صدق أو لا تصدق.. الأمم المتحدّة تمهل العراق 48 ساعة لتقديم اجابات عن حالات الاختفاء القسري.!
الأمم المتحدّة تمهل العراق 48 ساعة لتقديم اجابات عن حالات الاختفاء القسري
كتب سلام الشماع:
ذهل الوفد العراقي، يوم أمس 8 ايلول 2015، وهو يستمع الى اسئلة لجنة الامم المتحدة في جنيف التي كانت تراجع تقرير قدّمته الحكومة العراقية وتقارير موازية قدّمتها منظمات غير حكومية عن حالة الاختفاء القسري في العراق منذ عام 2003 ولحد الآن، واستمعت الى شهادات موّثقة ثم خلصت الى اسئلة طرحتها على وفد العراق.
كل ما كان في جعبة الوفد العراقي لم يلق آذاناً صاغية من اللجنة التي تضم خبراء دوليين متمرسين لا تنطلي عليهم ألاعيب الدول وحيلها فكيف اذا كان المحتال قد ملّ العالم من اسطوانته المشروخة التي ما فتئ يردّدها طيلة اكثر من عقد من الزمان.
جاء الوفد العراقي ليتحدث عما يزعمه من انتهاكات النظام السابق، وكيف انهم يبنون الآن دولة المؤسسات والديمقراطية وسيادة القانون ويتعاونون مع هيئات الأمم المتحدّة. فكان جواب اللجنة الأممية، ما الذي طبّقتم من اتفاقيات حقوق الإنسان، ما هو حال السجون لديكم، اين سجلات المعتقلين منذ سنوات الاحتلال الأولى، ما الذي فعلتموه لتساعدوا الأسر في البحث عن ابنائها المغيبين، ما الذي فعلتموه لإغلاق السجون السرّية، ما الذي ستفعلونه لحل الميليشيات؟؟؟ وقائمة طويلة من الاسئلة موثقة بالصورة والصوت في المركز الإعلامي للأمم المتحدة.
وشرح لي زملاء تابعت معهم النقاش، من الذين اتيحت لهم فرصة حضور هذه الجلسة، ان الوفد لم يستطع الإجابة في اليوم الأول فطلب امهاله الى اليوم الثاني للتشاور مع (قيادته) في بغداد.
وعندما حلّ الظلام، ولمّا لم تسعف الوفد اجابات قيادته النائمة في المنطقة الغبراء في بغداد، جلس ليتدبر الأمر فتفتقت الأذهان عن اعداد محاضرة لتلقى بالتناوب في اليوم الثاني على مسامع اللجنة (بما تتضمنه من اساتذة في القانون مضافاً إليهم الخبرة الطويلة). فتحدّث رئيس الوفد مبشراً الحضور بانهم سيسمعون ما يسرّهم من الاجابات عن التساؤلات التي طرحت كلها بما يؤكد تعاون حكومة العراق البنّاء مع اللجنة.
بدأت الاجابات بمحاضرة القاها ممثل اقليم كردستان ليعيد الاسطوانة المشروخة التي ملّ العالم سماعها، حلبجة والانفال، ثم انتقل الى انجازات حكومته واحترامها لحقوق الإنسان. وفي ظل تثاؤب اعضاء اللجنة نقل رئيس الوفد الحديث الى احد الدبلوماسيين من اعضاء بعثة العراق في جنيف الذي يبدو انه يحمل شهادة في القانون فظن المسكين ان من هم امامه طلاب في الصف الأول من كلّية القانون. وهكذا بدأ يحاضر ما هو القانون، وما هي الاتفاقية وكيف تطبّق ومتى تعلو على القانون الوطني وكيف لا، ويقرأ نصوصاً عراقية جميلة عن احترام حقوق المواطنين، عن معاملة المعتقل معاملة انسانية، عن الوصول الى المحامين.....وكيف يعيّن القضاة، لا ليس من الاحزاب وعلى اساس طائفي لا ابداً وانما بعد اختبارات ودورات مضنية....وتحدث عن تطبيقات حقوق الإنسان كلها التي تصلح مثالا يحتذى به في العالم الغربي المتخلف في هذا المجال قياساً لما وصل اليه الأمر في العراق على يدّ هذه السلطة المجتباة.
ثم تناول آخرون جوانب اخرى من الامتيازات التي تقدّم لمن يحالفه الحظ وتُعتقله السلطات العراقية فالمعتقل في العراق يتمتع خلال اوقات فراغه بمطالعة الكتب والصحف ومشاهدة البرامج التلفزيونية التي يختارها ويلعب (بلي ستيشن) ويحظى بزيارات منتظمة من اسرته يأتون اليه ويذهبون بكل احترام وتقدير من اجهزة الدولة ولا يحتاجون لدفع رشى او التوسل او ما شابه.
اما كيف يعتقل المرء في العراق، فهو ان يرسل اليه امرً صادر من القاضي المختص متوسلاً اليه الحضور للاستفسار منه عن بعض القضايا، وليس كما كنا نسمع بان مجموعة مدججة بالسلاح تأتي وتقتحم البيت فجرا وبعد ان تضرب كل من في طريقها تجرجر الشخص المعني وتوصله بالدفرات الى المعتقل حيث يلقى ابشع انواع المعاملة، الاهانات والتعذيب واحيانا القتل فترمى جثته في مكان عام!! لا لا ليس هذا واقع الامر في العراق، فالوفد يقول امام اللجنة الأممية ان المعتقل يحظى بكل الاحترام اللازم ولا احد يتعرّض له بل انه من المستحيل اعتقال اي شخص في العراق من دون امر من قاضٍ مختص!!.
ثم من قال ان في العراق سجون سرّية، كلا لا توجد....من قال ان الميليشيات مجرمة، وهنا شرح الوفد تفاصيل الفتوى التي صدرت بتشكيل عصابات الحشد الشعبي... وهو ما سرّ اللجنة كثيراً خاصة وان الوفد تحدّث عن اقامة دولة المؤسسات والقانون....الخ.
نعم، يبدو ان معلوماتنا كلها غير صحيحة وما نراه بام اعيننا هو صور مقلوبة تزوّر الحقائق. وهكذا اعاد اعضاء الوفد قراءة المادة 92 من قانون اصول المحاكمات الجزائية التي تنص على عدم جواز اعتقال اي شخص الا بموجب امر قضائي.
وبعد ان افرغ اعضاء الوفد كل ما بجعبتهم، جاء دور اللجنة فاعطى الرئيس الكلام لاعضائها المسؤولين عن ملف العراق، فصعقوا الوفد العراقي ببضع كلماتٍ (ليست كالكلمات) فقد فُهم منها أن كل ما تحدث به الوفد هو محض هراء، حيل والاعيب لا تنطلي علينا، اسطوانات مشروخة لم يعدّ احد في المجتمع الدولي يتقبل سماعها...نعم، ساد الوجوم اعضاء الوفد، وتلونت وجوههم، عندما قال اعضاء في اللجنة انكم لم تجيبوا عن اي من اسئلتنا....نحن لا نريد تكرار الأسئلة نفسها التي طرحناها امس (7/9/2015)، تساورنا الشواغل نفسها والقلق ذاته. يجب ان تكشفوا عن مصير الالاف من المغيبين قسرياً، يجب ان تقدموا اجابات لأسرهم، لدينا ما يثبت وجود ما لا يقل عن مائتي الف حالة اختفاء قسري منذ الغزو، انتم مسؤولون مسؤولية مباشرة عنهم، لدينا اعداد السجون السرّية، لدينا تفاصيل التعذيب والاعدامات، لدينا توثيق لما تقترفه الميليشيات وميليشيات الحشد الشعبي من تجاوزات وجرائر.
وعندما اعاد رئيس اللجنة الكلمة لرئيس وفد العراق، قال بانهم (وشّلوا) كل ما لديهم، فقال له ما معناه ان اجاباتكم غير مقنعة ولذلك نعطيكم مهلة مدة 48 ساعة تنتهي الساعة الواحدة ظهر يوم الخميس المصادف 10/9/2015 لتقديم اجابات واضحة على اسئلة اللجنة قبل ان تضع تقريرها الختامي.
وتساءل الزملاء في المركز الاعلامي في الأمم المتحدّة عن متى تنتهي هذه المهازل؟ ومتى تعي الوفود القادمة من العراق أنها امام مجتمع واعٍ جدا، وان تغييرات جذرية حدثت في فهم ما حصل في العراق وان الزيف والكذب والخداع انكشف، وان العالم يعرف الان ان جلّ ما قيل عن العراق وعن الحكم الوطني قد وضح انه اتهامات باطلة وشيطنة مقصودة، وان العراق والعرب جميعا أصابهم الدمار والويلات بسبب تغيير النظام الوطني في العراق؟؟
وكان جوابي أن التغيير لن يتم الا بكنس كامل لأذناب الاحتلال كلهم، وإزالة عملية المحاصصة الطائفية البائسة التي لم تجلب لنا سوى الويلات والثبور، هذا هو التغيير الذي ينشده ابناء العراق وهو قادم، بل قريب جدّا ان شاءالله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق