بقلم: د. عماد الدين الجبوري المرابط العراقي
ما جرى في منطقة "سيف سعد" بمحافظة كربلاء يوم الثلاثاء الموافق 1-7-2014 من هجوم عسكري بري وجوي عنيف لقوات
نوري المالكي ضد أتباع وأنصار المرجع العراقي العربي الشيعي سماحة السيد محمود الصرخي الحسني (1964-)، فبالقدر الذي يشكل إمتداداً دموياً لِما يفعله المالكي في العديد من المناطق بمحافظات: الأنبار ونينوى وديالى وصلاح الدين وبابل وغيرها، فإنها تشكل أيضاً إمتداداً جديداً إلى ثوار العراق الرافضين لحكومة الظل الإيرانية في بغداد.
إن مواقف السيد محمود الصرخي منذ قدوم قوات الإحتلال الأمريكية ودخولهم إلى بغداد في 9 نيسان/أبريل 2003، وإلى سيطرة التشيع الصفوي الإيراني التامة على مقاليد الدولة منذ العام 2005، كانت وما زالت ضمن ينابيعها الوطنية والعروبية التي تحتضن العراقيين بمختلف إنتماءآتهم الدينية والقومية والمذهبية، لذلك كان الصرخي محط هجوم دائم من أدران الإحتلالين الأمريكي والإيراني.
ومع إنطلاقة ثورة العشائر العربية ضد الجور والطغيان الذي يمارسه المالكي عبر قواته وميليشياته الطائفية، وما حققه الثوار في 10 حزيران/يونيو 2014 من تحرير لمحافظتي نينوى وصلاح الدين وللعديد من المناطق في محافظات الأنبار وديالى وكركوك، فإن المرجع الصرخي لم يتواني عن قول الحق في خطبه وأحاديثه، وربما تفنيده الصريح لفتوى السيستاني في "الجهاد الكفائي" من ناحية، وتأكيده "إن الظلم وقع على أهل السُّنة" من ناحية أخرى، قد دفعت بمرجعية النجف غير العراقية ولا العربية أن تعطي الضوء الأخضر للمالكي أن يشن هجومه الإجرامي الذي أرتفعت ضحاياه بغضون ثلاثة أيام إلى أكثر من 150 شهيداً وجريحاً ونحو 350 معتقلاً من العرب الشيعة التابعين للصرخي.
تناقضات الأسباب الرسمية
عندما أرسل نوري المالكي "قوات سوات" لضرب المرجع محمود الصرخي وأتباعه، إدعى إن الأخير يريد أن: يلفت النظر عما يحققه الجيش من إنتصارات في محافظة صلاح الدين ومحافظة نينوى! ورغم إن الوقائع وشهود العيان يؤكدون إن قوات المالكي لم تحقق على أرض الميدان غير الخسائر والتراجع، ولكن ما علاقة هذا الوضع العسكري بالهجوم الدموي على منطقة الصرخي تحديداً.
ولم تتبخر كلمات المالكي حتى جاء من حزبه "حزب الدعوة" محافظ كربلاء عقيل الطريحي ليعلن بمؤتمر صحفي مشترك في 3-7-2014 عن العثور على "معمل متطور للتفخيخ" في منزل الإرهابي محمود الصرخي، وإتهمه بالإتصال مع "دول أجنبية"، وإن أنصاره يستخدمون طريقة "داعش" في القتال. ومما أشار إليه إن "معلومات وردت للسلطة الأمنية في كربلاء عن وجود أكداس من الأسلحة بدأت تدخل إلى مكتب الصرخي، وبدء عناصر هذا المكتب بالظهور المسلح في المنطقة وعرقلة حركة المواطنين، وتهديد أمنهم بحجة تشكيل قوات لدعم الجيش ومقاتلة الإرهاب... وإن المعلومات الإستخبارية بينت وجود نوايا غير سليمة لهذه المجاميع في كربلاء".
تُرى هل الإعتماد على "وجود نوايا غير سليمة" كافية لقصف وإحراق منزل ومسجد ومكتب المرجع الصرخي؟ وأين القانون من قوات المالكي التي قتلت عمداً أتباع الصرخي بدوافع النوايا؟ ولماذا الآن يتم العثور على معمل تفخيخ السيارات وأكداس الأسلحة التي تتطلب زمناً يُفترض بأمن كربلاء إكتشافها؟ وما ذنب الأهالي وبيوتهم التي تدمرت؟
وفي طرف ثالث يتطرق أحد إعلاميي المالكي ليقول: إن بعض المعلومات الإستخبارية أشارت إلى أن الصرخي كان يتهيأ للإنقضاض على "العتبة الحسينية" لكي يسيطر عليها، ويقوم بتصفية بعض المراجع والمسؤولين بالمحافظة. دونما أن يوضح المزيد عن ماهية إقدام سماحة السيد الصرخي على تنفيذ هكذا خطة نهايتها الفشل الحتمي!
السبب الحقيقي
إن كثرة التناقضات الصادرة من أعضاء في "حزب الدعوة" الحاكم منذ ثمان سنوات ويسعى للبقاء في السلطة لأربعة سنوات قادمة، تنم عن تغطية مقصودة في إخفاء السبب الحقيقي الذي دفع إلى شن هجوم سريع وقاسي، سيما وإن المواجهة مع أتباع الصخري قد أنتشرت فوراً إلى عدة محافظات في الوسط والجنوب منها: النجف، القادسية، ذي قار، البصرة.
كما وإن التحايل بإختلاق الأكاذيب تثير الريبة أكثر، حيث تبنى الإعلام الرسمي خبراً مفاده إن عشيرة صرخة قد تبرأت من محمود الصرخي. بينما أصدر عميد عشيرة آل صرخة السيد حسين حميدي بياناً أعلن فيه إن كل ما تناولته وسائل الإعلام عار من الصحة، وإن العشيرة لم تتبرأ من المرجع الديني محمود الصرخي، مؤكداً إن ماتناقلته وسائل الإعلام عبارة عن أكذوبة. وطالب حميدي بتقديم إعتذار للعشيرة، مُشدداً على أن العشيرة ستقاضي كل وسائل الإعلام التي أساءت للعشيرة وللمرجع الصرخي.
إن السبب الحقيقي في محاربة المرجع العربي محمود الصرخي تعود إلى مواقفه ومبادئه الرافضة للسياسات الطائفية التي ينتهجها المالكي ضد الشعب العراقي، وكذلك إعتراضاته المستمرة عما يصدر من مراجع النجف سواء بسكوتهم عن مواجهة قوات الإحتلال الأمريكي سابقاً، أو في التأييد المتوالي لحكومات الإحتلال التي لم يجني منها العراقيون غير التخلف والتقهقر في كافة المجالات والميادين الخدمية والطبية والعلمية والصناعية والزراعية الخ. ناهيك بذكر الفساد المالي والإداري المستشري في عموم مفاصل الدولة، والتدني الأمني الذي وصل حالة الإفتقاد، وعودة الميليشات الطائفية بالقتل على الهوية جهاراً نهاراً.
ولعل سماحة السيد محمود الصرخي كونه المرجع العربي الوحيد الذي تصدى علناً إلى فتوى السيستاني المتعلقة بالجهاد الكفائي الذي يدعو فيها إلى الإقتتال الداخلي بحجة محاربة "داعش". وفي خطبة الجمعة بتاريخ 4-7-2014، أشار الصرخي قائلاً: أقسم بالله العلي العظيم إنني مستعد أن أحمل السلاح وأن أذهب لمقاتلة "داعش" شريطة أن يدلني صاحب الفتوى على مكانهم ولو كانوا 10%. وبما إنهم أختلطوا مع الناس، لذا لا يجوز الإفتاء بالقتل.
ولكي لا يتفاقم أكثر دور وأهمية المرجع الصرخي تجاه فتوى السيستاني دينياً، وأن لا يزداد أتباعه عدداً وعدةً بمواجهة قوات المالكي عسكرياً، لذا تم التخطيط على مواجهته بقوة برية وجوية بغية القضاء عليه وعلى مؤيديه بشكل جذري. ولقد تزامن الهجوم الحكومي مع إصدار السلطات العراقية مذكرة إعتقال بحق الصرخي.
ورغم إن هذا الهجوم البربري يًعدّ سابقة خطيرة وخطيرة جداً، حيث لم يحدث أن تعرض مرجعاً شيعياً على الإطلاق لهكذا مواجهة دامية في التاريخ السياسي العراقي، خصوصاً وإن الذين أدعوا "مظلومية الشيعة" عبر التاريخ، هم مَنْ يحكمون الآن.
لقد نجى الله تعالى سماحة السيد محمود الصرخي من القتل ومن الإعتقال، مما يعني إن نبراس الثورة مستمر التوهج حتى يحقق أهل العراق الأصلاء هدفهم بالقضاء على إمعات الإحتلالين الأمريكي والإيراني؛ ومثلما تمكنوا من طرد القوات الأمريكية المحتلة، فإنهم قادرون كل الإقتدار على تكملة المشوار التحرري بطرد الصفويين الجُدد والقضاء على مشروعهم الطائفي العنصري، وإن تباشير الغد قد لاحت بعون الله.
مركز المزماة للدراسات والبحوث
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق