ثلاث عمائم صدرية تهتز فوق رأس واحدة.. وفضيحة حكومة التكنوقراط الطائفية.. "خوب السيد مو زعلان"..!؟ - استقراء هام
الصدر الثالث،اسمه مقتده، كان وظل يافعا حينما جرفته اقدار الدنيا لكي يحمل فوق رأسه ولمرة واحدة إرث ثلاث عمائم سوداء متناقضة، ومختلفة المسارات والظروف والتوجهات.
وعلى حين غرة، جاء الغزو والاحتلال الامريكي للعراق 2003 ليجد مقتده الصدر نفسه معتمراً عمامته الصدرية الثالثة، وهو فوق موجة عارمة من الاحداث المتتالية التي عصفت بالعراق، لم يكن الرجل أبداً مُهَيئاً لاستيعابها، وحتى فهمها، وأثبت انه ومحيطه المتجمع عشوائياً من خليط قلَّ مثيله، تكَّون من رعاع المدن التائهة والغارقة في مجاهل الفقر والمرض والبطالة، ..
من جيل يعيش المتاهة الحقيقية بعد سنوات الحصار والاحتلال، منهم من بقايا ابناء الفلاحين الفقراء النازحين الى مدن الثورة والشعلة ومحيط بغداد، وآخرون توزعوا على بقية المحافظات المنكوبة بكل ويلات العهود السابقة، ومنهم من يُحسب على تركة وبقايا البرولتاريا الرثة التي اغلقت امامها فرص العمل، بسبب تركة الحروب والحصار على العراق، وغلق المصانع، وأغلبهم كانوا من مجندي الجيش العراقي السابق، من الذين احالهم بول بريمر على البطالة القسرية بعد قرار حل الجيش العراقي، فهم من دون رواتب او حقوق تقاعدية أو عمل، فَكَّونوا من بينهم جيشاً غير منضبط، سموه " جيش المهدي" ، وهو بانتظار ذلك " المهدي" المنتظر، ظل بلا قيادة او استراتيجية أو هدف، تتقاذفه المهمات التي فُرضَت عليه من الخارج ، أكثر مما كانت له من الداخل.
جنود ومتطوعوا "جيش المهدي" من الحفاة والرعاة، ظهروا في استعراضاتهم وهم حالمون بعبور بحار المحيط الاجتماعي العراقي المعقد بكل غليانه وضغطه اليومي، متخذين من أسماء الصَدرَين عنوانا وراية سوداء لهم، غالبيتهم ليس له صلة أو فهم أو حتى معرفة كاملة بأي من الصَدرَين؛ فالصدر الاول كانت له قصته وتاريخه السري والمعروف، تاجر باسمه الدعوجيون وآل الحكيم والبدريون والفضيلة وما سمي بالتيار الصدري وما انشطر منهم.
الصدر الأول ، رغم انه عمل في السياسة والدين معا، لكن السياسة ضَلَلَته بركابها حين أسس حزب الدعوة في ظروف مشبوهة، ثم انسحب منه معلنا براءته من هذا الحزب، عزله الخميني، وشكَكَ بارتباطاته المشبوهة مع المخابرات الامريكية، وتسبب في قضية اتهامه حين دعاه علنا وعبر اذاعة طهران ليعلن الثورة على النظام في العراق ، فانتهى الأمر به معدوما مع أخته بنت الهدى، وتلك حكاية يعرفها العراقيون، لكنهم لم يطَّلعوا على كامل حيثياتها بعد.
اما الصدر الثاني فقد تعلم واستوعب درس ونهاية الصدر الاول، حين حسم أمره، ووقف داعيا الى وحدة المذاهب، والتوجه الى صلاة الجماعة مع السنة، كل جمعة، ووقف مع شعبه محتجاً وصارخاً ضد الحصار، هاتفاً: ( كلا ...كلا أمريكا) ، جاهر بعداءه مع الولايات المتحدة علناً ، واختلف مع المرجعية الصامتة في زمن الخوئي والسيستاني، مُعلناً ما أسماه بـ " المرجعية الناطقة" ، فانتهى به الامر الى الاغتيال مع ولده على ايادي بطانات تلك المرجعيات الصامتة، ومن خلفها كانت يد النظام الفارسي الايراني مُحرضةً ومنفذة.
العمامتان الصدريتان الاولى والثانية كانتا متعارضتين تماماً، لكنهما وجدتا نفسيهما في حالة نفاق دنيوي، واستغلال سياسوي، على رأس ذلك الشاب اليافع الذي أسمه " مقتده" الصدر .
رأس مقتده الذي جرفه تيار عجائبي من مجموعات من العمائم الصغيرة وقلة من العمائم الكبيرة، شيوخ وسادة، عمامات بيضاء وسوداء، توزعوا على مجاميع الغوغاء المسلحة، بما توفر لديها من أسلحة، متجمعة في مقرات وبنايات وحسينيات ومساجد مغتصبة، تم الاستيلاء عليها من البنايات الحكومية المنهوبة بعد الغزو، ومن مؤسسات الوقف السني والشيعي، مليشياويين، افرزتهم ظروف ما بعد الاحتلال؛ ولأن العمامة الصدرية الثالثة حملت هموم سابقاتها، فان رأس مقتده، كان من الهشاشة الفكرية، انه لم يُحسن حملهما معا، ولم يتمكن الفتى من نزعهما والتخلص من إرثهما الثقيل، وظل عاجزاً عن الاستقلال عنهما، ولم يصنع لنفسه بهما حتى رمزية ما، سواء كان الأمر بعمامة او من دون عمامة.
وهكذا كان وظل التيار الصدري، رأس بلا قيادة ، وقيادة بلا رأس، تتقاذفه اليوم أهواء السياسة الميكافيلية، فقد كل اخلاقه، فتحول تدريجيا نحو الارتزاق الظرفي وانغمس في صفقات الفساد ومارس الجريمة المنظمة، ولم يُحَصّن نفسه حتى من الانغماس في اشعال الحرب الاهلية والطائفية، فكان أداتها القذرة، خاصة بعد حادث تفجير مرقد الامامين العسكريين في سامراء، كان التيار وجيشه المليشياوي مُحَضَّراً لأن يلعب دورا قذراً خططت له ايران والامريكيون معا، ليتنقل مقتده وجيشه وتياره من العمل المسلح وشبه العسكري الى أشباه أفعال المافيا التي تمتهن السياسة والجريمة والابتزاز، مقتده تحكمه حالات النزق والتوتر والفردانية المريضة، وكثير من الهواجس والظنون السوداء التي تسود وتملأ رأس العمامة الصدرية الثالثة ، رأيناها وهي تؤسس تارة، وتجدد تارة، وتحل تارة وتضع عناوينا لمسميات مليشياتها، تارة أخرى، آخرها تشكيل فيلق السلام الصدري الملتحق بالحشد اللا شعبي.
وفي ظل هذه المتاهة كانت هناك حيتان الفساد الصدري تعبث بالوزارات والمشاركة في صفقات الحكومات وتبيع السلاح، وتنفذ ما يطلب منها ، بعلم السيد او بدون علمه، وما ظواهر بهاء الاعرجي واخيه وحاكم الزاملي وجرائمه ، وخروج الخزعلي وعصائبه وصفقات محافظ بغداد و"خدام الشعب" من الولاة واتباع السيد في محافظات بغداد وميسان، فكلهم يمثلون ادواراً متعددة لمهمة واحدة، هي خدمة الاحتلال والخضوع لأوامر النفوذ الفارسي، وبعده حماية مصالح حيتان الفساد السياسي والمالي.
قبل سنوات اعتزل السيد مقتده، " قائد" جيش المهدي، وذهب الى طهران وقم بحجة الدراسة والتفرغ الى العلوم الدينية والشرعية، وعاد مقتده من قم وهو يحمل لقب "حجة الله" ، قبلها باع جيش المهدي اسلحته الى مصالح الحكومة العراقية وسلمها مقابل رشوات مالية سخية الى المراكز الامنية التي اشرفت عليها ادارة الاحتلال الامريكي بعد احتكاكاته المسلحة مع حكومة اياد علاوي في النجف ومدينة الثورة وغيرها، وبعدها تمت هزيمته المسلحة امام ما سُمي بحملة " صولة الفرسان" بقيادة نوري المالكي، وبدعم امريكي واضح في محافظة البصرة والنجف وبغداد، عندما تَغَوَّلَت يد المافيات المحسوبة على الصدريين فاستلمت ومارست مهمة سرقة وتصدير النفط من دون عدادات من ميناء البصرة وام قصر وسهلت لهم ايران السفن والبواخر والموانئ وفتحت لهم الحسابات البنكية لتصدير النفط العراقي وسرقته عبر ايران وغيرها من المنافذ البحرية والحدودية المحاذية من ايران.
انتهى هذا التيار المحسوب على الصدريين، كأي جهاز قمعي وطائفي، مليشياوي، وبات جزءاً من أجهزة الفساد والجريمة في العراق، ولا يرتجى من السيد مقتده وتحذيراته وتعليماته عبر " المكصوصة" من ان يمنع الفساد المستشري بكل اوصال اتباعه أو حتى يتجنبه؛ فالسحت الحرام وصل الى بيت السيد واخترق محيطه، ولا نظن انه لا يعرف ذلك، مهما تبجح السيد بالعفاف الدنيوي، وطلبه المغفرة للصدريين في الآخرة.
مبادرة مقتده الصدر الاخيرة حول الموقف من حكومة التكنوقراط ومنحه الفرص الجديدة لخمسين يوماً لحكومة حيدر العبادي، هو كما عودنا سابقا مع حكومة نوري المالكي انتهازية مواقفه عند المنعطفات الحرجة لاوضاع العراق، لا تزكي خطه السياسي ولا الطائفي ولا حتى المذهبي الذي يتشدق به، كتلته الصدرية التي عشعش في جُبَّتها وعمائمها كل عناكب وعقارب السوء وأزلام الفساد الديني والاخلاقي والسياسي.
ما على السيد مقتده الصدر إلا ان يعتزل فعلا السياسة ؛ التي طالما هدد بتركها، إن لم نقل له، بكل صراحة ، عليه ان يرفع العمائم الثلاث عن رأسه مرة واحدة، ويخرج الى الناس حاسر الرأس، من دون القاب دنيوية، مثل "حجة الله"، ولا ينتظر الترقية الحوزوية ليصبح " آية الله"؛ فلقد تعلمنا من مثل هذه الألقاب الحوزوية الكثير من النفاق السياسي والديني؛ إن لم نقل نالنا وشعبنا وحتى شيعة العراق وعرب العراق الكثير والكثير من الشرور من مفاسد تلك العمامات الرمادية المشتغلة في مصالح السياسة والدين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق