بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
|
الثورة العراقية حالة استثنائية تقتضي حلول استثنائية
|
الاستاذ احمد علي - تونس |
على مر التاريخ أي تقابل قتالي بين الاحتلال والمقاومة ينتهي باعلان هزيمة احد طرفي الصراع يفرض فيها المنتصر على المهزوم شروط انهاء القتال واستحقاقات نهاية الحرب. الا ان طبيعة الصراع في العراق كانت ولازالت استثنائية وهي غير قابلة للحل الا بطريقة استثنائية وحتي نبين الطبيعة استثنائية للصراع في العراق و للاخوة القراء لابد من الوقوف عند عدة محطات هامة للوصول الى مقتضيات الحلول.
المحطة الاولى : هي ان الصراع لم يكن صراعا تقليديا بين دولة واخرى على الحدود او مناطق النفوذ استراتيجية او مصالح اقتصادية وانما كان ولايزال صراعا بين مشروعين في المنطقة :
مشروع شرق اوسطي : خطط له منظرو الليبرالية الجديدة وتبنته الادارة الامريكية وانخرطت فيه العديد من حكومات (اقول جيدا حكومات وليس شعوب) الدول الاقليمية وهو مشروع يهدف الى:
- اعادة رسم الخريطة السياسية للمنطقة بما يضمن بقاء الكيان الصهيوني وربما تحقيق حلم الحركة الصهيونية في بناء دولة تمتد من الفرات الى النيل وتطبيع وجود هذا الكيان ضمن مجال تحكمه مرجعيات دينية وليس مرجعيات وطنية او قومية.
- بناء طوق سياسي ديني يقضي على أي مشروع يتعارض مع مشروع الشرق الاوسط ويحول دون وصول القوى الناشئة الجديدة وهي الصين والهند وروسيا الى المصالح الاستراتيجية للغرب الراسمالي في المنطقة.
- استفراد الدول المنخرطة في هذا المشروع باعادة هيكلة الانظمة السياسية في المنطقة (مؤسسات سياسية وادارية وقوانين والانماط الاجتماعية) بما يضمن استمرارية تبعية المنطقة للانظمة الراسمالية سياسيا وفكريا وثقافيا وتكنولوجيا، لذلك نلاحظ غياب البرامج السياسية الوطنية او القومية في كل الاقطار التي تم فيها تغيير انظمة الحكم ولم تتجاوز العمليات السياسية فيها تغيير الوجوه عبر قوارير الحبر وصناديق الاقتراع خطابات سياسية تحاول استرضاء مراكز النفوذ الدولية والاقليمية ولم يحصل أي تحسن في الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية لمجتمعاتها بل انها زادت سوءا وتأزما.
مشروع عربي حضاري : كان ولازال يمثل المهة النضالية الرئيسية لحركة التحرر العربي من الاحتلال والاستغلال والتخلف و تهيأت له فرصة التطبيق في العراق بعد اندلاع ثورة 17- 30 تموز (جويلية) 1968 فكان نموذجا للاستقرار السياسي والتقدم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والعلمي والتكنولوجي وأشع على كل ابناء الامة العربية من المحيط الى الخليج وهو مشروع يهدف الى :
- تحرير الاراضي العربية المحتلة وخاصة فلسطين.
- استثمار الثروات العربية لصالح ابناء الامة العربية.
- تحرير الانسان العربي من كل مظاهر التخلف والجهل والامية بجميع اصنافها الثقافية والسياسية والتكنولوجية.
- بناء مشروع تنموي قومي يقوم على التكامل الاقتصادي بين الاقطار العربية والتوازن والعدل في توزيع الثروات بما يحقق الاستقرار ويعزز روابط الاخوة والتعاون بين ابناء الامة الواحدة على اختلاف انتماءاتهم الاجتماعية والسياسية.
- بناء منظومة للامن القومي تحمي الاقطار العربية والمصالح الاستراتيجية للامة من أي عدوان خارجي.
اذا الصراع لم ينتهي بعد لان اسباب وعوامل التناقض بين المشروعين مازالت قائمة بل انها زادت حدة وتعقيدا وهو ما يؤدي بالضرورة الى زيادة التباين في مستوى النتائج.
المحطة الثانية : عوامل التباين في نتائج الصراع هي عوامل متعددة ومتداخلة وتتحكم فيها ظروف داخلية ومراكز تاثير خارجية ويمكن حصر اهمها في :
- تخلف اغلب الانظمة العربية سياسيا وبالتالي عدم قدرتها على مواكبة التحولات التي عرفها العالم مما جعلها تعتمد فرادى على الدول الغربية في التخطيط الاقتصادي والتسيير الاداري و الامن و التجهيز والتدريب العسكري فرهنت مصير اقطارها بالارادة السياسية للدول الغربية التي تتزعم الان (مشروع الشرق الاوسط الجديد) وهي في هذه الحالة قادرة اذا ارادت على تغيير أي نظام سياسي لايستجيب الى هذه الارادة في استكمال انجاز هذا المشروع.
- انسياق النظام الرسمي العربي وراء المشروع الامريكي دون ادراك المخاطر السياسية التي ستترتب عليه وهي مخاطر تجاوزت الانظمة العربية الى النظم الاجتماعية واصبحت الان تهدد الهوية القومية للاقطار العربية وذلك بإضافة عراقيل وصعوبات جديدة امام المشروع القومي واستبدال الهوية العربية للمنطقة باي هويات تقسم المجتمعات الى اقاليم او اقليات متناحرة او هوية اخرى تتناسب مع المجال الجغراسياسي ل- (مشروع الشرق الاوسط الجديد) ".
- اعتماد التحالف الذي يقود المشروع الشرق اوسطي تكتيك يقوم على توزيع الادوار فتولت الولايات المتحدة الامريكية مهمة خلق مسوغات ومبررات استصدار القرارات السياسية الاممية عن طريق اسلوب (سياسة الدعاية الكاذبة) وهي مجموعة من الخطط السياسية ترسمها عادة جمعيات مختصة في العلاقات العامة خاضعة للسياسة الخارجية الامريكية ويتم تسويقها عن طريق الأسطول الاعلامي وكل الشبكات المرتبطة بالسياسة الخارجية للدول الراسمالية وذلك للتأثير في الرائ العام وتطويعه لتأييد مشروعها على مراحل، وتولت الدول الغربية مهمة التدخل العسكري كلما دعت الضرورة، وتولت ايران وتوابعها مهمة تجميد الوازع الوطني و القومي عن طريق الافتاء الديني و ترويج الفساد والمخدرات بجميع انواعها في مجتمعات المنطقة لخلق ارضية واسعة لنشاط الجمعيات الدينية المرتبطة بها والتي يمكن تحويلها الى مليشيات للقتل وتصفية الخصوم السياسيين في الاقطار التي يتولى فيها اتباع ايران السلطة والامثلة لاتحتاج الى الذكر، وتولت الدول التابعة مهمة التشجيع و التصفيق للمشروع الشرق الاوسطي دون ان تدرك ان تنفيذ هذا المشروع يستوجب ضرورة تغيير انظمة الحكم في المنطقة وخاصة الانظمة المتخلفة سياسيا مهما كان مستوى العلاقة اوالمصالح التي تربطها بالدول الغربية.
- حالة الأمية السياسية التي تعيشها اغلب الأقطار العربية والتي يتحمل مسؤوليتها التاريخية الاستعمار الذي تعرضت له اغلب الأقطار العربية سابقا والذي اعتمد سياسة التجهيل والتجويع لفرض سيطرته ونهب ثروات تلك الأقطار وأبقت عليها بعده (أي الاستعمار) اغلب الأنظمة العربية للاستمرار أكثر ما يمكن في السلطة لذلك لا نستغرب حالة الفوضى في طرح البديل السياسي التي تعيشها بعض الأقطار التي تغيرت فيها أنظمة الحكم وهي حالة ساعدت الدول الرأسمالية على الاستمرار في تحكمها بمصير المنطقة ورسم مستقبلها وهو ما نلاحظه اليوم.
اذا الامر واضح بالنسبة لمن يريد الوصول الى حقيقة الوضع في المنطقة هو صراع بين مشروع عربي حضاري ومشروع شرق اوسطي يتم تنفيذه على مراحل بدأ ت بحرب بالنيابة قادها الشاه ضد العراق باعتباره قائدا للمشروع العربي الحضاري وتواصلت في عهد الخميني وعندما فشلت الحرب بالنيابة دخل الصراع مرحلة جديدة وهي مرحلة المواجهة السياسية المباشرة بين المشروعين فتم العدوان على العراق وفرص الحصار عليه وعندما فشلت الدول الغربية رغم مساعدة بعض الانظمة العربية والاقليمية لتحقيق اهداف المشروع الشرق اوسطي و التي تحطمت على صخرة الارادة الوطنية الصلبة للشعب العراقي وحكمة قيادته لم يعد امام الغرب الراسمالي الا مرحلة التقابل القتالي واحتلال العراق وخلع قيادة المشروع العربي الحضاري وتدمير مؤسساته السياسية والتنظيمية والعسكرية والامنية والاقتصادية والنظام الاجتماعي الذي قام عليه هذا المشروع الذي لم يبقى منه الا النظرية الفكرية والبنية التنظيمية والتي مكنت القيادة الوطنية العراقية من الانتقال من قيادة السلطة الى قيادة المقاومة الوطنية العراقية بتلك المرونة الاستثنائية، والتي تساوق فيها الفعل المقاوم مع الثبات على المبادئ، ونظرا لشدة المقاومة وفداحة الخسائر في صفوف جيوش الاحتلال فشل التحالف الغربي مرة اخرى وسحب جل قواته من العراق و اعاد مهمة استكمال (مراحل مشروع الشرق الاوسط) لحليفته ايران وتوابعها في المنطقة وهو ما يفسر الدعم الغربي لما يسمى بالعملية السياسية في العراق والتغاضي المتعمد والمفضوح عن جرائم الحرب التي ترتكبها ايران وتوابعها في العراق والمنطقة يوميا، والتعتيم شبه الكلي عن دور الثورة العراقية و قيادة المشروع العربي الحضاري ومحاولة تغييبها عن أي دور سياسي اقليمي اوعالمي يتعلق بمصير المنطقة.
لذلك نقول ان الثورة العراقية في هذا الصراع هي حالة استثنائية في ادائها النضالي فقد تحولت من مقاومة لم يعرف لها التاريخ مثيلا اذ رغم اختلال ميزان القوى لصالح الدول المحتلة استطاعت هذه المقاومة ان تجبر اكبر قوة في العالم ومن تحالف معها على الانسحاب من العراق وهي استثنائية في تحولها من جبهة مقاومة متعددة الفصائل الى قيادة موحدة (مجلس قيادة الثورة) لانضج حركة تحررية عربية في المنطقة، وهي اسثنائية في مواقفها السياسية القومية والتي كانت ولا تزال على درجة عالية من الحكمة والوعي بالمسؤولية السياسية والتاريخية تجاه القضايا المصيرية للامة العربية، لانها تصرفت وتتصرف على اساس ان اخطاء الحكام لا يتحملها بقية ابناء الامة العربية وان الخطر الذي يهدد المنطقة يتجاوز انظمة الحكم الى الشعوب وهوية الامة العربية واعتقد انها ستتصرف على هذا الاساس مستقبلا لانها بعيدة كل البعد عن الحسابات الضيقة وعقلية الانتقام والضغائن التي يروج لها بعض السياسيين ذوي النظرة الضيقة في التعامل مع طبيعة الصراع بالمنطقة والتي قد تدفع الاطراف المعادية الى ادامتها والترويج لها اعلاميا لاستبعاد وتعطيل الدور السياسي العربي في اتخاذ القرارت اللازمة تجاه القضايا الرئيسية والمصيرية للمنطقة لذلك لم يبقى امام الشعب العراقي والانظمة العربية الا حلولا استثنائية تعيد الامور الى نصابها الصحيح قبل فوات الاوان.
المحطة الثالثة : الحلول الاستثنائية.
ابتدءا لابد من ادراك ان نتائج معركة المصير الواحد التي تقودها الثورة العراقية اليوم لن تتوقف عند جغرافية العراق بل ستلقي بظلالها على المنطقة بأسرها في اطار الصراع بين المشروعين مازال قائما رغم الهزيمة غير المعلنة للاحتلال الامريكي امام المقاومة العراقية وعدم اعتراف الولايات المتحدة الامريكية بهزيمتها في العراق يعود الى عدة اسباب لاتخفى على المحللين لاستراتيجيات الحروب والنزاعات الدولية ويمكن تحديد اهم هذه الاسباب في :
1- وصول الولايات المتحدة الامريكية الى حالة العجز التام عن مواصلة المعارك الميدانية بالطريقة التقليدية حيث كبدتها المقاومة العراقية خسائر فادحة استنزفت قواتها واثقلت ميزانيتها بنفقات طائلة لايقوى الاقتصاد الامريكي على تحملها.
2 - ادراك الولايات المتحدة الامريكية كدولة محتلة ان الاعتراف بالهزيمة امام المقاومة العراقية ستترتب عليه مفاوضات بين طرفي الصراع حول آليات الانسحاب واستحقاقات الشعب العراقي كطرف متضرر من هذه الحرب وهي استحقاقات لن تستطيع الولايات المتحدة الامريكية تحملها نظرا لفداحة الاضرار المادية والمعنوية التي سببها احتلالها والتي لحقت بالعراق ارضا وشعبا واقتصادا وهي اضرار موثقة مما يجعل دول الاحتلال امام ركام من ملفات جرائم الحرب التي ارتكبتها قواتها في العراق وبالتالي خضوعها الى الملاحقة القانونية.
3 - شعور الولايات المتحدة الأمريكية بانها تورطت في هذه الحرب فعملت على إعادة ملف الحرب إلى الأطراف التي ورطتها فيها وهي إيران وتوابعها وذلك للتنصل من مسؤوليتها السياسية والقانونية عن الوضع في العراق وتحميلها كلها الى الأحزاب الحاكمة في العراق والأطراف المساندة لها إقليميا والتي قد تلتجئ الولايات المتحدة الأمريكية الى المطالبة بمحاكمتها دوليا بتهمة تظليل السلطات الأمريكية و المنظمات الدولية (المجلس الأمن الدولي) و تقديم اخبار زائفة تسببت في زعزعة الامن الدولي وخسائر جسيمة للشعبين العراقي والأمريكي وعدة شعوب اخرى وبالتالي تحملها مسؤولية الحرب وتلزمها بكل التعويضات عن الاضرار التي سببتها وهو احتمال وارد في ظل تورط ايران وتوابعها في المحرقة العراقية وفي اطار معادلة اقليمة يستعيد فيها العرب دورهم السياسي في حماية الامن القومي العربي.
بقي ان نقول ان الحل لا يمكن ان يكون الا عراقيا وحتى يستجيب هذا الحل لانتظارات الشعب العراقي في استرجاع حقوقه والتعويض عن الأضرار التي لحقت به لابد من اتخاذ قرارا استثنائيا بالغاء العملية السياسية والدستور و"قانون المساءلة والعدالة " وغيره من القوانين التي وضعها الاحتلال الأمريكي - الإيراني والدعوة الى مؤتمر وطني عراقي يعيد للعراق استقلال قراره السياسي ويعيد للشعب العراقي إرادته الحرة في اختيار من يحكمه عن طريق انتخابات حرة ونزيهة و تحت إشراف دولي بعيدا عن التدخلات الأجنبية.
|
شبكة البصرة
|
قال سبحانه وتعالى
قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم
الجمعة، 29 أغسطس 2014
الاستاذ احمد علي : الثورة العراقية حالة استثنائية تقتضي حلول استثنائية
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق