يمتلك الإنسان العربي مشاعر وأحاسيس فطرية وغريزية مدموغة ومجبولة بحب الوطن والأمة وحيث تدفعه تلك المشاعر والأحاسيس للإخلاص والوفاء لقضايا أمته المصيرية وما يتعلق برقيها وتألقها بين الأمم والحضارات الأخرى وخصوصاً عندما تعود به الذاكرة إلى ماضي الأمة وحضارتها الزاخرة بالعلوم والثقافة وعلم الفلك والرياضيات والكتابة والقانون وعلوم الأحياء والكيمياء والفيزياء والبناء والمحراث والمسلة التي تعلمتها البشرية وانتقلت إليها بواسطة العرب، إضافة لملاحم بطولية وأساطير تحكي قصص أبطال خالدين في الذاكرة الجمعية العربية والإسلامية والكونية سطروا خلالها أمجاداً وفتوحات عربية لا زالت حاضرة في ثقافتنا وفكرنا الجمعي ومصدر إلهام وحافز للفكر القومي العربي، ولا يفوتنا هنا الإشارة إلى كون الأمة مهد الديانات والرسالات السماوية مصدر الإلهام الروحي للبشرية كافة وخصوصاً رسالة الإسلام الخاتمة والخالدة التي اختص الله عز وجل العرب ونبيهم الكريم (محمد) عليه الصلاة والسلام حملها للناس وشعوب العالم كافة.
إن الانتماء لهذه الأمة العظيمة بماضيها الزاخر بالعلوم والحضارة والرسالات والفتوحات والانتصارات يدفعنا للتفكير جليا بحاضرها المعاش والمرير ومستقبلها المجهول المراكم على فعل وتوجهات الأجيال الحاضرة المطالبة بتشخيص وتحليل المشكلات والأمراض الراهنة ووضع الحلول التي تناسبها أملاً في الوصول إلى مستقبل مرتبط عضوياً بماضي الأمة وحاضرها ونستطيع من خلالها وضع أبنائنا وأجيالنا القادمة في السياق الصحيح لتطور مسيرة الأمة العامرة بالعطاء والريادة والديمومة.
وهنا أقول انه ليس صعبا على المرء العاقل المتزن إدراك ما يدور حوله وتحليل المشكلات والمعضلات التي تكابدها الأمة تحليلا موضوعياً وعلمياً في ظل اتساع حجم المؤامرة وما يحاك ويخطط في الدهاليز المظلمة للدوائر الامبريالية والصهيونية التي أنتجت حتى الاّن ما عرف بتفاهمات كامبل واتفاقات سايكس بيكو وسان ريمو وغيرها من المشاريع التقسيمية التفتيتية الخاصة بالحالة العربية،إضافة لزرع الكيان الصهيوني السرطاني في قلب الأمة العربية (فلسطين)حرصاً من تلك الدول على تثبيت وديمومة مشاريعها الهادفة النيل من مسيرة النهوض العربي وإضعاف الحالة العربية وإبقائها ضمن مربع التخلف والنكوص والذيلية...
ليس هذا فحسب بل عمدت تلك الدوائر المعادية وبالتعاون مع الأمم المحيطة من الفرس والترك إلى مزيد من التفتيت والشرذمة في الحالة العربية من خلال الإجهاز على قلعة العروبة (بغداد)وغزو العراق وتدميره تدميرا شاملا وتسييد جهابذة الطائفية والمذهبية العمياء على أنقاضه،وإطلاق اليد والعنان لملوك الاستبداد والقمع والاستغلال والديكتاتورية الرجعية،وكذلك عباقرة الذل والخيانة والانحطاط والتبعية من السراق واللصوص ومصاصي دماء الضعفاء الذراع الاّخر للاستعمار والاحتلال والاستيطان.
إذاً فالاهتداء إلى طريق النهوض العربي الشامل والجذري يمر في الأساس عبر التشخيص الدقيق للأطماع والنوايا الخبيثة للدول الاستعمارية ومعها الصهيونية العالمية،وكذلك الأطماع النائمة والناعمة لكل من الفرس والترك، مضافاً إليها الأمراض والدرنات الداخلية ممثلة بحكومات الرجعية العربية وحكومات الاستبداد والقمع والظلم والاستغلال والاستحواذ والتفرد،ونظم الديكتاتورية والفساد المعيقة كلها لمسيرة نهوض الأمة ورقيها.
وبناء على ما تقدم نستطيع القول أن متطلبات النهوض العربي الجذري والشامل تقتضي محاربة الاستعمار والاحتلال والصهيونية وكل الأطماع المحيطة الناعمة والنائمة وكذلك الأمراض الداخلية (الاستغلال والإقطاع والظلم والقهر والتفرد والاستحواذ والديكتاتورية) وبشتى الوسائل والإمكانات الممكنة،والعمل بشكل جاد وسريع على تحقيق وحدة الشباب العربي المناضل من المحيط إلى الخليج،ووضع الأسس الناظمة لحراك عربي مشترك تنصهر خلاله كل الأطر الفكرية والتنظيمية في بوتقة واحدة متجاوزين كل الخلافات والانقسامات على الأسس الطائفية والمذهبية العمياء،وصولا نحو استعادة وتحرير كافة الأراضي العربية المحتلة وفي المقدمة منها قضية العرب المركزية (فلسطين) تحريرا شاملا وكاملا وعميقا،والسعي الحثيث نحو إقامة الدولة العربية الديمقراطية الواحدة وبسط سيادتها على كافة الأراضي العربية من المحيط إلى الخليج بما فيها الأراضي المغتصبة (الأحواز والأسكندرون وطنب الكبرى وطنب الصغرى وأبي موسى وسبتا ومليلا وإقليم أوغادين الصومالي)... تلكم الدولة التي تسودها قيم الحرية والديمقراطية والتعددية، ويخضع اقتصادها لمبادئ العدل والمساواة وتكافؤ الفرص وسيطرة القطاع الاشتراكي انسجاما مع روح الإسلام الحنيف والقيم المثلى التي جاء بها،وكذلك تسييد القانون والقضاء العادل في مختلف شؤوننا العربية.
وأخيراً أود الإفصاح عن يقيني التام بأن أمة تلتف حول أهدافها ومبادئها النبيلة والسامية تستحق الانتصار والنهوض بجدارة والقفز على كل ما يعيق مسيرتها الحضارية نحو مستقبل اّمن وزاهر لأبنائها وأجيالها القادمة بعيدا عن الاستعمار ومكائده وبعيدا عن الاحتلال وكوارثه وكافة الأطماع المحدقة بمستقبلهم وبعيداً عن الاستغلال والاستحواذ والقمع والظلم والديكتاتورية وبعيداً عن الطائفية والمذهبية العصبية وعن كافة أشكال وألوان التخلف والتشظي والشرذمة.
بيت فوريك- فلسطين المحتلة
اّب- 2015
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق