موقع المثقف الجديد – مصطفى حسين::
في مجال دراستي حالياً حول موضوع "المثقف العربي ومعرفته بالشأن الإيراني" أتناول التأثيرات السلبية في دراسات المحللين، الأكاديميين ومثقفي دول العربية واعتقادهم الخاطئ أن إيران عصية على التغيير ويكتنفه غموض كبير. إذ إنه إذا كان هذا التحليل صحيحاً فلا يكون هناك اي أمل في إزالة أو حل أي عقبة لمشاكل المنطقة.
اذن يجب أن يأخذ المثقف العربي اليوم شكلاً أكثر تركيباً وأوسع أبعاداً في معالجة النفوذ الإيراني ومعرفته, حيث لا يحتاج المجتمع العربي "مثقفاً تبريريا " منطقه ووسيلته التبرير للسياسة الإيرانية ، بل بحاجة الى "المثقف الناقد " ,معوّله العقل النقدي البناء ويطرح رؤية فكرية دقيقة لمواجهة النفوذ الإيراني وصد تدخلاته من خلال مراكز الدراسات، الصحف ومواقع الانترنت والفضائيات المسموعة والمرئية. إجمالاً ، هناك مسائل عدة " تجبر " المثقف ,وهنا نقصد المثقف صاحب الفكر القيم، وليس المثقف المنتج للمعرفة السطحية، على إعادة النظر في ذاته فيما يخص أثر الواقع الإيراني وتدخلاته في دول العربية، وفي مقدمتها :
اولاً: العلاقة بين المثقف والسياسي العربي: وظيفة المثقف أنه "صانع للأفكار والمشاريع" ، أما السياسي فإنه "منفذ لهذه الأفكار والمشاريع". عندئذ إذا كان السياسي العربي، "سيئاً "و"ومتخبطا " "وضعيفاً "في فهم الوضع الإيراني، فهذا يعني أن أفكار المثقف العربي ومشاريعه كانت سيئة ومتخبطة وضعيفة.
ثانيا: تبعية المثقف العربي لرجل السياسة فكرياً: هذه التبعية تتجلى في فقدان المثقف الثقة بالنفس، مما يؤدي إلى فقدانه لأي استعداد بتقديم التحليلات والطروحات الفكرية والسياسية المختلفة والمستقلة عن طروحات الحاكمة لمعالجة التدخل الإيراني.
وتعتبر الأركان التي ذكرناها آنفا من أهم مقومات الاستقلالية الفكرية لكل مثقف عربي لفهم الوضع الإيراني. وبتبع ذلك، يجب الحذر من الوقوع في أخطاء جسيمة ومبدئية في تحليل الوضع القائم في إيران، منها:
الخطأ الأول: إن عدداً كبيراً وللأسف من الذين يحللون الوضع القائم في إيران من المحللين السياسيين، الصحافيين أو الاختصاصين الأكادميين لا يتعاطون مع التاريخ بجدية .إنهم يفشلون في وضع سياسة إيران في الإطار و السياق التاريخي, لذا يصعب أن يكونوا موضوعيين إلا إذا كان لهم بعد نظر واطلاع على إيران وتوسعها في المنطقة.
إن بعض من مثقفي العرب الذين يملكون الحس والوعي التاريخي. يعرفون أن النظام في عهد الشاه احتل الجزر الإماراتية والأحواز وفي زمن الخميني سعى لاحتلال العراق. واليوم تشن طهران حربا منتظمة ضد الشعوب العربية في سورية، العراق، اليمن ولبنان والبحرين. إذن على كل من يريد معالجة سياسة إيران، ان يراجع التاريخ بجدية.
الخطأ الثاني: التشديد المفرط على الهوية المذهبية. إن العديد من المحللين السياسيين المهتمين بالشأن الإيراني يبالغون فى التشديد على المذهب ويتناسون عوامل كثيرة اخرى. وهذا ما يؤدي إلى إبعاد البحث عن أمور وعوامل مهمة تؤثّر على فهم سياسة النظام الإيراني. هذا هو الاعتقاد السائد في الإعلام العربي الذى يعطي انطباعاً ان ثلثي الشعوب في إيران من الشيعة ,بينما باستثناء الشعب الفارسي، الشعوب غير الفارسية هم ليسوا وطنيين والطائفية ليس لها محل من الاعراب في هويتهم.
إن هذا النوع من التصوّر يعطي فكرة سلبية خاطئة عن إيران وكأنه نظام متطابق ومتجانس يسيطر على كينونة الوضع السياسي والاجتماعي. بينما أصبحت إيران مكانا خطيرا والصراع فيه لا مفر منه.
الخطأ الثالث: فكرة التفكير الجماعي
الوضع ليس مختلفاً بالنسبة لمحللي سياسة إيران, فالذين يبنون تحليلاتهم على الوضع اجتماعي لاحد الزعماء السياسيين في إيران أو حتى النظام السياسي، للأسف يستخلصون مسبقاً أن تصرفات الحاكم نموذج مطابق لتصرفات كل الشعوب بما فيهم، العرب ( الأحوازيين )، الأكراد، الأتراك ، التركمن والبلوش. ويتناسى أنّ الفروقات العرقية والمذهبية تخف بالوحدة الوطنية وتخالف النظام القائم فكرياً.
الخطأ الرابع: التركيز على النخبة
واضح أن النخبة السياسية تحتل المركز الرئيسي في صناعة سياسة كل بلد. ولكن كما رأينا في ثورة 1979 وانتفاضة 2009 في إيران، أن التحركات الشعبية لعبت دوراً هاماً في السياسة. واقع الأمر أن المثقف العربي لم يعطِ صورة حقيقية عن الازمات الداخلية في إيران ولا عن مناهضة الشعوب لها, حيث نلاحظ الإخفاق في تغطية التحركات الشعبية وإخفاء دورها عن سياسة المنطقة.
انتخاب الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي سنة 1997 رغم ولائه لولي الفقه، هو دليل اَخر يظهر ان قسماً كبيراً من المجتمع الايراني يتطلّع للتغيير الديمقراطي والإصلاح. و يدل هذا على فكر مزدوج ما يعطّل فهم المجتمع وإمكانية تغيير إيجابي.
الخطأ الخامس: عدم فهم تاريخ, ولغة, وثقافة المنطقة.
فكيف يمكن للصحافيين والمحللين الأكاديميين الذين يتناولون سياسة النظام في إيران أن يقدموا معلومات صحيحة وهم لا يعرفون اللغة, ولا التاريخ, ولا ثقافة المنطقة. ولا يعني هذا أن الذين لا يعرفون لغة البلاد أن ينكفئوا عن نقل الأخبار والأوضاع السياسية. بل الافضل العمل مع الجاليات من الشعوب غير الفارسية لتبيين الوضع الإيراني.
الخطأ السادس: الفشل في عدم الأخذ بوضع الاقتصاد السياسي, على الرغم من عدم وجود نماذج ثراء كثيرة بسبب أموال البترول في جغرافية إيران (في الأحواز المحتلة)، يبقى أن الفقر المدقع والبطالة مستشريان في إيران، ونسبة الشباب تحت سن 25 تزيد على 60% فيها ,ويوجد نسبة عالية جداً منهم عاطلون عن العمل أو يعملون بمرتبات زهيدة.
الخطأ السابع : الكتابة السطحية عن الوضع الإيراني: تعتبر هذه الإشكالية، تعبير عن العجز المـتجذر لدي المثقف العربي، حيث من يتابع نتاجات الكتاب العرب المنشورة في الصحافة ومواقع الإنترنت عن الشأن الإيراني (في غياب مراكز الدراسات)، يفجع بأن أعظمها، واحد من اثنين: المقالة السياسية الخبرية المستعجلة العابرة، أو التعليق الغامض الجامع بين الاستعجال والسطحية.
ومن أهم إشكاليات المثقف العربي وفي فهم الوضع الإيراني :
أولا: رغم أنه يسعي لإيضاح الشأن الإيراني إلاّ أنه تبنى في كتبه الاجتماعية – الثقافية والسياسية، أطروحات النظام الإيراني وخطابه الرسمي. على سبيل المثال لما يكتب عن إيران يستخدم الخطاب الرسمي الإيراني ويستعمل عبارة " الشعب الإيراني" بدلا من الشعوب في إيران. ذلك توجد هناك عدة شعوب في جغرافية إيران تطالب بالتحرير، ويشكل الشعب التركي نسبة مالا تقل عن 40 بالمئة من إجمالي النفوس في جغرافية إيران. كما يستخدم المثقف العربي نسبة الشيعة هناك حسب الإحصائية الرسمية المسجلة 89 بالمئة ,بينما ذكرت جهات رسمية تابعة للنظام الإيراني أن أكثر من 20 مليون شخص ينتمون الى المذهب السني ينتشرون في الأقاليم الحدودية. ثانياً، من أزمات الفكر المثقف العربي أنه يرى مشكلة النظام في إيران مع الدول العربية أزمة مذهبية شيعية - سنية . لكن يجب ألا ينخدع فيه، والنظام الإيراني هو من يروّج الطائفية عمداً، وصار يسمع خطاب الكراهية والحقد الطائفي في إعلامه الرسمي وشبه الرسمي. ونتيجة هذا الخطاب حصلت إيران على مواطن في لبنان، والعراق، وسوريا والبحرين واليمن. إذن يجب الانتباه أنّ ايران تضع الطائفية غلافا لسياساته القومية التوسعية في المنطقة.
ثالثاً: يجب أن يعرف المثقف العربي، ماكانت الفرس يوماً من الأيام حليفة للعرب, بينما تغلب طهران دائما المصالح علي الأيديولوجيا حال تعارضهما معا، فتمكنت -علي سبيل المثال- من إقامة علاقات جيدة مع حركة حماس السنية ونظام بشار رغم اختلافهما. وعلى هذا الأساس يعتبر البعض من أشباه المثقفين، إيران حليفاً للقضايا العربية لا يمكن الاستغناء عنه، ولا يمكن اعتبار إيران تهديداً للأمن العربي.
رابعاً: يجب أن يعرف المثقف العربي أن إيران تتصرف وكأن لها مراكز قرار متعددة لتشتيت أذهان الخصوم، وكأن صانع القرار الإيراني غير عقلاني؛ لإجبار الخصم على أن يكون عقلانيًّا أكثر، مع استخدام انتشار القوة كأسلوب للتصعيد.
التساؤل عن فشل النخبة
من هذا المنطلق أقول إن هذه النخب تشكو عللاً ثلاثاً, فيها الإجابة ربما عن التساؤل عن فشل النخب المثقفة في القيام بدورها لمعرفة الوضع الإيراني، فهي :
أولا: لم تبلغ من النضج السياسي والاجتماعي والوعي لمسؤوليتها ما يدفعها إلى التعمق في فهم الوضع الإيراني. وهذا التقصير باد في ضعف الإنتاج العلمي لمراكز الأبحاث، إذا وجدت، وفي غياب الحركات الفكرية والتنظيمات السياسية لتعريف مدى الخطر الإيراني على المنطقة.
والعلة الثانية: هروب المثقف من تحمّل المسؤولية، وافتقاره لفهم أهمية مبدأ الربط بين الجهد والنتيجة. ذلك توفد الطلاب اإلى إيران لتعليم اللغة الفارسية وفهم الشارع الإيراني. ثم ترجع هذه الوفود بعد سنوات لا تجيد اللغة ولا تعي الوضع الإيراني.
والعلة الثالثة: هي نقص في الجرأة الأدبية وميل إلى الرضوخ لإغراءات الفساد, حيث إن المجاهرة برأيهم في هذا الصدد قد تكون له آثار سلبية على مصالحهم. (الفكرة ملهمة من موقع صوت الحكمة)
خيارات إستراتيجية لدراسة الوضع الإيراني
اولاً: استقطاب المتخصصين بالشأن العلمي والأمني الإيراني، ممن سبق لهم أن كتبوا أو أشرفوا على دراسات حول الوضع الإيراني، وأن بإمكانهم القيام بالدور ذاته للدول العربية. ولاتنسوا, فلا أحد يعرف إيران أكثر من الشعوب غير الفارسية وخاصة الأحوازيين، وأضيف أن المثقف والباحث من الشعوب غير الفارسية في العقيدة السياسية الإيرانية يصيب كبد الحقيقية عندما يعرف إن منظومة القيم والأخلاق السياسية والدينية في إيران هي طبقة تغلف المصالح القومية.
ثانياً: كي تعرف كيف يفكر النظام الإيراني يجب على المثقف العربي أن يكون متعمقا في الجغرافيا السياسية الجيوبوليتك والجغرافيا الدينية والجغرافيا النفسية. وبالتالي فإن فهم خصائص المجتمعات في إيران وطبيعتها ومعالمها وثقافتها وتناقضاتها يمكّننا التعامل معها بقوة وتأثير، ولهذا دور كبير في مفهوم المجال الحيوي من ناحية الفضاء الجغرافي والسلطة والنفوذ.
ثالثاً، يجب على المثقف العربي المعرفة بأن الخصائص القومية الإيرانية متنافرة وغير قابلة للاندماج. وهو ما يؤكده القيادي الاصلاحي مصطفى تاج زاده في بحثه الموسوم "القوميات الإيرانية .. الهوية والوحدة الوطنية".
رابعاً، يجب أن يعرف المثقف العربي أن المواجهة الحقيقية مع النظام في إيران ليس ميدانها الإعلام والسياسة فقط؛ لأن إيران لها لوبي إعلامي في المنطقة، وهو سر الإيذاء، فهي دولة متفسخة من الداخل، ومن عادة الدول التي تعيش أزمات داخلية أن تتوحد في خلق أزمة وجبهة خارجية مع العالم تبدو فيها قوية وهي ضعيفة.(موقع الاقتصادية)
اذن يجب أن يأخذ المثقف العربي اليوم شكلاً أكثر تركيباً وأوسع أبعاداً في معالجة النفوذ الإيراني ومعرفته, حيث لا يحتاج المجتمع العربي "مثقفاً تبريريا " منطقه ووسيلته التبرير للسياسة الإيرانية ، بل بحاجة الى "المثقف الناقد " ,معوّله العقل النقدي البناء ويطرح رؤية فكرية دقيقة لمواجهة النفوذ الإيراني وصد تدخلاته من خلال مراكز الدراسات، الصحف ومواقع الانترنت والفضائيات المسموعة والمرئية. إجمالاً ، هناك مسائل عدة " تجبر " المثقف ,وهنا نقصد المثقف صاحب الفكر القيم، وليس المثقف المنتج للمعرفة السطحية، على إعادة النظر في ذاته فيما يخص أثر الواقع الإيراني وتدخلاته في دول العربية، وفي مقدمتها :
اولاً: العلاقة بين المثقف والسياسي العربي: وظيفة المثقف أنه "صانع للأفكار والمشاريع" ، أما السياسي فإنه "منفذ لهذه الأفكار والمشاريع". عندئذ إذا كان السياسي العربي، "سيئاً "و"ومتخبطا " "وضعيفاً "في فهم الوضع الإيراني، فهذا يعني أن أفكار المثقف العربي ومشاريعه كانت سيئة ومتخبطة وضعيفة.
ثانيا: تبعية المثقف العربي لرجل السياسة فكرياً: هذه التبعية تتجلى في فقدان المثقف الثقة بالنفس، مما يؤدي إلى فقدانه لأي استعداد بتقديم التحليلات والطروحات الفكرية والسياسية المختلفة والمستقلة عن طروحات الحاكمة لمعالجة التدخل الإيراني.
وتعتبر الأركان التي ذكرناها آنفا من أهم مقومات الاستقلالية الفكرية لكل مثقف عربي لفهم الوضع الإيراني. وبتبع ذلك، يجب الحذر من الوقوع في أخطاء جسيمة ومبدئية في تحليل الوضع القائم في إيران، منها:
الخطأ الأول: إن عدداً كبيراً وللأسف من الذين يحللون الوضع القائم في إيران من المحللين السياسيين، الصحافيين أو الاختصاصين الأكادميين لا يتعاطون مع التاريخ بجدية .إنهم يفشلون في وضع سياسة إيران في الإطار و السياق التاريخي, لذا يصعب أن يكونوا موضوعيين إلا إذا كان لهم بعد نظر واطلاع على إيران وتوسعها في المنطقة.
إن بعض من مثقفي العرب الذين يملكون الحس والوعي التاريخي. يعرفون أن النظام في عهد الشاه احتل الجزر الإماراتية والأحواز وفي زمن الخميني سعى لاحتلال العراق. واليوم تشن طهران حربا منتظمة ضد الشعوب العربية في سورية، العراق، اليمن ولبنان والبحرين. إذن على كل من يريد معالجة سياسة إيران، ان يراجع التاريخ بجدية.
الخطأ الثاني: التشديد المفرط على الهوية المذهبية. إن العديد من المحللين السياسيين المهتمين بالشأن الإيراني يبالغون فى التشديد على المذهب ويتناسون عوامل كثيرة اخرى. وهذا ما يؤدي إلى إبعاد البحث عن أمور وعوامل مهمة تؤثّر على فهم سياسة النظام الإيراني. هذا هو الاعتقاد السائد في الإعلام العربي الذى يعطي انطباعاً ان ثلثي الشعوب في إيران من الشيعة ,بينما باستثناء الشعب الفارسي، الشعوب غير الفارسية هم ليسوا وطنيين والطائفية ليس لها محل من الاعراب في هويتهم.
إن هذا النوع من التصوّر يعطي فكرة سلبية خاطئة عن إيران وكأنه نظام متطابق ومتجانس يسيطر على كينونة الوضع السياسي والاجتماعي. بينما أصبحت إيران مكانا خطيرا والصراع فيه لا مفر منه.
الخطأ الثالث: فكرة التفكير الجماعي
الوضع ليس مختلفاً بالنسبة لمحللي سياسة إيران, فالذين يبنون تحليلاتهم على الوضع اجتماعي لاحد الزعماء السياسيين في إيران أو حتى النظام السياسي، للأسف يستخلصون مسبقاً أن تصرفات الحاكم نموذج مطابق لتصرفات كل الشعوب بما فيهم، العرب ( الأحوازيين )، الأكراد، الأتراك ، التركمن والبلوش. ويتناسى أنّ الفروقات العرقية والمذهبية تخف بالوحدة الوطنية وتخالف النظام القائم فكرياً.
الخطأ الرابع: التركيز على النخبة
واضح أن النخبة السياسية تحتل المركز الرئيسي في صناعة سياسة كل بلد. ولكن كما رأينا في ثورة 1979 وانتفاضة 2009 في إيران، أن التحركات الشعبية لعبت دوراً هاماً في السياسة. واقع الأمر أن المثقف العربي لم يعطِ صورة حقيقية عن الازمات الداخلية في إيران ولا عن مناهضة الشعوب لها, حيث نلاحظ الإخفاق في تغطية التحركات الشعبية وإخفاء دورها عن سياسة المنطقة.
انتخاب الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي سنة 1997 رغم ولائه لولي الفقه، هو دليل اَخر يظهر ان قسماً كبيراً من المجتمع الايراني يتطلّع للتغيير الديمقراطي والإصلاح. و يدل هذا على فكر مزدوج ما يعطّل فهم المجتمع وإمكانية تغيير إيجابي.
الخطأ الخامس: عدم فهم تاريخ, ولغة, وثقافة المنطقة.
فكيف يمكن للصحافيين والمحللين الأكاديميين الذين يتناولون سياسة النظام في إيران أن يقدموا معلومات صحيحة وهم لا يعرفون اللغة, ولا التاريخ, ولا ثقافة المنطقة. ولا يعني هذا أن الذين لا يعرفون لغة البلاد أن ينكفئوا عن نقل الأخبار والأوضاع السياسية. بل الافضل العمل مع الجاليات من الشعوب غير الفارسية لتبيين الوضع الإيراني.
الخطأ السادس: الفشل في عدم الأخذ بوضع الاقتصاد السياسي, على الرغم من عدم وجود نماذج ثراء كثيرة بسبب أموال البترول في جغرافية إيران (في الأحواز المحتلة)، يبقى أن الفقر المدقع والبطالة مستشريان في إيران، ونسبة الشباب تحت سن 25 تزيد على 60% فيها ,ويوجد نسبة عالية جداً منهم عاطلون عن العمل أو يعملون بمرتبات زهيدة.
الخطأ السابع : الكتابة السطحية عن الوضع الإيراني: تعتبر هذه الإشكالية، تعبير عن العجز المـتجذر لدي المثقف العربي، حيث من يتابع نتاجات الكتاب العرب المنشورة في الصحافة ومواقع الإنترنت عن الشأن الإيراني (في غياب مراكز الدراسات)، يفجع بأن أعظمها، واحد من اثنين: المقالة السياسية الخبرية المستعجلة العابرة، أو التعليق الغامض الجامع بين الاستعجال والسطحية.
ومن أهم إشكاليات المثقف العربي وفي فهم الوضع الإيراني :
أولا: رغم أنه يسعي لإيضاح الشأن الإيراني إلاّ أنه تبنى في كتبه الاجتماعية – الثقافية والسياسية، أطروحات النظام الإيراني وخطابه الرسمي. على سبيل المثال لما يكتب عن إيران يستخدم الخطاب الرسمي الإيراني ويستعمل عبارة " الشعب الإيراني" بدلا من الشعوب في إيران. ذلك توجد هناك عدة شعوب في جغرافية إيران تطالب بالتحرير، ويشكل الشعب التركي نسبة مالا تقل عن 40 بالمئة من إجمالي النفوس في جغرافية إيران. كما يستخدم المثقف العربي نسبة الشيعة هناك حسب الإحصائية الرسمية المسجلة 89 بالمئة ,بينما ذكرت جهات رسمية تابعة للنظام الإيراني أن أكثر من 20 مليون شخص ينتمون الى المذهب السني ينتشرون في الأقاليم الحدودية. ثانياً، من أزمات الفكر المثقف العربي أنه يرى مشكلة النظام في إيران مع الدول العربية أزمة مذهبية شيعية - سنية . لكن يجب ألا ينخدع فيه، والنظام الإيراني هو من يروّج الطائفية عمداً، وصار يسمع خطاب الكراهية والحقد الطائفي في إعلامه الرسمي وشبه الرسمي. ونتيجة هذا الخطاب حصلت إيران على مواطن في لبنان، والعراق، وسوريا والبحرين واليمن. إذن يجب الانتباه أنّ ايران تضع الطائفية غلافا لسياساته القومية التوسعية في المنطقة.
ثالثاً: يجب أن يعرف المثقف العربي، ماكانت الفرس يوماً من الأيام حليفة للعرب, بينما تغلب طهران دائما المصالح علي الأيديولوجيا حال تعارضهما معا، فتمكنت -علي سبيل المثال- من إقامة علاقات جيدة مع حركة حماس السنية ونظام بشار رغم اختلافهما. وعلى هذا الأساس يعتبر البعض من أشباه المثقفين، إيران حليفاً للقضايا العربية لا يمكن الاستغناء عنه، ولا يمكن اعتبار إيران تهديداً للأمن العربي.
رابعاً: يجب أن يعرف المثقف العربي أن إيران تتصرف وكأن لها مراكز قرار متعددة لتشتيت أذهان الخصوم، وكأن صانع القرار الإيراني غير عقلاني؛ لإجبار الخصم على أن يكون عقلانيًّا أكثر، مع استخدام انتشار القوة كأسلوب للتصعيد.
التساؤل عن فشل النخبة
من هذا المنطلق أقول إن هذه النخب تشكو عللاً ثلاثاً, فيها الإجابة ربما عن التساؤل عن فشل النخب المثقفة في القيام بدورها لمعرفة الوضع الإيراني، فهي :
أولا: لم تبلغ من النضج السياسي والاجتماعي والوعي لمسؤوليتها ما يدفعها إلى التعمق في فهم الوضع الإيراني. وهذا التقصير باد في ضعف الإنتاج العلمي لمراكز الأبحاث، إذا وجدت، وفي غياب الحركات الفكرية والتنظيمات السياسية لتعريف مدى الخطر الإيراني على المنطقة.
والعلة الثانية: هروب المثقف من تحمّل المسؤولية، وافتقاره لفهم أهمية مبدأ الربط بين الجهد والنتيجة. ذلك توفد الطلاب اإلى إيران لتعليم اللغة الفارسية وفهم الشارع الإيراني. ثم ترجع هذه الوفود بعد سنوات لا تجيد اللغة ولا تعي الوضع الإيراني.
والعلة الثالثة: هي نقص في الجرأة الأدبية وميل إلى الرضوخ لإغراءات الفساد, حيث إن المجاهرة برأيهم في هذا الصدد قد تكون له آثار سلبية على مصالحهم. (الفكرة ملهمة من موقع صوت الحكمة)
خيارات إستراتيجية لدراسة الوضع الإيراني
اولاً: استقطاب المتخصصين بالشأن العلمي والأمني الإيراني، ممن سبق لهم أن كتبوا أو أشرفوا على دراسات حول الوضع الإيراني، وأن بإمكانهم القيام بالدور ذاته للدول العربية. ولاتنسوا, فلا أحد يعرف إيران أكثر من الشعوب غير الفارسية وخاصة الأحوازيين، وأضيف أن المثقف والباحث من الشعوب غير الفارسية في العقيدة السياسية الإيرانية يصيب كبد الحقيقية عندما يعرف إن منظومة القيم والأخلاق السياسية والدينية في إيران هي طبقة تغلف المصالح القومية.
ثانياً: كي تعرف كيف يفكر النظام الإيراني يجب على المثقف العربي أن يكون متعمقا في الجغرافيا السياسية الجيوبوليتك والجغرافيا الدينية والجغرافيا النفسية. وبالتالي فإن فهم خصائص المجتمعات في إيران وطبيعتها ومعالمها وثقافتها وتناقضاتها يمكّننا التعامل معها بقوة وتأثير، ولهذا دور كبير في مفهوم المجال الحيوي من ناحية الفضاء الجغرافي والسلطة والنفوذ.
ثالثاً، يجب على المثقف العربي المعرفة بأن الخصائص القومية الإيرانية متنافرة وغير قابلة للاندماج. وهو ما يؤكده القيادي الاصلاحي مصطفى تاج زاده في بحثه الموسوم "القوميات الإيرانية .. الهوية والوحدة الوطنية".
رابعاً، يجب أن يعرف المثقف العربي أن المواجهة الحقيقية مع النظام في إيران ليس ميدانها الإعلام والسياسة فقط؛ لأن إيران لها لوبي إعلامي في المنطقة، وهو سر الإيذاء، فهي دولة متفسخة من الداخل، ومن عادة الدول التي تعيش أزمات داخلية أن تتوحد في خلق أزمة وجبهة خارجية مع العالم تبدو فيها قوية وهي ضعيفة.(موقع الاقتصادية)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق