بقلم: صلاح المختار
المرابط العراقي
عندما ترمى ورقة تواليت تدرك اللفافة ان دورها قادم
نوري المالكي طرد شر طردة ووصل تحقيره حد انه تمكن بسرعة من بلع كل تهديداته ووعوده (بانه لن يعطيها)، لقد كسر انفه واعطاها صاغرا متسولا وعاد الى حجمه الحقيقي بعد انتفاخ يشبه سمكة تنفخ نفسها لارهاب الاخر، وبدأت لعبة ترتيب الوضع مجددا مع ما يرافقها دائما من حقارات المتسابقين لركوب الموجة والاستفادة من التغيير! ثمة اسئلة في اذهان الكثيرين منها ما يلي: ما السبب الرئيس لطرد المالكي؟ وما هي نتائج الطرد على كافة المستويات؟ ومن هو المتضرر من الطرد..؟
اول ما يجب لفت النظر اليه هو ان المتضرر الاول هو ايران لان هناك عامل تجنب كثيرون تناوله وهو ان ما بنته ايران خلال عهدي ابراهيم الجعفري ونوري المالكي، وكلف دم قلب ايران، قد بدأ بالانهيار الان مع انه القاعدة الارتكازية الاساسية التي بنتها بعد الغزو كي يستند اليها وجود ايراني مهيمن بصورة دائمة على العراق. فمن الطبيعي ان تقوم ايران بعد الغزو بتوفير ضمانات ثابتة وقوية تحمي وجودها في العراق وتديمه عن طريق بناء مؤسسات عسكرية وامنية واقتصادية تتحكم فيها من خلال عناصر تابعة لها، تستطيع من خلالها منع اي تغيير ضد مطامعها الجيوبولتيكية في العراق.
فاذا انشأ بعد طرد المالكي جيش مهني وقوى امنية مهنية تخضع للنظام وليس للحاكم فان تغيير الحاكم لا يغير طبيعة النظام، ولكن لو ان القوى العسكرية والامنية والقوة الاقتصادية بيد جهة واحدة تتحكم بها كما تريد فانها لا تسمح بتغيير الوضع السياسي باي وسيلة وتبقيه تحت سيطرة طرف محدد بدقة. لهذا فان الوصول الى هذا الهدف الخطير يفرض ابقاء حالة التبعية لايران مستمرة لفترة طويلة تحت زعامة شخص واحد تكفي لفرض امر واقع بمؤسساته ورموزه وبالاخص صنع رمز تتجمع حولت الكتل الموالية لايران.
عندما حصل الغزو كان حل الجيش خطة تشمل تحقيق اهداف كثيرة منها صنع فراغ يسمح بنشوء فوضى عارمة تتحول الى معاول تهدم الدولة والمجتمع وتفتتهما. وكان القرار الامريكي قبل الغزو هو انشاء جيش هو في الواقع قوة بوليس تحمي الامن الداخلي ولا تستطيع خوض حرب في الخارج، في اطار نظام اسمه فدرالي لكنه في الواقع نظام كونفدرالي اي يقسم العراق الى ثلاثة دويلات لكنه يبقيها مرتبطة باطار تنسيقي هش عام.
كانت امريكا تريد تحويل العراق الى قوة عاجزة عن لعب دور اقليمي كبير بتوزيع قوة العراق على الاقاليم الكونفدرالية وتحويل المركز اي العاصمة الى رمز لاقوة فعالة له، اما ايران فكانت تريد تحويل العراق كله او بعضه الى تابع لها، ولهذا فالخطة الايرانية كانت تقوم على اعادة بناء الجيش وقوى الامن بطريقة تجعلها تحت سيطرتها. وكان منصب رئيس الوزراء بالغ الاهمية بالنسبة لايران لانه يتيح لها امكانية بناء مؤسسات عسكرية وامنية تابعة لها تسيطر من خلالها على العراق.
وبما ان هذه العملية تتطلب سنوات طويلة فان وجود استقرار في شخص رئيس الوزراء وعدم تغييره قبل اكمال بناء المؤسسات المطلوبة شرط ضروري لاكمال اهم عناصر المشروع الايراني في العراق وهو السيطرة على العراق بدولة فيها مؤسسات متكاملة تسيطر عليها رموز معرفة ومعروفة ومطاعة.
وفي هذا الاطار فان خلق شخصية قيادية لها تأثير كان ضرورة اخرى وبشرط حاسم وهو ان تكون تابعة لايران بلا غموض او تردد. لكن ايران واجهت مشكلة عملية وهي ان كافة العناصر القيادية التابعة لها ليس فيها شخصية قيادية تملك جاذبية (كاريزما) فكلهم ما بين رعاع وحثالات او انصاف اميين او اميين بالكامل، ولهذا كان البديل هو المال والمنصب وسيلة لجمع المؤيدين والتابعين بالاضافة لاستخدام المرجعية في النجف لدعم اشخاص بعينهم لتولي مسؤوليات عسكرية وامنية وسياسية. وهنا نرى القاسم المشترك الاخر بين امريكا وايران وهو حرصهما على جعل الفساد والافساد خطة مقررة وليس ظاهرة عارضة.
بدمج الفساد مع طاعة المرجعية الطائفية الفارسية الاصل عوض نسبيا نقص الافتقار الى شخصية كاريزمية وتمكن المالكي من البقاء اكثر من ثمانية اعوام قام خلالها باعادة بناء جيشه وقوات الامن وانشأ منظومة فساد شاملة تحيط به لضمان دعمها له ولايران، واستخدمت المرجعية الطائفية في النجف مباشرة في دعم الرموز والهياكل بفتاوى جعلت البسطاء يدعمون المالكي ليس حبا له بل طاعة للمرجعية.
ولكن هذه العملية كي تكتمل وتستقر تتطلب اعواما طويلة لاجل تعويد الناس على زعامة شخص ما وتجميل صورته كي يطاع فرأينا القابا بطولية وطائفية تسبغ على المالكي مثل (المختار) – شعرت شخصيا بالحرج ان يضفى على المالكي لقب تشرفت به عائلتي - واخذت عشرات الفضائيات الممولة من ايران وخزينة العراق تجمل صورة المالكي، واصبحت الرشا تدفع بصورة شبه علنية لمن يمتدح المالكي! وبعد ثمانية اعوام اعتقد المالكي وايران بان الجيش والاجهزة الامنية اصبحت قادرة على حماية النفوذ الايراني في العراق، ولذلك فان ايران اصرت على بقاء المالكي حتى بعد تصاعد الانتفاضة العراقية وعجز المالكي وجيشه وامنه عن القضاء عليها.
اما امريكا فكانت لها ايضا مصلحة في بقاء المالكي ولكن من زاوية غير زاوية ايران فالمالكي بحكم طائفيته المتطرفة خير من يجب ان يتولى رئاسة الوزراء، وكانت مواقفه الطائفية العلنية مثل تصريحه الوقح الذي قال فيه انه (شيعي اولا)، او قوله (ان الصراع هو بين معاوية والحسين) هي التي جعلت امريكا تفضله على كل ماعداه، بل وترفض من فاز في انتخابات عام 2010 وهو رجلها الاول في العراق اياد علاوي وتنصب المالكي بدلا عنه في فضيحة متفجرة للديمقراطية الامريكية، ثم اكدت دعمها المطلق له عندما سلمته العراق في نهاية عام 2011 عند انسحابها العسكري، وواصلت دعمه لتولي ولاية ثالثة واصرت على ذلك! ومثل ايران تماما لم تغير امريكا موقفها الداعم للمالكي ضد الانتفاضة بل رات فيها سببا لزيادة دعمه.
والسبب في دعم امريكا للمالكي هو انها خططت رسميا لتقسيم العراق الى ثلاثة دول او اقاليم على اسس طائفية وعرقية والمالكي الطائفي المتطرف خير من ينفذ هذا المخطط، كما ان نشر الفساد في العراق ضمانة اساسية للتعجيل بانهيار المجتمع بعد تدمير قيمه العليا، فما ان تغيب القيم العليا حتى ينهار كل مفهوم اخلاقي او قانوني ويدمر اي استقرار فيه. والتفرد بالسلطة وممارسة فاشية دموية ضد الجميع، وهو هدف امريكي ثابت من جهة ثانية، يفرض وجود رئيس وزراء دموي ومريض نفسيا مثل المالكي، فيؤدي ذلك الى توالد عوامل تشرذم العراق بصورة تجعله في النهاية مقسما.
اذن ما الذي تغير واجبر امريكا اولا على تغيير المالكي ثم اجبرت امريكا ايران على التخلي عنه؟
السبب الذي جعل امريكا تطرد المالكي وهو ما حصل منذ تحرير نينوى وصلاح الدين ووصول الثوار الى بغداد وتطويقها من محيطها ومقترباتها، وتلك حالة بالغة الخطورة على امريكا التي غزت العراق لتدميره وليس لعودته متحررا وقويا.
اذن السبب الرئيس لاقصاء المالكي هو منع تحرر العراق وعودة الحيوية اليه فلو بقي المالكي بطائفيته المتطرفةوفساده المتطرف وعمليات القتل والابادة المتطرفة والخارجة عن حدود ابقاء الناس مخدوعين بحقيقة الدور الامريكي بعد سحب القوات واجبارهم على التفكير بعيدا واستنتاج ان امريكا وليس ايران فقط هي من يريد لجرائم المالكي ان تستمر وان المالكي بكل جرائمه ليس سوى اداة امريكية مثلما هو اداة ايرانية.
وعندما يكتشف المخدوعين من الناس هذه الحقيقة عن الدور الامريكي فانه سوف يجبر مزيدا من العراقيين على دعم الثوار واسقاط حكمه وتدمير العملية السياسية بكاملها واعادة بناء العراق على اسس وطنية سليمة، وهذا سياق ستراتيجي مناقض كليا لاصل الخطة الامريكية، لهذا ومن اجل منع تحرر العراق وسحب البساط من تحت اقدام الثوار لجأت امريكا الى لعبة طرد المالكي لاحتواء الغضب العارم ضدها وضد ايران على امل فتح ثغرة في صفوف الثوار بعد تقديم وعود بالاصلاح وتحقيق خطوات تعالج جرائم المالكي.
وبما ان طرد المالكي كان هدفه اصلا ايقاف انهيار الوضع الحكومي واعادة الروح للعملية السياسية من خلال تجميع كل من مارس المالكي العداء ضدهم من عرب وكرد واقناعهم بان مرحلة جديدة قد بدأت وان على الجميع التعاون لتطبيق الدستور واجراء اصلاحات فان الرد الوطني الوحيد والفعال هو تواصل تدمير العملية السياسية وبالذات اسقاط دستور الاحتلال واقامة حكومة وطنية تمثل الثوار ومن يدعمهم بصدق وتنهي اكبر الكوارث في تاريخ العراق.
وهنا نصل الى لب ما نريد : ما يترتب على طرد المالكي على الارجح امر خطير تعرفه ايران جيدا لكنها شربت السم مجبرة، كما شربه خميني مجبرا عندما اضطرت لقبول طرد، المالكي هو اعادة النظر في تشكيل الجيش والقوات الامنية جذريا لتكون مهنية وتحت اشراف امريكي مجددا، واذا تمت هذه العملية، وهي مطلب باقي الكتل في العملية السياسية وهدف امريكا الان، فان ايران ستفقد جهود وتكاليف بالمليارات صرفت على عمل طويل ومضن من اجل جعل الجيش والقوى الامنية تابعة لها ومكرسة لخدمتها بلا ابطاء او تردد.
الم نقل ونكرر القول بانه منذ عام 2005 وفي ضوء الهزيمة الامريكية امام المقاومة في الفلوجة اصبح الجهد الامريكي الرئيس في العراق مخابراتيا وتحولت القوة العسكرية الى خادم لذلك الجهد؟ الان نقول بان المخابرات الامريكية كانت المصدر الاول لتسريب معلومات عن هيمنة ايران على العراق وتدني النفوذ الامريكي فيه من اجلتحميل ايران مسؤولية الكوارث التي حلت بالعراق واعداد رأي عام عراقي قوي لاعادة النظر بالدور الاجرامي لامريكا في غزو وتدمير العراق وبالاخص في تسليمه لايران كي تكمل عملية تدميره، فتبدو امريكا بصورة المنقذ من جرائم مجرم هي من اعدته لممارسة الجريمة المنظمة فتعود من شباك اصلاح ما خربه المالكي بعد طردها من باب الهزيمة المريرة.
نعم هيمنت ايران على مفاصل كثيرة ولكن بقرار المخابرات الامريكية التي كانت تعمل تحت الغطاء لترتيب كل شيء بما في ذلك تنفيذ ايران لجرائمها ضد شعب العراق، ولهذا اكدنا مرارا وبلا كلل بان امريكا انسحبت عسكريا فقط لكنها عززت وجودها المخابراتي في العراق مرتدية قفازا حريريا وتركت القفاز الفولاذي لايران كي تواصل عملية تدمير العراق اعدادا لتقسيمه.
فهل يجوز الوقوع في فخ تكتيكات المخابرات الامريكية بقبول فكرة مضللة وخطيرة وهي اصلاح الوجه القبيح للعملية السياسية فيستمر العذاب القاتل بطريقة اخرى لسنوات قبل اكتشاف ان امريكا هي مهندسه مرة ثانية؟
يتبع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق