علاقتي بالرئيس الشهيد صدام حسين تعود الى عام 1963 حيث تعرفت عليه في الكرخ بعد عودته من مصر وكان عضوا في قيادة فرقة الكرخ الاولى، وكانت في الكرخ فرقتين للحزب فقط وكنت من تنظيمات الكرخ شابا نشطا مندفعا فلفت ذلك نظر القائد الشهيد واخذ يقربني اليه، وكان معه انذاك بأستمرار صديق ورفيق هو المرحوم المناضل احمد طه العزوز رفيقه الشجاع في عملية اغتيال قاسم، وكنت اكن اعجابا شديدا لهما ولبقية من شاركوا فيها خصوصا من ابدوا بطولة فريدة اثناء محاكمتهم في محكمة المهداوي حيث كانوا يردون الاساءة بكلام بطولي ادهش شعب العراق وكانت بطولتهم احد اهم اسباب التوسع السريع لجماهير البعث، وفي مقدمتهم المرحومين احمد طه العزوز وسليم عيسى الزيبق وخالد علي الصالح.
وكان القائد الشهيد في فترة الردة التشرينية يلتقي مع رفاقه في مقهى 14 رمضان في ساحة الشهداء، وكنت احضر اليها وكثيرا ما كان يدعونا احيانا للذهاب معه الى بيت خاله المرحوم خيرالله طلفاح في محلة خضر الياس في الكرخ لتناول الغداء. لذلك فمعرفتي بالقائد الشهيد قديمة.
عقد مؤتمر السفراء العراقيين في اواخر شهر كانون الاول من عام 2002 وتم التشرف بلقاء القائد الشهيد يوم 28-12-2002 وكنت وقتها سفيرا في الهند منقولا الى فيتنام ولم ينفذ بعد قرار نقلي، اغتنمت فرصة فترة استراحة المؤتمر والذي تشرف بحضور القائد الشهيد صدام حسين لاطلب مقابلة معه لاعرض عليه خطأ نقلي في تلك الفترة الحرجة حيث كانت الحرب تقترب بسرعة وتعيين سفير جديد في الهند يتطلب ليعمل بفعالية كسفير له معارف سنة على الاقل والنقل في هذا الظرف يضر بالعراق لان ساحة الهند ستبقى شبه خالية من العمل الدبلوماسي النشط.
وكنت قد امضيت اكثر من سنة كي اتعرف على قادة ووزراء استطيع زيارتهم بدون تأخير وفي مقدمتهم وزير الدفاع جورج فرناديز وقادة احزاب وفي مقدمتهم سونيا غاندي زعيمة حزب المؤتمر، والحزب القومي الهندوسي وزعيمه وقتها فاجبايي ووزير داخليته القوي ل.ك ادفاني، اضافة لبقية الاحزاب من اقصى اليسار الماركسي المقاتل في مناطق هندية الى اليمين الهندوسي المتطرف ممثلا بحركة "راشتريا سوايا ميسيفاك سانغ" او بالعربية (منظمة المتطوعين الهندوس) وتُعرف اختصارًا بـ"R.S.S".
كان قرار نقلي خاطئا لاسباب عامة وليس خاصة لذلك طلبت مقابلة الرئيس الشهيد في فترة الاستراحة واعتقدت بان المقابلة ستتم بعد يوم او يومين ولكن وبعد اقل من نصف ساعة جاء ضابط يستفسر عني وقال لي تفضل معي، سرت معه الى الجهة التي كان فيها الرئيس ومعه بعض الوزراء وموظفي الرئاسة وكان السفراء كلهم في الجهة الاخرى ويفصل بينهم وبين الرئيس حوض ماء ضخم مستطيل مزين بالخضرة، وصلت وكان اول من التقى بي المرحوم الفريق عبد حميد السكرتير الشخصي للرئيس وقال لي (الرئيس يريد ان يراك الان بناء على طلبك) اصبت بالدهشة لسرعة الاستجابة لطلبي تقدمت الى الرئيس وكان واقفا ومعه رئيس الديوان ووزير الخارجية واخرين وسلمت عليه فرحب بي لاول مرة بكنيتي وهي (اهلا ابو اوس) وصافحني وابتسامة رائعة تعلو محياه الوضاء وقال : لي لنتمشى رفيق ابو اوس.
ومشينا ببطء وعندما حاولت ان اعرض مشكلتي بلا ابطاء تقديرا لاهمية الوقت بالنسبة للقائد وهو قرار نقلي لان توقيته خاطئ قاطعني ووقف عن المشي قائلا : رفيق ابو اوس قبل ان نناقش موضوعك الخاص لدي سوال ارجو ان تجيبني عليه بصراحة، فقلت تفضل سيدي، فقال ما هو توقعك لموقف الهند اذا وقع العدوان على العراق؟
قلت له بسرعة : لن يتجاوز الموقف الهندي الاستنكار دون اي خطوة فعالة لايقاف العدوان، لان الهند اقامت شبكة علاقات وصفتها بالستراتيجية مع امريكا كما عززت علاقاتها باسرائيل بصورة لم يسبق لها مثيل لهذا فهي تهتم اولا واخيرا بمصالحها مع هذين البلدين. وهنا قلت للقائد الشهيد وكنا مازلنا نمشيء ببطء اود ان ابدي رايا حول طبيعة العدوان، ورحب الرئيس بطلبي وربما كان يريد مني ان اطرح رايا لانني كتبت كثيرا عن العدوان الثلاثيني (1991) واسبابه وطبيعته قبل وبعد وقوعه، وكان الرئيس في بعض اجتماعات القيادة واحيانا في اجتماعات مجلس الوزراء يبدأ الاجتماع بسؤال الجميع (هل قراتم ما كتبه الرفيق صلاح المختار اليوم)؟ وهو امر اعلمني اياه اكثر من قيادي بعضهم احياء اطال الله اعمارهم، فقلتاعتقد بان الحرب هذه المرة لن تكون جوية فقط كما كان العدوان الثلاثيني فمن المرجح ان تعقب عمليات القصف حركة تقدم برية واسعة النطاق.
ابتسم القائد مرة اخرى براحة واسارير وجهه منفرجة بثقة من يعرف ما سيجري وقال نعم هذا صحيح ونحن اعددنا العدة لحرب طويلة بعون الله فاطمئن من هذه الناحية. قال لي الرئيس ما هي مشكلتك رفيق ابو اوس؟ قلت له بان امرا بنقلي صدر الى فيتنام واعتقد بانه قرار خاطئ في توقيته وقعت فيه وزارة الخارجية لانها تجاهلت التوقيت الحساس مادام النقل سيعقبه فراغ لفترة طويلة ستقع فيها الحرب حتما وعندها لن نستطيع تحريك اصدقائنا في الهند حكومة وشعبا للضغط ضد العدوان فارجو تأجيل النقل لحين انتهاء العدوان.
رد الرئيس بصراحته المعهودة وقال : امر نقلك لم يتخذ من وزارة الخارجية بل صدر مني والوزارة نفذته والسبب هو ان نائبة الرئيس الفيتنامي قابلتني في بغداد وبعد حوارات ودية عبرت عن استغراب فيتنام لعدم وجود سفير عراقي فيها بعد نقل السفير وقالت لي، والكلام مازال للرئيس الشيد، لقد وصف سيادتكم فيتنام كبلد شقيق للعراق وهو وصف لا تطلقه الا على الاقطار العربية ونحن في فيتنام نعتز بهذه المكانة، ولكن كيف ونحن بهذه المكانة وليس للعراق سفير في فيتنام لفترة طويلة؟ يقول الرئيس قلت لنائبة الرئيس الفيتامي :لتأكيد انكم اشقاء لنا سوف ارسل لكم سفيرا اثق به واعرفه شخصيا للتعبير عن مكانة فيتنام كبلد شقيق لنا، ثم واصل الرئيس، ووقع عليك اختياري مثلما اخترتك انا وليس وزارة الخارجية سفيرا في الهند لانها بلد صاعد ويتعزز دوره بسرعة. قلت له هذا شرف عظيم لي سيدي الرئيس ان تختارني سفيرا في الهند ثم سفيرا في فيتنام واترك لكم تقدير هل وقت نقلي ملائم ام لا؟
وفي تلك اللحظة وصلنا مكان وقوف كبار المسؤولين وكان معهم السيد وزير الخارجية فقال لوزير الخارجية : ارجو التريث في نقل الرفيق صلاح الى فيتنام لان التوقيت غير مناسب.شكرت الرئيس وغادرته مملوءا بالراحة والارتياح.
لماذا اتذكر هذا اللقاء الان؟ ان اهمية ما حصل في ذلك اللقاء الذي لن انساه ابدا تكمن في حقيقة اخفيت عمدا وهي ان القائد الشهيد صدام حسين كان واسع الصدر وديمقراطيا عندما يجد من يستطيع تقديم راي ويجتهد فيتقبل منه رايه حتى لو كان متعارضا مع راي القائد الشهيد، وليس كما روج عن انه مستبد برايه ولا يقبل الراي الاخر. فانا تأكدت مرة اخرى بان الشهيد كان منفتحا ويعترف بالرأي الاخر تماما كما عرفته في الستينيات من القرن الماضي، حيث كان واسع الصدر صبورا يستمع اكثر مما يتحدث ويحترم من يتحدث معه.
Almukhtar44@gmail.com
24-12-2014
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق