بعد هجمات باريس، أعلنت الدول الغربية كلها انها ستخوض حربا شرسة لا هوادة فيها ضد الإرهاب، وتصور نفسها كما لو كانت هي التي سوف تخلص البشرية من هذا الخطرالارهابي.
وبغض النظر عن مدى جدية الغرب فعلا في محاربة الارهاب، وما اذا كان يريد حقا القضاء عليه في المنطقة العربية ام لا -وهو حتما لا يريد- فان هذه الضجة في الغرب هي ضجة فارغة لسببين جوهريين:
الأول: انه كما كتبت قبل ايام، فان الدول الغربية لا يمكن ان تكون جادة حقا في محاربة الارهاب الا اذا اعترفت بمسئوليتها عن هذا الارهاب، أي اذا اعترفت بان سياساتها وما فعلته بالدول العربية هو الذي اوجد هذا الخطر الارهابي وفاقمه، واذا توقفت عن اعتبار ان الاسلام والدول العربية،والسنية تحديدا، هي مصدر الارهاب.
والثاني: ان العالم كله يعلم ان الدول الغربية هي اكبر من مارس الارهاب في العالم. في حقيقة الأمر ان الارهاب الذي تمارسه الجماعات الارهابية يعتبر بمثابة لعب اطفال مقارنة بالارهاب الذي مارسه الغرب في منطقتنا العربية. الارهاب الغربي دمر دولا ومجتمعات بأسرها ويهدد المنطقة كلها بالدمار.
نقول هذا بمناسبة تحليل في غاية الأهمية عن هذه القضية بالذات.. عن الجرائم والارهاب الذي مارسه الغرب في المنطقة العربية والعالم، نشر بعد هجمات باريس، من المهم ان نتوقف عنده.
التحليل كتبه ادريه ملتشيك، وهو فيلسوف وروائي وكاتب صحفي ولد في الاتحاد السوفيتي، وعاش فترة طويلة من حياته في امريكا، ويقيم الآن في شرق آسيا، ونشر عدة كتب عن الامبريالية الغربية كان آخرها كتاب "كشف اكاذيب الامبراطورية".
في التحليل الذي كتبه بعد هجمات باريس يتطرق الى جرائم الغرب في منطقتنا والعالم، والى مسئولية ليس فقط الدول والحكومات الغربية، وانما ايضا الثقافة الغربية، والمثقفين الغربيين والمواطنين انفسهم.
لنتأمل بعضا مما كتب.
يقول ان "الثقافة الغربية عبر التاريخ ذبحت بالفعل، وبلا رحمة مئات الملايين في مختلف ارجاء العالم، واستعبدت قارات بأكملها، ونهبت كل ما له قيمة".
ويعتبر ان المواطنين في الغرب والمثقفين يتحملون مسئولية اساسية عن هذه الجرائم.
يقول: "الغربيون لم يفعلوا أي شيء على الاطلاق في أي وقت لوقف الجرائم التي ترتكبها دولهم. ولماذا عليهم ان يفعلوا ذلك طالما انهم يزدادون تخمة؟. والمثقفون الغربيون الذليلون والجبناء ما زالوا يرفضون اعتبار ان ما فعلته دولهم هي جرائم مروعة.. جرائم تدمير واهانة وتعذيب الآخرين، باستثناء اقلية ضئيلة جدا لا تصل حتى الى 1 في المائة من المثقفين. وفلاسفة الغرب قابعون في مؤسساتهم المتخشبة التى تدعى جامعات معزولون عن العالم بكل اوضاعه. والاعلاميون والفنانون ليسوا افضل حالا".
ويضيف الكاتب:" حربا بعد حرب، وابادة بعد ابادة، بقي الغربيون دوما صما بكما، ويرفضون الاعتراف بما يفعلونه بالعالم".
وفي تفسير هذا، يقول الكاتب :" كل ما يعرفه الغربيون هو انهم متفوقون واعلى شأنا وقيمة من باقي البشرية، ويعتبرون ان ثقافتهم استثنائية وان قدرها هو ان تحكم العالم. كل ما يشعرون به وما يؤمنون به هو ان من حقهم ان يستهلكوا كل موارد العالم، وان حكوماتهم بمقدورها ان تقرر، اي دولة في العالم خارج العالم الغربي يجب السماح لها البقاء واي دولة يجب تدميرها واسقاطها".
ويقول الكاتب:" ان ملايين الأرواح البشرية تم ازهاقها في الشرق الأوسط، وعشرات الملايين من الرجال والنساء والأطفال قتلتهم الامبريالية في افريقيا. لكن بالنسبة لهم في الغرب،هذا كله لا يهم. المهم انهم في الغرب يستمتعون بحياتهم، فهم يعتبرون ان العالم كله موجود كي يوفر لهم هذه الحياة وهذه المنافع".
ويقول ايضا:" نعم لقد مات اكثر من مائة في باريس. لكن يجب الا ننسى ان ملايين الضحايا في مختلف انحاء العالم ماتوا بسبب الاعتداءات الغربية وبسبب الارهاب الذي يرعاه الغرب مباشرة"
هذا فقط بعض مما قاله هذا الفيلسوف والكاتب في تحليله المطول.
وكما نرى، هو يقدم توصيفا دقيقا للغرب وجرائمه وارهابه بحق العرب والعالم كله.
السؤال البديهي البسيط هنا هو" هل هذا الغرب الارهابي المجرم يمكن ان يأتمنه العالم في حرب على الارهاب؟.
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق