بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
|
هل هو عصر المليشيات والأستخبارات وتخريب الذمم؟!
|
شبكة البصرة
|
د. أبا الحكم |
الجيوش في هذا العصر لم تعد تمتلك خاصية الحسم إلا مع جيوش مماثلة لها بالتسليح والعقائد القتالية.. لقد حيدت معايير العصر الراهن وتحولات السياسة- الأستراتيجية مفاهيم الصراع ومفاهيم الردع.. وغدت الجيوش في موضع المُباغَتْ دائماً، فسقطت عنها المبادئة، لأن أمامها عدواً لا يظهر ككتلة نظامية في سياقات التعبئة وقوانين الحرب النظامية، أنما مجاميع هلامية تتحرك كالريح، وكالأعصار تضرب ثم تتخفى بين ثنايا طوبغرافية المكان وديمغرافية البشر.. والرد يكون دائماً يدخل خانة الخسائر، وخاصة الخسائر الجسيمة في الأرواح.. أرواح السكان المدنيين.. أما المجاميع المسلحة والمدربة والمنظمة فلا يصيبها إلا الشيء القليل من هذا الرد العسكري.. هذا النمط من الحروب يقع بين جيوش أجنبية غازية ومقاومة وطنية مشروعة يعترف بها القانون الدولي وشرعة الأمم المتحدة.
وهنالك تنظيمات مدنية شبه عسكرية رديفة رافقت التشكيلات العسكرية في التعبئة والحروب ومسك الأرض.. ولكن منذ اكثر من ثلاثة عقود باتت الخيارات تنصب على هذه التنظيمات المسلحة الرديفة لتحويلها إلى جيوش، بدلاً منها، لا تمتلك عقيدة عسكرية نظامية إنما تكوينها وتعبأتها يقومان على اساس مليشيات، لها قيادات ومراتب وتوزع على عناصرها الرتب العسكرية، مثل جنرال ولواء ركن وعقيد ركن وعميد.. إلخ.. ولكن الأشكالية لا تكمن في الرتب العسكرية، إنما في العقلية التي لا تغادر الاعتقاد بأنها مليشيات تقاتل من أجل نصرة جهتها السياسية أو المذهبية أو الطائفية أو الجهوية أو القبلية، وهي بعيدة كلياً عن المكون العقيدي الوطني الذي يجسد مبدأ الدفاع عن الوطن بروح المواطنة الحقة.
تنميط القوى بهذا الأتجاه يختلف عن تكوين المقاومة وتشكيلها وطبيعتها واهدافها وسلوكها.. والفارق الجوهري هو الوطنية الخالصة دون أي تداخل مذهبي أو طائفي أو إثني (عرقي) أو جهوي أو قبلي، إنما يتحدد مسار الفعل المقاوم صوب التحرير من أجل الوصول الى هدف السيادة والأستقلال الوطني وانجاز برنامج التحرير الكامل والشامل والعميق.. فيما يمثل تشكيل القوى المذهبية والطائفية والأثنية (العرقية)، إتجاهاً فئوياً يفتقر إلى التمثيل الشامل للشعب ويبني لأهداف ذات أبعاد :
أولها: أنها لا تمت للوطنية بصلة - لأن الوطنية لا تسرق، ولا تنهب، ولا تقصي، ولا تهمش الآخر، ولا تسفك الدماء، ولا تفرق بل تجمع، ولا تميز بين هذا وذاك بل تضع الجميع على خط شروع واحد، ولا ترتمي بأحضان الأجنبي أو تتلقى دعماً أو توجيهاً منه لأي سبب كان، سياسياً أو ثقافياً أو دينياً أو مذهبياً أو عشائرياً أو جهوياً ولأي مسوغ -.
وثانيها: أنها تنفذ اهداف سياسة خارجية لدولة أجنبية هي (إيران) بالتوافق مع أمريكا، فهي والحالة هذه تعد عملاً يقع في دائرة الجرائم العظمى.
وثالثها: أنها تعمل كأداة في يد هذه الدولة الأجنبية لتدمير وتفكيك وإعادة تركيب العراق سياسيا وجغرافياً وديمغرافياً، بل ولتدمير مرتكزات الأقطار العربية الأساسية وفي مقدمتها هوية الشعب القومية العربية ودينه الأسلامي الحنيف، فهي والحالة هذه تعد عدواً داهماً وخطيراً استطاع خلال خمسة وثلاثون عاماً (1979- 2014)، ان يدفع بالمنطقة الى حافة الهوية من التدمير والأضطراب والأنقسام والتفكك، فيما عجز الكيان الصهيوني منذ عام 1948 – 2015 عن تنفيذ أهدافه، وهي فترة ستة وستون عاماً تعد ضعف الفترة التي يحاول فيها النظام الإيراني تحقيق أهدافه في التوسع الأستيطاني- التشيعي الفارسي الأستعماري.
ورابعها: أنها تساعد النظام الفارسي وهو يضغط بأداة الملف النووي، بهدف الدخول كلاعب أساسي في نظام للأمن الأقليمي يتشكل على أنقاض الأمن القومي العربي.. عندها يحقق النظام الفارسي دوراً نافذاً ومهيمناً في المنطقة ويجني ثمار إمتلاكه للسلاح النووي إبتزاز كل دول المنطقة، ودول العالم سياسياً واقتصادياً ونفطياً وأمنياً وستراتيجياً في إطار منهج المراوغة والمخادعة.
وهنا.. لا يحتاج النظام الإيراني الفارسي إلى جيوش تقاتل، إنما مليشيات تقاتل وتقتل تحت يافطة (يا لثأر الحسين).. و(آل البيت -عليهم السلام- رجال عظماء عرب مسلمون حملوا رسالة العرب- المسلمين الى العالم، وهم ليسوا فرساً أو مجوسا).!!
دعونا الآن نرى ماذا يفعل وكيف يتصرف (الحشد الطائفي) في العراق-اقتباساً من تقرير إخباري- :
- يمتلك (الحشد الطائفي) الذي تأسس في يوم واحد بقرار طائفي خالص، اسلحة إيرانية الصنع (مدافع عيار 106 و 120 و 82 و 60 ملم).
- يتقاضى عنصر الحشد الطائفي (600) دولار في الشهر.. لم يتلق معظمهم رواتبه منذ ثلاثة اشهر، فيما اوعزت قيادات هذا الحشد بالإستيلاء على ممتلكات المواطنين الهاربين من نيران القصف الحكومي وبيعها تعويضاً عن الرواتب.!!
- لا يمتلك الجيش الحكومي أي سلطة على مجاميع الحشد الطائفي.
- الحشد الطائفي له قراراته الخاصة تحددها قياداته (قيس الخزعلي و هادي العامري و أبو مهدي المهندس وغيرهم) المرتبطة بقادة الحرس الإيراني المكلفين بملف العراق ميدانياً.
- لا تعمل عناصر الحشد الطائفي، غالباً ما، بشكل مشترك مع الجيش.
- كما أن تشكيلات الحشد الطائفي، هي الأخرى لا تعمل مع بعضها البعض كـ(عصائب أهل الحق- قيس الخزعلي) و (سرايا السلام- مقتدى الصدر).
- قادة عسكريون إيرانيون كبار يقودون معظم تشكيلات الحشد الطائفي بالتنسيق مع المجرم (هادي العامري- منظمة بدر) والمجرم (قيس الخزعلي- العصائب) والمجرم (أبو مهدي المهندس) وغيرهم.
- عناصر الحشد الطائفي يتمتعون بامتيازات الراتب ونوع الاسلحة وكمية العتاد والاجازات الشهرية على خلاف عناصر الجيش على الرغم من ان الجيش هو جيش الدمج الطائفي.!!
- عناصر الحشد الطائفي يتمتعون بالحصانة وعدم المسائلة على تصرفاتهم وسلوكهم الاجرامي وارتكابهم المذابح تلو المذابح، التي راح ضحيتها الألآف من المواطنين الأبرياء العزل (رجال ونساء واطفال وشباب) أعدمتهم هذه المليشيات بدم بارد.. وحرقت ونسفت مساكن المواطنين والنازحين وسرقت اموالهم وممتلكاتهم ومزارعهم ومواشيهم، وعرضها للبيع علانية في مدن وقرى العراق الآخرى.. فيما تكون ردود أفعال الحكومة الطائفية والمرجعية الطائفية لا تتعدى التصريحات لا غير.
- تتمتع مجاميع الحشد الطائفي (وهم جميعاً من طائفة واحدة) بحرية الانسحاب من مواقعها متى شاءت.!!
- تعمل مجاميع الحشد الطائفي في خارج سياقات الألتزام بالأوامر العسكرية.
- معظم العمليات التي تقوم بها مجاميع الحشد الطائفي لا يعلم بها الجيش وغالباً ما، تمنع هذه المجاميع الجيش من المشاركة في العمليات العسكرية، ولا تسمح له بالدخول في مناطق عملها.!!
هكذا إذن.. هي العلاقة بين مليشيات الحشد الطائفي والجيش المليشي ونواته الدمج.. ماذا نستنتج من هذا كله في ضوء ما تقدم؟ :
أولاً- إن نوات تشكيل الجيش في العراق هي نواة مليشية خالصة زجت في سياقات عسكرية نظامية، إلا أن روحية هذا التشكيل تظل مليشية مهما تدربت وتسلحت، لأنها مرتبطة آيديولوجياً في الأساس بأحزاب مؤدلجة طائفياً وليس وطنياً.. ومثل هذا النمط من التشكيل لا ينفع جيشاً نظامياً لدولة، كما هو حال تشكيل جيوش بقية دول العالم.. وبالتالي يبقى هذا التشكيل غير قادر على أن يتمتع بصفة الجيش السيادي، بالنظر لأنتشار عناصره حصصاً غير وطنية تعمل لحساب دول أجنبية.
ثانياً- إن نوات تشكيل قوى الأمن الداخلي والمخابرات والأستخبارات والشرطة تظل محكومة بعدد من المعايير التي تتحكم بها الأحزاب الطائفية الحاكمة، الأمر الذي يجعل الأمن الداخلي يفتقد المعطيات الممكنة والضرورية في تطبيق القوانين والتشريعات من جهة، ويعززالخلط الطائفي المتعمد بين القضايا الجنائية والقضايا السياسية من جهة ثانية.. وهو الأمر الذي يؤدي الى توسيع خطوط ودوائر التخندق في المجتمع، نظراً لوجود مكونات وشرائح متعددة الأتجاهات الدينية والمذهبية والأثنية.. أما تشكيل قوى المخابرات والأستخبارات في شقها الخارجي، فهي تظل حبيسه علاقات احزابها الخارجية.. كأن تسمح المخابرات والأستخبارات بالخرق الإيراني والخرق الأمريكي وأي خرق آخر يصب في مصلحة الأحزاب الحاكمة، بعيداً عن أحقية الأمن الوطني وأولوياته، طالما يرتبط هذا الأمن في كل بلدان العالم بمبدأ السيادة الوطنية.. وإذا غابت السيادة الوطنية فمن الصعب الحديث عن أمن وطني.!!
ثالثاً- إن هامش حرية اتخاذ القرارات الميدانية مستلب بالكامل من الجيش المليشي وكذا اجهزة الأمن والمخابرات والأستخبارات.. وذلك لغياب المهنية والأحتراف الوطني للعمل الميداني، نظراً لأحتكار القرار من لدن القوى التي تدير العملية السياسية والتجاذبات التي تدور في دواليبها المتعارضة من جهة، وعدم الفصل بين السلطات، الأمر الذي يعكس بقوة خضوع السلطة القضائية والتشريعية للسلطة التنفيذية التي تتوزع احزاب طائفية وإثنية متناحرة ومتصارعة في داخل اروقتها وفي خارجها.. وهو أمر يدفع نحو رؤية تجسد انعدام القدرة على البناء المؤسسي لهياكل الدولة السياسية والقضائية والتشريعية.. وما نراه في الواقع الراهن.. هو فوضى تجاذبات تنتج التدمير والتخريب.. تدمير الدولة وتخريب الذمم.
4/ 2 / 2015
|
شبكة البصرة
|
قال سبحانه وتعالى
قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم
الخميس، 5 فبراير 2015
د. أبا الحكم : هل هو عصر المليشيات والأستخبارات وتخريب الذمم؟!؛
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق