بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
|
الاستراتيجية الأميركية وبوابة العبور الإسرائيلي
|
شبكة البصرة
|
كلمة المحرر الأسبوعي لموقع طليعة لبنان
|
كثيرون يأخذون على أميركا ترددها حيال التعامل مع الأزمة السورية ويصلون في نهاية الأمر إلى حد القناعة بأنه ليس لها استراتيجية واضحة المعالم.
إن أنصار هذا التقدير والتقويم للموقف الأميركي، يسندونه إلى الأسلوب الذي تعاملت به أميركا مع قوى المعارضة على مختلف تشيكلاتها ومن خلال السكوت وعدم إثارة حجم التدخل الإيراني المباشر وعبر التشكيلات الميليشياوية المرتبطة بمرجعية النظام الفقهية والسياسية والأمنية، مقابل رفع الصوت عالياً ضد التدخل التركي، وأخيراً وليس آخراً، بغض الطرف على التدخل العسكري الروسي والذي يحصر عملياته ضد المعارضة في المناطق التي يدرجها الإعلام السياسي المرتبط بالنظام"بسوريا المفيدة".
هذا التقويم للموقف الأميركي حيال الصراع المتفجر في سوريا هل هو في محله؟ أي بمعنى هل أن أميركا ليس لها استراتيجية حيال هذا الصراع في سوريا واستطراداً الذي يشمل العديد من المواقع العربية؟
إن هذه النظرة لحقيقة الموقف ليست في محلها، إذ على عكس ما يرى البعض بأن لا استراتيجية أميركية حيال الصراع الدائر في الوطن العربي وعليه وفي العديد من المواقع العربية. فأميركا التي تعتبر القطبية الدولية الأكثر تأثيراً في تحديد ورسم معالم النظام الدولي، تعتبر ما تسميه بالشرق الأوسط والذي ترفقه بالجديد منطقة مصالح حيوية لها. وبالتدقيق بحدود هذه المصالح فتراها محددة بإثنيتين أساسيتين، أمن النفط وأمن "إسرائيل". ولذلك فهي تضبط مواقفها السياسية وتحدد آليات عملها انطلاقاً من ضرورات توفير مقتضيات هذين الأمنيين. ففي أمن النفط انها تتحكم بنسبة كبيرة في تحديده سعره ارتفاعاً أو هبوطاً لتوظيفه في ضوء الحاجة من ناحية، وكورقة ضغط سياسية على الدول المنتجة والمستهلكة من ناحية أخرى ولا يخفى أن التلاعب بسعر النفط وظف كعامل ضغط اقتصادي على العراق يوم بدأت التحضيرات لرحلة الحرب عليه، واليوم يوظف كورقة ضغط أيضاً على الذين يحتسبون مردود النفط كدخل أساسي في ميزانيات دولهم.
أما بالنسبة لأمن إسرائيل، فإن الاستراتيجية الأميركية تتعامل معها من خلال ضرورات هذا الأمن. وقد ثبت أن الإدارة الأميركية تتجاوز ما يسمى بالحرب الناعمة المعبر عنها بنظام العقوبات الاقتصادية إلى "الحرب الخشنة" إذا كان الأمر يرتبط بضرورات توفير مستلزمات "أمن إسرائيل" والأمثلة كثيرة على ذلك ففي حرب تشرين أقامت جسراً جوياً لإسناد القوات الصهيونية بعدما استطاعت الجيوش العربية أحداث اختراق جدي في نظام الأمن الصهيوني، وفي الحرب بين العراق وإيران، فتحت أسواق التسليح للنظام الإيراني و"إيران غيت" نموذجاً، وعندما خرج العراق من تلك الحرب أكثر قوة واقتداراً، وضعت العراق على رأس أولوياتها كهدف يجب ضربه، ليس لأن الديموقراطية في العراق لا تلاءم المشتهى الأميركي، وليس لأن العراق يقييم علاقة مع القاعدة، وليس لأنه يمتلك أسلحة دمار شامل، وكل ذلك ثبت أنه مجرد افتراء كاذب لتبرير شن الحرب وباعتراف أميركي وبريطاني ولو متأخراً بل لأن العراق بات في ظل وضعه آنذاك مصدر التهديد الفعلي للأمن الصهيوني.
لقد شنت أميركا حرباً الأولى والثانية على العراق لأنه بات بنظرها يشكل خطراً على أمن "إسرائيل" وهي القاعدة الارتكازية لتنفيذ وحماية المصالح الاستراتيجية لها في المنطقة. وهل كان من يقول أن أميركا لم تكن تملك استراتيجية حيال التعامل مع العراق؟
وعندما بدأت أميركا المفاوضات حول الملف النووي الإيراني؟ فإن هذه المفاوضات كانت في حقيقتها أميركية – إيرانية وما الحضور الدولي معها إلا كشاهد على ما يتم الاتفاق عليه وأميركا عندما فرضت قيوداً على البرنامج النووي الإيراني فإن هذه القيود إنما فرضتها ليس خشية من السلاح النووي الإيراني على أمن "إسرائيل" فيما لو امتلك بل لأجل أن لا يفتح هذا الامتلاك سباق التسلح في المنطقة ويصبح امتلاك العرب له أمراً حاصلاً ولو بعد حين، وهذا كله مرتبط بالأمن الإسرائيلي لأن العدو الصهيوني وعلى لسان مسؤوليه في اكثر من مرة بأن "إسرائيل" تبادر لشن حرب إذا امتلك العرب قنبلة ذرية ولم يقولوا أنهم يشنون حرباً إذا امتلكت إيران أو تركيا أو أي دولة أخرى في الإقليم قنبلة نووية وهنا تجدر الإشارة، أن "إسرائيل" لم تنتظر طويلاً ابان الحرب بين العراق وإيران لشن عدوانها على المفاعل النووي العراقي والذي كان قيد الإنشاء، ومن ثم ملاحقة وتصفية كل الخبراء والعلماء من عراقيين وجنسيات عربية أخرى ممن لهم علاقة بالخبرة النووية. وإذا كانت "إسرائيل" رفعت من نبرة خطابها السياسي والإعلامي إبان التفاوض على الملف النووي الإيراني، فهذا لم يكن الا من قبيل الابتزاز السياسي، وهي تدرك جيداً أن هذا السلاح لن يستخدم ضدها.
وأما بالنسبة لسوريا، وهي التي لا تملك سلاحاً نووياً، وإنما فيها منشاءات ذات صلة بالطاقة النووية لأغراض سلمية، فإن "إسرائيل" قامت بتدمير المنشاآت في دير الزور، وعندما انفجر الوضع على نطاقه الواسع، وجدت أميركا أن الفرصة مؤاتية لتفريغ سوريا من مخزونها الكيماوي، وهو الذي يعتبر قنبلة الفقراء النووية.
لقد رفعت أميركا مستوى الإنذار إلى الحد الأقصى، وأدخلت العالم بوضع شبيه بذلك الذي حصل إبان أزمة الصواريخ الكوبية، وبدأ الناس يحسبون بالساعات متى تبدأ أميركا عملها العسكري ضد سوريا لأن النظام استعمل السلاح الكيماوي ضد المعارضة. وإذ بلحظة يوافق النظام السوري على التخلص من المخزون الكيماوي بعدما أخرجت العملية بتفاهم أميركي روسي، فكان أن اطفئت أنوار البوارج وعاد كل واحد إلى مواقعه.
إن أميركا ترفع درجة استنفارها إلى الحد الأقصى وترتفع حرارة المواقف عندما يتعلق الأمر بالأمن الإسرائيلي وعندما تصل إلى ما تبتغيه، تعود البرودة إلى خطابها.
هذا بما يتعلق بمكونات وعناصر القوة المادية والتي تشكل القوة العسكرية العربية العنصر الأهم في عامل الردع الاستراتيجي بتعبيراته العسكرية، أما فيما يتعلق بالواقع الساسي والمجتمعي، فإن أميركا تعمل باتجاه تدويل الأزمات الوطنية، وهذا التدويل يستحضر عندما يكون القرار الدولي حاضراُ في رسم ترتيبات الحلول السياسية. وطالما أن أميركا محكومة بضرورات "أمن إسرائيل"، فإن هذا الأمن لا يتوفر من خلال تجريد العرب من عناصر القوة العسكرية وحسب، بل أيضاً من خلال إضعاف مقومات الدولة وأضعاف التماسك المجتمعي حتى تصبح هذه الدول عاجزة عن إدارة صراع يتصف بالشمولية مع العدو الصهيوني.
ومن يراقب حيثيات الموقف الأميركي المتدرج يرى بأنه ينضوي تحت معطيات إطالة أمد الصراع وأضعاف عناصر المناعة الوطنية ولا هم من يكون على رأس السلطة. وعليه فإن أميركا ومن خلال تعاملها مع الأزمة في سوريا كنموذج انما تحكم خطواتها استراتيجية واضحة وهي تلك المرتبطة بالأمن الإسرائيلي، وبعد ما اخذت ما تريد أخذه من الصيد الثمين، فإن ما تبقى يتوزع على الذين انتظروا و لا تجد ضيراً من حصص للقوى المتدخلة في الشأن السوري، إقليمية كانت أو دولية وهي التي ترسم بالنار حدود الملونات السياسية التي يراد منها ابراز هويات سياسية أثنية كانت أم طائفية في إطار المكون السوري العام.
من هنا فإن من يريد لسوريا أن تعود واحدة موحدة، عربية الانتماء الصميمي قومية الموقف عليه أن لا يراهن على موقف أميركا التي هددت بالثبور وعظائم الأمور عندما نفذت الأمر بتدمير الترسانة الكيماوية، وهي اليوم لا يرف لها جفن على المأساة الإنسانية من خلال مشهديات الحصار والتجويع والتشريد وقصف المدنيين ورفع التشظي السياسي والاجتماعي إلى المستويات الأكثر خطورة على الوحدة الوطنية السورية.أليست هذه استراتيجية؟ إنها بلا شك استراتيجية واضحة المعالم نفذ بعضها مباشرة والبعض الآخر ينفذ مداورة. وهي إذ تجيز تدخل روسي وإيراني بأشكال مختلفة فلأن هذين الدورين يدخلان إلى الساحة السوري عبر التنسيق المباشر والتقاطع مع الكيان الصهيوني وإذا ما أرادت تركيا دوراً فاعلاً فعليها، إعادة تطبيع الأمور مع الكيان الصهيوني إلى سابق عهدها. فأميركا التي توفر الرعاية والحماية الدولية للكيان الصهيوني تربط تسهيلات عبور قوى الإقليم والمواقع الدولية ذات المصالح وروسيا نموذجاً، لأخذ مواقع على طاولة ترتيبات الحلول للأزمات السياسية المتفجرة بالعبور، عبر البوابة الإسرائيلية. ان اميركا كانت وستبقى ضد قيام المركز العربي الجاذب وضد تعريب الحلول للأزمات العربية ولهذا تعمل على ابراز ادوار قوى الاقليم المتاخم للوطن العربي على حساب الدور العربي.انه العنوان الاساسي الذي يختصر البعد العام للاستراتيجية الاميركية.
|
شبكة البصرة
|
قال سبحانه وتعالى
قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم
الخميس، 18 فبراير 2016
كلمة المحرر الأسبوعي لموقع طليعة لبنان : الاستراتيجية الأميركية وبوابة العبور الإسرائيلي
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق