قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

الأربعاء، 25 سبتمبر 2013

افتتاحية طليعة لبنان الواحد : أزمة سوريا أن يأتي الحل الانتقالي متأخراً افضل من أن لا يأتي أبداً

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
 
افتتاحية طليعة لبنان الواحد
شهر ايلول 2013
 
أزمة سوريا
أن يأتي الحل الانتقالي متأخراً
افضل من أن لا يأتي أبداً
شبكة البصرة
 
بعد عامين ونصف على انفجار الوضع في سوريا، فإن العنف المشبع بالحقد السياسي والمغزى بالمحفزات الطائفية والمذهبية والمذخر  والممول والمدار في بعض أوجهه من مراكز التقرير في النظامين الإقليمي والدولي، أدخل سوريا نفقاً لم تعد تستطيع الخروج منه بقاطراتها الداخلية، بل باتت أسيرة القاطرات الخارجية والتي جعلت الصراع في هذا البلد مدولاً بامتياز.
قد يكون من المبكر تحديد أرقام الخسائر البشرية والاقتصادية والعسكرية، لأن رحى طاحونة الحرب ما تزال تعمل بفعالية، وهي لن تتوقف إلا عندما يقتنع اللاعبون في داخل سوريا ومن خارجها، أن معطى الوضع في سوريا قد وصل إلى مستوى منفعته الحدية(1). لكن في جردة بسيطة رقمية وهي تقديرية بطبيعة الحال، فإن الذين سقطوا في مسرح العمليات القتالية وبسببها هو أكثر من مئة وعشرة الاف ضحية، وعدد الذين نزحوا وهجروا في الداخل والى الخارج هو بالملايين، وعدد الوحدات السكنية التي درمت كلياً أو جزئياً، حتى الآن بحدود 1.500.000 وحدة سكنية، عدا المرافق الحيوية والحياتية ذات الطابع الخدماتي والإنمائي وكل ما له علاقة بالبنية التحتية. وتجاوزاً للخسائر البشرية والمادية، فإن الكلفة الاقتصادية ليست أقل سوءاً، اذ تقدر مراكز الإحصاءات أن إعادة تكلفة إعادة أعمار ما تهدم حتى الان يتراوح في حده الأدنى ما بين مئة مليار دولار وحده الأقصى بنحو مئتي مليار دولار وأما سعر صرف الليرة السورية فقد انخفض سعرها الرسمي إلى أربعة أضعاف ونصف الضعف مع تدخل الدولة والى سبعة أضعاف في سعرها في السوق السوداء. وسوريا التي لم تكن مديونه في ميزانها التجاري الخارجي، وكان احتياطها النقدي بالعملات الأجنبية بحدود العشرين مليار دولار، أصبحت على حافة النفاذ، وهي تستعين بالقروض الائتمانية من روسيا وإيران لتزويد السوق الاستهلاكية بحاجات أساسية ومنها الفاتورة النفطية.
بعد عامين ونصف على انطلاق الحراك الشعبي، واتخاذه منحىالعسكرة بعد لجوء النظام إلى اعتماد الحل الأمني في التصدي لأزمة سياسية بنيوية، انسحبت الجماهير من الشوارع سواء تلك التي كانت تحركها المعارضة، أو تلك التي كان يدفع بها النظام على قاعدة شارع مقابل شارع، وأصبحت القاعدة التي تحكم معطى الوضع الداخلي هي تقابل الخنادق، وحيث ثبت بالحس والملموس، أن أحداً لا يستطيع أن يحسم الأمر لصالحه.
وعليه فإن تطور الأوضاع العسكرية وانعكاسها على البنى العسكرية النظامية والمعارضة، جعل كل من الطرفين يستقوي بإسناد خارجي، ان لجهة المساعدة بالإمساك بالأرض، وان لجهة المساعدة في التسليح والتذخير والتمويل، وهذا ما دفع الأمور إلى درجة من التصعيد العنفي المرعب من ارتكاب أفعال جرمية تتعارض وقوانين الحرب من خلال الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان إلى عدم احترام قواعد الاتفاقيات التي ترعى وضع المقاتلين أو الأسرى والمعتقلين، والمدنيين، والتي لم تقتصر على جانب دون الآخر، ومن ثم اللجوء إلى استعمال سلاح ذو قدرة تدميرية هائلة، كالطائرات والصواريخ البعيدة المدى والقنابل الفراغية وأخيراً السلاح الكيماوي الذي تقاذف الطرفان مسؤولية استعماله، ومعه وصلت الأزمة إلى مستوى غير مسبوق في التعاطي الدولي، كانت خلاصة مخاضه الاتفاق الأميركي – الروسي في جنيف والذي أسفر على وضع الترسانة الكيماوية السورية تحت الرقابة الدولية تمهيداً لحصرها وتدميرها.
هذه المحطة التي توقف فيها قطار الأزمة السورية، هي الأبرز حتى تاريخه لأنها وضعت اليد الدولية على واحدة من عوامل القوة التي كانت تعتبرها سوريا إحدى وسائط الردع الاستراتيجي في مجرى الصراع العربي – الصهيوني.
 
هذا الاتفاق اختلفت القراءات السياسية بشأنه، لكن الملفت للنظر أن الكل اعتبر أنه خرج رابحاً منه.
فالنظام السوري اعتبره ربحاً له، لأنه جنبه ضربة عسكرية أميركية، والمعارضة اعتبرت نفسها رابحة، لأن النظام فقد واحدة من أوراق القوة العسكرية لديه، فضلاً عن ان التزامه بالاتفاق، يحمله مسؤولية استعمال هذا السلاح.
أما أميركا فاعتبرت نفسها خرجت رابحة، لأنها استطاعت تحقيق مكسب هام وهو تجريد سوريا من سلاح ردعي في مواجهة العدو الصهيوني دون اللجوء إلى مغامرة عسكرية تعرف كيف تبدأ لكنها لا تعرف كيف تنتهي خاصة وأنها تواجه عدم حماسة داخلية أميركية في الانخراط في نزاعات عسكرية جديدة بعد مأزق العراق وما منيت فيه من خسائر.
أما روسيا، فاعتبرت نفسها أيضاً رابحة، لأن الاتفاق جنب النظام ضربة عسكرية، أولاً، ولأنها
ثانياً وعبر هذا الاتفاق أعادت الاعتبار لدورها في صياغة تفاهمات ذات بعد دولي، وان هذا الاتفاق سيكرس سابقة أولى فعالة لدور روسي في معالجة أزمات مدولة.
أما النظام الإيراني والقوى المرتبطة به، فاعتبرت الاتفاق الذي لم يرحب به بحرارة في وسائل الإعلام الإيرانية وملحقاتها، بأنه سيندرج في خانة الربح، لأنه جنب النظام ضربة عسكرية من ناحية، وجنب من ناحية ثانية إيران والمرتبطين بمرجعية قرارها إحراجاً سياسياً عن عدم قدرتهم على التعامل مع العمل العسكري برد فعل مواز، ولذا فإن الاتفاق أبقى موقفهم ضمن دائرة الخطاب السياسي العالي النبرة كوظيفة تعبوية فقط دون اختبار عملاني في ما لا يريدون الانزلاق إليه.
قد يكون لكل من هؤلاء الذين اعتبروا ان الاتفاق انتج ربحاً سياسياً ، حساباته وتقديراته، لكن في واقع الحال، ان هناك رابح أكبر من ناحية وخاسر أكبر من ناحية أخرى.
أما الخاسر الأكبر فهي سوريا، كمكون وطني، وكموقع ذي أهمية استراتيجية في الجغرافيا السياسية للصراع العربي الصهيوني. فسوريا وبغض النظر عن طبيعة النظام السياسي الحاكم فقدت قوة ردعية في مواجهة العدو الصهيوني الذي يمتلك ترسانة نووية وكيماوية كبيرة. وان تقدم سوريا على تقديم هذا التنازل دون مقابل، إلا تجنب ضربة عسكرية، قد لا تكون مضعفة لقوتها الردعية، بقدر ما تضعفها تجريدها من السلاح الكيماوي، ففي هذا خسارة كبيرة على توازن القوة في الصراع العربي – الصهيوني.
وأنه مهما حاولت أجهزة الإعلام الرسمية السورية التقليل من الآثار السلبية لهذا الاتفاق على الأمن الوطني السوري، فإن الحقيقة المرة هي أن سوريا أصبحت بعد هذا الاتفاق ضمن مديات القرار الدولي لتصفية عناصر القوة المادية الردعية التي دفع الشعب السوري ثمنها من عرقه وجهده وناتج عمله، فإذ بها  تذهب هدراً في لحظة احتدام الصراع في سوريا وعليها.
هذه الخسارة السورية الكبيرة، يقابلها ربح كبير للعدو الصهيوني، الذي يقف متفرجاً على تجريد سوريا من سلاح ردعي بوجهه، ويغتبط لدفع سوريا نحو مزيد من الانكشاف العسكري، خاصة، بعدما استهلكت قدرات كبيرة للجيش السوري في الصراع الداخلي.
إن هذا الاتفاق وأن كان قد رأى  فيه  البعض وخاصة أطراف الداخل السوري، بأنه حققاً لهم ربحاً سياسياً تكتيكياً، من مثل شراء النظام للوقت، عله يستطيع الحسم ولن يستطيع، أو من مثل رؤية أطراف المعارضة بأنه أضعاف للنظام الذي يمكنها من الحسم ولن تستطيع ،هذا الاتفاق، أدخل سوريا مرحلة متقدمة من انكشاف الأمن الوطني، الذي إذا ما أضيف إلى حالة الانكشاف السياسي بعدما أصبحت الأزمة تقرر حلولها في الخارج، وحاله الانكشاف الاقتصادي بعدما دخلت سوريا مجال المديونية للخارج ومجال الانكشاف الاجتماعي، بعدما أصبح السوريون في وضع اللجوء والنزوح داخلاً وخارجاً يستجدون المساعدات والتي لن تكون بدون أثمان سياسية.فالامر يتجه نحو الكارثة الوطنية الكبرى.
إنه وفي ضوء هذه القراءات السياسية لاتفاق جنيف حول السلاح الكيماوي في سوريا، لا يهمنا موقف أميركا ولا روسيا ولا إيران ولا كل أطراف الخارج الإقليمي والدولي، لأن كل هؤلاء تحكمهم في التعامل مع الأزمة المتفجرة في سوريا، مصالحهم وليس مصالح الشعب في سوريا، أو مصلحة سوريا كموقع مفصلي في المكون القومي العربي.
وعلى هذا الأساس، فإذا كان الأطراف الخارجيون قد اعتبروا أنفسهم قد خرجوا رابحين، فإن الأطراف الداخلية هي الخاسرة. لأنه عندما تخسر سوريا مناعتها الوطنية في بعدها السياسي والعسكري والاقتصادي والاجتماعي فأياً تكن الجهة السياسية الحاكمة، فهي لن تكون إلا دمية في أيدي القوى التي قررت الحل وفرضته، وبالتالي تصبح سوريا حالة متلقية، ملعوب بها، بعدما كانت حالة مؤثرة في محيطها القومي وعندها يكون الحراك الشعبي الذي انطلق تحت عنوان المسألة الديموقراطية، قد غرق في تحديات المسألة الوطنية، والتي زادت صعوباتها بإصرار النظام على الاستمرار باعتماد أسلوب الحل الأمني كسبيل للحسم وهو مستحيل، وتهميش دور الاتجاه الوطني الديموقراطي في المعارضة، بعدما تعسكر الحراك الشعبي بقوة الأمر الواقع المفروض، واصبح مخترقاً ومهيمناً عليه من قوى وتنظيميات لها أجندات سياسية لا تحاكي قضايا التحول والتغيير الوطني الديموقراطي في الداخل السوري.
وإذا كانت تسجل على النظام نقاط سلبية من إصراره على الحل الأمني، من عدم المبادرة على تقديم رؤية سياسية على قاعدة الحل الانتقالي، وقد لاحت فرص عديدة أمامه، قبل انطلاق الحراك الشعبي في آذار /2011، وبعده، وبعد دخول العدو الصهيوني على خط العمليات العسكرية وأخيراً استعمال ورقة السلاح الكيماوي كبطاقة حمراء في وجهه، فإن المعارضة تسجل عليها نقاط سلبية ايضاً لأنها لم تقدم نفسها فريقاً واحداً وبرؤية سياسية موحدة، ولم تقدم النموذج البديل لنظام حفل تاريخه بالقمع وانتهاك حقوق الإنسان بل قامت بعض اطرافها بممارسات تماهت مع تصرفاته وسلوكياته، وأخيراً وليس أخراً، أصبحت مرتهتة بالقرار السياسي والتمويل والتسليح لمراكز التقرير في النظام الإقيلمي والدولي الذي يقف على الضفة المقابلة للنظام السوري وكل تحالفاته الإقليمية والدولية.
وإذا كان من رفض يسجل  على أداء النظام والمعارضة في موقفهما من موضوع السلاح الكيماوي، فلأنهما تعاملاً مع هذا السلاح وكأنه ملك للنظام، الأخير يحق له التصرف به درءاً لخطر  عنه، والمعارضة تظن أن تدمير هذا السلاح هو إضعاف له، فيما الحقيقة أنه إضعاف لسوريا وجعلها بدون أنياب، ولقد كان على النظام والمعارضة، أن يتعاملا هذا الملف من ضمن رؤية شاملة، اقله وضعه ضمن صفقة شاملة وهي تجريد المنطقة من أسلحة الدمار الشامل. وإذا لم يكن بالإمكان فرض هذا الموقف كواقع عملي إلا أنه كان سيضفي مصداقية وطنية على حماية عناصر الردع الاستراتيجية في معادلة القوة مع العدو الصهيوني.
أما وأن هذا لم يحصل، فهذا يضيف دليلاً جديداً، على أن الأطراف التي تدير الشق الداخلي من الأزمة في سوريا، نظاماً ومعارضة، أصبحت محكومة بمأزق منطق القاتل أو المقتول، فيما القوى الخارجية التي تضمر شراً بسوريا، المكون الوطني، تصوب مسار تعاطيها السياسي باتجاه أن تصبح سوريا مقتولة.
إن هذا يطرح تحدياً إضافياً أمام كل من هو معني بالأزمة المتفجرة في سوريا، والتحدي هو أن يرتقي الأطراف الداخليون إلى مستوى الجرأة السياسية الحادة، والتي تفرض تقديم التنازلات المتقابلة للتلاقي عنده نقطة وسط ترتكز على قاعدة الحل الانتقالي الذي يضع حداً لدورة القتل والعنف والتدمير الهائل، ويمهد الطريق أمام إعادة هيكلة الحياة السياسية، لإنتاج نظام سياسي جديد، يحمي لسوريا مكوناتها الوطنية، ويلبي حاجة شعبها في التغيير الوطني الديموقراطي ويحفظ موقعها في خارطة الصراع العربي – الصهيوني، ودورها في الاستنهاض القومي الشامل.
إن استمرار هذا الصراع الدامي الذي بات دون كوابح ، لن يبقى شيئاً من عناصر المنعة الوطنية السورية، لا بل أكثر من ذلك فإنه سيحولها إلى أشلاء تتجاذبها قوى الإقليم الطامعة، والقوى الدولية الشرهة ، ولو كان على حساب دم شعب لسوريا الذي يفترض أن يكون انتهاكه حرماً يرتقي حد القدسية.
إن سوريا الكيان والموقع الوطني هي أهم من النظام الحاكم وأهم من المعارضة، فإن تشظت لن تبقى لا للنظام ولا للمعارضة، وأن تشظيها ينعكس  على مكوناتها المجتمعية، أليس هذا مايريده العدو الصهيوني وكل من يناصب العروبة العداء الفكري والسياسي ؟! ان يأتي الحل الانتقالي متأخراً أفضل من أن لا يأتي أبداً.

(1) المنفعة الحدية: هي منفعة الوحدة الاخيرة من رزمة وحدات اقتصادية استهلاكية او انتاجية
شبكة البصرة
الثلاثاء 18 ذو القعدة 1434 / 24 أيلول 2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق