يقول المؤرخ العربي تيسير خلف «قد يكون العرب هم الأمة الوحيدة التي تُدَرّس تاريخها لأبنائها كما كتبه أعداؤها القوميون والعقائديون. فالحقبة التي تسمى الجاهلية، هي تاريخ العرب ما قبل الرسالة المحمدية، والحقبة التي تسمى صدر الإسلام، أي سيرة الرسول الكريم والخلافة الراشدة والدولة الأموية، كُتبت كلها وصيغت بناءً على الصورة التي كرّستها مؤلفات الإخباريين الفرس المسلمين القائمة على فكرة التفوق الحضاري الفارسي مقابل البربرية العربية الموصومة بالبداوة والسلب والنهب». ويؤكد مؤرخنا أيضاً أن ما سلف هو الصورة التي انعكست في مؤلفات المستشرقين الغربيين خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر «ولا تزال مستمرة لدى الكثير من الأوساط البحثية في الغرب، بالإضافة إلى تعميم الرؤية العباسية الفارسية لحقيقة الصراع على السلطة منذ حادثة سقيفة بني ساعدة وصولاً إلى سقوط الحكم الأموي في الشام، وهي الرؤية التي تبناها المؤرخون اللاحقون في العصرين الأيوبي والمملوكي، وهي عموماً رؤية تتفق بشكل أساسي مع الأيديولوجيا الشيعية حول تلك العصور...» («جذور المواقف الفارسية المعادية للعرب»، مجلة «الجديد»، العدد 3 إبريل نيسان 2015،aljadeedmagazine.com).
وتأكيداً لصحة ما سبق، يؤكد المؤرخ العربي الراحل الدكتور أحمد سوسة التزوير الذي حصل في تاريخ العرب والادعاءات التي تُبنى على أكاذيب تاريخية، وعلى سبيل المثال وليس الحصر، فيما يخص تسمية الشعوب «السامية» بأنها «أطلقت على شعوب تزعم أنها انحدرت من صلب سام بن نوح، وكان أول من أطلقها بهذا المعنى العالم النمساوي اليهودي شلوتزر عام 1781م، فشاعت منذ ذلك الحين وأصبحت عند علماء الغرب علَماً لهذه المجموعة من الشعوب، وسرت إلى المؤرخين العرب وباحثيهم بطريق الاقتباس والتقليد، على الرغم من أن هذه التسمية لا تستند إلى واقع تاريخي أو إلى أسس علمية عنصرية صحيحة أو وجهة نظر لغوية. لذلك يرى بعض الاختصاصيين وجوب تسمية هذه الأقوام بالأقوام العربية لتشمل كل من سكن الجزيرة العربية وهاجر منها؛ لأن العرب والساميين شيء واحد» («حضارة العرب ومراحل تطورها عبر العصور»، 1979، ص 18). (ملاحظة: الدكتور أحمد سوسة مؤرخ عراقي مسلم، من أصول يهودية، ويعد من المؤرخين العرب القلائل الذين رصدوا ودونوا التاريخ العربي على أسس علمية).
وبعيداً عن النقاش في أسباب الواقع المؤلم لحركة تدوين التاريخ العربي، الذي لخصه مؤرخونا القلائل في مؤلفاتهم القليلة، فنالهم الإهمال والتهميش الأكاديمي والإعلامي، كما همّشتهم مناهجنا التعليمية في كل الوطن العربي، بفعل فاعل، فإن ما يؤكد مدى خطورة الأمر هو فداحة تأثير الصورة المزيفة والمشوهة عن تاريخ العرب في هزيمة الإنسان العربي من الداخل، وهي هزيمة تراكمت وحفرت في عقله حتى بات هو مصدَراً لتلك الادعاءات وناقلاً لها ومدافعاً عنها.
إن تاريخنا الذي تم تزييفه، والذي لم نكتبه نحن، وكتبه الآخرون عنا لأهداف عقائدية شعوبية «عدوانية»، يعد اليوم مصدراً رئيسياً من مصادر الإقناع بدموية الإسلام وإرهابية العرب. وهذا التاريخ الذي تعاملت معه السياسات التعليمية في بلداننا بجهل تام، اقتبسه الآباء عن الأجداد حتى بات أبناؤنا ومثقفونا وإعلامنا أخطر من يتداوله من دون استدراك... بل وصار الآخرون يصيغون صراعاتهم الجديدة في بلداننا اليوم بذريعة «دموية الإسلام العربي» المزعومة، وإجبارنا على الاقتناع بتلك الادعاءات.
يذكر تاريخ الحركات الإسلامية أنه ما من حركة دموية انتحارية كانت في الإسلام كحركة «الحشاشين»، التي ظهرت ما بين القرنين 11 و13 الميلاديين في بلاد فارس بقيادة مؤسسها المعروف باسم حسن الصباح، (حسن بن على بن محمد الصباح الحميري، ولد عام 1037م في «قم»، حيث نشأ في بيئة شيعية ثم انتقلت عائلته إلى الري مركز نشاطات طائفة الإسماعيلية فاتخذ الطريقة الاسماعيلية الفاطمية وعمره 17 سنة، ومات عام 1124م في قلعة «ألَموت»، التي تحصّن فيها مع جماعته «الحشاشين» لمدة 35 عاماً، وانطلق منها الفدائيون «الانتحاريين» لتنفيذ مهماتهم، وتقع هذه القلعة في قمة جبال «الديلم» الفارسية «6900 قدم فوق سطح الأرض» وتبعد 100 كيلومتر عن العاصمة الإيرانية طهران «ويكيبيديا»).
حركة الحشاشين لم تكن حركة عربية، وتؤكد المصادر التاريخية أن الفيلسوف المؤسس والمُنَظِر لهذه الحركة كان المعروف باسم «الخواجة نصير الدين الطوسي»، الذي قاد هولاكو عبر جبال فارس لغزو بغداد وإسقاط الخلافة العباسية، وأمر بقتل العلماء والأدباء العرب، ورمي كل كتب العلم والتراث الفكري العربي، التي كانت تزخر بها مكتبات بغداد العباسية، في نهر دجلة، ولكثرتها وصف حينها بأن لون مياه النهر انقلب إلى لون الحبر الاسود. وهذا الرجل الذي عمل ضد العرب بدافع الكراهية العقائدية هو من مواليد مدينة طوس في خراسان بشمال شرق إيران عام 597هـ، وتوفي عام 672هـ في بغداد التي حكمها مع المغول.
كان لحركة الحشاشين التي تأسست في ايران عام 1081م استراتيجية عقائدية وقتالية دموية خاصة بها، تختلف عما كان سائداً في ذلك العصر، ولكنها مشابهة كثيراً لاستراتيجيات الحركات الإرهابية الجديدة التي نشاهدها اليوم في العالم الافتراضي، على شاشات الفضائيات ووسائل الإعلام والتكنولوجيا الحديثة، بالصوت والصورة والموسيقى الإيقاعية، وفي عمليات التفجير الانتحارية، حتى تكاد أن تكون نسخة طبق الأصل، أو أنها عودة الحشاشين الجدد. هذه الحركات الارهابية المنسوبة إلى الإسلام العربي، تعيث اليوم في المنطقة العربية رعباً وقتلاً وتدميراً وفوضى تحت راية إسلام «القاعدة» حيناً وإسلام «داعش» أحياناً أخرى (والقادم راية «مجموعة خراسان» المتداولة في الإعلام مؤخراً).
«الحشاشين» كانت حركة عقائدية طائفية تدعو إلى المذهب الإسماعيلي النزاري، شبيهة بطائفية الإرهاب الجديد، كانت تستهدف الخلافة العباسية (العربية) والدول والسلطنات التابعة لها، كما يستهدف الإرهاب الجديد إسقاط دولنا العربية فقط.
«الحشاشين» كانت حركة باطنية، لم يتمكن الآخرون من معرفة تنظيمها ومعتقداتها، وأتباعها، رغم اختراقها لمؤسسات الدولة، كما نجهل اليوم ماهية المنظمات الإرهابية الجديدة التي تخترق بلداننا.
كان «للحشاشين» استراتيجية عسكرية تعتمد الاغتيال والقتل، مع تفادي الخوض في المعارك التقليدية، شبيهة باستراتيجية الاغتيال والقتل التي يتبعها الإرهاب الجديد من دون الدخول في معارك تقليدية.
اعتمدت حركة «الحشاشين» على فرقة «الفدائيين» (الانتحاريين)، الذين لا يأبهون بالموت في سبيل تحقيق اهدافهم، كما يعتمد الإرهاب الجديد على الانتحاريين والأحزمة الناسفة لزعزعة استقرار الدولة ونشر الفوضى.
تحصّن «الحشاشون» في قمم الجبال الوعرة للإفلات من الملاحقة، فتمكنوا من البقاء والاستمرار لأكثر من قرنين، وصاروا يشكلون أسطورة تلقي الرعب في نفوس أعدائها، كما يتحصن الإرهاب الجديد في الصحاري الشاسعة التي لا بوصلة لها ولا اتجاه (بحسب الاعلام)، حتى باتت منيعة ضد الضربات والغارات الجوية والملاحقة، وتبث الرعب في قلوب أعدائها.
إن الإرهاب الجديد المرعب والمبهم، يعد عنصراً رئيساً في الحرب المذهبية الإقليمية التي تخوضها المنطقة العربية «بالإكراه» خلال العقدين الأخيرين (الجيل الرابع من الحروب). وإن هذه القوة الإرهابية المبهمة، التي يُراد إيهامنا بأنها لا تُقهر، تستهدف إسقاط الدول العربية بالفوضى والتآكل وعدم الاستقرار، حيث تواجه جيوشا نظامية عظمى، التي تدك بقنابلها مدنا عربية في مئات الغارات الجوية يومياً، من دون أن نسمع عن الآثار الجانبية لهذه الغارات، بدعوى الحرب على الارهاب... وبعد مرور ما يقرب من عام على هذه الغارات صار ارهاب (الحشاشين الجدد) اكثر قوة ومناعة وانتشاراً وتوسعاً، حتى وصلت إلى عواصم عربية بعيدة... فهل يا ترى سنشهد ايضاً توسعاً في مجال هذه الغارات؟؟؟
إنها حرب إقليمية طائفية بالوكالة، هدفها رسم حدود جديدة داخل بلداننا، فهل دولنا نفسها التي تدفع باتجاه قتل ذاتها، كما يراد اقناعنا؟؟!!
إنها حرب إبادة وبصلاحيات قتل أكبر عدد من سكان المنطقة... حرب متوحشة لإجبار العرب وإقناعهم بضرورة تقسيم بلدانهم... إنه الارهاب لتنفيذ استحقاقات الخريطة الجديدة الأكثر تشويهاً وضعفاً للمنطقة.
وبمنظور التاريخ المزيف يراد إجبارنا على الاقتناع بأننا شعوب متوحشة دموية، وأننا نقوم بقتل وإرهاب أنفسنا، وأن كل الأديان التي نزلت في هذه البقعة من العالم لم ترق حتى لتحويلنا إلى بشر أسوياء؟؟
اخبار الخليج 23/7/2015
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق