بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
|
طارق عزيز.. صورة المثقف والمناضل القومي!؛
|
شبكة البصرة
|
اسماعيل أبو البندورة
|
جاء طارق عزيز من الثقافة القومية الى السياسة القومية في سياق ومسار متصل ومتكامل، إذ كانت تحركه في شبابه أسئلة النهضة والانبعاث القومي، وكان مهجوسا بحرية ووحدة الأمة العربية فوضع حياته خدمة لها ودفاعا عنها وربط مصيره بهذه الأهداف الكبرى وقضى من أجلها، وكان مثله مثل الرواد من القوميين مهموما بالوعي والممارسة معا فلم يقف مثل الشعراء القدامى على الأطلال وإنما حاول مع غيره من رجالات العراق الأبرار أن يبني الصروح والأجيال، وكانت تلك بعضا من صوره ومنجزاته ونموذجيته كمثقف ومناضل قومي في التاريخ الحديث.
وأخذته صورته هذه الى المنافي والسجون في أكثر من قطر عربي إلى أن وقع في وكر المحتلين والعملاء عام 2003 وداخل أرض العراق التي أنشأ طارق صورته ونموذجيته فيها بعد أن أحبها ودرج على ترابها وخاض صولاته وجولاته فيها وتوجع في أكنافها وبكاها بعد احتلالها بعد أن رأى الحثالات والرعاع يعتدون على صورة قائدها وشهيدها اللاحق.
لقد وضعته صورته ونموذجيته هذه في العقل والخيال العربي رمزا لأمة ومثالا لدبلوماسي عريق يرونه لأول مرة يحول الكلام الى رصاص في عيون الأعداء ويقرؤون معه تاريخا وموقفا مختلفا متألقا وشجاعا للعرب، ورفع طارق بهذه الخصائص المهيبة الأنا والذات العربية العليا بأعين أصحابها وأعدائها إلى أعلى صعيد ومستوى ولم تعد الساحة حكرا على البغاة وقادة الدول الكبرى وأصحاب الهيمنة، وأنتج طارق بهذه " الهيمنة الثقافية " المحملة بقيم الحرية والعدالة والقائمة على خطاب التكافؤ هيمنة " سياسية عربية وعالمثالثية " رمزية ومعنوية مخصبة وموازية وتعادلية حتى في ظرف عصيب مثلما كان الأمر أيام الابادات والحصار الوحشي، وعندما كان طارق مثله في ذلك مثل أبناء العراق لا يجدون القلم والورق ليسطروا حروف شجاعتهم وصمودهم.
وشاهدناه كما كنا نشاهد قديما الدبلوماسي الفيتنامي الذي كان يفاوض كيسنجر في باريس على وقف القتال ويعود مقاتلا للأعداء في بلاده، إذ كان طارق يخلع ثوب الدبلوماسي عندما يعود الى بلاده ويلبس "الزيتوني " والطاقية ويلتحق بدورات التدريب "والترشيق" التي نصح بها القائد الشهيد رفاقه في الدولة لكي لا يترهل أعضاء القيادات ويكونوا دائما على أهبة الاستعداد، وكان كل من رأى طارق عزيز الكهل مهرولا أو مفككا لقطعة سلاح أمام مدرب يعجب لهذه الصورة مثلما كان يعجب للصورة الشامخة للدبلوماسي العراقي العربي وهو يتكلم لغة انجليزية راقية أثارت الانجليز بدقتها وعمقها عندما حل بينهم في أحد المرات، أو وهو يراه يدفع أوراق بيكر الاستعمارية الاملائية على الطاولة متحديا بيد فيها سيجار!
أما الغرابة فقد تبدت للجميع عندما أحضره عملاء أمريكا وايران للمحكمة بالبيجاما محاولين اهانته وإذلاله وتحطيم معنوياته، فعاد طارق إلى طبيعته المثقفة المناضلة المتحدية وتجلت صورته النموذجية مجددا أمام أنظار العرب، وكان بحق صورة لقيادة عربية مناضلة ومؤمنة اجتمع أمرها على التضحية والاستشهاد و مقاومة الاحتلال وأذنابه وتحديهم في عقر دارهم وأمام محاكمهم الجائرة. وكانت الأمة في تلك اللحظات تعجب وتسأل من أي أمة جاء مثل هؤلاء الأبطال وأي أمهات ولدن أمثالهم، وأي عراق أنجبهم، وجاء الجواب منهم وهم على أعواد المشانق وفي سجون وزنازين الأوغاد والحثالات، ولم تعد تلك الصورة مجرد صورة متعالية لهم في ضمير العرب بل كانت درسا لهم ممزوجا بالقهر والألم، وصورة بائسة من صور الانحطاط في الجانب الآخر (الديموقراطي المنتخب الجديد!!) حيث حاولت وتحاول الأرانب العرجاء أن تركب الأفيال في زمن جائر أصبح فيه الوغد قاضيا يتطاول على طارق أو حاكما وسجانا وجلادا متوحشا يعذبه بمنع الدواء.
أي زمن موحش خؤون هذا يا طارق؟ أي بلاد وحشية العقل والبصيرة تقتل قادتها العظام ورموزها في زمن تفتقد فيه الرموز والرجال الكبار العظام أصحاب الأنفة؟ بأي مشاعر سنودعك والقلب كسير وكسيف؟ وبأي فخار نواريك الثرى وأنت أشجع من وقف بوجه الأوغاد ودافع عن هذا الثرى؟
ولماذا تغادر أرض العراق الذي أحببت ورسمت فيه ونسجت خطوط الثقافة والصحافة والأدب والفن والنضال والرجولة؟ ليصبح عزاء العرب والأمة في انتقالك من تراب عراقي عربي الى تراب اردني عربي آخر، التراب العربي ذاته الذي يحبك ويفخر بأن يكفنك بالغرّ من امجادك وينحني لك اجلالا وإكبارا وبقي ولايزال يراك رمزا ونموذجا مهيبا وصورة شامخة من صور المثقف والمناضل القومي الكبير العزيز.
ألا ترى يا طارق وأنت ترحل الأيدي العربية التي تمتد اليك تريد أن تسلم عليك وتودعك؟ ألا ترى أن الوطن العربي بأكمله أصبح بيتك والناس فيه أهلك وربعك وأعمامك؟ ألا ترى أن قدر العراق بأن يتوزع شهدائه على كل بلاد العرب؟ ألا ترى أنها معجزات العراق التي تبدت في هذه اللحظات الصعبة من التاريخ؟ اننا نرى ذلك كله بجلاء ونفرح بلقاء الشهداء العرب في وطننا!
|
شبكة البصرة
|
قال سبحانه وتعالى
قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم
الأحد، 14 يونيو 2015
اسماعيل أبو البندورة : طارق عزيز.. صورة المثقف والمناضل القومي!؛
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق