مركز جنيف الدولي للعدالة: السلطات العراقية تفشل في الإجابة على تساؤلات الأمم المتحدة بشأن التعذيب
الامم المتحدّة: لا يمكن ان نعيب على داعش اموراً ونقبل ان تقوم بها ميليشيات "الحشد الشعبي"
تقرير عن مراجعة تقرير العراق في لجنة الأمم المتحدة لمكافحة التعذيب
مع صدور التقرير الختامي للجنة الأمم المتحدّة لمناهضة التعذيب عن اجتماعات الدورة 55 التي اختتمت اعمالها في جنيف في 14/8/2015، يعتبر مركز جنيف الدولي للعدالة فشل السلطات العراقيّة في الإجابة على الأسئلة المحدّدة التي وجهتها الأمم المتحدّة بشأن الاستخدام الواسع النطاق للتعذيب في العراق بانه "اعتراف ضمني" بوجود هذه الممارسة اللاإنسانية.
ولأهميّة الأسئلة التي طُرحت، واهميّة ان تقوم منظمات المجتمع المدني في العراق والناشطين في مجال حقوق الإنسان، والأجهزة الرسمية ذات الصلة، وبخاصّة الاجهزة القضائية، بمتابعة ما طلبته اللجنة فان المركز يقدّم خلاصة مركزّة جدّا لما طرحته اللجنة واعضائها من اسئلة على الوفد العراقي.
ففي تلك الاجتماعات لم يستطع أعضاء الوفد العراقي تقديم إجاباتٍ مقنعة عن الاسئلة الكثيرة التي وجهها رئيس وأعضاء اللجنة وظلت اجاباتهم تدور في اطار قراءة النصوص التي تحرّم التعذيب في الاتفاقيات الدولية والتشريعات الداخلية والتي تنصّ على ضمانات لحقوقهم، ومعاملتهم معاملة وفق القوانين، وغير ذلك من النصوص التي ظلّت حبراً على الورق في العراق. وهو ما حدا بأحد أعضاء لجنة الأمم المتحدّة لمناهضة التعذيب ان يردّ على اجابات الوفد العراقي بحدّة قائلا: "قد تكون لديكم افضل التطلعات وافضل القوانين وافضل الاهتمام بقضايا حقوق الإنسان المهم هو ما يجري في الميدان وفيما اذا كانت السلطة تحمي مواطنيها ام انها تستهدفهم فيقعون ضحايا لها، هنا الفارق الكبير. فهنالك صور مروعة رأيناها بشان الذين حرقوا احياءً وتعرّضوا لجرائم كثيرة، وهي جرائم منتشرة لك على نطاق واسع".
أسئلة ظلّت دون جواب
بعد ان انتهى الوفد العراقي من تقديم تقريره، طرح أعضاء لجنة الأمم المتحدّة لمناهضة التعذيب، وعلى مدى يومين، خُصّصا لمناقشة تقرير العراق أثناء الدورة، أسئلة مهمّة، ومحدّدة، بخصوص ممارسة التعذيب في العراق وموقف الحكومة منه. هذه الاسئلة تركزّت على الإطار القانوني والتشريعات، والممارسات، فتناولت كل ما يتعلق بالتشريعات العراقية وبالمعاملة المهينة والتعذيب اثناء الاعتقالات وفي السجون ومراكز الاعتقال.
وأكد أعضاء اللجنة ان لديهم ما يؤكد القصور الواضح في القوانين والتشريعات وما يثبت حصول انتهاكات جسيمة، إلاّ انهم يودّون سماع اجابات الوفد العراقي. إلآ ان معظم هذه الأسئلة ظلّت دون جواب، فقد فوجئ اعضاء الوفد العراقي بها، ولمّا لم ينفع اللف والدوران، طلبوا العودة الى مراجعهم بشأنها.
ومن القضايا التي درات بشأنها اسئلة اللجنة، عدم وجود تعريف للتعذيب في القوانين العراقية رغم ان العراق قد صادق على اتفاقية التعذيب وكان المفروض ان تعدّل القوانين القائمة لتعكس التعريف والالتزامات في الاتفاقية او تصدر تشريعات جديدة. ولذلك فان السؤال المحدد الذي ظل يتكرر: ما الذي ستقوم به الحكومة العراقية لأدراج التعذيب في التشريعات الوطنية على النحو الذي يتمشى تماما مع الاتفاقية؟ كيف ستعاقب من يقوم بالتعذيب ان لم يكن هنالك تعريفا في القانون؟
كما وجّهت اللجنة عدداً من الأسئلة بخصوص اعتماد قرارات المحاكم على افادة المخبر السري، والممارسة غير القانونية ببث الاعترافات على شاشات التلفزيون وغير ذلك من الانتهاكات التي تبعث على القلق وتخرق افتراض البراءة قبل المحاكمات. وتساءلت عن خطة الحكومة العراقية لأنهاء كل ذلك؟
عدم استقلالية القضاء العراقي
كما تناولت مجموعة أخرى من الاسئلة عدم استقلالية وفاعلية النظام القضائي العراقي، وصلاحيات مجلس القضاء الأعلى، وتأثيره على السلوك المهني للقضاة. واشارت اللجنة الى تقرير بعثة الأمم المتحدة في العراق من السلطة القضائية غير قادرة على اداء دورها كحصن لتطبيق القانون. فالمحاكم والهيئات الخاصة تتنكر لابسط حقوق المتهمين بتعيين محامٍ يدافع عنهم او الاطلاع على التهم الموجهة اليهم. وهنالك تهديد للمحامين والقضاة بل انهم يدانون او يقتلون. وتركزّت اسئلة كثيرة بشأن فشل القضاء في العراق في التحقيق والقيام بواجباته حسب الدستور واتخاذ الاجراءات ضد ممارسات التعذيب واصداره احكاماً طبقاً لاعترافات إنتزعت بالقوة من خلال التعذيب، وكذلك ما ثبتته بعثة الأمم المتحدّة في العراق بهذا الخصوص. وطالبت اللجنة الوفد العراقي تقديم ادلّة على اية تحقيقات قد جرت بهذا الخصوص، فلم يستطع.
وتناولت طائفة من الأسئلة التطبيق المتواتر لعقوبة الاعدام في العراق. فذكرت اللجنة انه طبقا للمنظمات غير الحكومية فان المعدّل مرتفع جداً، وان عقوبة الإعدام تُطبّق على طائفة واسعة من الافعال التي لا تقع ضمن أكثر الأفعال خطورة. وتساءلت: هل يمكن وقف استخدام عقوبة الاعدام؟ وهل يمكن في اقل تقدير قصر العقوبة على الجرائم الأكثر خطورةً؟
وهل قامت وزارة حقوق الإنسان باستعراضٍ لمراجعة كيفية تطبيق عقوبة الإعدام كما سبق وان وعدت الأمم المتحدّة بذلك؟
أوضحت اللجنة ان المادة 2 من الاتفاقية تُطالب الدولة الطرف اتخاذ تدابير فعالة لمنع وقوع التعذيب اصلاً، قبل ان تأتي المواد الأخرى التي تُلزم الدول بإجراء التحقيقات اللازمة، فينبغي على العراق، الدولة العضو في الاتفاقية، القيام بهذه التدابير، وهنا وجّهت مجموعة اخرى من الأسئلة المحدّدة وهي كما جاءت على لسان اعضاء اللجنة ولكن باختصار شديد:
- عندما يتم القبض على الشخص، هل يتم ابلاغه على الفور باسباب ودواعي القبض عليه؟....هل ان الشخص يُسجّل فوراً بسجل متاح لاطلاع السلطات والمحامين وكل المعنيين؟ هل يمكن ان يبلغ اعضاء اسرته او شخصاً يختاره: طلبت اللجنة اجابة محدّدة؟
- بالنسبة الى الاشخاص المعتقلين، يقول تقرير العراق انه يتم التوفير كل الضمانات لهم مباشرة اومن خلال مجالس التفتيش او وزارة حقوق الانسان او ممثليهم القانونين او ذويهم، للحصول على محامٍ. واعتبرت اللجنة ان الضمانة الحقيقية ليس الاذن بالترخيص للحصول على محام اثناء المحاكمة، ولكن فور القاء القبض عليهم وقبل الاستجواب. فهذا هو الأمر الملّح...وتساءلت هل يمكن للمعتقل الحصول على محامٍ فوراعتقاله، واثناء استجوابه من قبل الشرطة؟ وأوضحت اللجنة "ان الوجود الالزامي للمحامي هو ضمان مهمّ بوجه اي سوء للمعاملة من قبل الشرطة، وسيكون أكثر اهمية مع الاشخاص المُتهمين بارتكاب الأرهاب".
- التقرير الحكومي اشار الى حقّ المعتقل بالفحص الطبّي، فهل هذا الحقّ معمول به فعلاً؟، اي هل يحقّ فعلاً للشخص المعتقل (للتو) الحصول على فحصٍ طبّي فوري قبل الذهاب الى القاضي؟
- اشارت اللجنة الى تقرير بعثة الأمم المتحدّة في العراق (يونامي) وما جاء في خلاصته: ان كل الذين تعرّضوا للتعذيب لم يحصلوا على تقارير طبية، فالشرطة لم تسمح لهم بالحصول على ذلك...وتساءلت كيف تسمح الحكومة ذلك، وما هي اجراءاتها لمعالجته؟
- تواصل اللجنة بالقول: معلوماتنا من المنظمات غير الحكومية ان هنالك الاف المعتقلين سرياً ويبقون فترات طويلة ولا أحد يعرف بهم، وبدون تهم، وهنالك ادلة من تقرير يونامي لعام 2014 يؤكد ان هنالك من قضى عشرة اعوام دون تهمة، فكيف سمحت الحكومة بذلك، هذه انتهاكات خطيرة جدّا لإلتزاماتها، فما هي إجراءاتها لإغلاق كل هذه السجون؟
- هنالك تاكيد من لجنة حقوق الانسان في البرلمان بان هنالك 40 الف معتقل ينتظرون التحقيق. ومعلومات كثيرة اخرى من المنظمات غير الحكومية عن ذلك وعن ما تتعرضّ له النساء من اهانات وتعذيب على يد قوات الامن، لكنكم تقولون انكم ما زلتم تمرّون بمرحلة انتقالية من نظام لآخر؟ متى ستنتهون من ذلك فلقد مرّ وقت طويل؟ وما هي التدابير المتخذة لمواجهة انتهاكات قوات الأمن هذه؟
- هل هنالك اي مسؤول رسمي قد عوقب فعلا لقيامه باعتقالات ليست وفق القانون؟ من هو؟ نريد اجابات محددة!.
- كيف هي ظروف المعيشة في السجون، من اكتظاظ السجون والافتقار لأي خدمات صحية، هل ان الحد الادنى من المعايير المحدّدة من قبل الامم المتحدة منذ عام 1951 قدّ طُبّق؟
- هل تتم زيارات السجون بدون اذن مسبق ؟ هل تستطيع مفوضية حقوق الانسان في العراق القيام بذلك؟ معلوماتنا انها تحتاج الى اذنٍ مسبق ولا يمكنهم القيام بزيارات مفاجئة وهو انتهاك واضح للقانون العراقي!
- التقارير تؤكد انتشار التعذيب في المعتقلات التي تتحكم بها وزارتي الداخلية والدفاع؟ انكم تقولون ان التعذيب ممارسة مرفوضة لكن الامثلة الكثيرة تؤكد انها ممارسة موجودة...ولدينا تأكيدات على ممارسته فعلياً. هنالك اعترافات حتى من وزارة حقوق الانسان تشير الى تلقيها 600 عريضة لمزاعم بالتعذيبب. فهذا تأكيد على ان الممارسة قائمة وموجودة...فما الذي قمتم به حيال مزاعم التعذيب هذه؟ هل حقّقتم؟ هل حاكمتم المتسببين؟ هل عوضّتم الضحايا؟
- ان وفد العراق اعترف امام الامم المتحدة (في تشرين الثاني 2014) بوجود 516 حالة من التعذيب التي تم التأكّد من حصولها، بين عامي 2008 و2014 ، فمن هي الجهة التابعة للدولة التي قامت بهذا التعذيب؟ وهل تم التحقيق بذلك فعلاً؟ وما عدد الحالات والعقوبات والتدابير التي اتخذت؟
- ما هي اجراءاتكم لتحويل كل السجون والمعتقلات لوزارة العدل؟
- ثم تناولت اللجنة حالات الموت اثناء الاعتقال، مبينةً ان هنالك معلومات تؤكد حصول ما لا يقلّ 236 حالة وفاة اثناء الإعتقا خلال الفترة الماضية...والكثير منها طبعاً بسبب التعذيب.. وسألت الوفد: ما هي الإجراءات التي قمتم بها؟ هل قمتم بالتحقيق؟ هل عرفتم الأسباب؟ اين هي الوثائق المعنيّة بذلك؟
تداخل وتضارب الإختصاصات
وقال خبراء آخرون في مستهل كلامهم انه لا يمكن ذكر العراق دون ان يتذكّر المرء من سقط من العراقيين ضحايا منذ غزو 2003 فالرحمة لهم والسلامة لاولئك الذين تعرضّوا لاصابات. ثم وجّهت اسئلة بخصوص التدريب الذي جرى ويجري لأجهزة انفاذ القانون، والقضاة حيث لاحظت اللجنة انه لا توجد استراتيجية متسقة لهذا التدريب، وهنالك تداخل بين عدة جهات، وتضارب في اختصاصاتها، فضلاً عن ضآلة الجهود، وتبعثر الاجراءات. إن افراد الشرطة، القضاة، والأطباء يُفترض ان يحضون بالتدريب اللازم وان تكون لديهم معلومات دقيقة عن تنفيذ الاتفاقية. وهنا وجّهت انتقادات لأن الوفد العراقي لم يضم قادة من اجهزة الشرطة ومن امراء السجون والقضاة لكي يطلعوا على طبيعة الأسئلة الموجّهة ويساهموا في تقديم الإجابات عليها.
هنالك تعدّد في الدوائر التي تقوم بالاعتقال، الجيش، الداخلية، الشرطة، المخابرات.....الخ؟ ولا يوجد سياق قانوني واحد واضح، فهي تتعدّد وتختلف فيما بينها ولكل منها طرق ونظم مختلفة. ويضاف الى ذلك الفساد المستشري في هذه الأجهزة وبخاصة الأمن والشرطة، فلكي يخرج البرئ عليه ان يدفع رشوة. وهنا طلبت اللجنة اجوبة عن الإجراءات لمنع هذه الممارسة المرفوضة قانوناً وموقف الحكومة (العملي) منها؟
واكدّت اللجنة ان الاحتجاز دون تهمة واضحة، وزج العراقيين بمراكز اعتقالات تديرها جهات متعددة، وممارسة التعذيب ضد المعتقلين هي ممارسات مرفوضة ويتطلب ليس رفضها قانوناً بل بالممارسة ايضاً. كما اكدّت ان عرض بعض المتهمّين على التلفزيون يعدّ إهانة للكرامة الانسانية ويقوّض مبدأ افتراض البراءة حت تثبت الإدانة من خلال محاكمة عادلة.
الحرب على الإرهاب وجرائم الحشد الشعبي
واعاد خبير آخر التأكيد على مسؤولية الحكومة عن جرائم الميليشيات وما يسمّى (الحشد الشعبي) وما تقوم به من اعتقالات، وتعذيب، وحرقٍ للجثث، مؤكدّاً ان كل مرتكبي هذه الأعمال يجب ان يقدّموا الى القضاء وان تجري محاكمتهم. واكدّ إن الدولة الطرف عليها ان تجلي الأمور. نتحدث عن دولة القانون في كل العالم. نعم الدولة تواجه مشكلة في تحرير اراضيها، لكن حليف الحكومة وهو "الحشد الشعبي" يرتكب انتهاكات وجرائم كبيرة، حيدر العبادي نفسه اعترف بارتكاب "الحشد الشعبي" جرائم وليس افعال عادية. فالحليف يجب ان يحترم قواعد الدولة. وعلى الحكومة ان تضمن ان اعماله تتسق مع القانون، وان تضعه تحت ادارتها الكاملة. لا يمكن ان نعيب على داعش اموراً ونقبل ان يقوم بها الحشد الشعبي في الأنبار والموصل ومكانات اخرى.
وتركزّت طائفة من الأسئلة على العلاقة بين قانون الارهاب وبين قانون حقوق الانسان ووجوب عدم استغلال ما يسمّى (الحرب على الارهاب) لإرتكاب انتهاكات من قبل اجهزة الدولة فحظر التعذيب هو مطلق حتى لو كان المعتقل ارهابي. فما هي الممارسة المتبعة؟
اذ جرى التأكيد ان اللجنة تلاحظ استخدام قانون مكافحة الارهاب كأداة للتخلص من بعض الاشخاص وفي احيان كثيرة على اساس طائفي وتطبيق احكام الاعدام عليهم بمحاكمات غير عادلة، واحياناً لا تستغرق سوى دقائق معدودة، ويجري الاعدام بوتيرة متسارعة من المحكمة الخاصة. التي وصفت بانها نظام للانتقام، وهذا ليس واجب القضاء الذي يجب ان يسعى لتحقيق العدل وليس الانتقام. فيجب معالجة ذلك.
إن احترام حق البرئ، يجب ان يُطبّق باثر رجعي على كل الاشخاص الذين احتجزوا بطريقة غير قانونية وحوكموا وعوقبوا وهم ابرياء، فيجب ان تعويضهم او تعويض اسرهم عن ما اصابهم من اضرار جرّاء ذلك.
يجب ضمان الفحص الطبي من اللحظات الأولى للاعتقال، فهو حق اصيل، إن الوصول الى طبيب عندما يأتي في مرحلة متأخرة جدا، اي بعد ان تكون علائم التعذيب قد اختفت، هو غير صحيح في حين يجب ان يتم في كل المراحل ومنذ اللحظات الأولى للاعتقال... ومن المهم الأخذ باحدى عناصر بروتوكل اسطنبول التي تقول: عدم وجود علائم تعذيب لا يعني عدم وجود تعذيب. كذلك من هم الأطباء الذين يقومون باجراء الفحوص؟. هل هم تابعون لوزارة الصحة، ام تابعون لمراكز العدالة الجنائية؟. هل جرى تدريبهم بشكل كاف؟ كذلك فان الفحص الطبي بعد الادانة يجب ان يحال الى الطب العدلي، ويجب ان يكون متاحاً لاطلاع المحامي والاسرة. يجب تزويدنا باحصاءات باسماء الذين تعرّضوا للتعذيب، والتحقيقات التي جرت، وما هي الإجراءات التي اتخذت.
خبير آخر استهل اسئلته بالقول ان اجابات الوفد العراقي غير كافية لاجراء حوار تفاعلي لأعادة البلد الى وضعه خاصة في مجال حقوق الإنسان. ففي الحديث عن العدالة الانتقالية، شواغلنا هنا هو التفاوت بين القانون كما هو مبين في التقرير وبين الفعل والممارسة الميدانية. قد تكون لديكم افضل التطلعات وافضل القوانين وكل الإهتمام بقضايا حقوق الإنسان لكن المحاكم هي صورة لما يجري في الميدان واذا كانت الدولة تحمي مواطنيها ام لا؟ ام انها تستهدفهم فيقعون ضحايا لها، فهنالك فارق كبير بين الامرين. وهنالك صوراً مروعة بشكل غير مقبول على الاطلاق عن ممارسات الميليشيات كما بشان الذين احرقوا احياءً والمواطنون الذين تعرضّوا لجرائم كثيرة حيث جرى ذلك على نطاق واسع. نحن لن نتغاضى عن اي ممارسة من هذه الممارسات وتلك التي وقعت في السجون والمعتقلات. كذلك يتضح ان هنالك مشكلة كبيرة تتمثل في النظام الجنائي العراقي الذي يعتمد بصورة كلّية على الاعترافات.
اعتقالات وتعذيب يطال النساء على اساس طائفي
كذلك وجّه اعضاء اللجنة اسئلة بخصوص ما تتعرض له النساء الذين يقعون في الاعتقال ضمن نظام العدالة الجنائية في العراق، مؤكدّين ان هنالك تقارير من منظمات حقوق الأنسان والصليب الأحمر والصحفيين عن تعرّض النساء للتعذيب فضلاً عن الاحتجازات غير القانونية وهنالك اعتداءات جنسية وحالات تعذيب خطيرة لا يتم التحقيق بها. واعتبروا ان الامر مروّع حقاً. وقالوا ان الوزارات ذات الصلة لم توفّر اية احصاءات عن الموظفين الذين ارتكبوا مئات وآلاف من حالات التعذيب في العراق. هنالك نسبة عالية من النساء يجري اعتقالهن وفي المعتقلات يجري اجبارهن على التوقيع على اوراق بيضاء لكي تملأ باعترافات تستخدّم ضدّهن، وهنالك تقارير لمنظمات غير الحكومية تؤكد مقابلة نساء يظهر عليهن آثار لجروح وحروق وكسور جرت اثناء الاعتقال.
وقالت اللجنة ان القانون المعني بمكافحة الارهاب رقم 13 لعام 2005، يستخدم لزجّ الكثير في المعتقلات دون مسوّغ قانوني وانما لاسباب سياسية او طائفية. وان من بين المعتقلين نساء يعتقلن بسبب انتمائهن الطائفي او العشائري. وهنالك احصاءات قدّمت من مكتب رئيس الوزراء تفيد بان معظم الاعتقالات من النساء تجري في اوساط (السنّة) فهنالك ما يقرب من أربعة آلاف ومائتي حالة من هذا القبيل من النساء (السنيّات) تم اخضاعهن بالقوة لتقديم معلومات عن ذويهم والجيران. وطالبت بتقديم ايضاحات واجابات وافية عن ذلك وعن الإجراءات المتخذّة ضدّ المتسببين.
محاسبة المسؤولين عن الإنتهاكات
وكرّر أعضاء من اللجنة أسئلة تتعلق بالحبس الانفرادي وما تقوم به قوات الامن والشرطة من معاملة مهينة وممارسة التعذيب ضد المعتقلين الذين يتم في نهاية الأمر ادانتهم بارتكاب جرائم لم يرتكبوها بل لأنهم لم يستطيعوا الدفاع عن أنفسهم فلم تتح لهم السلطات ذلك ولم يُسمح لهم بالاستعانة بمحامٍ. وطالبت اللجنة بتقديم اسماء المسؤولين عن هذه الانتهاكات وماهيّة الاجراءات التي اتخذت بحقّهم.
كما تكرّرت كثير من الاسئلة بخصوص كيفية تنفيذ العراق لالتزاماته بمنع التعذيب ومنع الاحتجاز السري وفيما اذا كانت قد جرت تحقيقات ومحاكمات عن وجود السجون السرية. وذكرت اللجنة كمثال انه ضمن وزارة الداخلية عندما كان وزيرها (جبر صولاغ) عُثر على سجن سرّي فيه 139 سجيناً هو سجن الحارثية فهل تم اتخاذ اجراءات عن ذلك، ما هي؟..... وهل تم محاسبة المسؤولين المعنيين؟.
كما عاود اعضاء اللجنة التأكيد على موضوع الافلات من العقاب (أي عدم محاسبة المتسببين بالانتهاكات والجرائم من الطرف الحكومي ومن يعمل معه)، وطالبوا بتقديم كل المسؤولين عن الإنتهاكات للقضاء، وتساءلوا عن نيّة الحكومة اتخاذ اجراءات وتعديل القوانين بما يُنهي حالة الافلات من العقاب ويتم محاسبة المسؤوين عن الانتهاكات ومنع تكرار انتهاكاتهم. وتشمل هذه الانتهاكات الاعتقالات التعسفية، المعاملة السيئة او المهينة، الحرمان من المستلزمات الأساسيّة في السجون والمعتقلات، الحرمان من الاتصال بالاهل، توكيل محامي منذ اللحظات الاولى للاعتقال، الرعاية الطبّية، التعذيب وكل ممارسة لا تقوم على القانون.
ثم اعاد رئيس اللجنة تأكيد المسائل الأساسية التي طرحها اعضاء اللجنة وفي المقدمة منها الاهمية القصوى لوضع تعريف محدّد للتعذيب، مبيناً انه لا يمكن التذّرع باي ظرف استثنائي لتبرير التعذيب، وكذلك اهمية معاقبة كل من مارس التعذيب واجبر المتهمين على تقديم اعترافات، فالاتفاقية تطالب بعقوبات شديدة لمن يرتكب التعذيب. واضاف، "نحن سمعنا ان العقوبة في العراق هي السجن لمدة عام ودفع غرامة وهذه عقوبة غير كافية مطلقاً وغير رادعة ضد هذه الممارسة اللاانسانيّة".
وطالب رئيس اللجنة من الوفد العراقي تقديم ردود على هذه الاسئلة وتزويد اللجنة بتفاصيل الإجراءات المتخذة ضد المسؤولين والموظفين الذين ارتكبوا جريمة التعذيب مع قائمة باسمائهم واسماء الضحايا وفيما اذا تم تعويضهم جرّاء ذلك. كذلك معاقبة المسؤولين الذين يقومون باحتجاز اشخاص دون مسوّغ قانوني، وحرمان اهلهم من معرفة مصيرهم او مقابلتهم، ويبقون فترات طويلة دون تهمٍ، فهذه كلّها نوع من انواع التعذيب. طالب ايضاً بتقديم معلومات عن سجن مطار المثنى، وفيما اذا تم اغلاقه وكذلك السجون الموجودة في الوحدات العسكرية او التابعة للداخلية، مؤكّداً اهميّة اجابات صريحة ومحدّدة. واعتبر رئيس اللجنة ان "السجون العراقية تتخذ وسيلة لاجبار النساء على ممارسة البغاء، ويتم بعد ذلك الاتجار بهنّ وبالاطفال وحتى الرجال، معتبراً انه لا توجد ايّ متابعة من الحكومة ولا تحاسب من يقوم بذلك. واضاف رئيس اللجنة، إن مراكز الاعتقالات السرّية يجب ان تنتهي فهذه السجون السرّية لها نتائج رهيبة، وان التقارير الموجودة لدى اللجنة والأمم المتحدّة تؤكد ذلك.
وكان مركز جنيف الدولي قد ساهم في اجتماع اللجنة وقدّم تقريراً موازياً لتقرير الحكومة العراقيّة فصّل فيه ما جرى من انتهاكات لاتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب واتفاقيات جنيف في العراق منذ عام 2003، من قبل سلطات الاحتلال والحكومات التي تعاقبت على الحكم في العراق. واكد بالوثائق ان السلطات العراقية تمارس التعذيب على نطاق واسع وبطريقة ممنهجة. وقال ان الأجهزة الحكومية التي تمارس سلطة الاعتقال هي كثيرة يضاف اليها الميليشيات وما يسمّى بـ (الحشد الشعبي) دون أي مسائلة من الحكومة.
ويشير تقرير مركز جنيف للعدالة انه قد جرى اعداده بالتعاون مع عدد من منظمات المجتمع المدني ومنها: اللجنة العراقية لحقوق الإنسان، جمعية المدافعين عن حقوق الإنسان في العراق، قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين في العراق، والإتحاد العام لنساء العراق، ومنظمة الدبلوماسيين العراقيين، وجمعية المثقفين والأكاديميين العراقيين، المركز العراقي لحقوق الإنسان، منظمة الديمقراطية والعدالة في العراق و جمعية المحامين العرب في المملكة المتحدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق