البحث عن دور فوق الاقليمي
د.مهند العزاوي*
تؤكد الوقائع التاريخية ان الدول الطامحة والتي تحتكم على فائض من القوة تبحث عن اهداف ورقع حربية لتشغل منظوماتها الحربية المترهلة , وتسعى على الدوام لصناعة العدو وشيطنة الاخر لتبرير الاستمرار بحمى التسلح والتمدد خارج الحدود , وقد شهد العقد الايراني الماضي بتنوع المسالك الحربية والشبحية والحروب بالوكالة التي خاضتها ايران ضمن خط الصدع العربي الايراني ودورها المحوري في غزو العراق وأفغانستان .
تنهمك ايران منذ عقدين بالحرب الباردة لتفكيك المحاور الجيوسياسية العربية الهامة (حرب الازاحة) , وبعد خروج العراق من معادلة التوازن شهدنا التمدد الطائفي السياسي والشبحي باتجاه الجوار العربي اقليميا , وليبراليا باتجاه مصر والسودان والصومال , وبأسلوب الكماشة ضمن حرب المشاطئة بغية التأثير على الممرات البحرية الاستراتيجية الثلاث.
سياسة الوصول
يجد المتتبع للإستراتيجية الايرانية وملامح سياسة الوصول انها تستهدف البحرين والكويت ومضيق هرمز , وبنفس الوقت تديم الاضطراب في اليمن عبر خطوط الامداد المنتشرة في الصومال والسودان وإريتريا , ويلاحظ دور واضح في مصر والسعودية عملاقي القدرة العربية , وبذلك تعمل ايران على عسكره الاسلام من جهة وطوئفة المجتمعات وتمزيقها من جهة أخرى عبر اذكاء الفتن المذهبية , لتثبت للدول المتمركزة انها لاعب فوق الاقليمي وتستطيع ان تحدث التأثير في غالبية الدول العربية دون استثناء , مما يجعل منها دولة باحثة عن الحروب بالوكالة .
منافذ خضراء
تعاظمت وسائل القدرة الحربية الايرانية , وقد احتكمت على خزين سلاح يفوق قدرات الدول العربية المتاخمة , وأضحت تخرق النسق السلمي للمنطقة وتمارس الشغب السياسي , وتستخدم استعراض العضلات العسكري في مسارح الحركات البحرية , وتعدت ذلك بنشر غواصات في البحر الأحمر , وتلك المسالك تؤسس لدور الشرطي الشرير الذي يطوع القانون والوسائل والمسالك الأيديولوجية والدعاية لتحقيق الغايات الاستراتيجية , وقد سعت لفتح منافذ خضراء للاضطراب السياسي والأمني في العالم العربي وانتهكت بذلك السلامة الوطنية والقومية.
توازن مفقود
تؤكد الوقائع السياسية أن القوة عندما تتوسع وتترهل تبحث عن رقع حرب وشيكة وعدو محتمل تمارس فيها القوة والنفوذ وتصدر أزماتها الداخلية لحروب ومواجهات , لو أخذنا بنظر الاعتبار القدرة العربية المتاخمة لإيران وأجراء مقارنة وفق قاعدة المقارنة العسكرية "قوات الطرفين " سنجد أن هناك فرق كبير بالقدرات الاستراتيجية والعملياتية وعديد القوات والأسلحة الفتاكة ناهيك عن التأثير الإيديولوجي ووسائل الدعاية المضادة , ولم نشهد سلوكيات توازن عربية تقابل التفوق الايراني الذي استكمل : مكننة الحرب – النووي – المعلومات - الفضاء وكذلك وسائل الاضطراب السياسي والأمني , وبذلك لا رادع لإيران وهي تملئ الفراغ العربي , وتعمل بقوة على تغيير ديموغرافية المنطقة لغرض اندثار المحاور الجيوسياسية العربية .
حرب المشاطئة
تتفوق إيران على الدول العربية بمنظومة القدرة الاستراتيجية كالأسلحة النووية ,أسلحة الدمار الشامل , القدرة الصاروخية , الالكترونية ,المعلوماتية , الفضائية , البحرية , القوة اللامتماثلة , وتلك القدرات العظمى جعلتها قوة سائبة منفلتة تمارس البلطجة السياسية , وقد حققت تمدد كبير في البر العربي , وترجم على شكل نفوذ ليبرالي سياسي واقتصادي وعسكري في لبنان وغزة واليمن والصومال والسودان , ونفوذ إقليمي اخطر في العراق والكويت والبحرين.
تمارس إيران بحريا الجس والتوغل في حرب المشاطئة عبر الخليج العربي والبحر الأحمر والمتوسط وأعالي البحار , ولو استعرضنا المسارح البحرية سنجد أن مناطق الجس والنفوذ متعددة وكثيرة واتسعت مؤخرا بعد غزو العراق , وأضحت تسيطر بقوة على ساحل لبنان وتنشر غواصاتها عبر الأحمر وتمارس التواجد في المتوسط بذرائع مختلفة .
سياسة "لي الأذرع"
يعد نفوذ ايران في العراق أكثر خطورة وتأثير لأنه الممر البري العربي , وقد أصبح العراق نقطة الانطلاق والقاعدة المحورية للاختراق الأطلسي والخليجي العربي , والأحداث الأخيرة في الكويت والبحرين ومصر والسعودية ولبنان تثبت ذلك , ناهيك عن القدرة الصاروخية المتطورة والتي تشكل تهديد خطير لدول الجوار العربي , حيث يجري نقل هذه الصواريخ إلى رقع النفوذ الليبرالي والإقليمي ليجري استخدامها ضمن سياسة "لي الأذرع " .
يبحث البعض عن منطقة رمادية في وصف وتقييم القوة وتقدير التهديد الحالي , ولا مكان للتطمينات والوعود السياسية والمجاملات الدبلوماسية لتبرير سلوكيات حربية مثيرة للجدل , ويلاحظ خلال العقد الايراني الحربي الفائت ومنذ عام 2001 كانت ايران المطرقة الصلبة في تهديم منظومة الدول العربية وتفكيك مجتمعاتها "العراق أنموذجا " ويفترض ان يكون هناك كوابح صارمة لانفلات القوة الاقليمية , ومخففات صدمة دولية تعالج التمدد الاقليمي والاضطراب الامني والسياسي الذي ينتج عنه , ولعل الانفراط العربي ترك اثرا سلبيا في كبح جماح الاخرين , كما ان السلوكيات الجماهيرية والحزبية الضيقة وعدم التفكير بقيمة الدولة وأهمية القوة النظامية القت بظلالها على توازن القوى العربي الاقليمي وخلف مفاصل لينة يسهل اختراقها , ويتحمل النخب والمفكرون والمثقفين العرب ووسائل الاعلام المعنية مسئولية كبرى لتثقيف الشعوب بأهمية نظرية الدولة والاستثمار المؤسساتي الذي يحقق الامن والسلم في عالم مضطرب يبحث عن الفوضى وهدم الدول .
*مفكر عربي عراقي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق