مزاد علني لبيع العراق
وجهات نظر
مثنى عبدالله
ها هو السيناريو نفسه يتكرر مرة اخرى على ايدي الزعامات السياسية العراقية.
هل تذكرون الوجوه الكالحة التي كانت تظهر على الفضائيات، في اعوام ما قبل الغزو، تصرخ بالكذب والنفاق لتصنع مبررا للغزاة واللصوص الدوليين كي يقصفوا العراق؟
هل يمكن ان ينسى احد بياناتهم وتصريحاتهم واكاذيبهم التي كانت تسبق كل مناقشة لموضوع الحصار في الامم المتحدة، كي يصنعوا مبررا للفاعلين الدوليين في تمديده، لقتل المزيد من الاطفال والشيوخ؟
نعم هو المشهد نفسه نراه اليوم من الممثلين انفسهم، وعلى الرغم من ان الدور قد اختلف لكن الهدف هو نفسه.كان هدف بيع الوطن هو الوصول الى السلطة والاستحواذ على مقدرات العراق، وعندما وصلوا اليها اصبح الهدف هو بيع الوطن في سبيل استمرارهم في السلطة، لذلك وقف اسامة النجيفي ونوري المالكي وابراهيم الجعفري قبل ايام، مناشدين المجتمع الدولي كي يهب لانقاذ عروشهم، التي زعزعت اركانها الاحداث الاخيرة في الموصل وبقية المحافظات، وقبلها توسل القائد العام الهارب من ساحة القتال بالامريكان كي ينقذوا عرشه، وتلاها طلب النجدة من ايران وروسيا، لكن عليكم ان تقارنوا بين تناقضات مراحل سلطتهم، كي تروا حجم الكذب الذي يمارسونه. كان انسحاب القوات الامريكية من الاراضي العراقية قد سُمّي يوم السيادة، وتم تتويج القائد العام وشاح البطولة والنصر لانه صنع اتفاقية الانسحاب، لكن توسلاته بعودتهم اليوم ترفع الغطاء عن صناعة الكذب.كان كل متحدث باسم هذه الجهة السياسية او تلك ينتفض رافضا الحديث عن تدخلات إيران بالشأن العراقي، لكن ها هم يطلبون التدخل الايراني الصريح بالشأن العراقي. قالوا ان العراق سيد نفسه والحاكم بأمره ولا يتلقى الامر الا من عقله، وتبين ان عقولهم لا تملك اي مقومات الصحة العقلية.قالوا ان الجيش هو جيش العراقيين، وهو خط احمر يجب ان لا يتجرأ احد على المساس به وبقدراته، لكن صباح نينوى كشف عن حجم مهزلة الجيش الذي يقهرنا ولا يحمينا. لكن هل سيعلم بسطاء القوم حجم الجريمة، ويتخلص من آفة أمية الوعي السياسي كل من اصابت عقله لوثة الطائفية؟ قال محدثي بعد ان أقسم أغلظ الايمان، لو ان المالكي اخذ العراق واهله الى تهلكة اكثر ضراوة مما هو فيها، فهو راض ان يأكل حتى التراب من اجل ان يبقى المالكي في السلطة، فقط لانه شيعي مثله، بينما قال محدثي الاخر ان النجيفي والمطلك هما رمزا اهل السنة اللذين لا يأتيهما الباطل من بين ايديهم ولا خلفهم. اذن نحن امام حاضنة شعبية لكل هؤلاء السياسيين الذين صادروا العراق وطنا وشعبا، بل ان هنالك انقيادا اعمى لسياسات تدمر حاضرنا ومستقبلنا، لاننا تركنا الوطن وباتت الطائفية قدس اقداسنا. هل يُعقل ان يأخذ المالكي كل هذه الاصوات في الانتخابات الاخيرة، ان لم تكن هنالك حاضنة شعبية للطائفية التي زرعوها؟ نعم قد يكون التزوير اضاف اليه نسبة لا بأس بها من الاصوات، لكن لا يمكن القول انها كلها جاءت بالتزوير. دعونا من تلك الاقوال التي يرددها البعض بأن العراق جمجمة العرب، وان تاريخه يعود الى سبعة الاف سنة، وان العراقي صاحب نخوة وغيرة ولا ينام على ضيم. نعم هو كذلك، كل هذه المواصفات هي في الظروف الصحيحة والصحية حقيقة حية، لكنها تصبح مجرد اقوال في الظروف البائسة. كيف نطلب من عامة الناس ان يرتفعوا بوعيهم الى مستوى وعي النخبة في ظل كل هذا الجو السياسي الذليل، والفتاوى الدينية الطائفية الحمراء، ورقص وجهاء القوم بالسيوف والبنادق للقائد الهارب من جبهات قتال مجاميع مسلحة وليست جيوشا تقليدية؟ اذن أين الجمجمة والغيرة والتاريخ والحضارة التي نتغنى بها امام هذا المزاد العلني لبيع العراق؟ اننا امام حالة شاذة لا يمكن بأي حال من الاحوال الحديث عن انها باتت واقعا على الارض، لان الشواذ من الحالات تبقى مستهجنة ومرفوضة من الاغلبية الساحقة.متى كان المجتمع الدولي او هذه الدولة وتلك احرص على مصيرنا ومستقبلنا من انفسنا؟ لقد ساهم الجميع بما وصلنا اليه من حالة كارثية بحجة ضرورة تمتعنا بالديمقراطية وتخلصنا من الدكتاتورية، وها نحن اليوم على مشارف التقسيم والشرذمة والتطاحن، لذلك يجب ان تكون المراهنة على من خرج مطالبا بالحقوق بصورة حضارية سلمية لمدة عام كامل، لا على ساسة اللحظة والصدفة المصنعين في مطابخ المخابرات الامريكية والبريطانية والايرانية. عام كامل من المطالبات التي لم تجد اذانا صاغية ولا عقولا واعية ولا حتى وصفا صحيحا يليق بكراماتهم، وعندما دفعتهم السلطة الباغية الى الدفاع المسلح عن شرفهم وعن وجود العراق المادي والمعنوي في الضمائر، بات الساسة يتاجرون بقضيتهم في سوق الارهاب كي يكسبوا دعم هذا الطرف الدولي وغيره.نعم قلناها سابقا بان ما بعد انتفاضة الانبار لا يشبه بأي حال من الاحوال ما قبلها، ونكرر القول اليوم بأن ما بعد هروب القائد العام للقوات المسلحة من الموصل، لا يمكن ان يكون شبيها لما قبله. لقد تغيرت الظروف والوقائع على الارض جميعها، وظهرت معادلات سياسية جديدة لا يمكن القفز من فوقها وتجاهلها، لانها ارادة الناس المحرومين والمظلومين والمهمشين، كما انها ارادة النخبة الوطنية الواعية. هي وقائع تختلف كثيرا وتتقاطع تماما مع ما يفكر به الساسة الطائفيون العنصريون، الذين بدأوا يروجون ان العراق بات على ارض الواقع ثلاث دول، تمثل السنة والشيعة والاكراد. ان هؤلاء المروجين لهذه الاكاذيب يهدفون من جهة الى الطعن بثوار العشائر والفصائل المسلحة، وإلقاء تهمة التقسيم على حراكهم، ومن جهة اخرى يريدون استغلال الظرف الحالي وانكماش قوة السلطة الغاشمة، كي يقفزوا الى حل التقسيم أملا في الحصول على المناصب، وان تأخذ كل طائفة حقها حسبما يقولون. كما تلتقي مع هذه الارادة ارادة شريرة اخرى تدغدغ مشاعر وغرائز الناس وتشيع بينهم ان المراقد الدينية في خطر، كي يحرفوا نظرهم عن حقائق هروب السلطة وفسادها وسرقاتها، ويجيشوا الطوائف والمذاهب والاديان والقوميات ضد بعضها بعضا، بينما يعلم الجميع ان هذه المراقد في اماكنها منذ مئات السنين، ولم يسمع احد يوما ما انها محاطة بحمايات وقوات عسكرية وامنية.اذن القواعد الصحيحة كانت موجودة في عقول الناس منذ مئات السنين، لكن الذي تغيير هو ان الساسة ادخلوا هذا المراقد الدينية في اجنداتهم السياسية، وباتت احدى ادوات التحريض والكسب السياسي، الى الحد الذي باتت فيه وسيلة من وسائل التدخل الاقليمي في الشأن العراقي. انه مزاد علني آخر دخلت فيه حتى المراقد الدينية سلعة لكسب الدعم السياسي، كي يبقى الطغاة في سدة السلطة تحت حماية حراب امريكا وايران.
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق