مأساة العراق و ( أخطاء ) الإمبراطوريات الاستعمارية مواسم اعتذار قادة الغرب لمن ؟؟ - روابط هامة
المرابط العراقي
لا تخفى على الكثيرين براغماتية قادة الغرب وميكافيليتهم السياسية وانعدام البعد الأخلاقي عندهم في الممارسة السياسية عند تطرقهم لمعالجات مغامرات بلدانهم المدمرة في غزو واحتلال بلدان الغير.
وإذا لم يتعلم العرب، والعراقيون منهم خاصة، الدروس والعبر من دراسة سلوكيات قادة الغرب وتصريحاتهم حول قضايا العرب وموقف الغرب منها ، فأن أحلامهم في نيل الحرية والاستقلال الناجز وحقهم في التنمية والعيش بسلام تبقى مجرد سراب وأوهام.
لم يتعلم العرب من دروس سياسة الغرب في حربه الأولى ضدهم التي انتهت بتجزئتهم وفق سايكس ــ بيكو، وانتهت بإلغاء فلسطين من الخارطة وقيام إسرائيل، وفي حربه الثانية لتدمير العراق لإسقاط دولته الوطنية المستقلة وإلغاء نظامه الوطني ووقف تنميته وتدمير شعبه وتقسيم ترابه الوطني.
وما لم تدفع قوى الاحتلال الأمريكي وحلفائه الثمن الباهظ جزاء مغامرتهم الجنونية لتدمير العراق وما واجهته تلك القوة الجهنمية للغزو والاحتلال من مقاومة وطنية شجاعة، وما خسرته قوى الاحتلال من أموال وأرواح ومعدات على يد قبضات ثوار العراق ومقاومته الوطنية لكان كل ساسة الغرب اليوم يتسابقون بالفخر والتمجيد عن حربهم وغزوهم للعراق ولا يعترفون بشئ مما نسمعه هذه الأيام.
الصورة في 2015 ليست كما هي في 2003 ، خصوصا ونحن نسمع تباعا تصريحات قادة الولايات المتحدة وبريطانيا عن نيتهم الاعتذار والاعتراف بفداحة الجرم الذي نفذوه ضد شعب العراق. ولكن تلك التصريحات مبطنة ولا ندري لمن سيعتذرون في نهاية اللعبة؟؟.
و هنا لا بد أن نُذَّكر بما كتبناه العام الماضي في ذكرى 9 نيسان/ أفريل 2014 عشية ذكرى الاحتلال الأمريكي للعراق بمقالتنا المعنونة :
( أكثر من نون وأكثر من عبرة لمن سيعتبرون ).
والمقالة لخصت بدقة حصيلة ما جناه الأمريكيون وتوابعهم البريطانيون في ثلاث مترادفات نونية هي ( الندم، والنكد، والنسيان) عن فعلتهم بحرب العراق. وفي كل من هذه المترادفات يكمن تهالك القادة الأمريكيين والبريطانيين على محاولة الاعتذار بطريقتهم وتعابيرهم الخاصة، ونقد بعضهم بعضا أحيانا، بمحاولات منهم للاستفادة من هذه المواقف لكسب الشارع الانتخابي وتسويد صورة بعضهم بعضا لإلحاق الهزيمة الانتخابية بمن فعلوا تلك الحرب وقادوا العالم والسلام إلى هاوية المغامرة ومن جرفهم جنون العظمة التي جرت عليهم واحدة من أكبر الهزائم العسكرية والاقتصادية في العراق.
بالقدر المتعلق بهذه المقالة سنحاول أن نستعرض دوافع تسابق قادة الغرب في أمريكا وبريطانيا فقط هذه الأيام للاعتذار العلني، نصف الخجول ولمراجعتهم مواقف أسلافهم في السلطة، ممن شنوا الحرب والدمار على العراق، وبعد عرض المستجدات نحاول الوصول إلى رؤية لشعوبنا تحصنهم من التضليل والدجل السياسي الذي نعيشه في لحظات تاريخية حالكة السواد تحيط بشعبنا ومستقبله.
في مستهل هذا الشهر في 5 آب/ أوت 2015 أعلن واعترف الرئيس الأمريكي باراك اوباما في خطاب له في كلية الخدمة الدولية بالجامعة الأمريكية بواشنطن، وفي معرض دفاعه عن صفقة الاتفاق مع إيران حول برنامجها النووي، وبعد يوم واحد من لقائه باللوبي الصهيوني والجماعات الموالية لإسرائيل، يمكن تلخيصه واختصاره بتركيز مكثف هنا باعتراف الرئيس الأمريكي نفسه :
(... القرار الخاطئ بشن الحرب على العراق، الذي كان غزواَ، وان حجم الخسائر الأمريكية بالأرواح البشرية كان كبيرا... القتلى والجرحى والمصابين بالآلاف.... والخسائر المادية كانت أكثر من 1000 مليار .... وان الغزو والاحتلال عام 2003 سهَل لإيران احتلال العراق... وإيران المستفيد الوحيد على حساب العراق... وان الاحتلال وحرب العراق كارثة، ومن نتائجه وضع الضحية العراق تحت طائلة الصراع الطائفي والإرهاب والجماعات الإرهابية التي ترعاها إيران التي تخلق مشكلة لأمن المنطقة وللاستقرار الإقليمي...وان الغزو جريمة وقد تمت خديعة الشعب الأمريكي... وتم إخفاء الحقائق عن الخسائر البشرية والمادية) . عبارات تحتاج إلى ترسانة من التحقيق القانوني والأخلاقي والسياسي لإدانة قادة أمريكا على جريمة تدمير العراق من خلال الحرب المعلنة رسميا.
بعدها وخلال هذا الشهر أيضا آب / أوت 2015 الجاري انتقد المرشح الجمهوري الملياردير رونالد ترمب منافسه في الحزب المرشح جيب بوش الذي دافع عن حرب شقيقه دبليو بوش على العراق فقال ترمب في معرض انتقاده: [ أنفقنا 2 تريليون دولار على تدمير العراق بآلاف الضحايا وإزاحة ( صدام حسين الذي كان يدير دولة ، ولم يكن يملك سلاح دمار شامل، وعندنا اليوم بدلاَ عنه ( إيران وداعش ) ! وإنهما ينسقان في صفقات إرهابية معاَ، واليوم تسيطر إيران على العراق، والمناطق التي لا تريدها تعطيها لداعش!]، وأضاف متسائلاَ ( ماذا فعلنا؟ لقد نزعنا استقرار الشرق الأوسط وعمت الفوضى)، وانتهى بالقول ( ... إن لدينا قيادة حمقاء؟!) .
وفي ذات الوقت وبنفس الطريقة تشتد المنافسة في بريطانيا على زعامة الأحزاب والبلاد من خلال حملات الانتخابات الحزبية والبرلمانية. ويحتل العراق موقع الصدارة فيها. كتب أوين ماك اسكيل Ewen MacAskill مراسل قضايا الدفاع والأمن في صحيفة الغارديان صباح اليوم الجمعة 21 أغسطس 2015 ما يلي:
صرح جيريمي كوربين، ، Jeremy Corbynالمرشح الأوفر حظا في انتخابات حزب العمال البريطاني، لصحيفة الغارديان البريطانية بالأمس 20 آب/ أوت 2015 : ( انه مستعد، لو أصبح زعيما لحزبه، أن يعتذر عن تلك المعاناة التي يعيشها الشعب العراقي بسبب دور الخداع والتضليل الذي قامت به الولايات المتحدة خلال التحضيرات لغزو واحتلال العراق 2003) .
ويقول جيريمي كوربين: ( ... دعونا نقول انه من الواضح أن الخطأ الذي تم في العراق يجعلنا لن نكرره مرة أخرى، وسوف لن تنتهك أبدا الأمم المتحدة والقانون الدولي ).
هكذا وعلى شاكلة حملة الانتخابات الأمريكية وفي هذا الشهر أيضا يعلن المرشح البريطاني جيريمي كوربين ، الأوفر حظا لزعامة حزب العمال: (... انه يروم إلى إصدار اعتذار علني بشأن حرب العراق نيابة عن الحزب ، إذا أصبح زعيما له الشهر المقبل، وهي خطوة يقاومه عليها توني بلير مرارا وتكرارا).
وفي تصريح سابق لصحيفة الغارديان، قال كوربين : ( انه اعتذر للشعب البريطاني عن ما وصفه بـ "الخداع" في الفترة السابقة لغزو العراق عام 2003 والى الشعب العراقي عن معاناتهم لاحقا).
هنا يرى الصحفي البريطاني أوين ماك اسكيل Ewen MacAskill (... إن مثل هذا الاعتذار له أهمية رمزية، وخاصة في حزب بريطاني، حيث يبقى العراق هو النقطة الحساسة في السياسة الدولية ، بعد 12 عاما عندما انضمت بريطانيا إلى الولايات المتحدة في غزو العراق).
الساسة البريطانيون، مثل نظرائهم الأمريكيين، يتاجرون بمثل هذه الاعتذارات في خطاب سياسي داخلي موجه إلى جمهورهم الانتخابي، وان اعترافاتهم بـ "خطأ" الحرب وحتى تحميل أسلافهم في السلطة من أمثال جورج بوش الابن ونظيره البريطاني طوني بلير لا تلزمهم دوليا أي خسارة أو تلزمهم بموقف؛ ما لم تتوفر ضمانات قانونية في الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمحاكم الدولية وتتوفر الاستقلالية التامة لمتابعة جرائم تلك الحرب ضد الشعب العراقي وما ارتكب فيها من فضائع يندى لها الجبين الإنساني.
إن معركة الكسب للجمهور والناخب البريطاني والأمريكي يستغلها القادة الأمريكيون والبريطانيون لصالح حملاتهم الانتخابية، وهي لا تعبر عن تبدل في الموقف السياسي لبلدانهم من قضية الحرب على العراق.
إن جيريمي كوربين البريطاني، من خلال موقفه من تقديم الاعتذار للبريطانيين فقط ووعوده بالاعتذار لاحقا لشعب العراق لا تضيف شيئا إلى ملف إدانة مجرمي الحرب، كما أن الحديث عن أخطاء أسلافهم في قيادة حزب العمال وفي قيادة الحكومة البريطانية مثل طوني بلير وبمحاولات التذكير بمواقف سابقة رافضة لهم حول الحرب ضد العراق لا يلزمهم لا من قريب ولا من بعيد بإنصاف الشعب العراقي عند وصولهم للسلطة، شأنهم شأن اعتراف الرئيس الأمريكي باراك اوباما في إشارته إلى خطأ الحرب على العراق ولم يكلف نفسه حتى عبارة اعتذار للشعب العراقي.
إن بعض ساسة الغرب استغلوا مواقف معارضتهم لشن الحرب على العراق للوصول إلى السلطة إدراكا منهم إنها كانت حرب ظالمة ومكلفة جرت اقتصاديات بلدانهم ومكانتهم الدولية إلى الخسائر الفادحة، خصوصا إن بلدانهم لم تنتصر بتلك الحرب، ولهذا فمن العار تمجيدها من قبلهم على مستوى أحزابهم أو مواقفهم الشخصية والسياسية.
مواقف البريطاني جيريمي كوربين الإعلامية داخل المجتمع البريطاني تحرص على تذكير الناخبين بأنه كان على حق في معارضة الحرب على العراق في عام 2003، وعندما يعتذر للبريطانيين وحدهم، فهو يستدرك بالقول انه مدرك على: ( ... ما يترتب على مثل هذا الاعتذار من مخاطر على الحزب؛ خاصة عندما يجري التذكير في اختيار موضوعات تذكرهم في حال قرحة قديمة).
وكما هو الحال لقرحة الأمريكيين المدمنة والدائمة الناجمة عن خسارتهم الحرب في العراق وإقرار هزيمتهم على لسان قادتهم من الحزب الديمقراطي من أمثال باراك اوباما والذين يحاولون تناسيها بطريقة تثير الدهشة بالإيغال المستمر بسياسة الهروب إلى الإمام وكحالة النعام عند دفن رأسه في الرمال، وهم حين يرمون مصير كل العراق بيد الإيرانيين، رغم وصفهم للنظام الإيراني بأنه نظام راع للإرهاب، ويدركون جيدا انه استفاد من حربهم على العراق لمصالحه وباتوا أسرى لاستفزازاته وهم مجبرين على مسايرته، كما هو الحال في أوضاع الشرق الأوسط وتدخلات هذا النظام في الشؤون العربية في العراق وسوريا ولبنان واليمن وبلدان أخرى، حتى بات هذا النظام يملي شروطه لإنقاذ مشروعه النووي والحفاظ على شعرة معاوية معهم بميكافيلية وبراغماتية كبيرتين، وحتى مع اعتى القوى السياسية المحافظة في الولايات المتحدة واللوبي الصهيوني، ويستخدم نفوذه من خلال أداة حزب الله اللبناني في مغازلة العدو الصهيوني على حساب مستقبل العرب في العراق وفلسطين والشرق الأوسط كله.
لقد تعلمت الولايات المتحدة الدرس من غزوها العراق وباتت تخشى إرسال أية قوات عسكرية كبيرة إلى مناطق التوتر في العالم، ومنها العراق، وكما تعلمت حليفاتها وفي مقدمتهم بريطانيا من دروس المغامرة العسكرية وغزو العراق.
لهذا يرى مرشح زعامة حزب العمال البريطاني الجديد كوربين ( ... انه سيقترح ويأمل أن تكون التدخلات العسكرية للمملكة المتحدة في المستقبل أكثر ندرة): ويقول : ( دعونا نقول أننا لن نعود أبدا إلى وضع لا داعي له، تتعرض له قواتنا لإطلاق نار وتتعرض مكانة بلدنا في العالم للخطر... دعونا نجعل من الواضح بأن مثل ذلك العمل، والخطأ لن يتكرر مرة أخرى ، سوف لن تنتهك أبدا الأمم المتحدة والقانون الدولي. ).
ولكن روح المطامع والتسلط الكامنة في نفوس البريطانيين تظل متطلعة أبدا لتكرار حماقات الإمبراطوريات الاستعمارية، رغم شيخوخة بريطانيا، وتسليمها الأمر للأمريكيين في قيادة العالم الغربي فان كوربين سيظل وفيا لتلك السياسات حينما يعترف بعظمة لسانه ، وعلى مسار تلك القواعد الاستعمارية وعلى نحو فعال العمل يحث كوربين على دعم حكومة ديفيد كاميرون وسياساتها في الجزء المقترح للتصويت بمجلس العموم داعيا للتوسع في تنفيذ الضربات الجوية البريطانية الحالية في العراق ضد تنظيم الدولة الإسلامية وفي سوريا.
يهدف كوربين من مخطط الاعتذار بشأن العراق المساعدة على استعادة أعضاء الحزب وجمهور اليسار الذين بقوا خارجه بسبب موقفهم الرافض للحرب على العراق. وهنا قال كوربين وهو يحلم بفوزه لزعامة بريطانيا في عام 2020 : ( ... هناك حاجة العمل لإعادة بناء التحالف مع أولئك الذين عارضوا الصراع حول الموقف من تلك الحرب ويصرح بهذا الصدد).
( ... وقد حان الوقت للاعتذار عن الماضي وأن حزب العمال اعتذر للشعب البريطاني ولنقل لهم إلى أن حرب العراق تمت على أساس الخداع وسببت معاناة للشعب العراقي وقد ساعدنا على القضية. وأضاف انه في ظل العمل لدينا، ونحن سوف نجعل هذا الاعتذار مشروعا بعد أن بلغ عدد جثث القتلى المدنيين 219،000 في العراق منذ الغزو الذي أطاح بصدام حسين، على الرغم من تقدير الآخرين بأن الرقم أعلى من ذلك بكثير. في حين كان عدد الجنود البريطانيين الذين قتلوا في الحرب 179 والولايات المتحدة 4425).
لم يمتلك قادة الولايات المتحدة وبريطانيا ومن حالفهم الشجاعة الكافية بعد لإقرار مدى بشاعة الحرب على العراق ومسؤولية بلدانهم فيها، وكأن مفردات مثل " الخطأ"، و " التضليل" وحتى " الكذب" والمبررات التي وضعت لشن الحرب على العراق هي مجرد تجارب واجتهادات خاطئة مر بها الساسة الذين سبقوهم في السلطة.
أما الاعتذار هنا فيوجه إلى شعوبهم على تلك الأخطاء وليس للشعب الضحية في العراق الذي لازال يعيش ويلاتها وحصا نتائجها الكارثية على كل المستويات في الوقت الذي تقف تلك الحكومات الديمقراطية الغربية بموقف المتفرج على نتائج جرائم بلدانها في العراق والمنطقة.
وهنا يحاول كوربين ، من خلال ذلك الاعتذار المزمع إلى استباق نتائج التحقيق في لجنة Chilcot تشيلكوت البريطانية التي طال انتظار تقريرها حول الحرب على العراق. ( التأخير الذي لا نهاية لها على تحقيقات Chilcot تشيلكوت هو الخطأ). قال كوربين: ( لكننا لا نضطر إلى الانتظار لتشيلكوت كي نعرف أن هناك أخطاء ارتكبت وعلينا أن نطلب الغفران ).
ومع نفاذ الصبر العام والضغط الذي يشتد مطالبا على إصدار التقرير النهائي عن تحقيقات لجنة Chilcot تشيلكوت الذي امتد عملها لأكثر من ست سنوات ، وإن الحكومة البريطانية تناور في إصداره لحسابات وظروف محلية ودولية و قد يعلن التقرير المنتظر تحديد تاريخ صدوره الشهر المقبل من خلال الإعلان عن جدول زمني محدد بقي له،متوقعا ذلك نشره مع حلول العام المقبل في نهاية . ومن المتوقع أن ينتقد تقرير لجنة Chilcot رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير وغيره من كبار الشخصيات البريطانية في الحكومة .وقد يشمل بعضا من الذين يجب أن يعطوا أصواتهم في الانتخابات لزعامة حزب العمل؟.
إيفيت كوبر،Yvette Cooper واحدة من المنافسين الرئيسيين لــ كوربين ، وهي من الذين صوتوا لصالح العمل العسكري والحرب على العراق عام 2003، تطرقت إلى موضوع العراق يوم الخميس الماضي. وعندما سئلت من طرف مراسل بي بي سي العالمية عن ما فعلته الحكومة البريطانية للسنوات ( 1997-2010) من أفعال خاطئة قد ارتكبت، أجابت دون تردد : "العراق"، وأضافت: ( ... نحن بحاجة إلى تقرير تشيلكوت وإلى أن نعرف بالضبط ما حدث؛ وعن الخطأ في عدم وجود أسلحة الدمار الشامل، وفي ما إذا كانت الإستراتيجية خاطئة لأنها وجهت الموارد من أفغانستان في مرحلة حاسمة).
وعندما سئلت مباشرة في ما إذا كانت شخصيا مخطئة في الطريقة التي صوتت بها لصالح الحرب على العراق، قالت ايفيت كوبر : ( كنا جميعا وعلينا أن نقبل ذلك وتحمل المسؤولية عن ذلك.).
الجدير بالذكر أصبحت مودة الاعتذارات الهامشية عن الأحداث التاريخية ومن دون تحمل المسؤولية الأخلاقية عنها ديدن وممارسات كثيرا من حكومات الدول الاستعمارية، والجدل عن اعتراف واعتذار الحكومة الفرنسية بجرائم فرنسا الاستعمارية في الجزائر احد الأمثلة الصارخة عن الصفاقة والإصرار على النكران وعدم الاعتراف بحقوق الضحايا من أبناء الشعوب المظلومة بسبب الغزو والاحتلال والحروب الاستعمارية.
وما نسمعه من باراك اوباما وكوربين وغيرهما عن تناول قضايا الحرب على العراق لا يعدو أن يكون جزء من الحملات الانتخابية لأحزابهما، وهي وسيلة وطريقة باتت ذات شعبية متزايدة على مدى العقدين الماضيين تشهدها بلدان الغرب؛ فقادة الغرب يتطرقون في مجال الحريات وحقوق الإنسان الى قضايا ثانوية عندما يعتذرون عن أخطاء حدثت في دولهم وسابق حكوماتهم ، وكما يفعلها طوني بلير، غوردون براون وكاميرون، مما يجعلها من أكثر القضايا المثارة في الإعلام لإثارة الفضول والحصول على الشعبية، منها قضايا مثل تجارة الرقيق، ومعاملة المثليين والتطرق إلى قضايا تسريب الشفرة الحربية لآلان تورنج خلال الحرب العالمية الثانية وقضية كارثة ملعب هيلزبورغ Hillsborough لكرة القدم وغيرها من الموضوعات وما تثيره الصحافة الغربية هذه الأيام يلقى الاهتمام الشعبي العام.
ورغم أن حرب العراق لا تزال قوية وحاضرة بشكل خاص في حياة الغرب ومؤسساته السياسية والاقتصادية فمن المتوقع إن طوني بلير لا يمكن أن يصل بنفسه إلى مستوى الاعتذار، ولا حتى اوباما نفسه، ولا نقول كثيرا عن بقية عتاة الجريمة أمثال جورج بوش و رامسفيلد أو ديك شيني ولفوفيتش وكولين باول ونيغروبونتي وبول بريمر وبقية عصابة المحافظين الجدد .
اكتفى طوني بلير بإصدار موقف بشأن دوره في تلك الحرب، مررها بعبارات ملتوية وغامضة، تتحدث عن الأسف لفقدان الحياة عندما استدعي للتحقيق في لجنة تشيلكوت عام 2011. وبعد ذلك فان زعيم حزب العمال، إد ميليباند، Ed Miliband لم يعتذر لأحد، مكتفيا بوصف الحرب في عام 2010 بأنها " خطأ" لا غير .
كما رفض المستشار المخضرم السابق للرئيس جورج بوش، كارل روف، Karl Rove أيضا الاعتذار في نيسان/ ابريل الماضي عندما طلب منه والضغط عليه لأجل ذلك .
أما كوربين البريطاني، الذي عارض غزو العراق عندما كان معارضاً، اكتفى في بيان له: ( إننا كحزب، وبصفتنا طرفا، وجدنا أنفسنا في موقف مؤسف من أن تتماشى مع واحدة من أسوأ الحكومات اليمينية في تاريخ الولايات المتحدة، وحتى مع الرأي الليبرالي في الولايات المتحدة الذي شكك في أصل وأسباب ذلك التهور في تلك الحرب )، وأضاف (... أن علاقة بريطانيا مع الولايات المتحدة ستكون أفضل على المدى الطويل؛ لو كانت الحكومة البريطانية لا تتبع البيت الأبيض من دون سؤال أو استفسار عن ما يطلب منها فعله ... كانت حرب العراق خطأ من حيث المبدأ)، وقال: ( كانت خطأ وذات أبعاد رهيبة، وسعر تلك الحرب لم يدفع بعد).
إن قادة الغرب لا يندمون على فقدان أرواح الملايين من العراقيين، الضحايا الذين سحقتهم سنوات الحصار والغزو والحرب وإشعال الفتن الطائفية والتسلط الإيراني الجاثم على صدور العراقيين؛ بل يعبرون بألم، كما يقول كوربين، عن خسارته كحزب للعمال البريطاني عن فقدان أصوات الوعاء الانتخابي لحزبه: ( لقد فقدت أيضا أصوات الملايين من أنصارنا من الذين ساروا واحتجوا على تلك الحرب). وقال: ( ... أننا أدرنا ظهورنا إليهم، وكثير منهم إما حجبوا أصواتهم منا ومنهم من يشعر بخيبة أمل أو، ظل فاترا من موقفه منا بسبب موقفنا غير المبرر ).
اكتشفت قناة 4 أخبار ( عن قناة روسيا اليوم) ، لقطات من كوربين في عام 2014 عند مقارنته أفعال تنظيم الدولة الإسلامية مع أفعال للقوات الأمريكية عند استعادة السيطرة على مدينة الفلوجة العراقية في عام 2004. وقوله: ( نعم هي وحشية، نعم بعض ما قاموا به هو مروع للغاية، وبالمثل ما فعله الأمريكان في الفلوجة وأماكن أخرى كانت مروعة) ولكنه لم ينتقد الجرائم الأمريكية وحتى لم يتذكر الجرائم البريطانية في البصرة والعمارة ومدن عراقية أخرى وصلت إليها قوات حكومة حزب العمال . يقول فريق حملة كوربين الانتخابية ردا على سؤال : ( انه يعتبر تنظيم الدولة الإسلامية مفرغة، للقوة البغيضة التي يجب أن توقف).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق