المتحدة تشارك بشكل مباشر في هجمات القصف، على سبيل المثال عن طريق تزويد الطائرات الحربية بالوقود في طلعات القصف، فإن هذا يلزمها بتقليل الضرر الواقع على المدنيين، وقد تجد نفسها مشاركة في المسؤولية عن انتهاكات التحالف. ولكن بغض النظر عن أي التزام قانوني فمن المفيد للولايات المتحدة أن تنبه أعضاء التحالف إلى التزاماتهم بالتقيد بقوانين الحرب، بما في ذلك شرط الهجوم على الأهداف العسكرية المشروعة وحدها، وتقديم تحذيرات مسبقة وفعالة للمدنيين كلما أمكن. وإذا لم تفعل فسوف تتحمل معهم الوصمة السياسية والأخلاقية المرتبطة بالعمليات العسكرية التي تنشر الخراب وسط المدنيين. ولمنع هذا الانطباع، يتعين على الولايات المتحدة أن تدين الانتهاكات الظاهرة عند وقوعها ـ وهو ما أخفقت واشنطن في القيام به بعد الغارة على مخيم المزرق ـ والضغط من أجل إجراء تحقيقات محايدة.
وعلى واشنطن أيضاً أن توضح أنها لن تقدم المساعدة العسكرية لأي عضو في التحالف يكون مسؤولاً عن انتهاكات ممنهجة أو واسعة النطاق، مثل السودان، وإلا تعرضت مجدداً لخطر الاتهام بازدواجية المعايير. وأخيراً فإن على الحكومة الأمريكية، التي زودت السعودية في الماضي بالقنابل العنقودية، أن تحث الرياض على عدم استخدام تلك الأسلحة أو غيرها من الأسلحة المحظورة، مثل الألغام الأرضية المضادة للأفراد.
إن من الضروري أن تدرك واشنطن أن تقليل الضرر الواقع على المدنيين في اليمن ليس مجرد التزام قانوني على عاتق دول التحالف، بل هو عنصر حاسم ضمن هدفها المفترض المتمثل في محاربة الجماعات الإسلامية المتشددة مثل القاعدة في جزيرة العرب، والتي يتعزز تأييدها الشعبي بفعل الانتهاكات الظاهرية للغرب وحلفائه. ولا سبيل لإنكار أن العمليات بدأت، على الصعيد المدني، بداية خطأ. لكن أوان تصحيح الأوضاع لم يفت، وبوسع الولايات المتحدة أن تتولى القيام بهذا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق