بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
|
من أجل ماذا يقتتل اليمنيون؟
|
شبكة البصرة
|
د. أحمد قايد الصايدي
|
من أجل ماذا يقتتل اليمنيون؟ سؤال محوري صعب، يحتار المرء في الإجابة عليه. رغم أن البعض يظنه سؤالاً سهلاً، ويقدم الإجابات المتناقضة كل يوم. ومصدر الصعوبة عدم وجود تباين جوهري، بين الأطراف المتقاتلة، تبرر القتل. ولذا نتألم عندما يسقط قتيل أو جريح، أياً كان الطرف الذي ينتمي إليه. ويغدو من العبث أن نسأل أنفسنا في أي صف قاتل؟ فالأهم من ذلك أن نسأل: من أجل ماذا قاتل وفي سبيل ماذا قُتل؟
من الطبيعي أن نسأل: ماالذي يميز الأطراف المتقاتلة، بعضها عن بعض؟ وهو سؤال وجيه. ولكن السؤال الأكثر وجاهة هو: أليس هناك مايجمعهم؟ فالعقلاء الحريصون على بلدهم وشعبهم والمدركون للمصالح العامة، المشتركة بين أبناء اليمن، يبحثون عما يجمع، لا عما يفرق. ومع ذلك دعونا نتحرك خارج حدود العقل والعقلاء، ونتعامل مع السؤال الأول فقط: ماالذي يميز الأطراف المتقاتلة، بعضها عن بعض؟ في الواقع أنني لا أجد إجابة مقنعة. ولعلهم يسعفوننا بإجابة تقنع الجميع وتبرر القتل والإقتتال. فكلهم يمارس القتل بصور مختلفة وتحت يافطات محيرة. بل إن بعضهم يندفع إلى ممارسة القتل وكأنه يؤدي فريضة شرعية، يتقرب بها إلى الله. ومع غرابة هذا الأمر، إلا أن مانشاهده أمامنا لايترك لنا مجالاً لاستبعاد وجود مثل هذا التفكير الضال، الذي يغفل صاحبه عن حقيقة أن من يقتله هو أخوه. وفي يقيني أن المسلم لايقتل أخاه إلا في لحظة ضعف في الإيمان وتشوش في الرؤية واختلاط في المفاهيم واضطراب في الحالة النفسية، أوغياب المشاعر الوطنية وتضخم الأنانيه والمصالح الذاتية. وكل هذا يضع إيمانه موضع تساؤل وشك، إذا ماربطنا الإيمان بتجلياته في السلوك والمعاملة، لأننا لانستطيع أن نميز المؤمن من غير المؤمن إلا بما يصدر عنه من عمل وسلوك، يجسد إيمانه. هذه هي حدود قدرتنا البشرية في التمييز.
وتتزاحم الإسئلة في الذهن، وتتفرع عن كل سؤال منها أسئلة كثيرة: هل تبرر الخلافات الثانوية، ومعظمها مصطنعة يتم تضخيمها لأغراض نعرفها، هل تبرر القتل وسفك الدماء وتدمير المجتمع والوطن؟ ماذا تريد النخب المتزعمة للتنظيمات المتقاتلة، بمختلف ألوانها وشعاراتها؟ هل هناك شيء آخر يتقاتلون من أجله، سوى السلطة؟ ولماذا يسوق هؤلاء مجاميع اليمنيين الطيبين، ليقتتلوا فيما بينهم، من أجل إيصال هذا أو ذاك إلى السلطة؟ هل هذه هي معركتنا الحقيقية، أم أن لدينا كيمنيين همومنا ومعاركنا، التي يبدو أنها لاتعني هؤلاء في شيء؟ معارك مع الجهل والتخلف والفقر والأمراض السارية وانعدام الأمن والإستقرار واختلال القيم وضعف مؤسسات الدولة وغياب الإرادة الوطنية وتنوير اليمن بالكهرباء التي لاتنقطع، وتوفير المياه التي لاتجف، والمواد النفطية التي لاتنعدم، إلى غير ذلك من معارك وتحديات، نحن مجبرون، اليوم أو غداً، على خوضها. فلنخضها معاً، متَّحدين ملتحمين، كتفاً بكتف، إذا أردنا أن نبني وطناً يعتز بنا ونعتز به، ونصنع حياة كريمة لنا ولأبنائنا وأحفادنا من بعدنا.
قد تكون صراعاتنا المفتعلة هذه وتقطيع أوصالنا بأيدينا، جزءاً مما يراد لنا الإنشغال به عن معاركنا الحقيقية، التي ذكرت بعضاً منها، بل أكاد أجزم بأنها كذلك. وليس هذا من نسج الخيال، فالوقائع كثيرة والوثائق، التي أصبحت في متناول اليد، متوفرة. وكلها تؤكد أن القوى الخارجية تتخذ طرائق مخادعة، للدفاع عن مصالحها، ومنها، بل من أنجعها وأضمنها: تشجيعنا على تمزيق أنفسنا، إلى عشائر ومناطق ومذاهب وسلالات متناحرة متقاتلة. ويبدو أننا لن ندرك مدى ضرر هذا على حياتنا، كما أشرت في مقال سابق، إلا بعد فوات الأوان. وعندها قد نردد ماقاله يمني في ظرف خاص، مماثل للظرف العام الذي نعيشه اليوم(1): "على ويش قتلناه؟". ولن نعثر على إجابة عقلانية مقنعة، لأنه لاشيء يستحق أن يقتل بعضنا بعضاً من أجله.
وسأورد في مايلي فقرات من مذكرات أحد العاملين في أجهزة وزارة المستعمرات البريطانية خلال الحكم العثماني للبلاد العربية، كان قد كُلف بمهمة السفر إلى تركيا ثم إلى العراق، لدراسة الأوضاع العامة هناك وموافات رؤسائه بالتقارير، التي ستفيد وزارة المستعمرات البريطانية في رسم سياساتها تجاه الشرق، ولاسيما تجاه البلاد العربية. وقد احترت في أمر هذه المذكرات عند قراءتها، ونظرت إليها بعين الشك، لغرابتها. ولكن جوهر ماورد فيها يتكرر حتى اليوم، في الكثير من التقارير الإستخباراتية، وحتى في البحوث العلمية الموجهة. مما يدل على أن المصالح هي المصالح، والسياسات، التي تخدم هذه المصالح، هي في مضمونها نفس السياسات، وإن تغيرت في بعض أشكالها ومظاهرها. فالدول الكبرى ترسم سياسات بعيدة المدى، لأنها ببساطة تدرك مصالحها حق الإدارك، ونتوه نحن في القضايا الجانبية ونتعثر في الأشياء الصغيرة، الملقاة في طريقنا. لأن مصالحنا الوطنية العليا خارج نطاق الإدراك والتفكير. ولنقرأ معاً هذه الفقرات ونتعقَّلها:
"كنا نضع الخطط الطويلة الأمد لأجل سيطرة التفرقة والجهل والفقر، وأحياناً المرض – أيضاً – على هذه البلاد وكنا لانجد صعوبة في تغطية نوايانا".
"الإهتمام بزرع الحكام الفاسدين في البلاد بحيث يكونون آلة بيد الوزارة (يقصد وزارة المستعمرات البريطانية) يأتمرون بأمرها".
"كنا قد عقدنا مع الرجل المريض (يقصد تركيا) عدة معاهدات كلها كانت في صالحنا، وكانت تقديرات خبراء وزارة المستعمرات أن الرجل سيلفظ نفَسَه الأخير في أقل من قرن، وكذلك كنا قد عقدنا مع حكومة الفرس – سراً – عدة معاهدات، وكنا قد زرعنا الجواسيس والعملاء في هذين البلدين، وكانت الرشوة، وفساد الإدارة، وانشغال ملوكها بالنساء والحسناوات قد نخرت في جسم هذين البلدين".
"إن مثل هذا النزاع (يقصد النزاع بين السنة والشيعة على مسألة السلطة) موجود في كل دين وفي المسيحية بصورة خاصة لكني لا أعلم ماهو المبرر لبقاء هذا النزاع، فقد مات (علي وعمر) وعلى المسلمين - (إن كانوا عقلاء) – أن يفكروا في هذا اليوم لافي الماضي السحيق. ذات مرة ذكرت لبعض رؤسائي في الوزارة اختلاف السنة والشيعة وقلت له: إنهم لو كانوا يفهمون الحياة لتركوا النزاع ووحدوا كلمتهم، فنهرني الرئيس قائلاً: الواجب عليك أن تزيد الشقة لا أن تحاول جمع كلمة المسلمين".
وبمناسبة سفر هذا الموظف إلى العراق، حدد له رئيسه المهمة، التي يتوجب عليه إنجازها، قائلاً: "هناك نزاعات طبيعية بين البشر منذ أن خلق الله (هابيل وقابيل) وستبقى هذه النزاعات إلى أن يعود المسيح: 1. فمن نزاعات لونية. 2. ومن نزاعات قبلية. 3. ومن نزاعات إقليمية. 4. ومن نزاعات قومية. 5. ومن نزاعات دينية. ومهمتك في هذه السفرة أن تتعرف على هذه النزاعات بين المسلمين وتعرف البركان المستعد للإنفجار منها، وتزود الوزارة بالمعلومات الدقيقة حول ذلك وإن تمكنت من تفجير النزاع كنت في قمة الخدمة لبريطانيا العظمى".
كانت هذه دائماً سياسة الأقوياء تجاه الضعفاء. ولا نستطيع أن نلومهم على انتهاجها، لأنهم يخدمون بها مصالحهم. ولكننا نلوم أنفسنا، لأننا لم ندرك مصالحنا ولم نحسن الدفاع عنها. بل فرطنا بها وغفلنا عما يحاك لنا من مؤامرات، وتوهمنا عداوات بيننا، ليس لها أساس ولاموضوع، ومضينا نمزق أنفسنا بأيدنا ونظهر بطولاتنا وعنترياتنا تجاه بعضنا. فهل سيأتي علينا يوم نعقل ونتدبر ونفكر ونهتدي إلى مافيه خيرنا جميعاً وإلى مايحفظ كياننا ويصون نسيجنا الوطني ويحمي مصالحنا العليا ويحقن دماءنا الغالية علينا؟ ألسنا جميعنا يمنيين عرباً مسلمين، نؤمن بالله ورسوله. ألم يعلمنا الرسول الأعظم بأن الإسلام في جوهره أخلاق ومحبة وإخاء وإيثار ومعاملة ونصح وتعاون وتكافل. أليس هو القائل: إنمابعثت لأتمم مكارم الأخلاق، ولايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه مايحب لنفسه؟ فهل يحب أحدنا لنفسه أن يُقتل ويخلف وراءه أيتاماً وثكالى؟ أفيصح إسلامه إن أحب لأخيه ذلك؟ ألم يوجهنا الرسول بأن دم المسلم على المسلم حرام، وأن هدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من قتل رجل مسلم؟ فهل هذا هو الإسلام الذي يؤمن به المتقاتلون؟ أم أن لدى كل منهم إسلامه الخاص، الذي لانعرفه ولا نعرف من أين أتى به، يأمره بأن يسفك دم أخيه وأن يدمر الحرث والنسل ويقضي على مصالح الأمة ومستقبلها، لغايات لانعرفها؟.
لقد قلنا في مقال سابق، إن إشهار السلاح لايجوز إلا في وجه محتل خارجي وفي وجه من يناصره ويعينه على احتلال بلده واستعباد شعبه. فمن أجل ماذا يشهر بعضنا السلاح في وجه بعضنا الآخر، ولمصلحة من نقتتل وندمر بلدنا ونقضي على حاضرنا ومستقبلنا؟ ولماذا لانعمل جميعنا بإخلاص لبناء دولتنا اليمنية، القوية الكفؤة، القادرة على حماية الجميع، الضامنه لأمن الوطن والمواطن، المالكة، وحدها دون غيرها، لوسائل القوة، ولكل أنواع الأسلحة، الثقيلة منها والمتوسطة والخفيفة، نيابة عن المجتمع كله؟ أليس هذا هو السبيل القويم لحفظ دمائنا وأرواحنا وإخراج أنفسنا وبلدنا من النفق المظلم الذي نتخبط فيه؟
(1) يُحكى أن رجلاً رأى قريباً له مشتبكاً مع شخص آخر، فهب إلى نجدة قريبه ووجه طعنة نجلاء إلى ذلك الشخص، فأرداه قتيلاً في الحال. وما أن سقط ذلك الشخص مضرجاً بدمه، حتى التفت الرجل إلى قريبه يسأله: على ويش قتلناه؟ أي من أجل ماذا قتلناه. ولكنه سؤال متأخر، كان يجب أن يطرحه قبل أن يقتل. فهل سيكون هذا حالنا؟
|
شبكة البصرة
|
قال سبحانه وتعالى
قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم
الاثنين، 9 يونيو 2014
د. أحمد قايد الصايدي : من أجل ماذا يقتتل اليمنيون؟
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق