بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
|
1. لمناسبة الذكرى الثامنة لاستشهاد شهيد العروبة صدام حسين ووفاء لهذا الفارس العربي الأصيل الذي عزَّ ويعتزّْ به كل من آمن ودافع عن امة الحبيب المصطفى محمد (صلى الله عليه وسلم) لقلوبهم العامرة بإيمان المبدأ الذي نشئوا عليه وترعرع فيه ليكونوا حقاً رجالاً عاهدوا الله فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وبه سيحقق للأمة عز مجدها ورسالتها الخالدة. واستحقاقا لتاريخ سيادته الذهبي الذي أبى طيلة نضاله الوطني والقومي أن يسمح لأي كائن من كان أن يثلم أو يرَضْ أي جناح من أجنحة وطنه وأمته.. ولهذا قررت أن انشر نصوص ألقاءات والخطابات الخاصة بالشهيد الحي السعيد صدام حسين كاملة، والذي تحدث بها (رحمه الله) أثناء عهد حكمه الذهبي العادل على الرغم من نشرها في الكثير من المواقع والشبكات الإخبارية الوطنية والقومية والإسلامية، وتكراري في نشرها يهدف الى :
أ. عسى أن تستفد منه الأمة ونظامها العربي الرسمي كدروس مستنبطة لمستقبلهما الحافل بالمخاطر واللذان أصبحا من بعد غدر نظامها له حقيقة لواقع حال خطير يعانيان منهما الشعب العربي وأمته الآن.
ب. ليستفاد ويطلع عليه ألاصلاء الذين رضعوا من لبان البعث من الذين لم ينكلوا أو يغدروا بالبعث ونظامه الوطني لمآرب انتهازية تخدم مصالحهم من بعد احتلال العراق بالاحتلالين الأمريكي والصفوي.
2. يتخلل النصوص أعلاه خطابات الرفيق المجاهد عزة إبراهيم الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي القائد الأعلى للجهاد والتحرير والخلاص الوطني، ولنفس الأهداف المدرجة في أعلاه.. وشكرا.
أبو علي الياسري
صدام حسين.. الحركات السياسية الدينية والحركات المغطاة بغطاء الدين
|
شبكة البصرة
|
بقلم الشهيد القائد صدام حسين |
عندما يتم القرار على التعامل الجدي مع أي ظاهرة، أو موضوع اجتماعي أو سياسي، أو غير ذلك، إن كان على مستوى الفرد، أو الجماعة، ومن حيث ما يدخل ضمن المسؤولية الاجتماعية العامة للإنسان أو من ناحية المسؤولية الرسمية في الدولة، فان ذلك يقتضي قبل كل شيء فهْمْ ما هو مطلوب التعامل معه، أو معالجته فهماً صحيحاً محدداً، من حيث الأبعاد كما هو، وليس كما يتمنى المرء، أو كما يخترع من أوصاف، ومستهدفات. وهذا يعني أن يكون الفهم للحالات من حيث نوعها، وأهدافها، ومسارها، ومكوناتها فهما موضوعيا، لا ينطوي على افتراض النتائج مسبقا، طبقا للنزوع الذاتي، لأي من المعنيين بالأمر، وعند ذلك فإن الموقف بالنسبة للدولة، ومسؤوليتها ينبغي أن يفرق بين ما يقع ضمن الدعاية، أو المعالجة الظرفية الآنية الملجئة، وبين ما يقع ضمن الفهم الصحيح للأمور، وما يبنى عليه من معالجات، وتعامل مع الظواهر يقع في إطار المسائل الإستراتيجية، في النظرة والتصور وفي اختيار الوسائل الملائمة أيضا، ضمن فاصلة زمنية معينة أو لمرحلة تاريخية كاملة.
ومن هذه المقدمة المختصرة، والتي لا بد منها ندخل الى التعامل مع موضوعنا الذي احتل العنوان في حديثنا هذا…النشاط السياسي الديني، أو المغطى بغطاء الدين في الوطن العربي.
ابتداء ينبغي أن لا ننسى : أن امتنا العربية هي امة متدينة ومكلفة بحمل رسالة أو رسالات الدين، وفي مقدمتها الدين الإسلامي، الى شعوب الأرض قاطبة. وان هذا التكليف قديم، وليس حديثا وهو الهي وليس "بشرياً"، ولا يقع ضمن رغبة هذا، أو ذلك من الأشخاص وانه دائم وليس مؤقتا، إذ أن هذا يتبين بوضوح من خلال إرادة الله سبحانه وتعالى على جعل الوطن العربي حصرا مهبطا لكل الرسالات السماوية، والأنبياء والرسل، وما ينطوي عليه القرآن الكريم، الذي هو آخر ما احتوته الكتب السماوية من رسالات، من دور قيادي للعرب في إيصال الدين ومعانيه الى الإنسانية، سواء كان بالتبشير والجهاد، أو عن طريق النموذج المشع والمؤثر على ما حوله من الناس.
لذلك وطبقا لهذه الحقائق فان الدين في الوطن العربي ليس حالة عادية كشأن الحالات الأخرى، مما يهتم بها الإنسان العادي خارج الوطن العربي، وإنما هو حالة صميمة، ويقع في مقدمة ما هو صميمي مما يهتم به إنساننا العربي، ويؤمن به، ويسعى للمحافظة عليه ونبذ الظواهر التي تتعارض مع جوهره فكرا وسلوكا.
ولكن الإنسان العربي، الى جانب كل هذا، هو الذي يفهم الدين فهما صحيحا أكثر من أي مدع من غير العرب، حتى لو اخلص ذاك في دعواه. وان الدلائل كثيرة، ضمنا وتصريحا، في القرآن الكريم، وفي سيرة النبي الكريم "ص" وصحبه من الخلفاء الراشدين "رض".
ومن هذا يفهمون معنى أن الله سبحانه وتعالى، الذي كلف الأنبياء والرسل، وانزل الكتب السماوية على التوالي، قد "اكتفى" والى قيام الساعة، من إنزال أي كتاب سماوي، أو رسول جديد ومن ذلك فان مستوى الإنسان، فهما، وتعاملا، ودورا، قد ارتقى الى الحد الذي يستطيع بعد ذلك أن يقوم بما مطلوب القيام به عن طريق إرشادات وتوجيهات الأنبياء والرسل، من خلال الخواص الإنسانية الايجابية للمجتمع والمجموعة مما يرضى الله عنها سواء كان في التعامل مع الإنسان حقوقا والتزامات، وعلاقات أخرى، أو في علاقة الإنسان مع الله، وعلاقته مع الأشياء، وان يتم كل ذلك بالاجتهاد المستوحى من مستلزمات تطور الحياة وقوانينها، أو من المعاني الدينية ومراميها.
لقد فهم العرب منذ البداية أن الدين في جانب أساسي منه، هو رفض السيئ المرفوض في الحياة الاجتماعية، وإقامة الجيد المقبول في المجتمع عن طريق العدالة الاجتماعية. وعلى أساس هذه المفاهيم مجتمعة تعاملوا مع الحياة, وواجباتهم الدينية داخل العائلة والمجتمع ومع النفس, أو عندما يتوجهون الى الله العلي القدير.
ومن هذا نفهم كيف ولماذا لم يحصل الالتباس والخلط في ذهن العرب والمؤمنين، بين إيمانهم بالدين الحنيف ودورهم القيادي، وبين ادعاء الدور القيادي من خلال غطاء الدين لغير العرب، ومنهم العثمانيون الذين استعمروا العرب من الناحية الفعلية باسم الدين؟.
فثار العرب ثورتهم المعروفة للتخلص من الحكم العثماني، مع كل ما كان يعترض هذه الثورة من ادعاءات التعارض بين الثورة، ورفض ذلك التسلط ونظامه، وبين الدين. ومن خلال فهمهم الصحيح للدين ومعانيه وأهدافه، فهموا كذلك أن الدعوة لطمس وقتل الخصوصيات، ومنها الخصوصيات الوطنية والقومية، في دعوة مضللة وغايتها تسليط غير العرب على العرب، وعند ذلك يسلب دورهم الديني والإنساني وتتحطم شخصيتهم القيادية داخل الأمة الإسلامية التي ليس هنالك تعارض بينها، وبين الأمة العربية، لأن معنى الأمة الإسلامية هو الدين المشترك، ومعنى الأمة العربية هو الانتماء القومي الواحد.
إن كل هذه المفاهيم وغيرها، بما في ذلك الانحراف عن خط الفهم الصحيح للدين، ودور العرب فيه، كانت ومنذ ظهور الدولة العربية الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين، وما بعدهم محل شد وجذب، وصراع، وصعود، وهبوط في رصيد التيارات الدينية.
ومن الطبيعي أن تجد التيارات الشعوبية لها ميدانا في هذا الإطار، ومتى ما تراجع دور العرب فيه، من حيث الفهم الصحيح، أو السلوك الصحيح، لذلك يجب أن لا نقع في الخطأ، فنتصور أن الحركات الدينية، أومن يتغطى بغطاء الدين في الوطن العربي هو من تأثير خميني والخمينية حسب، لان هذا افتئات على الحقيقة وفي نفس الوقت، فان نسب الظواهر الى غير أسبابها الحقيقية، يوقع المعنيين بالوهم والخطأ، ويبعدهم بالتالي عن واجبهم الصحيح في التعامل المنطقي والعقلي والعملي مع الظواهر، سواء عن طريق التفاعل الصحيح معها، أو مكافحتها،عندما نُبعِد عن مناقشة الظواهر الصحيحة في التيارات الدينية، واعني بذلك تذكير الشعوب والأمم بواجباتها الدينية، والدنيوية الصحيحة، مما يرتبط بحقوق الله، وحقوق الإنسان والعلاقات الإنسانية الصحيحة رغم أن بعض هذا، وخاصة ما يتعلق بحقوق الإنسان، والعلاقات الإنسانية الصحيحة، هو الآخر، يفتح الأبواب لاجتهادات واسعة، ليس من مسؤوليتنا وواجبنا، الخوض فيها.
أقول رغم ذلك فلنترك هذا جانبا، ونتناول الصلة بين الحركات " السياسية الدينية"، وبين الأنظمة في الوطن العربي، وما هي المعالجات الصحيحة لما هو ضار، أو غير مرفوض منها ابتداء من أن الحركات السياسية الدينية في الوطن العربي، ولهذا القرن، قد نشطت واتسعت في العشرينات والثلاثينات، وتقلص دورها في الأربعينات، والخمسينات باستثناء مصر والسودان، وحتى بداية العقد الخمسيني من هذا القرن.
وان من الحقائق المعروفة هي أن مقاومة العرب للاضطهاد العثماني، وثورتهم عليه كانت مقاومة قومية، وليست دينية، ولأسباب هي الأخرى، ليس هنا مجال الحديث عنها.
وعموما فان التحرر من الاضطهاد العثماني ودولته، والتحرر من الانجليز والفرنسيين في المشرق العربي، جاء تحت لواء الشعور والتعبئة القومية، والوطنية، وليس تحت شعارات دينية رغم أن ديانة الفرنسيين والانجليز هي غير ديانة الأغلبية الساحقة من العرب إلا أن التحرر من الاستعمار الفرنسي والايطالي في المغرب العربي قد اختلطت فيه الشعارات الدينية والوطنية والقومية، وان الشعارات الدينية والوطنية في الجزائر كانت هي الظاهرة، رغم أن دور العرب في مساعدة الجزائريين على التحرر، وخاصة دور مصر، كان اظهر من دورهم في مساعدة المغرب وليبيا, وتونس, على التحرر، ولكي لا نتوسع في هذا نعود لنقول حقيقتين أساسيتين ينبغي أن لا تغيبان عن بال العربي المسؤول وهما :
1. إن دور الشعوبية، من خلال الدين في استهداف العرب، يظهر عندما يتخلى العرب عن دورهم الريادي المشع، وعندما يمارس العرب دورهم الريادي القومي المشع أيضا، ففي الحالة الأولى يظهر الشعوبيون لملء الفراغ، وفي الحالة الأخرى يظهرون لمقاومة المد، والدور القيادي للعرب، وان تاريخ العرب الحديث والقديم مليء بالشواهد التي تدعم ما نقول، وعند ذلك، على العرب أن يحسبوا ذلك من جملة ما يحسبون من سلبيات في حالة تخليهم عن دورهم القيادي، وان يتحسبوا جيدا منه عندما ينهضون لممارسة دورهم القياديين، وبذلك نستطيع أن نرى بدقة وبمنظار صحيح جانبا من التيارات الدينية، أو ذات الغطاء الديني، في الوطن العربي ونحسن التعامل معها.
2. لا بد أن نقول ابتداء أن لكل اختيار طريقة وتضحيته كذلك، ومن ذلك فلا نتصور أن انتقال العرب الى بناء دولهم الوطنية، واختيارهم طريق العصر في التقدم، لا ينطوي على تضحيات، ومن بينها ارتجاج المفاهيم لدى بعض المواطنين العاديين، بما يجعلهم غير قادرين على فهم بعض مما تفرزه ظروف الحكم والتطور، وفي نفس الوقت ارتجاج مفاهيم بعض المسئولين الى الحد الذي لا يحسنون فيه إقامة التوازن العملي، والمبدئي الصحيح، بين بناء الدولة العصرية الحديثة، ومستلزماتها وحاجاتها وظرفها، وبين ما هو مطلوب من تبصير وتفاعل، ومشاركة، وفهم للشعب ليس في أقليته فحسب وإنما في أغلبيته كذلك.
لم يواجه العرب التيارات السياسية الدينية في العصر الحديث كحالة قائمة تقتضي الفهم الصحيح إلا عندما أقاموا دولهم العصرية، وعندما أصبح المسئولون عن تصريف هذه الدول عربا مسلمين في أغلبيتهم المطلقة، وعند ذلك أصبحوا مسئولين، من وجهة نظر التيار الديني المسيس، عن الانحرافات والأخطاء في الدولة، أو في المجتمع، بعد أن كان المسئولون عن اخطاء، وانحرافات الدولة هم الأجانب (الأتراك، الانجليز، الفرنسيون، الايطاليون).
أما الانحرافات، والأخطاء، والخطايا التي كانت تظهر في المجتمع فأنهم كانوا يربطون مسؤوليتها بأشخاصها، مرتكزين في ذلك على الانفصال بين الشعوب، وبين الحكام آنذاك، وهكذا اتحدت مسؤولية الانحراف والخطايا والأخطاء، من وجهة نظرهم، لتقع على الحكام، بعد أن كانت موزعة بينهم، وبين الشعوب وفي نفس الوقت علينا أن لا نغفل أن الإحباط غالباً ما يقود إما الى القنوط والانعزال، أو الى رد فعل غير متوازن، وان اختيار البدائل الفكرية، ونظريات العمل القادرة على استيعاب شروط الحياة وقوانينها ليس مهمة سهلة.
وعلى هذا الأساس فحيثما فشلت الحالة الفكرية، أو السياسية المحددة. أهدافا و وسائل، فان جانبا من المعنيين، والمجتمع غالبا ما يرتدون الى التعميم، أو التعلق بقيم ترتفع عن ارض الواقع الذي سبب الإحباط، حتى عندما لا تكون هي السبيل للخلاص والإنقاذ من الناحية الواقعية.
ويكفي في هذا أن تكون الأمل الذي يعالج ما في النفوس من إحباط، حتى ولو الى حين، أو على أمل الخلاص من خلال التمنيات، والتعلق الروحي العام بالقيم، وتجد هذا ليس في صفوف الرافضين للمرفوض، حتى لو أنهم لم يهتدوا الى البدائل الصحيحة، أو المحبطين سياسيا وفكريا فقط , بل حتى أولئك المحبطين في قضايا شخصية اجتماعية حياتية وان مجتمعنا يعج بالأمثلة منها، ناضل العرب تحت شعار أساسي هو الشعار القومي. ولقد كان نضالهم كما قلنا قوميا, وطنيا سواء في التخلص من الأجنبي، أو في بناء دولهم العصرية الحديثة. وكان ابرز كيانات التحدي القومي لهم هو الكيان الصهيوني وابرز رموزهم في مواجهة هذا التحدي هو مصر ونظام عبد الناصر.
وقد اهتزت هذه الصورة لدى الغالبية من الذي لا يستطيعون الاهتداء الى الطريق السوي، إن كان بعقولهم وفعلهم أو في ضمائرهم، عندما ظهر أو تهيأ لهم أن المنازلة تحت هذه الشعارات والرمز قد هُزمت وانتصر التحدي.
فبعضهم قد انكفأ الى داخله يشاغل النفس بالقنوط والتخلي المؤقت منتظراً الإنقاذ من خارجه عن طريق تغيير الظرف، والصورة من خلال الغير، وبعضهم راح يفتش عن طريق يعتقد بأنه مهيأ ولكنه لم يُجَرَب "بفتح الراء" وهو طريق الماركسية، وأنظمتها الشيوعية، وبخاصة عندما يستذكرون المقارنة بين مواقف الاتحاد السوفيتي، وبين أمريكا.
مما ظهر في حرب عام 1967، وما أعقبتها من نكسة حيث انحاز الأول الى الموقف الصحيح في جانب العرب فيما انحازت أميركا الى جانب إسرائيل والبعض الآخر بعد أن تخيل أن التخصيص (أي القومية العربية ونظامها) قد "انهزم"، راح الى التعميم الديني، وقد ظهر هذا التيار مرة أخرى في الوطن العربي بفعالية سياسية ملحوظة، بوجه خاص بعد حرب عام1973.
وبعد فشل التجارب الماركسية، والمحاولات الحزبية الأخرى، في بناء نموذج مشع، أو في التعبير عن ذاتها تعبيراً مشعا مستقطِبا (بكسر الطاء).وإذا ما أضفنا هذا كله هو أن بناء الدولة العربية الحديثة قد اعتمد في مساره اللاحق للاستقلال على القلة المثقفة وان السعي لبناء التنمية الاقتصادية والتطور العلمي، والتقني قد زاد من دور التكنوقراط، ومفاهيمهم وقيمهم في أنظمة الدول على حساب المفاهيم والقيم المبدئية والشعبية وان الأنظمة العربية لم تستطع الموازنة بين ما يقتضي من هذا، أو جوانب أساسية منه وبين ضرورة عدم غياب وحضور التفاعل الحي مع البساطة المباشرة لاتجاهات الجماهير الواسعة وتطلعاتها وإرهاصاتها، ومشاكلها، وتحويل هذا التفاعل الى حالة يومية تعكس معانيها أهدافا ووسائل.. معالجات ورؤى، على شؤون الحكم وطريقة بناء الدولة ومسؤولياتها وتركيبها وسلوكها العام والخاصومن ذلك ندرك الفجوة التي تركها ذلك بين العامة و"الخاصة"، بين أنظمة الحكم وأجهزتها، وبين الجماهير بقطاعاتها الواسعة.
وإذا ما عرفنا أن كلا من الشعوذة أو التمرد، بغض النظر عن افتراق النوايا والأساليب، غالبا ما يجد أن مناخاً صالحا في الغموض أو بين أوساط الجماهير البسيطة أدركنا أن قطاعا واسعا من جماهير شعبنا العربي ممكن أن يثور بعضها عن طريق البصيرة الهادية وبعضها عن طريق آخر ليس أمامه غير الرفض، وأحيانا الرفض العنيف حتى لو لم يكن مقتنعا بالبديل المطروح أو لا يرى بديلاً للمرفوض عندما لا يكون ثمة مخرج أمامه إلا الرفض، وألا الرفض بهذا الطريق.
لقد تمكنت أنظمة الحكم في الوطن العربي أن تتعايش أو تروض أو تهتدي الى وسائل المكافحة للكثير من الحركات السياسية المخضرمة في الوطن العربي، وهذا يطرح على نوع معين من الجمهور الرافض فكرة إما الإتيان بجديد من التنظيم أو التخلص من تركيز أجهزة الحكومات على الخاص من خلال الذهاب الى العام، وهنا أصبح التيار الديني هو العام المطلوب لما مر ذكره من أسباب.
لقد ارتكب شاه إيران ليس الانحراف الذي يستحق عليه الحساب في مجرى النظرة الى المسؤولية وممارستها فحسب وإنما ارتكب خطأ فادحا كذلك يوم تصور أن بإمكانه أن يقيم دولة عصرية حديثة على غرار المقتبس من الأفكار والسلوك والمعالجات الغربية.
وبذلك فانه قد انفرد برأي وسلوك غربيين مقطوعي الجذور عن شعبه، وقد وقع في الخطأ أكثر عندما استسلم أو سلم مقاليد الأمور لفئة التكنوقراط من خريجي المدرسة الغربية، عقيدة وسلوكا، وتصور أن تلك الفئة قادرة دون غيرها أن تحقق له أحلامه تلك.
وفي خضم التنمية الاقتصادية نسي أن يفهم أن التنمية لا تتحقق بصوره عرجاء، وأنها إن ارتكزت على الجانب الاقتصادي والعلمي فحسب، فسوف تقع في التهلكة وتختل موازنتها وأرضية المجتمع ككل من الناحية الاجتماعية والنفسية والثقافية, فكيف إذا كان الخلل موجود كذلك في أصل النظرة الى التنمية الاقتصادية نفسها؟.
لقد أفرزت الرغبة الأحادية النظرة الى التنمية والبناء السريع المزيد من الأمراض المهلكة في المجتمع الإيراني، وزادت على أمراضه أمراضا، في الوقت الذي زادت على أمراض الحكم وأمراضه انحرافات إضافية، وازدادت تبعا لذلك الهوة بين الحكم والشعب وعزل الشعب القلة، أو انعزلت القلة هي نفسها عن الشعب في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والنفسية فحصل التباين. والصراع بين طبقتين :
أ. القلة من المنتفعين ومتصلبين بصورة أو بأخرى بالنظام ومصالحه.
ب. والكثرة المحرومة المسحوقة من الشعب.
بالإضافة الى أن إجراءات التمدن المعاصرة التي اتخذها الشاه أو كان ينوي اتخاذها قد اصطدمت في جانب منها مع رجال الدين وطريقة تعاملهم مع الشعب وإدارتهم للمؤسسة الدينية في إيران ذات الطبيعة الخاصة وبذلك اتحدت تمنيات ورغبات ومصالح وأهداف الشعب ورجال الدين والتنظيمات والحركات السياسية مرة واحدة ضد شاه إيران.
فإذا ما أضفنا الى هذا أن صعود مستوى الصراع بين القلة والكثرة كان يتجه الى مستوى الصراع الطبقي وان مثل هذه الحالة تضع الولايات المتحدة والإستراتيجية الغربية برمتها في مجرى المخاوف الشديدة على مستقبل إيران من الشيوعية والاتحاد السوفيتي، مما دفع الى التفكير الفعلي بالتخلص من الشاه، بالإضافة الى اعتبارات أخرى تخص إستراتيجيتهم في المنطقة، مما لا يتسع المجال لذكرها الآن وقد زاد في الطين بله أن الشاه قد شجع تيارات وفرقا تعتبر ملحدة من وجهة نظر ديانة الأغلبية من الشعب.
وان ما يفيدنا في هذا الصدد هو القول أن النضال ضد حكم الشاه، والذي اصطبغ بالصبغة الدينية في جانبه المرجح، إنما يقع هو الأخر ضمن إطار التفسير العام لما ذكرناه من قبل، بالرغم من خصوصية المجتمع الإيراني الذي ينفرد فيها عن خصوصية الوطن العربي.
ومن بين ذلك فان التناقض قد حصل بين الشعب "الأغلبية"، وبين الحكام في طريقة ممارسة الحكم ومستهدفاته، وفي الإيمان بالله او طريقة التعبير عن ذلك بما هو مناقض لسلوك، وتفكير الجماعة ولذلك أخذت الثورة الإيرانية الطابع الذي أخذته.
عندما نقول أن الإسلام ثورة فلا نعني في ذلك ما يتصل بالعلاقات الإنسانية على الأرض، وما ينبغي من تصحيح لمسارها المنحرف فحسب، وإنما نعني، كذلك تصحيح المسار المنحرف، أو الكافر فيما يتصل بالعلاقة بين الإنسان، والله الواحد الأحد، ولذلك فان الدين الإسلامي وهكذا الديانات السماوية الأخرى لم تتعاقب كحالة من حالات تجديد الديانات، وممارسة معانيها، وطقوسها عن طريق الديانة الجديدة المتناسبة مع ما أحرزته البشرية من تطور في السلوك، والعقل فحسب، وإنما هي ثورة لأنها كانت تضع الأمور في نصابها فيما يتعلق بالعلاقة بين الإنسان، والله الواحد الأحد أيضا.
وهكذا عندما كانت تقام الدول الدينية، وتمتد الى ما تمتد إليه من شعوب وأمم، فان تلك الشعوب، والأمم تصبح جميعها في وضع أفضل من النواحي الإنسانية، والاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية، ومن الناحية السياسية وقبل هذا، بل وفوق هذا أيضا، من ناحية اليقين, والاهتداء الى سواء السبيل بعد الضياع والكفر، ولم يشهد العالم، والوطن العربي دولة دينية ضمت أمما شتى بإرادة شعوبها إلا تحت تأثيرات هذه المفاهيم. ومن ذلك تبرز جملة حقائق لا بد من حصرها على وجه التحديد، من بينها:
1. أن انحراف الحاكم ونظام حكمه لوحده لا يكفي لإقامة دولة دينية قائمة على القناعة بها من قبل الأغلبية المطلقة من الشعب في عصرنا اليوم، وتضم امماً وشعوباً مختلفة، بل لا بد، بالإضافة الى انحراف الحاكم ونظام الحكم، من انحراف الأغلبية من الشعب عن طريق الهداية، ووحدانية رب السماوات والأرض.
2. وكذلك فان الانحراف في شؤون الحياة والحكم للحاكم، والمحكوم لا يكفي لوحده أيضا لتقبل الشعوب فكرة الدولة الواحدة لشعوب، وأمم متباينة، حتى ولو الى حين كما تقبله في حالة ما إذا امتد الانحراف الى العلاقة بين الإنسان والله ومن بين ذلك نكران الله سبحانه وتعالى تحت تأثير الدين الجديد، ومميزات دولته الواحدة، التي أخرجت الشعوب والأمم من الظلمات الى النور، إن كان في الهداية الى الله بعد الضلال، أو في إنقاذ الأمم والشعوب من الاضطهاد، والانحرافات المهلكة في الحياة الاجتماعية والسياسية، مما كانوا يعيشونها في ظل الأنظمة السابقة، كما حصل عندما تكونت دولة العرب المسلمين الأولى في المدينة والشام وبغداد، والأندلس لأن انحراف هذا الحاكم، أو ذاك عن الطريق الصحيح لا يفضي بالضرورة الى خروج المواجهة والمعالجة عن وسائل عصرها وأهدافه، ومن بين ذلك إقامة نظام حكم بديل على أنقاض نظام الحكم المرفوض، أو استبدال الحاكم بحاكم يكون قادراً على الاستجابة لاماني الشعب وطموحاته.
ومن دروس ما ذكرناه كذلك أن النشاط تحت جناح الشعارات الدينية، والدعوات الدينية ممكن أن يؤدي الى إسقاط بعض الأنظمة السياسية كوسيلة من وسائل العام بعد أن يفشل الخاص مما ذكرنا ولكن الأمر سيختلف قطعيا عندما يصبح بعض من العام خاصا ويصبح المعارضون حكاما، مطلوب منهم أن يتعاملوا مع الحياة ومع الدين، ليس وفق العام من المفاهيم التي كانت ترتكز على رفض ما هو مرفوض بالدرجة الأساس، وإنما لا بد من توضيح الطريق الى ما هو مطلوب، ومرغوب كذلك ضمن الحياة.
وفي نفس الوقت لا بد من الانتقال من العام في المفاهيم الى التخصيص في كل ما يتصل بتفسير صلة الدين بالإنسان، بموجب أحكام الدين وتفسير القائمين عليه وصلة الإنسان بالإنسان وصلته بالحاكم والحكم، وطريقة الحكم، والنظرة الى الاقتصاد والموارد المالية، والى العلم والتقنية، والى الإرث والمرأة، ودورها وطريقة التعامل معها، وكل ما يتصل بالعلاقة بين الإنسان وربه، وطريقة التعبير عن هذه الصلة "العبادة".
وعند ذلك ستحل الاجتهادات الخاصة محل العام المعوّم، وسيكون التحديد مجرد اجتهاد لهذا، أو ذلك داخل المذهب الواحد، والدين الواحد، مما يقود الى الحق في إطلاق وقول اجتهادات متباينة، ستؤدي الى الاختلاف حد الاحتراب، طالما اندمجت السياسة بالدين، ووصلت الى "منبريهما" العلوي.
وبذلك يتحول المذهب الى مذاهب أو فرق، ويتحول الدين الى ما يحشر العام في الخاص، والخاص في العام, حتى تغدو الممارسة والسلوك كأنهما اقرب الى مجرد دين جديد غير سماوي منه الى الدين السماوي…
إن الشعارات الدينية، إذن، والسياسة المغطاة بغطاء ديني يمكن أن تفضي الى سقوط هذا النظام، أو ذاك في الوطن العربي، أو في الدول الإسلامية عامة، ورغم إننا لا يجوز أن نقول أن ليس كل الذين يعملون في إطار هذا التوجه بعيدين عن الدين، والنية الصادقة، ابتداء من صلتهم بالدين ومعانيه السامية، علينا أن نقول بوضوح قائم على يقين عميق لا يسمح بالتردد، بأن هذا التوجه يعج من جهة أخرى بمرتكبي الكبائر والمعاصي وخاصة في الحركات ذات الأغراض الغاطسة والمغطاة بغطاء الدين من الحركات الشعوبية ممن لا تتعدى صلتهم بالدين الصلة الشكلية الآنية المؤقتة فحسب، للعبور الى هدف سياسي هو قلب بنظام أو أنظمة حكم معينة ليس إلا، فإذا كان التحليل ينطوي على القول القاطع بأن مثل هذا التوجه قد يفضي الى ما يسقط هذا النظام أو ذاك، دون أن يهتدي الى إعطاء البديل الناجح، والقادر على المستهدفة فان الشعب سوف يقاوم ذلك ابتداء، ولا يتفاعل مع حاملي شعاراته.
أن مثل هذا الاستنتاج ليس صحيحاً دائما إلا عندما تحضر شروطه، وفي مقدمة ذلك شعب واع متوازن نظرة وسلوكاً، وأنظمة حكم غير منحرفة أو فاسدة، لأن ليس كل الشعب، وفي كل الظروف والأحوال، يبحث عن رؤية واضحة للبديل عندما تتجه قناعته الى التخلص من نظام عن طريق الثورة، أو الانقلاب.
ويكفي بعض الشعوب، في ظروف خاصة، أن تحكم على نظام الحكم بأنه غير صالح، وان لا طريق غير طريق الثورة والانقلاب للتخلص منه، وفي هذا وعلى وجه التحديد يكمن جانب من الخطورة مما يمكن أن تتعرض له المجتمعات الإسلامية والعربية من اهتزاز، وعدم استقرار، وتسلل الحركات ذات النزعة والمنهج الشعوبي. وهنا يمكن أن يلتبس على أوساط معينة من الشعب، وفي ظروف خاصة كذلك، التعرف على التيارات ذات النزعة الشعوبية، من التيارات التي تستهدف الكيان العربي، ومبادئه، وقيمه أساسا، وبغض النظر عن هذا الحاكم او ذاك، أو هذا النظام، أو ذاك.
ويبقى الطريق الذي ليس بمقدورنا رؤية غيره هو الطريق الواحد الذي يتوحد فيه الشعب والنظام والقيادة، ليس على أساس المواجهة الظرفية، وأخطارها المحدقة، وإنما على أساس الإيمان، واليقين المستقر بهذا الطريق الذي يضع الحاكم في موقع الخادم حتى وهو في موقع القائد، أو الحاكم الأعلى، وان يعملوا جميعا في بناء مجتمعاتهم، ودولهم وفق نظرة متوازنة، وأساليب متوازنة تأخذ في الاعتبار ما يتحمله الواقع دون أن تحشره في زوايا ضيقة من التمنيات النظرية فحسب، وعدم الرضوخ للواقع كما هو، والوقوف عند حالة دون تطوير جذري كذلك، وان يكون الوضوح في الأهداف والوسائل هو طريق الجميع بما يمنع الالتباس، والانحرافات والشطط، وتطرد الهداية، والعدالة الخبثاء، والمتلاعبين ولا يمكث في الأرض إلا ما ينفع الناس.
وفي كل الأحوال فان طريق الخاص القومي، والوطني، القائم على حساب ما مر من اعتبارات والإيمان بما مطلوب والإيمان به منها، هو الطريق الجديد لسعادة الأمة ووحدة إرادتها، والتعبير عن روحها، وهو طريقها في نفس الوقت لمعالجة الانحرافات والأخطار، وحيثما احتجب هذا الطريق هو ومفاهيمه، أو اهتز، وجدت الطرق والوسائل الأخرى سبيلها الى الإنسان العربي، حتى ما كان منها مرفوضا في عرف العامة خارج محنتها، وظرفها الصعب… والله الموفق.
نشر بـ • مجلة ألف باء –العدد 972- السنة التاسعة عشرة- 13 أيار 1987
• مجلة الطليعة العربية – العدد 210- السنة الخامسة – 18 أيار 1987
منشورات الطليعة العربية في تونس
أبو علي الياسري م العراق المحتل صفوياً - النجف الاشرف
14 كانون الأول 2014م
|
شبكة البصرة
|
قال سبحانه وتعالى
قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم
الاثنين، 15 ديسمبر 2014
أبو علي الياسري : صدام حسين.. الحركات السياسية الدينية والحركات المغطاة بغطاء الدين
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق