مؤلف الكتاب الذي نحن بصدد مراجعته، وزير العدل الأمريكي السابق، وهو محام معروف عالمياً وأحد دعاة حقوق الإنسان، وكان معارضاً عنيداً لعرض القوة الأمريكية في الخليج العربي (1990-1991) سواء خلال الحشد العسكري الذي سبق العدوان أو أثناءه وبعده.
وللمؤلف مواقف عديدة بهذا الجانب تمثلت في تشكيل لجنة التحقيق للمحكمة الدولية لجرائم الحرب، وكذلك الائتلاف لوقف التدخل الأمريكي في الشرق الأوسط.
وكان أيضا معارضاً بارزاً لحرب فيتنام والغزو الأمريكي لعدة دول في أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وآسيا...
يعرض رامزي كلارك في كتابه، الأهوال التي شهدها أثناء تجواله في العراق خلال وبعد عاصفة الصحراء أم المعارك، حيث اكتشف الرجل إن حجم الجرائم التي ارتكبتها أمريكا تبين مستوى الرعب والفزع الذي تركته، وان القانون الدولي قد انتهك مراراً وتكراراً.
والكتاب، يعتمد على أدلة دامغة وبيانات شهود عيان، ويكشف تفاصيل مثيرة حول خفايا حرب الخليج الثانية 1991.
يصف المؤلف الأجواء التي كانت في بلاده أمريكا، حيث يشبه أجواء الاحتفال بعيد الانتصار على العراق، كمن يقيم حفلة في منزل جميل حيث الطعام جيد، والموسيقى جميلة، والزهور مقطوفة لتوها، ولكن رائحة رهيبة كانت تفوح من مكان ما ورغم أنها كانت تزداد سوءاً طوال الوقت، فان أحداً لم يرغب في أن يكون أول من يعلن عنها.. لأن الرائحة جاءت من المذبحة التي ارتكبتها أمريكا ضد العراق، لان (زعماءنا) على حد قول المؤلف، قد ارتكبوا جرائم في العراق لا تقل بالتأكيد عن جرائم النازيين في الحرب العالمية الثانية.
عالج كلارك طبيعة الظروف الجيوبوليتيكية في منطقة الخليج العربي وتطور اهتمام أمريكا، وطبيعة ومدى التهديدات للمصالح الأمريكية في المنطقة، والموارد الاقتصادية والعسكرية في الخليج تلك المنطقة من العالم التي قال عنها الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر عام 1980 (إن أمن الخليج يتعلق بأمن الولايات المتحدة مباشرة) كما بين (إن أي محاولة من قبل أي قوة خارجية للسيطرة على منطقة الخليج سوف تعتبر هجوماً على الولايات المتحدة، وان مثل هذا الهجوم سوف يصد بكافة الوسائل الضرورية بما في ذلك القوات العسكرية).
وعليه، فقد عزا المؤلف، إن بداية التخطيط الأمريكي لعمل عسكري في الشرق الأوسط، يعود إلى بداية السبعينيات عندما بدأت واشنطن ترد على بزوغ المشاعر القومية والميل إلى الاستقلال في الدول المنتجة للنفط.
في عام 1968، جاء حزب البعث إلى السلطة في العراق، وفي عام 1972، أصبح هدفاً لعمليات سرية من قبل المخابرات الأمريكية، وذلك بعد أن أمَّم البعث شركة نفط العراق (IPC) المملوكة لأمريكا وبريطانيا تحت شعار (نفط العرب للعرب).
وفي أعقاب ذلك بدأت واشنطن بتشجيع القادة الأكراد في شمال العراق على التمرد ضد حكومة البعث وقدمت للأكراد وعوداً مفادها إن أمريكا ستساندهم إلى نهاية الطريق، بينما حقيقة الأمر، إن أمريكا لم تكن ترغب في أن يحقق الأكراد انتصاراً وإنما كانا يأملان فقط ضمان قدرة زبائنها الأكراد على الإبقاء على مستوى من الأعمال العسكرية يكفي لامتصاص ثروات العراق.
ومثلما ذكر المؤلف سابقاً، من أن التخطيط الأمريكي لعمل عسكري في الشرق الأوسط، يعود إلى بداية السبعينات، حيث أخذت الدول المنتجة للنفط تحذوا حذو العراق، واحدة تلو الأخرى، تؤكد سلطتها على ثرواتها الواقعة داخل حدودها، مما دفع بالبنتاغون جدياً إلى القيام بتدريبات عسكرية سنوية في صحراء (موجاف) حيث واجه الجيش الأمريكي جنوداً يرتدون الزي العسكري العراقي، وأصبح الإستراتيجيون الأمريكان يناقشون علناً احتمالات غزو العراق للاستيلاء على حقوله النفطية، فقد وضع رؤوساء الأركان الأمريكان خطة للانتشار السريع للقوات الأمريكية في الخليج العربي، ومن الخطط المهمة في استراتيجيات التدخل الأمريكي (خطة الحرب 1002) والتي وضعت في بداية عهد ريغان تنفيذاً لمبدأ كارتر الداعي لمواجهة أي تحد لوصول أمريكا إلى نفط العرب بالقوة العسكرية.
ورغم انه كان لأمريكا منشآت عسكرية في السعودية منذ أواخر السبعينات، فان التسهيلات الجديدة كانت أكثر تطوراً، ومن شأنها توفير دعم جوهري لهجوم على العراق.
فقد أعطى انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، أمريكا، الحرية للمضي قدماً في خططها واستعداداتها المفصلة والشاملة لشن الحرب على العراق، حيث لم يعد الاتحاد السوفييتي رادعاً للتدخل الأمريكي في العراق والخليج العربي.
عقب نهاية الحرب العراقية - الإيرانية عام 1988، اعتبرت خطط الطوارئ الخاصة بالحروب في الخليج، العراق هو العدو وليس الاتحاد السوفييتي.
فقد تم في عام 1989، تنقيح (خطة الحرب 1002) الخاصة بالقوة المركزية، واعتبرت تسميتها بـ (خطة الحرب 1002- 90) والرقم الأخير من خطة الحرب يعني بالطبع عام 1990.
وفي عام 1990، أجريت أربع مناورات حربية موجهة ضد العراق بعضها افترض غزواً عراقياً للكويت قبل أن يحدث الغزو فعلاً. وأول هذه المناورات كان تمريناً على الكمبيوتر تحت اسم (نظرة داخلية) وكان شوارسكوف يشرف على هذه المناورات التي شارك فيها آلاف الجنود الأمريكان ضد فرق مدرعة وهمية تمثل دروع الحرس الجمهوري العراقي.
وفي أيار 1990، كان مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن قد أكمل دراسة باشر فيها قبل سنتين من عام 1990، وتنبأت بنتيجة الحرب بين أمريكا والعراق، وهكذا فان غزو العراق للكويت – يؤكد المؤلف- لم يكن مفاجأة وإنما كان سيناريو لخطط أمريكية مكثفة.
لقد ادعت الحكومة الأمريكية، إن العراق تسبب في حرب الخليج الثانية بغزوه للكويت، وحاولت إدارة بوش الأب، بأن أمريكا كانت ترد فقط على أعمال صدام حسين الذي كما قيل للأمريكان- غزا جاره الصغير دون استفزاز أو تحذير – ولكن نظرة متأنية للتورط الأمريكي في المنطقة تكشف إن الحكومة الأمريكية وليس العراق هي التي ستتحمل المسؤولية الرئيسية لنشوب الحرب التي تم التخطيط لها في أمريكا قبل وقت طويل من دخول أول جندي عراقي للكويت.
لقد استخدمت الحكومة الأمريكية العائلة الحاكمة في الكويت لاستفزاز العراق بهدف هيمنة أمريكا على الخليج العربي. ولم تشن حرب الخليج الثانية لاستعادة السيادة الكويتية كما يدعي الرئيس بوش الأب وإنما لتأسيس سلطة أمريكية على المنطقة ونفطها.
فقد اعترف البنتاغون (إن هدفنا العام في الشرق الأوسط وجنوب غرب آسيا هو البقاء كقوة خارجية مسيطرة في المنطقة والحفاظ على طرق النفط لأمريكا والغرب، وكما ظهر من غزو العراق للكويت، فأنه ما زال من المهم بشكل أساس منع أي هيمنة أو تجمع قوي من السيطرة على المنطقة). فقد نظر البنتاغون إلى غزو الكويت باعتباره تهديداً لخطوط النفط الغربية وليس انتهاكاً لسيادة الكويت، حيث تم استخدام الكويت من قبل أمريكا بعد الحرب العراقية - الإيرانية للبدء في حملة وصفت بأنها حرب اقتصادية ضد العراق، إذ قررت الكويت زيادة إنتاجها النفطي بشكل جذري في 8/آب/1988، أي بعد يوم واحد من موافقة إيران على وقف إطلاق النار مع العراق، وأدى إجراء الكويت الذي انتهك اتفاقيات الاوبيك إلى تدن كبير في أسعار النفط وهبط سعر الخام من (21) دولار للبرميل إلى (11) دولار مما كلف العراق خسارة (14) مليار دولار في السنة.
من ناحية أخرى، وبشكل خاص، فقد اعترفت الكويت سحب المزيد من النفط من حقل الرميلة. ويقع هذا الحقل في المنطقة الحدودية المتنازع عليها بين العراق والكويت، وفيما كان العراق منشغلاً بحربه مع إيران حركت الكويت حدودها شمالاً مستولية على 900 ميل مربع إضافي من حقل الرميلة وبمساعدة تكنولوجيا حفر أمريكية مائلة كانت الكويت أيضا تسرق النفط من جزء من حقل الرميلة يقع داخل العراق.
وهكذا، وفي ذروة الحرب العراقية – الإيرانية، وعندما كانت قدرة العراق التصديرية متدنية، كانت الكويت تزدهر من بيع النفط العراقي إلى زبائن العراق.
ولكن هذا ليس كل شيء، فقد تراكمت على العراق ديون هائلة خلال الحرب مع إيران. وكانت الكويت اكبر الدائنين للعراق حيث قدمت له (30) مليار دولار خلال الحرب، بعدها طالب حكام الكويت بأن يدفع العراق دينه ولكن الحرب كلفت العراق (80) مليار دولار، وكان من شأن تدهور الأسعار نتيجة مسلك الكويت أن جعل من المستحيل على العراق أن يدفع للكويت.
وابتداءً من عام 1988 حتى عام 1990، حاول العراق أن يحل خلافاته مع الكويت دبلوماسياً بينما حافظت الكويت على مسلك اجمع المراقبون على انه اتسم بالغطرسة والتشدد، وكان موقف المشيخة معروف جيداً في العالم العربي. إذ أنها لم تكن تتوقع أن يدفع العراق شيئاً لكنها رفضت أن تعفيه من الدين.
هل كانت مجرد مصادفة أن يتبنى حكام الكويت فجأة موقفاً عدائياً تجاه جارهم الأكبر في نفس الوقت الذي جعلت فيه خطط البنتاغون الحربية العراق هدفاً لها؟ قليل من الكويتيين يعتقدون إنها مصادفة.
وما أن حل العام 1990، حتى كان الاقتصاد العراقي في أسوأ حالاته بل أسوأ مما كان عليه في نهاية الحرب مع إيران، وتم تحديد حصص إنتاج جديدة في اجتماع للاوبيك (آذار/1990) ولكن الكويت والإمارات رفضتا الالتزام وزادتا إنتاجهما مرة أخرى.
وفي حزيران من نفس العام أرسلت بغداد موفدين إلى عدة عواصم غربية حاملين نداءات لتحديد حصص جديدة تسمح بارتفاع طفيف في أسعار النفط الخام، ولكن الكويت رفضت، وأعلن وزير نفطها إن بلاده ستزيد إنتاجها بشكل جذري ابتداء من شهر تشرين أول، وفي 17/تموز اتهم الرئيس صدام حسين الكويت وأمريكا علناً بالتآمر لتدمير الاقتصاد العراقي، وقال (إذا فشلت الكلمات في حماية العراقيين فأن شيئاً فعالاً يجب أن يتخذ لإعادة الأمور إلى مجراها الطبيعي والحقوق إلى أهلها، اللهم فأشهد بأنني قد بلغت لقد حذرناهم). وفي اليوم التالي بدأت القوات العراقية بالتحشيد على الحدود الكويتية.
وبهذا يكون العراق قد أوضح جدية نظرته إلى الحرب الاقتصادية التي شنت ضده، وكان بيان الرئيس بوش في 8/آب، بان العراق قد غزا الكويت دون تحذير أو استنزاف.
هذا الموقف المتشدد من جانب العائلة الحاكمة في الكويت ورغم إن القوات العراقية في ذلك الوقت كانت قد احتشدت على حدود الكويت، وجِد الكويتيين غير قلقين ومتغطرسين وعندما طلب من الشيخ صباح أن يأخذ الإجراءات العراقية بشكل أكثر جدية، قال لأحد الأطراف العربية (لن نرد على العراق إذا لم يعجبهم ذلك فليحتلوا أرضنا سنجئ بالأمريكان).
لقد تناقض قول الشيخ هذا تناقضاً مباشراً مع السياسة الأمريكية المعلنة في ذلك الوقت. فقد شهد جون كيلي مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى وجنوب آسيا أمام الكونغرس في 31/تموز/1990، بأن أمريكا تقف على الحياد في النزاعات العربية- العربية، بينما عثر على مذكرة كشفت عرقلة أمريكا للحلول السليمة للخلافات العراقية - الكويتية.
لقد انهمكت أمريكا في جهودها الخاصة لعزل العراق اقتصادياً. وما أن انتهت الحرب العراقية - الإيرانية حتى بدأت أمريكا حرباً دعائية ضد صدام حسين، وطبقت بالتعاون مع دول غربية أخرى حملة عقوبات شكلت مع الحرب الاقتصادية الكويتية قوى إضافية لإلحاق المزيد من الأذى بالاقتصاد العراقي.
إن مجمل التخطيط العسكري الاستراتيجي منذ عام 1988، قد اعتبر العراق الخطر المركزي في منطقة الخليج العربي وان أمريكا أكدت للعراق إنها تعتبر نزاعه مع الكويت مسألة إقليمية وان أمريكا كانت تبدو في العلن راغبة في المصالحة وفي السر تعمل مع دول غربية ومع الكويت لتدمير العراق عن طريق الحملات الإعلامية والضغوط الاقتصادية.
في 31/تموز تمكنت المخابرات التابعة للبنتاغون من التقاط تحركات لقوات عراقية تنقل وقود وماء وذخيرة وغير ذلك... من الدعم اللوجستي من مؤخرة الجبهة إلى الخطوط الأمامية حيث ترابط الوحدات العسكرية العراقية على الحدود الكويتية.
وفي 2/آب/1990، غزا العراق الكويت وهو يعتقد – كما يظهر، على حد قول المؤلف – أن لديه تطمينات بأن أمريكا لن تتدخل، وعلى الفور تحركت أمريكا في مجلس الأمن ونددت بالعراق، وكان من أوائل الخطوات التي اتخذتها واشنطن في المنطقة بعد الغزو العراقي، هو الضغط على مصر للتقدم بمشروع قرار يندد بالعراق في قمة الجامعة العربية الذي عقد في القاهرة في 2 و3/آب، وهو إجراء علم المسؤولون الأمريكان انه سيجعل الانسحاب العراقي من الكويت أكثر صعوبة.
وهكذا تكون الولايات المتحدة قد استغلت مصر لحمل الجامعة العربية على إدانة الغزو العراقي، مما جعل العراق يعدل عن رغبته في الانسحاب، ثم استثمرت واشنطن رفض العراق للانسحاب كمبرر لفرض العقوبات.
وعلى الفور تحركت أمريكا على الجبهة العسكرية وكان أول ما احتاجته هو إقناع السعودية بقبول قوات في أراضيها وادعت واشنطن، إن صدام حسين يحشد آلاف الجنود على الحدود السعودية، وان السعودية طلبت من أمريكا التواجد عسكرياً، ولكن الحقيقة إن السعودية استجابت لمطالب أمريكا بنشر قوات أمريكية في أراضيها، وهو أمر عارضته في بادئ الأمر ثم وافقت بعد ضغوط أمريكية مكثفة.
وبدلاً من إيفاد المفاوضين إلى بغداد وغيرها بحثاً عن وسيلة لتسوية الأزمة اتبعت واشنطن مسار الحرب منذ اللحظة التي عملت فيها بغزو العراق للكويت وجاء التحرك العسكري بسرعة مذهلة.
وبمساعدة الصحافة، سعت أمريكا إلى إظهار صدام حسين كشيطان حتى تستطيع إقناع الجمهور بضرورة الحرب. وبعد عدة سنوات من التعاون الدبلوماسي والاقتصادي والعسكري الوثيق بين بغداد وواشنطن خلال الحرب العراقية - الإيرانية، أصبح صدام حسين فجأة طاغية أسوأ من هتلر.
وبحلول 4/أيلول، كان مئة ألف جندي قد وصلوا إلى الخليج وتضاعف الرقم في أواسط تشرين أول. وعندما لم تطرأ أي تغييرات مهمة على الأزمة، ضاعفت أمريكا في 30/تشرين أول مستوى التواجد العسكري الأمريكي إلى 400 ألف عسكري.
وفي 29/كانون أول، أمر الرئيس بوش الجنرال شوارسكوف ببدء هجومه على العراق في الساعة السابعة صباحاً من السابع عشر من كانون الثاني 1991، وهو اليوم التالي لانتهاء مهلة الأمم المتحدة للعراق بالانسحاب من الكويت.
وقد ظل الحشد العسكري يتزايد حتى أوصلته أمريكا في أواسط كانون الثاني إلى 540 ألف عسكري تدعمهم قوات جوية وبرية من السعودية وفرنسا والكويت والسعودية ومصر ودول أخرى...
وعندما مر منتصف ليلة 15/كانون الثاني في أمريكا كان الوقت فجراً في العراق، وفيما انطلقت قاذفاتB- 52 قبل ساعات عديدة من قاعدة باركسديل في لويزيانا، ومن أخرى في رحلات دون توقف إلى أهدافها، وفيما أطلقت أيضا صواريخ كروز من سفن المحيط الهندي وشرق المتوسط، ثم تحديد ساعة الهجوم ليبدأ مع مشاهدة الناس في الساحل الشرقي من أمريكا نشرات الأخبار الرئيسية المسائية في 16/كانون الثاني وبعد انقضاء 19 ساعة على المهلة.
ثم ضُرب العراق بمئات الصواريخ والقنابل دفعة واحدة، وخلال ساعة واحدة كان 85% من جميع محطات توليد الكهرباء في العراق قد دمر، وثم قطع شرايين الخدمات الرئيسية في البلاد.
وتشير الأدلة إلى إن البنتاغون أراد أن يؤدي القصف إلى تدمير الاقتصاد العراقي وجعل البلاد معتمدة على الغرب، كان قصف المواطنين العراقيين هدفاً مركزياً وليس ثانوياً للإستراتيجية الأمريكية.
وتظهر طبيعة قصف المواقع الصناعية وغيرها من المواقع ذات الأولوية، إن القصف قد خطط له مستقبلاً، إذ كان من الواضح إن الحرب على العراق موجهة ضد السكان المدنيين عبر التدمير الشامل للبنى التحتية للبلاد، بينما تدعي أمريكا أنها تجنبت قصف المدنيين من خلال التصويب الدقيق، وهو ادعاء كاذب إذ لا توجد طريقة لقصف المدن ذات الكثافة السكانية يوماً بعد يوم دون قتل المدنيين.
وتجعل طبيعة الهجمة على البني التحتية العراقية الادعاء بوقوع أضراراً بدون عمد غير صحيح على الإطلاق، وقد اعترف البنتاغون بأنه استهدف منشآت مدنية للتأثير على معنويات الجماهير من جهة ومضاعفة نتائج العقوبات من جهة أخرى. وكثير من الهجمات نفذت خلال النهار حيث يكون المدنيون العراقيون متواجدين في أماكن عملهم.
إن الدليل على أن هذا العدوان قد خطط له قبل سنوات من غزو العراق للكويت، لا يمكن أن يكون موضع شك، وان اتخاذ قرار لاستفزاز العراق لاتخاذ إجراء يبرر تنفيذ تلك الخطط هو أمر واضح ولا تشوبه أية شكوك، وان السهولة التي تمكنت بها إدارة بوش من إفشال جميع الجهود التي استهدفت التوصل إلى تسوية سلمية للنزاع الذي أوجدته، تكشف الفشل المأساوي لميكانيكية خطط السلام العالمي، وفشل الأمم المتحدة والدستور الأمريكي، وكذلك إخفاق وسائل الإعلام في إبلاغ الناس بما يحدث، وأخيراً فشل الجمهور نفسه الذي كان يراقب الحرب وهي قادمة دون أن يفعل شيئاً لمنع المذبحة.
إن الحرب – يعلق المؤلف في خاتمة كتابه – هي اشد الجرائم قسوة التي ترتكبها الإنسانية ضد نفسها. وقد أكد لنا التاريخ ذلك كما إن أي مسلك آخر يقدم عليه الإنسان لا يساوي الرعب الناتج عن الحروب.
ويحقق القانون أقصى تطلعاته لخير الإنسان عندما يعالج الجرائم المرتكبة ضد السلام والجرائم المرتكبة خلال الحروب.
وإذا أراد المجتمع منع الحرب والسيطرة على مسببها ومعالجة تبعاتها، وتجنب عواقبها، فأن عليه أن يتخذ إجراءاته لتنفيذ القوانين المصممة لمثل هذه الأهداف، وإلى أن يصبح بالإمكان اعتبار الجنود الأقوياء وكبار ضباطهم مسؤولين على قدم المساواة مع الضعفاء.
* الكتاب: النار هذه المرة، جرائم الحرب الأمريكية في الخليج، تأليف رامزي كلارك، ترجمة مازن حماد، منشورات الشركة الأردنية للصحافة والنشر، عمان.
waleedkaisi@yahoo.com
كتابات
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق