ماذا عن مفاوضة «داعش»؟
هيفاء زنكنة
بجرأة كبيرة ، قال معظَّم بيك ، في مقابلة أجرتها هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، يوم 9 تشرين الأول/أكتوبر الحالي، بأن الحل لتواجد تنظيم داعش سيكون من خلال التفاوض معه. ووصفي لجرأة معظم بيك ليست عبثا. فالرجل كان أحد سجناء معتقل غوانتانامو الأمريكي الرهيب ، الذي نقل اليه المعتقلون بتهمة الارهاب ، وكلهم من المسلمين، من جميع انحاء العالم، بالاتفاق مع الحكومات المحلية التابعة لسياسة « الحرب على الارهاب» الامريكية، مقابل مكافآت مالية باذخة للسياسيين والعسكريين وامراء الحرب. وقد قضى معظم بيك مدة ثلاث سنوات في المعتقل بدون محاكمة ، وأخضع مع بقية المعتقلين الى أبشع انواع التعذيب الجسدي والعقلي. يصفها الكاتب المصري أحمد زيدان في رواية « غوانتانامو» ، بلسان بطل الرواية المسلم المتهم بالارهاب، متسائلا عما اذا كانت هناك معاملة لما هو أدنى من الحيوان.
وكان معظم بيك قد أسس منظمة حقوقية بعد اطلاق سراحه للدفاع عن الأسرى «المنسيين» في غوانتانامو والسجون السرية الأخرى مثل المغرب والأردن ومن اختفوا في دول مثل ليبيا ومصر وسوريا. الا ان السلطات البريطانية أعادت اعتقاله، بداية العام الحالي، بتهمة الاشتباه بتسهيل « الأرهاب» بالخارج الى ان أطلقت الشرطة سراحه، منذ ايام، لعدم ثبوت التهمة عليه. وكان أول نشاط عام له هو اجراء المقابلة مع البي بي سي ليتحدث عن تهمة « الارهاب» التي تلاحقه وعن رأيه الصريح حول تنظيم داعش الذي تعتبر أمريكا وحلفاؤها كل من لاينضم اليها لمحاربته، ارهابيا . فجاء تصريحه تحديا جريئا لصوت القطيع الكوني الذي شكلته أمريكا، مع حلفائها، مستنسخة قول الرئيس الامريكي السابق جورج بوش:» اما ان تكون معنا أو ضدنا». هذا هو موقف الحكومات التابعة، التي نادرا ما تمثّل الشعوب ، في ارجاء بلداننا على الأقل. فما هو موقف الشعوب؟
من الصعب التعميم ، الا ان الاعتقاد السائد بين معظم العراقيين ، وتشير الكتابات الى انتشارها بين العرب والمسلمين أيضا، هو ان داعش صنيعة أمريكا والغرب ليسود الشقاق والفتنة بين ابناء الشعب. يوافقهم في ذلك الصحافي المعروف جون بيلجر الذي كتب، أخيرا، واصفا ماتفعله أمريكا بأنه الحرب السابعة ضد المسلمين. واذا ما أعترض أحد على التعميم بمصدر الصناعة ، فأن الاعتراض قائم على درجة التدخل في التصنيع ومصدر التصنيع الرئيسي. اذ تعامل داعش كما هي البضائع والمنتجات المطروحة في الاسواق العالمية اليوم. فأما ان تكون مصنعة في بلد واحد وبالتالي يتم ذكر البلد المصنع كمصدر وحيد او تكون البضاعة نتاج عدة بلدان أو شركات مؤسسة في عدة بلدان، في آن واحد، ويتم ذكر ذلك على العلبة او البضاعة ايا كانت طبيعتها.
مشكلة النظر الى داعش كصناعة غامضة الأصل يتركها ، كمنتوج، خاضعة للتفسيرات والتأويلات. فمن ينتمي الى العالم العربي والأسلامي ، ولنتقبل التعميمات على قصورها، يراها كصناعة أمريكية بحتة تستهدف الأمة العربية لغرض التقسيم وفق خريطة سايكس بيكو جديدة ، أو كونها تستهدف المسلمين والأسلام عموما. وإذا سألنا عن فهم مبررات إستهداف الإسلام، فهي أما باعتباره عدوا إعتباطيا تحتاجه أمريكا كبديل للشيوعية، التي تم تدجينها وتحويلها من نمر قوي الى قط بيتي يعيش على الفتات، أو كأستمرارية للحرب الصليبية، العريقة، ذاتها باياد سرية. هذه التحليلات ، لا تشير الى اختلاف جوهري في فهم طبيعة داعش بل أنها تشكل مستويات عدة ، لاتناقض بينها، في مجمل النظر الى اشكالية نشوء وتنامي قوة داعش، وان كانت قد أهملت جانبا أساسيا آخر وهو ان بعض المواد الاولية التي دخلت في تصنيع بضاعة داعش هي مواد انسانية وإجتماعية محلية بحتة. ما أعنيه بالمواد الأولية هم أعضاء التنظيم أنفسهم ، المجنّدون او المنضمّون باختيارهم الى داعش من البلدان التي ينشط فيها التنظيم واهمها العراق وسوريا. فلأنضمام الأفراد ، وكلهم من الشباب تقريبا، أسباب مفهومة عدة، من بينها ، خاصة بالنسبة الىالعراق: الإنتقام، البطالة ، الظلم والإذلال، التهميش السياسي والاقتصادي، الاحباط واليأس من وجود بديل، خواء الحياة اليومية ، والتحول الى الأيمان بتحقيق الأحلام والطموحات في فردوس العالم الآخر. ان تجاهل هذه الاسباب والأكتفاء بالقول أما ان داعش صناعة أجنبية أو انها ، كما يردد بعض «العلمانيين»، اسلامية ( سنية) ، بالاضافة الى وجهات النظر الأحادية الأخرى، سيؤدي الى مد تنظيم داعش، وغيره، بأكسير الحياة وتوفير الاستمرارية له، وان باسماء أخرى.
وكما تدل تصريحات مسؤولي الادارة الامريكية فان مفهوم الاستمرارية لديها يماثل مفهوم داعش وانواع الحركات المتشددة الأخرى عن حتمية استمرارية الصراع . اذ يؤكد وزير الدفاع الأمريكي تشاك هاغل إن المعركة ضد تنظيم الدولة الاسلامية عملية طويلة الأمد. مما يعني تهيئة الاجواء لاتخاذ خطوات عسكرية تتجاوز القصف الجوي الى ما هو أبعد زمنيا ومكانيا. كما ان اتهام الاصوات المناوئة للسياسة الامريكية « الكونية» بتهمة الارهاب الجاهزة، ومعاقبتها وفقا لذلك، لا يقل ترويعا وارهابا عمن يشهر سلاح التكفير في وجه من يقف أمامه.
ان ارتفاع الاصوات المشككة بصحة الحملات الاعلامية، عربية كانت أو أجنبية، المبررة للسياسة الامريكية تحت ذريعة «المساعدة الانسانية» والاستشارة والتدريب، يشير الى تصدع جدار الخدع الامبريالية القديمة قدم الأستعمار، وان الادعاء بحماية الشعوب وتوزيع هبة الديمقراطية وحقوق الأنسان، لم يعد ينطلي على عموم الشعوب. وفي اجواء الهستيريا الكونية حول داعش، التي غطت على كل الجرائم المرتكبة الأخرى ، مهما كانت جسيمة بحق الشعوب، كما هي جرائم النظام الصهيوني ضد غزة وعموم الشعب الفلسطيني، نجد ان الرابحين الوحيدين هم صناع وتجار السلاح والساسة الفاسدين المتبارزين فيما بينهم لنهب شعوبهم. ان دعوة معظم بيك الشجاعة للحوار مع داعش ، يجب ان تفهم بمضمونها الصحيح. أنها لا تختلف، الا بالدرجة، عمّا فعلته الإمبراطوريات السابقة والدول العنصرية بالتفاوض مع «إرهابييها» سواء كانوا من الجيش الجمهوري الإيرلندي أو المؤتمرالوطني الأفريقي، ومع حركة الماو ماو الكينية التي أتهمها الإحتلال البريطاني بشتى البشاعات قبل التفاوض معها. وهو ما تفعله أمريكا اليوم بالتفاوض مع حركة طالبان الأفغانية وإطلاق إشارات نحو التفاوض معالقاعدة. أن رفض التفاوض مع «الإرهابيين» موقف سياسي قابل للاستبدال والتلون وفق مصلحة النظام الحاكم، خاصة وان معظم الدول التي تدعي محاربة الارهاب هي ذاتها تمارس الارهاب وان باشكال مختلفة. أن الدعوة للنظر في جذور نشوء الارهاب وايجاد السبل لأنهائه خطوة نحو ايجاد حل حقيقي لما تعانيه بلداننا، وأن نضع حدا لأزدواجية المعايير التي أذاقت الشعوب حربا بعد حرب، منذ انتهاء الحرب الباردة وتحويل الاسلام الى عدو لاعلاج له غير الاستئصال.
وكان معظم بيك قد أسس منظمة حقوقية بعد اطلاق سراحه للدفاع عن الأسرى «المنسيين» في غوانتانامو والسجون السرية الأخرى مثل المغرب والأردن ومن اختفوا في دول مثل ليبيا ومصر وسوريا. الا ان السلطات البريطانية أعادت اعتقاله، بداية العام الحالي، بتهمة الاشتباه بتسهيل « الأرهاب» بالخارج الى ان أطلقت الشرطة سراحه، منذ ايام، لعدم ثبوت التهمة عليه. وكان أول نشاط عام له هو اجراء المقابلة مع البي بي سي ليتحدث عن تهمة « الارهاب» التي تلاحقه وعن رأيه الصريح حول تنظيم داعش الذي تعتبر أمريكا وحلفاؤها كل من لاينضم اليها لمحاربته، ارهابيا . فجاء تصريحه تحديا جريئا لصوت القطيع الكوني الذي شكلته أمريكا، مع حلفائها، مستنسخة قول الرئيس الامريكي السابق جورج بوش:» اما ان تكون معنا أو ضدنا». هذا هو موقف الحكومات التابعة، التي نادرا ما تمثّل الشعوب ، في ارجاء بلداننا على الأقل. فما هو موقف الشعوب؟
من الصعب التعميم ، الا ان الاعتقاد السائد بين معظم العراقيين ، وتشير الكتابات الى انتشارها بين العرب والمسلمين أيضا، هو ان داعش صنيعة أمريكا والغرب ليسود الشقاق والفتنة بين ابناء الشعب. يوافقهم في ذلك الصحافي المعروف جون بيلجر الذي كتب، أخيرا، واصفا ماتفعله أمريكا بأنه الحرب السابعة ضد المسلمين. واذا ما أعترض أحد على التعميم بمصدر الصناعة ، فأن الاعتراض قائم على درجة التدخل في التصنيع ومصدر التصنيع الرئيسي. اذ تعامل داعش كما هي البضائع والمنتجات المطروحة في الاسواق العالمية اليوم. فأما ان تكون مصنعة في بلد واحد وبالتالي يتم ذكر البلد المصنع كمصدر وحيد او تكون البضاعة نتاج عدة بلدان أو شركات مؤسسة في عدة بلدان، في آن واحد، ويتم ذكر ذلك على العلبة او البضاعة ايا كانت طبيعتها.
مشكلة النظر الى داعش كصناعة غامضة الأصل يتركها ، كمنتوج، خاضعة للتفسيرات والتأويلات. فمن ينتمي الى العالم العربي والأسلامي ، ولنتقبل التعميمات على قصورها، يراها كصناعة أمريكية بحتة تستهدف الأمة العربية لغرض التقسيم وفق خريطة سايكس بيكو جديدة ، أو كونها تستهدف المسلمين والأسلام عموما. وإذا سألنا عن فهم مبررات إستهداف الإسلام، فهي أما باعتباره عدوا إعتباطيا تحتاجه أمريكا كبديل للشيوعية، التي تم تدجينها وتحويلها من نمر قوي الى قط بيتي يعيش على الفتات، أو كأستمرارية للحرب الصليبية، العريقة، ذاتها باياد سرية. هذه التحليلات ، لا تشير الى اختلاف جوهري في فهم طبيعة داعش بل أنها تشكل مستويات عدة ، لاتناقض بينها، في مجمل النظر الى اشكالية نشوء وتنامي قوة داعش، وان كانت قد أهملت جانبا أساسيا آخر وهو ان بعض المواد الاولية التي دخلت في تصنيع بضاعة داعش هي مواد انسانية وإجتماعية محلية بحتة. ما أعنيه بالمواد الأولية هم أعضاء التنظيم أنفسهم ، المجنّدون او المنضمّون باختيارهم الى داعش من البلدان التي ينشط فيها التنظيم واهمها العراق وسوريا. فلأنضمام الأفراد ، وكلهم من الشباب تقريبا، أسباب مفهومة عدة، من بينها ، خاصة بالنسبة الىالعراق: الإنتقام، البطالة ، الظلم والإذلال، التهميش السياسي والاقتصادي، الاحباط واليأس من وجود بديل، خواء الحياة اليومية ، والتحول الى الأيمان بتحقيق الأحلام والطموحات في فردوس العالم الآخر. ان تجاهل هذه الاسباب والأكتفاء بالقول أما ان داعش صناعة أجنبية أو انها ، كما يردد بعض «العلمانيين»، اسلامية ( سنية) ، بالاضافة الى وجهات النظر الأحادية الأخرى، سيؤدي الى مد تنظيم داعش، وغيره، بأكسير الحياة وتوفير الاستمرارية له، وان باسماء أخرى.
وكما تدل تصريحات مسؤولي الادارة الامريكية فان مفهوم الاستمرارية لديها يماثل مفهوم داعش وانواع الحركات المتشددة الأخرى عن حتمية استمرارية الصراع . اذ يؤكد وزير الدفاع الأمريكي تشاك هاغل إن المعركة ضد تنظيم الدولة الاسلامية عملية طويلة الأمد. مما يعني تهيئة الاجواء لاتخاذ خطوات عسكرية تتجاوز القصف الجوي الى ما هو أبعد زمنيا ومكانيا. كما ان اتهام الاصوات المناوئة للسياسة الامريكية « الكونية» بتهمة الارهاب الجاهزة، ومعاقبتها وفقا لذلك، لا يقل ترويعا وارهابا عمن يشهر سلاح التكفير في وجه من يقف أمامه.
ان ارتفاع الاصوات المشككة بصحة الحملات الاعلامية، عربية كانت أو أجنبية، المبررة للسياسة الامريكية تحت ذريعة «المساعدة الانسانية» والاستشارة والتدريب، يشير الى تصدع جدار الخدع الامبريالية القديمة قدم الأستعمار، وان الادعاء بحماية الشعوب وتوزيع هبة الديمقراطية وحقوق الأنسان، لم يعد ينطلي على عموم الشعوب. وفي اجواء الهستيريا الكونية حول داعش، التي غطت على كل الجرائم المرتكبة الأخرى ، مهما كانت جسيمة بحق الشعوب، كما هي جرائم النظام الصهيوني ضد غزة وعموم الشعب الفلسطيني، نجد ان الرابحين الوحيدين هم صناع وتجار السلاح والساسة الفاسدين المتبارزين فيما بينهم لنهب شعوبهم. ان دعوة معظم بيك الشجاعة للحوار مع داعش ، يجب ان تفهم بمضمونها الصحيح. أنها لا تختلف، الا بالدرجة، عمّا فعلته الإمبراطوريات السابقة والدول العنصرية بالتفاوض مع «إرهابييها» سواء كانوا من الجيش الجمهوري الإيرلندي أو المؤتمرالوطني الأفريقي، ومع حركة الماو ماو الكينية التي أتهمها الإحتلال البريطاني بشتى البشاعات قبل التفاوض معها. وهو ما تفعله أمريكا اليوم بالتفاوض مع حركة طالبان الأفغانية وإطلاق إشارات نحو التفاوض معالقاعدة. أن رفض التفاوض مع «الإرهابيين» موقف سياسي قابل للاستبدال والتلون وفق مصلحة النظام الحاكم، خاصة وان معظم الدول التي تدعي محاربة الارهاب هي ذاتها تمارس الارهاب وان باشكال مختلفة. أن الدعوة للنظر في جذور نشوء الارهاب وايجاد السبل لأنهائه خطوة نحو ايجاد حل حقيقي لما تعانيه بلداننا، وأن نضع حدا لأزدواجية المعايير التي أذاقت الشعوب حربا بعد حرب، منذ انتهاء الحرب الباردة وتحويل الاسلام الى عدو لاعلاج له غير الاستئصال.
٭ كاتبة من العراق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق