هل أصبحنا أمام حاجة سياسية – تاريخية تطالب بإطلاق حركة احتجاجية جديدة تعيد الزخم والوهج إلى اللحظة التاريخية البدئية التي انطلقت منذ أواخر العام 2010 في الوطن العربي، وكادت أن تكون نقطة حاسمة وفاصلة في مواجهة الفساد والاستبداد والإستنقاع العربي ومفاسده وأخطاره؟ وهل أصبحنا على ضوء ما ترتب على تلك الحركة الاحتجاجية من نتائج سلبية وارتدادية وإزاء كل التداعيات والأحداث التي أعقبت ذلك وأخذت وهج وريادية اللحظة ومساراتها ورهاناتها إلى مكان آخر، وأحدثت إضطراباً وفوضى وإنسداداً في الأفق العربي يكاد الآن أن يدخل الأمة في لحظة حرجة وكارثية تهدد الكيانية والوجود والمستقبل، هل أصبحنا نحتاج إلى قراءات نقدية تصحيحية وإعادة بناء العناصر الايجابية التي تفتقت عنها الحركات الاحتجاجية المجهضة؟
هذه أسئلة واشكاليات أصبحت تترآى أمام عقلنا بإعتبارها قد تستنهض الجواب على ما يجب فعله على الصعيد القومي في المرحلة الراهنة، ويمكن للإجابة هذه أن تنقذ الأمة مما هي فيه وما تحياه من تقهقر واضطراب وغياب، ذلك أن إنعدام البدائل سوف يؤدي إلى المزيد من التراجع والمزيد من الفراغ والقبول بالاندثار والاستباحة ودوام الفوضى.والإجابة قد تنهض وتتأسس على وعي وتوظيف البدايات البريئة الواعدة والمبررة تاريخياً وسياسياً التي انطلقت منها الاحتجاجات، أو قد تنهض على نقد ومراجعة النتائج السلبية والمدمرة التي تمخضت عنها الاحتجاجات ولعبت عوامل عديدة خارجية وداخلية في تعميقها وتكريسها وتحويلها إلى فعل مضاد لمقاصد التغيير والثورة في الوطن العربي.
ولا بد لكل متأمل في حركة الاحتجاجات العربية أن يؤشر موضوعياً وإيجابياً على ما بعثته من آمال ووعود وما استنهضته من حالة إيجابية من حيث تحدي ثقافة الخوف، وإسقاط بعض الأنظمة الاستبداية، وطرح سؤال التغيير، وحضور الجماهير العربية في عملية صياغة الحاضر والمستقبل العربي.
ومن هنا قد نؤسس للنظرة والأمل والقراءة الجديدة التي لا تريد أن تغفل السلبيات والتحديات والنتائج التي ترتبت على هذه الاحتجاجات وتسعى إلى إعادة بناء العناصر الايجابية التي أتينا على ذكرها وذلك لغايات إستكمال الغايات والمقاصد التي عبرت عنها هذه الحركة الاحتجاجية. ذلك أنه لا يجوز أن تتمحور التحليلات على النتائج السلبية التي تمخضت عنها الحركات الاحتجاجية وأن تبقى هي الدائرة والبيئة التي تنتج الأفكار القاطعة والمبرمة من مثل أنها مؤامرة وسايكس بيكو جديد وما شابه.
ويبدو عصياً على التحليل التفكير بالأسئلة والأجوبة الجديدة بدون قراءات نقدية متمعنة في كل ما جرى واستنطاق كافة الدلالات السلبية والايجابية التي ظهرت خلال هذا التاريخ المباشر الممتد على مدار أربعة أعوام، ذلك أننا لا نستطيع أن نبدأ التفكير ببدايات تصحيحية إستكمالية جديدة بدون استنطاق هذا التاريخ " الصاخب " وملابساته واكتشاف عمليات إشتغاله واشتقاق وسائل جديدة لتجاوز الظواهر والأخطاء التي رافقته وتكوين وعي جديد بضرورة مواصلة حركة المطالبة بالتغيير وحسم المعركة مع الاستبداد والفساد بطرائق قد تكون محل إجماع شعبي وتستند إلى القراءات الجديدة التي تريد فتح أفق تصحيحي متجدد يعطي لمعركة الجماهير دفعاً ودفقاً جديداً في معطياته ومساراته.
دعونا نبدأ في الانخراط والتأسيس لثقافة نقدية حول كل ما جرى، ودعونا نقرأ هذا التاريخ المباشر الذي تبدّى لنا منذ أواخر العام 2010 قراءة عميقة ترى خطوطه وسياقاته ومشكلاته وتستخرج أجوبة حاسمةة حول القضايا الأبرز في هذه المسارات من مثل مسألة الدولة (الدينية والمدنية والمواطنة)، الثورة وهي في طور عدم الاكتمال، الثورة المجهضة، الثورة المغدورة، الثورة الناقصة، المؤثرات الخارجية والداخلية، الاستعصاء وعدم القابلية للثورة، الارتداد وظهور العصبويات التحتية والأصوليات المتوحشة، وغيرها من القضايا التي تشكل محاور للنقاش والتحليل النقدي الذي قد يفرز نتائج هامة في تصور حاضرنا ومستقبلنا العربي.
لقد خلقت الاحتجاجات العربية في الأعوام الأخيرة مناخاً وأفقا يبدو لنا الآن في حالة إنسداد وإجهاض وارتداد، لكنه الأفق المطلوب تاريخياً لإطلاق الاسئلة الهامة والكبيرة والمفصلية، ذلك أن البديل عن ذلك هو الفراغ الموحش الذي قد يقود إلى الضلال والفوضى الهلاكة المؤدية إلى الجحيم.
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق