جاءت نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية المصرية والتي جرت يومي 23 و 24 مايو 2012 صادمة للبعض ومفاجئة لآخرين في حين اعتبرتها فئة ثالثة منطقية.
قبل نشر الأرقام الرسمية لنتائج جولة الانتخابات الأولى، كانت صحيفة "المصري اليوم" المستقلة في عددها ليوم الجمعة 25 مايو الأكثر دقة.
حيث أكدت الصحيفة ان "21856708 ناخبا شاركوا في الانتخابات من إجمالي عدد الناخبين البالغ 50524993 ناخبا أي بحوالي نسبة 43.3 في المائة".
وأضافت الصحيفة أن مرشح حزب الحرية والعدالة الذي يمثل جماعة الاخوان المسلمين محمد مرسي قد فاز بأعلى الأصوات بحصوله على 5446460 صوتا بنسبة 24.9 في المائة". وجاء في المركز الثاني القائد السابق لسلاح الجو المصري أحمد شفيق الذي حصل على "5338285 صوتا بنسبة 24.5 في المائة".
بينما احتل المرشح الموصوف بالناصري حمدين صباحي المرتبة الثالثة اذ حصد "4616937 صوتا بنسبة 21.1 في المائة"، وجاء القيادي السابق في جماعة الإخوان المسلمين والمنشق عنهم، عبد المنعم أبو الفتوح في المركز الرابع بحصوله على "3889195 صوتا بنسبة 17.8 في المائة"، اما الأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى فجاء في المركز الخامس مع "2471559 صوتا بنسبة 11.3 في المائة".
في وقت متقارب قدر رئيس اللجنة الانتخابية المستشار فاروق سلطان نسبة المشاركة في هذه الانتخابات ب50 في المائة موضحا أن الاقتراع جرى عامة في "هدوء ونظام".
مراكز رصد أشارت أنه عند التفكير في نتائج الجولة الثانية من الانتخابات يجب التذكير بأن محمد مرسي فشل في كسب تأييد حزب النور السلفي الذي أيد منافسه أبو الفتوح، وأن هذا الأخير اقتنص أصواتا من أقصى اليمين الإسلامي متمثلا في السلفيين ومن الإسلاميين المعتدلين والليبرالين.
صناديق الاقتراع
في الأيام القليلة التي سبقت الجولة الانتخابية الأولى أكدت غالبية القوى السياسية بما في ذلك حزب الحرية والعدالة، أنها ستحترم نتائج الانتخابات وستتعاون مع أي رئيس ينتخبه الشعب.
وكيل اللجنة التشريعية لمجلس الشعب المصري صبحي صالح القيادي بالجماعة، صرح يوم الأربعاء 23 مايو لقناة "سي إن إن" الأمريكية إن جماعة الإخوان المسلمين "لن تعود إلى الميادين إذا نجح أي من المرشحين البارزين بطريقة سليمة دون العبث بنتيجة الانتخابات، حتى وان كانوا من المحسوبين على النظام السابق".
ووصف صالح، التجربة الانتخابية بالمطمئنة والايجابية "بسبب مشاركة أعداد كبيرة من المواطنين ومحافظة الجيش والشرطة على الاستقرار، مع نسبة مخالفات نادرة حيث يعمل القضاة بهدوء". المعروف أن حزب الحرية اعتبر أن كلا من عمرو موسى وأحمد شفيق آخر رئيس وزراء في مصر قبل تولي الجيش السلطة مؤقتا من أنصار الرئيس مبارك.
هذه المواقف اعتبرها الملاحظون مؤشر تطور للفكر الديمقراطي وبادرة مطمئنة للمستقبل.
يوم 25 مايو تبدلت بعض المواقف، حيث أعلن القيادي في جماعة الاخوان عصام العريان خلال مؤتمر صحافي بالقاهرة أن فوز احمد شفيق امام مرشحها محمد مرسي، سيضع "الأمة في خطر". وأضاف أن الجماعة تريد بدء حوار مع المرشحين الذين لم يفوزوا في الدور الأول "لإنقاذ الثورة" التي أطاحت بمبارك في 11 فبراير 2011.
رد فعل الشارع
اهتمت وسائل الإعلام عربية وأجنبية بعد إنتهاء الجولة الأولى التي أكدت السلطات القضائية والمراقبين الأجانب نزاهتها، بنقل بعض انطباعات وردود فعل المواطنين، وكالة رويترز ذكرت: بعض المصريين أكدوا فرحتهم بالانتخابات بينما أعرب آخرون عن قلقهم من انحصار المواجهة بين مرشحين احدهما إسلامي والآخر كان مسئولا سابقا.
وقال عبد الله رزق 25 عاما لدى خروجه من المسجد بعد اداء صلاة الجمعة "ليس لدي أي اعتراض على احد طالما كانت الانتخابات نزيهة. لا شك في ان هناك مرشحين افضل من غيرهم لكنني سأقبل بالفائز أيا كان". وذكر عبد الله أنه أعطى صوته لصباحي مشيرا أن المصريين "سيتقبلون أي نتيجة" تأتي بها الصناديق.
على مقربة منه يبدي حسن محمد يوسف المدرس في كلية الحقوق جامعة القاهرة الذي يؤيد الاخوان المسلمين سعادته بتصدر مرسي لكنه غير راض عن أن يكون منافسه في الجولة الثانية احمد شفيق الذي يجسد في نظره النظام السابق.
ويقول حسن آسفا "المشكلة هي أن شفيق لديه الكثير من الأصوات وهذا يظهر أن الشعب المصري ما زال شعبا جاهلا".
لكن غالبية المتجمعين حوله ابدوا استنكارهم الشديد لهذا الرأي وانبرى احدهم قائلا "كيف تقول أن الشعب المصري جاهل. الجاهل هو أنت".
ويرد عليه حسن بجفاء "لدي الحق في ان أقول ما اعتقد. أين هو التغيير في عقلية الناس؟ النظام السابق حكمنا ثلاثين عاما".
أحمد رفاعي البالغ من العمر 32 عاما ويعمل موظفا بطنطا قال "لن أنتخب مرشح الإخوان المسلمين أبدا في الانتخابات الرئاسية لأنهم لم يأتوا بشيء إلى الآن إلا الفوضى".
وأضاف "طبعا حصدوا أصواتا كثيرة في الانتخابات التشريعية. لن يتكرر هذا أبدا".
ويخشى الأقباط بدورهم الذي يشكلون ما بين 6 و8 في المائة من تعداد السكان من التمييز ضدهم وأن يؤدي مجيء الإسلاميين إلى الحكم إلى تهميشهم أكثر.
ثقب أسود
عدد من المحللين النافذين في الصحف ومراكز الأبحاث في كل من واشنطن وتل أبيب كانوا من بين من فاجأتهم نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية المصرية.
كتب آفي يسسخروف في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية: "الربيع العربي" بتفرعاته، أوضح للكثيرين بان الرأي العام في الشرق الأوسط هو بمثابة ثقب أسود، ليس فقط بالنسبة لمحافل الاستخبارات الإسرائيلية بل وايضا للصحافيين والخبراء الذين يفترض أن يكونوا ضالعين في معرفته. فالمرة تلو الاخرى وجدنا أنفسنا مذهولين في ضوء التطورات الدراماتيكية التي تتناقض مع كل ما عرفناه وتعلمناه عن الشرق الأوسط.
الانتخابات للرئاسة المصرية تجسد بقدر أكبر هذه الصعوبة التي نواجهها، نحن المراسلين والكتاب عن العالم العربي، في فهم إلى أين في واقع الأمر يتجه الرأي العام. واضح أنه من الصعب توقع نتائج الانتخابات. ومع ذلك في الغالب يمكن القول من هم المرشحون المتصدرون ومن هم أصحاب الاحتمالات الاكبر في الفوز. في حالة مصر، كل تقدير، مهما كان منمقا، مثله كمثل الرهان.
الأمر ينبع، ضمن أمور اخرى من التحولات في السياسة المصرية في الاشهر الاخيرة. صحيح أن الجمهور المصري لم يغير جلدته ولم يصبح اكثر علمانية منذ الانتخابات للبرلمان. الاحزاب الاسلامية انتصرت فيها بأغلبية كبيرة، وحظيت بنحو 70 في المائة من عموم المقاعد في مجلس النواب. الاستنتاج المنطقي هو أنه في الانتخابات المصرية سينتصر مرشح اسلامي، مثل مرشح "الاخوان المسلمين" محمد مرسي أو رفيقه السابق في الحركة، الذي طرد منها مكللا بالعار، عبد المنعم ابو الفتوح.
ولكن منذ الانتخابات البرلمانية سجلت عدة تغييرات ذات مغزى: الاخوان المسلمون قرروا التقدم بمرشح خاص بهم للرئاسة، وظهروا عمليا كعصبة سياسيين جوعى للسلطة، مثل نظرائهم العلمانيين. هذا القرار اثار غير قليل من النقد وخيبة الأمل حتى في أوساط مؤيدي الحركة. اضافة إلى ذلك، فان الانتصار الاسلامي الجارف ايقظ من سباتهم العلمانيين والاقليات. وبالطبع، الصوت الاسلامي منقسم بين المرشحين الرائدين وخلافا للبرلمان، حيث يوجد مكان للجميع، ففي الانتخابات للرئاسة لن ينتصر سوى مرشح واحد. وليس صدفة أن تكون المشادة الوحيدة التي نشبت في أول يوم من الاقتراع كانت بين مؤيدي مرسي وابو الفتوح. من الصعب التقدير كيف ستؤثر هذه المنافسة على الشارع المصري، المتدين في معظمه.
بالمقابل، المعسكر الثاني في مصر ايضا عرض بعض المرشحين البارزين مثل عمرو موسى واحمد شفيق وحمدين صباحي والذين شقوا الصوت العلماني. وبينما لشفيق وربما ايضا لموسى صوت على أي حال من خائبي الأمل من "الثورة"، العطشى لإعادة القانون والنظام للدولة، فان صباحي يمثل التيار الناصري وهو كفيل بان يظهر المرشح المفضل للعلمانيين والناصريين من معارضي النظام السابق.
غير قليل من الاستطلاعات نشرت في الاسابيع الاخيرة بالنسبة لفرص المرشحين المختلفين للانتصار في الانتخابات، ولكن مدى مصداقيتها ليس واضحا. فتكاد تكون كل الاستطلاعات أظهرت بان فرص مرشح الاخوان المسلمين محمد مرسي، منخفضة على نحو خاص. من الصعب التصديق بان الجهاز الهائل للحركة في مصر لن ينجح في أن يجلب مرسي إلى واحد من الاماكن الأربعة الاولى. استطلاعات اخرى نشرتها معاهد بحوث حكومية أشارت بالذات إلى شفيق بأنه المرشح المتصدر، وهنا أيضا مشكوك أن يكون هذا صحيحا.
ولعل المشكلة الأكبر للصحافيين الاسرائيليين في فهم ما يجري هناك، هي انعدام قدرتنا على أن نكون في مصر في زمن المجريات. منذ الثورة تمنع السلطات دخول الصحافيين ذوي جوازات السفر الاسرائيلية فقط. ويعلل الأمر بالحرص على سلامتنا، ويحتمل عن حق. ولكن هكذا تتضرر قدرتنا كمحللين، خبراء، مراسلين، على أن نشعر بنبض القاهرة، الاسكندرية وكل مكان آخر في الدولة. المكالمات الهاتفية قد يكون بوسعها المساعدة، وكذا الفيس بوك ومحطات التلفزيون العربية. ومع ذلك في عصر الشبكات الاجتماعية ايضا، لا يزال لا يوجد بديل لتواجد المراسل في ساحة الحدث.
إذن من سينتصر؟ أنا أراهن على ابو الفتوح. واذا اخطأت، فعلى الأقل يوجد لدي كل المعاذير لأشرح كيف حصل هذا.
إنهاء الفوضى والأزمة الاقتصادية
يوم السبت 19 مايو نشرت صحيفة "لوس انجليس تايمز" الأمريكية تحقيقاً أنجزه جيفري فليشمان عن الانتخابات الرئاسية المصرية والقضايا الرئيسة المطروحة فيها وما تعنيه بالنسبة الى الناخبين المصريين:
"ميكانيكي يضرب بمطرقته صدام سيارة، واولاد يهيمون وسط السيارات بينما يعبِر أدهم بِشر بحماس عن آرائه في عصر يوم مضطرب على جانب النيل في حي طرة جنوب القاهرة قائلاً إن رئيس مصر القادم يجب ان يوفر له عملاً، ولا يقول له كيف يعبد الله، وأضاف "اريد رئيسا يعيد بناء البلاد. إننا بحاجة إلى ننهض مرةً أخرى إلى العظمة".
تجمع رجال حول أدهم بِشر في مساحة من الظل، وجادلوا بعضهم البعض بشأن التضخم والأمور السياسية قبل الاختفاء في شارع بحي طرة. ويريد الرجال، ومعظمهم سائقون وعمال نسيج عملا ثابتا. ويتساءل ابناؤهم، ومعظمهم طلبة جامعيون، عما إذا كان المستقبل سيجلب مالاً كافيا.
بعد دقائق جلس نبيل محمد، وهو سائق سيارة شحن يعمل بشكل دائم، على مقعد بجانب أدهم بشر تحت مظلة متهالكة.
قال محمد والعرق يتصبب من عنقه، وفي يده حلقة مفاتيح "نحتاج إلى رئيس قوي لإحلال النظام وإعادتنا إلى الحياة. احتجاجات المصريين كثيرة. ونحن لا نسمع بعضنا بعضا، واذا لم نتوقف فإننا سننهار". وأضاف: "هناك الكثير من السياسيين الذين يحاولون التخفي وراء ستار الاسلام. لكن الدين يظل بين الله وكل فرد. انه ليس من صلاحيات الساسة. وهؤلاء السياسيون يسيئون إلى الإسلام أكثر من أي شيء آخر".
لم يكن في المنطقة الا القلة من الناس عندما كان محمد بعد صبيا. كانت المنازل لا تعلو إلى أكثر من طابق واحد، ولم يكن الطريق السريع الممتد مع مجرى النيل عريضا بهذا الشكل. لكن جاء الصيادون والمزارعون الى القاهرة بحثا عن حياة أفضل. وبنيت المساجد ونمت المنطقة، ولم يكن همها قط من هم الرؤساء او الدعاة المحليون لان أيا منهم لم يرفع من مستوى حياة محمد إلى ما فوق أي شيء اللهم إلا الكفاح".
دولة مدنية
الانتخابات صراع بين محافظين مغالين وليبراليين على ما اذا كانت مصر يجب ان تميل الى اصولية المملكة العربية السعودية او إلى اتجاه تركيا المعتدل. ويحرك هذا النقاش أساتذة وعلماء دين ذوو نفوذ يستشهدون بالتقوى كمقياس سياسي.
يتفق معظم المصريين على أن الإسلام يجب أن يهدي السياسة القومية. لكن رجالاً مثل أدهم بِشر من بين الأكثر من 40 في المائة من المصريين يخشون من ان انشغال النخبة بالدين والحديث عن احياء الخلافة التي يعود عهدها إلى مئات من السنين أمران يلهيان عن مشكلات البلاد المتأصلة.
قال شادي غنيم، وهو مستورد اجهزة اليكترونية يؤيد عمرو موسى: "نحتاج الى انهاض الاقتصاد على رجليه. المستثمرون الاجانب لن يعودوا ما لم يكن بوسعهم الوثوق برئيس معتدل".
قبل الإقتراع بأيام أفادت نتائج أحد الاستطلاعات إلى أن عوامل الشك تنمو لدى الكثيرين ومن ضمنهم هؤلاء الذين صوتوا في الانتخابات التشريعية لصالح الإخوان، وهؤلاء يمثلون حوالي 40 في المائة، منهم ناخبون لم يقرروا اين يضعوا اصواتهم في ما يتعلق بالاخوان ويسعون وراء مرشح اقل امتثالاً للعقيدة الدينية وأكثر اهتماما بإقامة دولة مدنية مستقرة".
تراجع اقتصادي
الأزمة التي انفجرت قبل 15 شهرا أدت إلى تراجع إقتصادي أقل ما يوصف به أنه كارثي. فقد ارتفعت نسبة البطالة، التي كانت في حدود 9 في المائة في يناير 2011 إلى 12 في المائة في مارس 2011 ثم وصلت إلى 24 في المائة لدى الشباب.
أما احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي المصري الذي وصل إلى أعلى مستوى في تاريخه بنهاية ديسمبر 2010 متجاوزا الـ36 مليار دولار فقد تقلص إلى 15.119 مليار دولار في مارس الماضي.
وزيرة التخطيط والتعاون الدولي فايزة أبو النجا، كشفت أن احتياطيات النقد الأجنبي كانت تتراجع خلال الأشهر الأولى للإضطرابات بمعدل ثلاثة مليارات دولار شهريا، ثم أخذت تتناقص إلى 2.5 مليار دولار شهريا، ثم إلى ملياري دولار، ثم إلى 1.5 مليار دولار، ثم إلى مليار دولار، إلى أن وصل معدل التآكل إلى 700 مليون دولار مع نهاية فبراير 2012، مشيرة إلى أنه من المتوقع أن يبلغ معدل السحب في أبريل 600 مليون دولار على أن يعود الاحتياطي إلى الارتفاع.
إذا كان العديد من المصريين قد صدم بتدهور الحالة الإقتصادية نتيجة أحداث ميدان التحرير فإن شكا بدأ يساورهم من أن قوى خارجية تسعى لركوب حركة التطور في البلاد لتخريبها وتقسيمها.
المواجهة التي جرت بين القاهرة وواشنطن بسبب عمليات التدخل والتجسس عبر ما يسمى الجمعيات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني، وضبط أجانب يرتكبون أعمال تخريب كانت أحد الدوافع الهامة للمراجعة.
تقرير صدر في شهر مارس 2012 عن مركز المصريين للدراسات السياسية والاقتصادية كشف عن حجم الخسائر التي تعرض لها الاقتصاد المصري نتيجة المطالب والاحتجاجات الفئوية بلغت أكثر من 15 مليار جنية مصري وذلك من خلال 850 وقفة احتجاجية على مدار العام الذي تلي أحداث 25 يناير وهو ما جعل الاقتصاد المصري يتعرض لخسائر فادحة.
وحذر التقرير من استمرار التوترات السياسية والاحتجاجات الفئوية حيث أكد التقرير أن الخسائر قد ترتفع إلى أكثر من 100 مليار جنيه في حالة الاستمرار في الاحتجاجات الفئوية. كما شدد التقرير على أن الاحتجاجات الفئوية ليست خطرا على الاقتصاد فحسب بل خطر على أمن واستقرار مصر لأن الاحتجاجات الفئوية دائما ما تكون ذريعة لكل من يريد أن يعبث بأمن مصر مستغلا التوترات التي تعيشها مصر في هذه الظروف الراهنة.
كما أشار التقرير أن التوترات السياسية ألحقت خسائر ضخمة بالقطاع السياحي في مصر، حيث أدت الخسائر إلى فقد 3 ملايين زائر.
11 مليار دولار
يوم 9 فبراير 2012 جاء في تقرير لوكالة فرانس برس: بعد عام على تنحي الرئيس حسني مبارك، يشكل تردي وضع الاقتصاد المصري الذي كان مزدهرا في السابق تهديدا للمرحلة الانتقالية في الدولة التي تضم اكبر عدد من السكان في العالم العربي، بحسب خبراء ومحللين اقتصاديين.
وبمعدل نمو يقدر بواحد في المائة مقابل ما بين 5 إلى 7 في المائة في السنوات السابقة، تأمل الحكومة في الحصول على مساعدة من صندوق النقد الدولي وجهات مانحة اخرى، لتجنب انفجار اجتماعي محتمل في الأشهر المقبلة.
ويقول صلاح جودة مدير مركز الأبحاث الاقتصادية في القاهرة "بعد عام على الثورة، الاقتصاد في حالة فوضى وخارج عن نطاق السيطرة".
ووفق أرقام رسمية، تراجعت عائدات القطاع السياحي في مصر بنسبة ثلاثين في المائة اي فاقد في الربح يبلغ نحو اربعة مليارات دولار، وهو رقم يراه يقول عدد من منظمي الرحلات السياحية أنه بعيد عن الواقع.
وبينما تقوم الوكالات العالمية للتصنيف الائتماني بخفض درجة مصر باستمرار، لم يعد المستثمرون يتنافسون على السوق الداخلية في بلد يبلغ عدد سكانه أكثر من 82 مليون نسمة.
عجز الميزانية بلغت نسبته 7.8 بالمئة لاجمالي الناتج الداخلي، بعض المراقبين يقولون أنه يتجاوز العشرة بالمائة، وهو يثير مخاوف بشأن قدرة مصر على الابقاء على نظام دعم المنتجات الأساسية او دفع ثمن وارداتها خلال اشهر.
ويسمح نظام الدعم هذا بابقاء الاسعار منخفضة للسلع الضرورية مثل الوقود والخبز والأرز والغاز المنزلي.
وقال حمدي عبد العظيم الخبير الاقتصادي في اكاديمية السادات ان "تغيير سياسة دعم المواد الغذائية والغاز والبنزين قد يؤدي إلى كارثة سياسية".
ورأت المحللة الاقتصادية زينب عبد الرحمن ان خفض قيمة التمويل العام "ستؤثر على قدرة الحكومة على طلب القروض من الممولين المحليين والدوليين".
واضافت ان "مصر ستواجه صعوبات كبيرة في نقاشاتها مع صندوق النقد الدولي بسبب انخفاض وسوء التوقعات في المستقبل إضافة إلى انعدام الأمن".
وأكد وزير المالية المصري ممتاز ان برنامج الانقاذ الاقتصادي في بلاده بحاجة إلى "حوالي 11 مليار دولار خلال العامين الماليين الحالي والقادم". ويقول خبراء مصريون أن البنك الدولي وصندوق النقد مسيران من طرف إدارة واشنطن، ولهذه الإدارة حسابات تريد تسويتها مع مصر، زيادة على ذلك فإن البيت الأبيض المتمسك بمشروع الشرق الأوسط الكبير لا يريد نهوض مصر أو استقرارها ولهذا فهو سيستغل الحاجة إلى القروض لفرض شروط لا تنفع سوى المخططات الأمريكية.
حالة توافق مفقودة
كتب عمر كلاب الصحفي والكاتب الأردني مؤسس موقع مرايا الإخباري يوم 26 مايو:
غضب المصريون أم عتبوا، فإن القراءة الأولى للنتائج الأولية لانتخابات الرئاسة المصرية تقول بالفم الملآن، ان النظام المصري لم يسقط، وما زال متماسكا و قادرا على مقارعة كل القوى التي راهنت على "الثورة" وميدان التحرير لإنتاج الفارق في مزاج الشارع المصري.
فالفوارق الهزيلة بين مرشح الإخوان ومرشح النظام او الفلول كما يقول الاشقاء في مصر تتحمل نتائجها القوى السياسية المصرية الحديثة والتقليدية التي عجزت عن إيجاد توافق لتشكيل فريق رئاسي قادر على مقارعة النظام السابق ورجاله، إما لطغيان الشوفينية الحزبية والتنظيمية وإما للتقليل من قوة النظام السابق بعد عزل رئيسه، فالرئيس سقط والنظام متماسك ويستطيع إلى الآن تقديم نفسه للشعب بصفته قادرا على ضبط الأمن ووقف الانهيار الاقتصادي والاجتماعي في الشارع المصري.
فمنذ سقوط نظام الرئيس مبارك والشارع المصري يلمس تراجعا في الاقتصاد وانحدارا في منسوب الأمن والأمان بل ان فوز الإخوان المسلمين في البرلمان لم يمنح تطمينات للشارع المصري و مثقفيه واحزابه، كي يطلقوا شارات النصر الحقيقية ويعلوا قيمة الأمل بالتغيير، فما حدث بعد انتخابات البرلمان كان مقلقا بكل المقاييس للقوى الليبرالية.
الظاهرة الثانية ان القوى السياسية ما زالت ممسكة بالمصالح الحزبية على حساب الصورة الكلية لمشهد مصر بعد الثورة، لأن مجموع ما حصل عليه مرشحو القوى الإسلامية السياسية والتيار الناصري يفوق النسبة المطلوبة لحسم النتيجة من الجولة الإولى، وكان الأجدى ان يتم تشكيل فريق رئاسي من مجموع القوى السياسية الثورية للحفاظ على التغيير الذي حصل في مصر منذ يناير 2011.
فقد تنامى دور حزب "الكنبة" في انتخابات الرئاسة حيث جلس 50 في المائة من المصريين على مقاعد منازلهم و لم يمارسوا دورهم المأمول في الانتخابات الرئاسية.
الآن مشهد مصر اكثر وضوحا من الجولة الاولى، فالخلاف السياسي سيتراجع مؤقتاً ليظهر بعده الاتفاق على الحساب الجنائي وسيتم حسمه لصالح مرشح النظام السابق، او بين فريق سياسي يحسم مثلاً الرئاسة لصالح مرسي ويكون نائبه حمدين صباحي.
الا اذا حدثت مفاجأة من العيار الثقيل و نجح الفريق احمد شفيق في تشكيل تحالف رئاسي يجمع القوى الليبرالية التي باتت بيضة القبان في انتخابات مصر رغم استبعاد تشكيل مثل هذا الحلف ولكنه ممكن اذا اصطدم برغبة الإخوان في الاستئثار بالحكم في مصر برلمانياً ورئاسيا كما كشف الإخوان من خلال سلوكهم البرلماني على صعيد اللجان البرلمانية.
مصطلح الفلول اسقطه الشارع المصري بعد ما منح شفيق هذا الكم من الأصوات وكشف "عورة " السلوك السياسي للقوى الناهضة بعد سقوط مبارك، فالمناطق السياحية مثلاً منحت شفيق ثقة مطلقة عكس الكثافة السكانية ما يعني ان النجاح على مستوى الأمن الشعبي ما زال هو المطلوب أكثر من الديمقراطية.
مشهد مصر رغم وضوحه الآن إلا أنه مشوب بالقلق فتشتت الصوت الانتخابي يكشف عمق الاختلافات داخل الشارع المصري وهذا يعني امكانية نزول الرافضين للنتائج الى الشارع و العودة الى المربع الاول وازدياد مساحات الشك بين السياسيين ما ينعكس على مستويات الأمان التي بدورها ستضعف الحالة الاقتصادية وتزيد من هوامش الفقر في مصر ما يعني ان الثورة فقدت شرعيتها وشعبيتها ما لم تتحرك القوى السياسية لإنتاج حالة توافق وتقاسم للمقاعد والقيادة في مصر.
الحسم في يونيو
التنبؤ بمن سيفوز في جولة الانتخابات الرئاسية التي ستجري يومي 17 و18 يونيو صعب خاصة على ضوء المفاجآت الممكنة، ولكن هناك مؤشرات قد تكون دالة.
في انتخابات البرلمان التي أجريت بين نوفمبر 2011 ويناير 2012 فاز الإسلاميون بنحو 70 في المئة من أصوات الناخبين، حصلت جماعة الإخوان على القسم الأكبر منها. لكن في الجولة الرئاسية الأولى لم يحصد هؤلاء سوى 25 في المئة لمرسي يضاف اليها جزء مما حصل عليه أبو الفتوح.
ومنذ مارس 2012 حذرت الكثير من المصادر الاخوان من تراجع شعبيتهم في حملة انتخابات الرئاسة.
وكتب المحلل توم بيري لرويترز: أدارت جماعة الاخوان المسلمين آلة حملة انتخابية هائلة في سعيها للفوز بانتخابات الرئاسة المصرية لكنها تبذل جهودا مضنية لكسب الأصوات بعدما شابت صورتها بعض الشوائب إلى جانب كون مرشحها محمد مرسي لا يتمتع بقبول واسع وحزبه متهم بالحصول على أموال من دول أجنبية خاصة خليجية.
وتحاول الجماعة التغلب على مشكلة أوسع تواجه صورتها حيث يتعرض الأخوان لانتقادات شديدة في كل المجالات تقريبا.
وعقب صلاة الجمعة مؤخرا مثلا انتشر نشطاء من الجماعة خارج احد مساجد القاهرة يوزعون منشورات لحملة مرسي مرفقة بورقة تحاول تفنيد الاتهامات الموجهة للجماعة ومن بينها أنها نقضت وعودها وأنها تسعى للهيمنة على الحياة العامة.
وقال عصام خليل أحد المنظمين في حملة للجماعة "نرى أن شعبيتنا تراجعت قليلا. لكننا في سبيلنا لاستعادتها".
واضاف "لدينا مجموعة من النشطاء انتشروا بالشارع يقابلون الناس وينظمون اجتماعات ومسيرات ويعرضون فيديوهات في الساحات".
ويعتقد بعض المعلقين أن فرصة الجماعة ضئيلة بعدما طرحت مرشحا يقول كثيرون انه لا يتمتع بقبول يذكر خارج نطاق أعضاء الجماعة في وقت تكافح فيه الجماعة أيضا مفاهيم سلبية لدى جمهور الناخبين الأوسع.
ويواجه مرسي انتقادات تتهمه بالفظاظة وأحيانا بالافتقار إلى الرؤية الواضحة في خطاباته العامة كما وصف بأنه موظف في الإخوان أكثر منه شخصية ذات رؤية.
وتعتمد أحاديثه بكثافة على مرجعيات دينية تعكس مسوغاته المحافظة. لكنه فشل في كسب تأييد حزب النور السلفي الذي أيد منافسه ابو الفتوح.
واطلق خصوم المرشح محمد مرسي، عليه اسم "الاستبن" وهي كلمة عامية مصرية تعني الاطار الكاوتشوك الاحتياطي للسيارة، وجاءت هذه التسمية من اعلان الاخوان المسلمين عن طرحه في بداية الامر ك "مرشح احتياطي" اذا ما تم استبعاد المرشح الاصلي خيرت الشاطر نائب المرشد العام للجماعة لاسباب قانونية.
الجماعة تقول أنها ما زالت داخل السباق وستربحه. وأصبحت حملة مرسي بدرجة كبيرة جهدا جماعيا يبعث برسالة مفادها أن حركة تخوض هذه الانتخابات وليس مجرد فرد. وشعارها هو "نهضة مصرية بمرجعية إسلامية".
ويقول قادة الجماعة أن استطلاعات الرأي لا يمكن الوثوق فيها وان كثيرا من الناخبين لم يحسموا قرارهم حتى الآن.
وقال عصام العريان نائب رئيس حزب الحرية والعدالة المنبثق عن الجماعة على هامش تجمع حاشد لها في القاهرة ان الاراء تتغير من يوم لآخر.
بر الأمان
من الذين لا يؤيدون مرشح الجماعة من يؤكد مصر تحتاج رجلا عسكريا مثل شفيق يعرف مصر جيدا ويستطيع العمل مع القيادة العسكرية للابحار بهذه البلاد إلى بر الامان، ويذكر هؤلاء بأن الرجل شارك في حرب الاستنزاف ضد إسرائيل وأسقط لها طائرتين. كما أنه انقذ شركة مصر للطيران من الإفلاس وحولها إلى شركة رابحة".
وقال عبده مختار البالغ من العمر 36 عاما الذي يعمل في شركة للكهرباء قرب الجبل الاصفر لوكالة فرانس برس انه مقتنع بأن شفيق رجل المرحلة. وأضاف لقد كان رجلا عسكريا ورئيسا للوزراء ووزيرا. لا يمكن ان تسوء الأمور مع شفيق. هذا البلد بحاجة إلى رجل دولة وليس مبتدئا في السياسة".
ويشير ملاحظون إلى أن التجربة المريرة التي تمر بها تونس بعد إبعاد الرئيس بن علي عن السلطة وسيطرة حزب النهضة وأنصاره السلفيين، والفوضى القائمة في ليبيا وإنهيار كل الخدمات وإنتشار الفقر والفوضى وتبلور مخاطر تقسيم البلاد، والأزمة الدامية في سوريا وقبلها في اليمن، كانت من العوامل التي أثرت على الناخبين في عدة مناطق بالمنطقة ولإعادتهم النظر في مصداقية الأدبيات الدعائية التحريضية لصناعة ما سمي بالربيع العربي. وهكذا كانت النتيجة هزيمة ما يوصف بالقوى الإسلامية في انتخابات الجزائر التشريعية التي راقبتها منظمات دولية ولم تتمكن من الطعن في نزاهتها.
والأن يظهر أن الأمر إنتقل إلى مصر حيث بدأ الشعب يعيد النظر في مدى مصداقية تفاعله مع عمليات الدعاية المتقنة والمكلفة لشيطنة خصوم حركة الإخوان وتابعيها من أجل دفع أرض الكنانة إلى مربع عمليات مخطط الشرق الأوسط الكبير.
الأمر لا يتعلق بالدفاع عن أنظمة إرتكبت أخطاء فادحة ليس فقط تجاه مواطنيها بل تجاه الأمة العربية كلها عندما تسترت أو صمت أو تهاونت عندما تعرضت البوابة الشرقية للأمة العربية لأبشع الجرائم في التاريخ عندما غزاها الأمريكيون سنة 2003، ولكن الأمر هو أن خصوم هذه الأمة سعوا لنقل الأمة عبر تلاعبهم وركوبهم حركة التطور من مرحلة مرضية متوسطة الخطورة إلى نقلة مميتة يتصورون أنها ستشكل نهاية أمل 330 مليون عربي.
يقول محللون أنه لو جرت إنتخابات تشريعية في مصر في موعد الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، فإن ما كان سيصدم عند إحتساب الأصوات التي حصلت عليها الجماعة وبعملية حسابية قريبة من الدقة الأكثر صفاء على أساس توزيع مناطقي، هو أن الإخوان ما كانوا ليفوزوا بأكثر من 80 مقعدا في مجلس الشعب المصري وهي نفس الحصة التي كانت لهم خلال حكم الرئيس حسني مبارك.
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق