جاسم الشمري
قدر العراق أن يُنحر أبناؤه في مقاصل يومية، وجماعية، وهذا الإجرام في الساحة العراقية لم يكن من أجنبي محتل، ولا من صائل حاقد، بل هو من أُناس يحملون جنسيتنا، ويتكلمون بلغتنا، ويدعون حب عراقنا، وهذا لعمري هو ابتلاء مركب، يحتاج علاجه لمزيد من الحكمة والصبر والشجاعة.
العراق اليوم هو على شفا حافة مهلكة، تحمل في طياتها العديد من الاحتمالات المخيفة، وربما ستقود البلاد إلى متاهات، ومتاهات قاتلة، وربما لا يمكن الفرار منها بسهولة، إلا أن تتدارك العناية الإلهية هذا البلد، الذي يتناسى العالم مصيبته.
هذه الاحتمالات المخيفة جاءت بسبب السياسات الطائفية المقيتة، التي نحرت نصف الشعب، من أجل رفع ونصرة هذا التجمع (حزب، كيان، طائفة)، أو ذاك، والحق أنها سياسات انتقائية، لم تقدم إلا الشر للعراق والعراقيين.
وللعراقيين على مدى العصور القريبة والبعيدة علاقة واضحة مع الجماجم أو القتل الجماعي، ومن ذلك ما عرف بـ(دير الجماجم)، وهي منطقة تقع بين البصرة والكوفة، وكانت ضمن سلطات والي العراق الحجاج بن يوسف الثقفي.
وتذكر كتب التاريخ أن خلافاً وقع بين الحجاج، وأحد كبار قادته، وهو عبد الرحمن الأشعث الكندي، وبسبب هذا الخلاف خرج ابن الأشعث على الحجاج، وأعلن عصيانه سنة (82)هـ، والتف إليه أهل العراق، الراغبين بالتخلص من استبداد الحجاج، إلا أن الحجاج - وبعد سلسلة من المعارك الضارية، التي قتل فيها عشرات الآلاف من الطرفين - هزم ابن الأشعث، وقتله سنة (83)هـ.
وهكذا الأمر على مر العهود، بدءاً من الغزو المغولي لبغداد، وانتهاءً بالاحتلال الأمريكي للعراق، وخلال هذه العهود المظلمة كانت الجماجم هي المشهد السائد في عموم البلاد.
في يوم 1/7/2014، كنت أتابع ندوة حوارية على قناة العراقية التابعة لرئيس حكومة المنطقة الخضراء نوري المالكي، وكان من بين المتحدثين أحد أعضاء دولة القانون، الذي قال إن (مرشحنا الوحيد لرئاسة الوزراء هو السيد المالكي، لأنه رجل محبوب، ولديه مقبولية لدى الكثيرين داخل العراق وخارجه، وهو باني صرح الدولة العراقية)!
ولا نعرف عن أي مالكي يتحدث؟! وهل المالكي الذي نعرفه، غير المالكي الذي يعرفه عضو دولة القانون؟!
فنحن نعرف المالكي الذي زرع الطائفية على مدى ثمان سنوات، واليوم يحصد العراقيون هذا (الثمر) الخبيث، الذي نشاهد آثاره في حروب حكومية لا رابح فيها إلا أعداء العراق، والخسائر البشرية والمادية فيها لا يمكن حصرها بسهولة، لأن حكومة المالكي (المحبوب) قررت ضرب العراقيين بكل ما تملك من نيران أرضية وجوية، ظناً منها أنها قادرة على كسر شوكة الثوار، الذين قرروا تدمير حاجز الصبر، وعدم القبول ثانية بالذل والهوان، والاستخفاف بالكرامة الإنسانية.
وأنا لا أريد أن أعلق كثيراً على كلام النائب عن دولة القانون، بل سأكتفي بذكر بعض الحقائق المخيفة من المشهد العراقي، وخلال الشهر السابق (حزيران) فقط، لنعرف بعدها كم هي حجم الكارثة، التي لحقت بالعراقيين.
في يوم الثلاثاء 1/7/2014، أكدت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، أن شهر حزيران كان الأكثر ضحايا ودموية في صفوف المدنيين في عام 2014، مبينة مقتل، (2417) شخصاً وإصابة (2287) آخرين باستثناء محافظة الأنبار.
ولفت البيان أنه (وفقاً للمعلومات التي حصلت عليها البعثة من دائرة صحة الأنبار، فأن مجموع الخسائر بين المدنيين في الانبار لغاية يوم 29 حزيران، (وصل إلى (244) قتيلاً و(588) جريحاً، مع (91) قتيلاً و(268) جريحاً في الرمادي و (124) قتيلاً و (224) جريحاً في الفلوجة، و(29) قتيلاً و(96) جريحا في القائم).
مع كل هذه الإحصائيات نجد أن الحكومة لم تحرك ساكناً، بل ما يحدث يزيدها إصراراً على قتل المزيد، وهذا يثبت حقدها على الشعب، المُبتلى بها وبغيرها.
وهكذا يستمر العراقيون بدفن قتلاهم بصمت، وهم يعلمون أنهم يعيشون في عصر الجماجم، والفتن، والديمقراطية المزيفة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق