بسم الله الرحمن الرحيم
الانسداد التاريخي في المجتمع العربي ماذا؟ والي أين؟
ما من أحد ينكر حالة الانسداد التاريخي في المجتمع العربي لا بمفهوم الرؤية القادرة علي التصدي سواء بصيغة التصور أو الفعل بحكم كونها قائمة فعلا متواصلا بصيغة صراع إرادات... وإنما بصيغة التواصل المنفتح الواعي لما يتربص بنا من استهداف قائم ومؤشر في أكثر من جانب...انسداد مركب بصيغة التراكم المتوارث عن استحقاقات لم تعد قائمة (كل يري في نفسه أهلية تاريخية قد حرم منها) من ناحية ومن ناحية أخري اختلاف في النظرة بناءا علي قراءات متباينة منهجا وتحليلا للواقع العربي في ماضيه وحاضره وآفاق تطوره... بما جعل منه انسداد ظاهري علي مستوي الرؤية وما ينضح عنها من سلوكيات أو أفعال... انسداد يتهرب الكل من تأشير بداياته انطلاقا من : اعتباره عند البعض حقيقة مفهومة بناءا علي معايشته متناسيا صيغ التخريب المعرفي الذي مارسته برامج التربية والتعليم في الدولة القطرية وتوجهات الإعلام القطري أو العالمي بكل أشكاله خلال العقود الثلاث المنصرمة أو انطلاقا من وعي ضمني أو مفعل بما هو موجود عند البعض الآخر وبمفهوم الطرف العامل علي تكريس الحالة للعودة بالأمة العربية فكريا وعمليا لذات النقطة التي انطلقت منها لمواجهة الاستعمار المباشر بصيغة التعويض عما فاته وان كان باستخدام شعارات العصر وأدواته بما يخلق له التواجد المريح علي حساب الشعب في أدني الحلقات وعلي حساب الأمة في أوسع حلقاتها أو تحسبا مما يؤشره ذلك من خطاب مزدوج يجعل من فعله الآني منكشفا في هدفه.. لذلك لا يتردد في استخدام وتعميم ثقافة "المناكفة" باعتبارها تغيب المعني وتدفع إلي مفهوم الدفاع السلبي أولا واليأس ثانيا...في الوقت الذي نري فيه أن الأمة في أوكد الفترات التي هي فيها لثقافة المواجهة الاقتحامية لما يستهدفها من تحديات... بما يجعل من حالة الانسداد القائمة حالة مصطنعة هدفها معاكس لحركة التاريخ وبالضد مما تراكم من أفعال في شكل ناتج سياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي للدولة القطرية (المرفوضة من الطرفين) وإن كانت لا تخلو من نقد فهي تؤشر علي بداية دخول الأمة العربية فترة التاريخ المعاصر بكل ما يعنيه الدخول من تعاطي ومفرداته بصيغة مقاييس متعارف عليها عالميا(المعرفة والعلم/ التكنولوجيا/ الثروة)... مما يجعل التساؤل ملحا حول طبيعة هذا الانسداد هل هو حقيقة أو مصطنع؟ وهل يتحمل المشروع القومي تبعاته؟ وإلي أين يهدف؟
- انسداد تاريخي حقيقي أم مصطنع؟
1- واقع المنطقة العربية.
في تحديد طبيعة هذا الانسداد لا يختلف اثنان في أن صرة السياسة الدولية الآن هي المنطقة العربية فمن يحكم سيطرته على هذه المنطقة يؤسس لفعل حضاري يتجاوز حدوده الجغرافية والبشرية ليصبح فعل إنساني ذا تأثير شمولي تماما كما كانت في السابق إذ من خلال هذه المنطقة ومن حولها عرف التاريخ البشري أبرز تحولاته الكبرى المادية والمعنوية الفكرية وفي عديد الحالات على حساب سكانها. كالصراع الانكليزي الفرنسي الذي تمحور في نهايته حولها وانتهى إلى اتفاقية (سايكس – بيكو) التي أنهت العداء بين المسيحية واليهودية على حساب العرب حتّى الصراع بين العالم الرأسمالي والعالم الاشتراكي حسم على حساب هذه المنطقة بما أفضى في نهايته من استهداف أمريكي مباشر للمنطقة بناء على عدّة عوامل متداخلة ويصعب الفصل بينها أو ترتيبها.
- عامل تاريخي حضاري :
رغم هيمنة المناخ القاحل أو شبه القاحل على المنطقة العربية من الخليج إلى المحيط مما يعني أنّها منطقة طاردة باعتبار النظرة الكلاسيكية لمناطق الطرد أو الجذب فهي كسمة لعبت الدور الأساس والحاث للإنسان منذ القدم على العمل والتكيف معها واستنباط مختلف الأدوات الضرورية لتجاوز هذا العامل، ماديا : الانتقال من مرحلة التقاط الغذاء إلى مرحلة إنتاجه وهو ما عبرّت عنه الزراعة والاجتماع. معنويا ترتيبيا : القوانين والتشريعات لتتوج بما هو روحي تنظيمي فردي وجماعي متمثلا في ظهور الأديان السماوية وما لعبته هذه الأديان من دور في صياغة النظرة الجماعية لمفهوم الحياة عند مختلف الأمم والموقف من الآخر سواء تعلق الأمر بمن هو ملتزم أو لغير الملتزم بها. القابل لها بالوراثة أو من خلال الدراسة المطبق لها أو الناقد الرافض لها وبناء على ذلك لعبت هذه المنطقة دور قاطرة الحضارة الإنسانية لأكثر من ثلاثة أرباع التاريخ البشري المكتوب مما يعني بالنتيجة وجود إنسان علمته الطبيعة وإرثه الحضاري التطلع دوما لما هو أرقى وأوسع وبما يضمن له حرّية الفعل والتأثير الإيجابي فهو ينجذب سريعا لما هو خير ويرتد رافضا مقاوما لكل ما هو شر أو لما يشعره بأنّه الأقل من الآخر وفي أسوء الحالات يستقيل مؤجلا فرصة الرد إلى اللحظة التي تتجمع له الإرادة لذلك. ميزة اجتماعية لا تخلو من خصوصيات يصعب وجودها لدى مجتمعات أخرى وإن وجدت فهي بالتقابل ورغم ما توحي به هذه الميزة من بساطة إلاّ أنّها الأكثر تعقيدا وأكثرها فعلا حضاريا مؤثرا...بحكم كونها حافظت وبالرغم من تعدد الأزمات والاستهدافات علي استمرارية الأمة العربية وصيرورتها الفاعلة في التاريخ كما أنها مثلت مدخلا للاستغلال بالضد من طموحات الأمة في التحرر أو استعادة البناء الذاتي لها... حالة استغلها الانكليز في التاريخ المعاصر خلا ل الحرب الأولى وكلّفتهم سمعتهم لاحقا وما واكب ذلك من فقدانهم لنفوذهم بما في ذلك المعنوي منه حتّى لدى الشرائح الاجتماعية التي لا زالت منبهرة بقيم الغرب ويحاول الأمريكيون استغلالها استنادا لما وضعته مؤسسات البحث عندهم من تصورات بناء على معلومات مبتورة استقتها أجهزتهم أو قدّمت لهم من أناس لا تخلو الأمم منهم في أي فترة من فترات التاريخ ممن يقدمون مصلحة الأجنبي على مصلحة بلادهم وشعبهم وما وجدوه عند بعض الثقفاويين من تجاوب مرده حالات اليأس من تحول داخلي يمكن أن يعاصروه في وضعية المتفرج لا الفاعل وهم في ذلك لم يستفيدوا من تجارب شعوبهم تماما كما فعل "ماسينيسا" في علاقته بالرومان وعدائه لقرطاج ليجد أحفاده أنفسهم مجبرين نتيجة تعارض في المصلحة على محاربة روما. فالأمريكيون يجهدون أنفسهم وبكل الوسائل المادية "مساعدات، احتضان المبتورين..." والمعنوية "الإعلام والأجهزة السمعية البصرية" لإقناع سكان المنطقة العربية بأنهم مسالمون أتوا لتأكيد الذات الحضارية للمنطقة من خلال طرح المشاريع "الشرق الأوسط الجديد"..." الديمقراطية والمجتمع المدني كآخر ما لوحوا به ".. ظاهرها تحول وباطنها طمس الهّوية الحضارية المتجانسة للمنطقة من خلال التأكيد على الخصوصيات وإبرازها سواء ما كان منها قطري أو قومي أو إقليمي.. اثني أو اجتماعي ديني "حتّى داخل الدين الواحد إسلام متفهم سمح (معتدل) وإسلام إرهابي(متعصب)".. خصوصيات كانت ولازالت عامل ايجابي وإثراء حضاري للمنطقة كلّما توفرّت الإرادة الخيّرة في أبنائها... ولتكريس هذا التوجه وكجزء من توجههم الكوني استهدفوا العراق استهداف ينم على دراسة لا تخلو من فهم لبعض من الجزئيات المعلنة عن المنطقة، فالعراق استهدف بهذا الشكل والحجم الذي نعيشه ليس فقط كتجربة توفرت لها الإرادة الخيّرة للبناء والتجديد الحضاري رغم ما لهذا العامل من دور فاعل ومهم في السلوك الأمريكي إزاء العراق وقيادته وإنّما كذلك لكونه يختزل مشاكل المنطقة كلّها "تنوع ديني عرقي، الثروة والإنسان المتحفز للبناء والنهوض" في حيز جغرافي محدود. ولكون قيادته تنبهت لذلك ونبهت إليه سواء فيما يتعلق بشخصية المواطن العربي وما هي عناصر قوّة هذه الشخصية ومواطن ضعفها وكيفية علاجها أو في كيفية التعامل مع الخصوصيات القطرية وكيف يمكن أن تكون مدخلا للتآمر على الأمّة مثلما هي ركيزة من ركائز البناء الحضاري بما في ذلك الموقف من الدين لذلك رأينا ونرى إصرارا أمريكيا على تدمير كلّ شيء بالعراق بالرغم مما يروجونه من انسحاب إعلامي مع بقاء الاحتلال الفعلي قائما وإن كان بصيغة التسليم للنائب الإقليمي المتحالف استراتيجيا بما يفيد المصلحة المتبادلة معه.
- اقتصاديا سوقيا :
رغم سمة الطرد التي تميّز المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج باستثناء بعض الحواشي الخصبة المحدودة المساحة الجاذبة فهي منطقة عبور ميزة أكسبتها خلال العصور التاريخية دورا فاعلا في العلاقات بين الأمم والشعوب الأخرى وجعلها ولفترات تاريخية طويلة تتحكم في المبادلات العالمية دون أن تخضع لتبعية اقتصادية بل أسست بما أبدعه الإنسان في هذه المنطقة من وسائل وضوابط هي الآن مرتكزات تطور هذا القطاع "النقد، الموازين، الطرق التجارية، الحساب كعلم، التأمين، الشراكة حتى النمط الاقتصادي ألريعي (سمة العولمة الاقتصادية القائمة حاليا).. الخ..." حالات حافظت عليها حتّى في الفترات التي سجل فيها فعلها الحضاري تراجعا لحساب جهات مجاورة أو دخيلة لذلك استهدفت المنطقة تحت طائلة هذه الميزة سواء في التاريخ القديم "الصراع الفارسي - الروماني" أو الوسيط "الحروب الصليبية" أو الحديث "الصراع الفرنسي الانكليزي" {المسألة المصرية وأهميّة قناة السويس} وبتنامى الثورة الصناعية ودخولها المرحلة الصناعية الانتاجوّية وازدياد الحاجة لموارد الطاقة تتأكد أكثر الأهمية السوقية (الإستراتيجية) للمنطقة ليس محليا فحسب وإنما لدى من له تصور للهيمنة الشاملة على العالم وذلك بما توفره المنطقة من ميزتين.
الأولى : الموارد التي تمثل احتياطيا ضخما قابلا للاستغلال بأقل كلفة ليس الطاقة فحسب بل كذلك الموارد الأخرى في زمن بدأت تسجل فيه هذه الموارد نضوبا مع كلفة مرتفعة في مواقع أخرى في العالم.
الثانية : السوق الضخمة أكثر من 350 مليون نسمة قابلة للترفيع في مستوى استهلاكها بنسب مغرية للشركات العابرة للقارات. نتيجة الزيادة الديمغرافية التي تسجلها أو نتيجة التحولات الاجتماعية الهامّة. ميزتين انتبهت لها مؤسسات البحث الأمريكية وأدخلتها في الحسابات الإستراتيجية الأمريكية منذ نهاية الحرب الثانية فترة التحوّل من قوّة عالمية منافسة إلى قوّة عالمية مهيمنة على العالم الرأسمالي لتتدخل في المنطقة بشكلين.
أوّّّلها : شكل الرقيب المباشر لاتجاهات التطور في المنطقة وذلك من خلال تبني الكيان الصهيوني واعتماده كحالة اعتراضية أولى عند الضرورة لإجهاض أي تحول بالضدّ من الإستراتيجية الأمريكية.
ثانيهما : شكل المنافس للبريطاننين والفرنسيين بدرجة أقل والصديق الطيّب للعرب بهدف ربط المنطقة بالإستراتيجية الأمريكية ضمن ما تتطلبه حالة التقابل مع العالم الاشتراكي أنذاك ويتأكد هذا التدخل في فترة الانفراد بإدارة السياسة الدولية وتجسدت بدخول القوات الأمريكية للعراق وما اتخذته من مظاهر حرص على الموارد "النفط والكبريت" وما واكب ذلك من طرح لبرامج خوصصة وفي الجانب الثاني تدمير مراكز البحث ومؤسسات الإنتاج وتفكيك معامل بالكامل وتحويلها إلى بعض الأقطار كنفايات قابلة للبيع إلى جانب قتل العلماء والكفاءات المعرفية والمهنية الأخرى. وهو ما يثبّت الرؤية التي كانت للقيادة العراقية في أنّ المنطقة العربية أصبحت للإستراتيجية الأمريكية بعد الانسحاب من الفيتنام مسألة حيوية لا يمكن أن تتغير إلاّ بفعل تلاقي الإرادات الوطنية في المنطقة على ما هو قومي مصيري لذلك بادرت بطرح استراتيجة مضادة تعامل معها العرب بسطحية تامة (مشروع ميثاق العمل القومي 1980 الذي فسر بغير معناه الاستراتيجي من قبل ثقفاويوا البترودولار وغيرهم من ذوي التفكير العابر لحدود الأمة). سطحية نجد تفسيرها في الجانب السياسي الذي يحكم المنطقة والذي تستغله الولايات المتحدّة في كلّ جزئيا ته.
- سياسيا وهيكليا:
منذ انهيار الدولة المركزية التي هي وليدة النهضة وتعبير عن الانسجام والتوافق بين العروبة والإسلام رغم البعض من نقائصها نهاية القرن التاسع وبداية العاشر معنويا وماديا منتصف القرن الثالث عشر فإن الحالات التي أرادت أن تحلّ محلها سياسيا وهيكليا لم تستطع الارتقاء إلى درجة اعتبارها دولة وبقيت رهينة تكوينها الطائفي ألاثني كحالة البوويهيين ورفضهم الانضمام إلى الدولة الفاطمية رغم الانتماء الطائفي الموحد "شيعة إسماعيلية" أو الطائفية "الاجتهادية" كدولة الموحدين في غرب المنطقة مما يعني العجز عن تجاوز نقائص الدولة المركزية التي كانت سببا من أسباب انهيارها. لتفرّخ هذه الحالات هياكل محلية استطاعت المجموعات المجاورة للمنطقة توظيفها لتصبح المنطقة عرضة للتأثير السياسي وبما يخدم مصالح أطراف خارجية العثمانيين أولا والقوى الاستعمارية ثانيا التي وإن انحسر نفوذها المباشر إثر موجة الاستقلال فقد حافظت على نفوذ غير مباشر أو نفوذ بالنيابة من خلال ما أوجدته من هياكل قطرية وشرائح اجتماعية مرتبطة بها وفرت لها الحماية الخارجية أولا وباشتداد الصراع وتقابل الاستراتيجيات الذي طبع فترة الوفاق الدولي وفرّت لها الحماية الداخلية لاغيه حتّى العلاقات البينية التي أوجدتها حالة المواجهة مع المستعمر لتقتصر على ما هو أمني وبما يضمن استمرارية هذا الوضع لتتحول الدولة كمفهوم من مؤسسة حامية للشعب ومصالحه وحاثة على النهوض الاجتماعي والاقتصادي والعلمي إلى مؤسسة تعمل على تأليه هياكلها "بيروقراطية" وتخليد مسيريها كأفراد [يحيا القائد، يحيا المعلم،. يحيا المناضل بالروح بالدم نفديك يا.......] شكل هجين من أشكال الدولة الكليانية أقّل نضج حتّى من المثال الإغريقي "لبيزيستراتوس" في العهد الكلاسيكي فما بالك بالمثال الألماني أو الايطالي أو التركي في القرن العشرين باستثناء بعض الأمثلة رغم نواقصها المحدودة منها :
أ- تجربة عبد الناصر في مصر التي أغرقت في الحالة القومية التي لم تقدم لها غير السند العام المعنوي ذا الصبغة الجماهيرية مقابل فعل معادي مادي... أضيف إلي ثقل التركة القطرية المطالبة بإيجاد حلول لها تجربة ضُربت من الداخل إثر وفاته.
ب- تجربة العراق خلال الثلاثين سنة الأخيرة (1968 ـ2003) والتي حاولت الولايات المتحدة اعتراض تحوّلها من ظاهرة قطرية إلى ظاهرة قومية بشتى الطرق بشكل غير مباشر : الحصار الاقتصادي بداية السبعينات إيران الشاه والمسألة الكردية 74/75 أسعار النفط بهدف عرقلة خطط التنمية في العراق] منذ 1977. إيران الخميني وحرب الثماني السنوات وبشكل مباشر إثر انتصار العراق في حرب الثماني سنوات بافتعال أزمة الكويت والحرب المباشرة سواء منها العسكرية سنة 91- 2003 والقائمة حتى الآن أو الاقتصادية فيما مثله الحصار الاقتصادي خلال ثلاثة عشر سنة. طارحة شكلا بديلا للدولة الوطنية هي حتّى الآن عاجزة عن إيجاد مرتكزات مادية له بفعل المقاومة الرائعة لأبناء العراق والتي يستكثر الإعلام الرسمي للدولة القطرية في المنطقة العربية الاعتراف بها ويختزلها في "مسلحين مجهولين" في بداية ظهورها واعتماد التعتيم الكلي عن فعاليتها الحقيقية وتصنيفها بصيغة التقابل الطائفي لاحقا تصنيف لا يلغي استهداف مبيت بصيغة خلق المثال القابل للتعميم" وهو بذلك يدعم صفة التبعية لهذه الهياكل للأجنبي.
من هكذا عرض يبدو الانسداد التاريخي في المجتمع العربي لا يستند إلي معطيات حقيقية في الواقع بقدر ما هو انسداد مفتعل يهدف خلق مرتكزات بمفهوم الأداة المحلية لإلغاء دور الأمة العربية المستقل وبما يسمح بتوظيفها إما في أجزاء منها أو كلها لفائدة غيرها من القوي الخارجية طبقا لمقتضيات السياسة والمصالح الدولية وبما يؤكد أهمية المنطقة "صرة العالم" في السياسة الدولية...فما هي بدايات هذا الانسداد ومظاهر تطوره وطرق تفعيله؟
2- بدايات الانسداد التاريخي التطور والمظاهر وطرق التفعيل.
إن البحث عن بدايات الانسداد التاريخي القائم حاليا يفرض العودة النظرية لبدايات النهضة العربية الحديثة لماذا؟ لكون التقابل القائم حاليا هو ناتج تراكمات تاريخية من ناحية ومن ناحية أخري يحكمه أفق ومرتكزات النظرة الفكرية واتجاهات فعلها لكلا الطرفين الذي ولدتهما النهضة...فإذا كانت نقطة الانطلاق حكمها التداخل بمفهوم الإصلاح وبصيغة الرد علي تقدم الغرب رغم الاتفاق علي ضرورة الاستفادة من أساليب تقدمه ورفض الواقع المتخلف والعمل علي تغييره باستحضار حالات الصعود الحضاري وعواملها إلا أن اختلافا جوهريا تأسس مع بداية استهداف الخلافة العثمانية بين مدافعا عنها بصيغة الإرث الجوهري النتيجة ولادة التيار الإسلامي لاحقا وما بني عليها من تصورات فكرية تتجاوز المجال الجغراسياسي القومي... ومن اعتبرها مرحلة من مراحل التحرر والتخلص من حكم أجنبي (استعمار)خاصة وأن العثمانيون مارسوا سياسة التتريك في أبشع صورها النتيجة ولادة التيار القومي... حالة صاغت نفسها بالتقابل في فترة ثنائية الاستقطاب الدولي ما بعد الحرب العالمية الثانية أو في فترة الوفاق مما أدي إلي :
أ- اختيار التيار القومي لصيغة الانحياز الايجابي بما يعنيه من نضال تحرري ووقوف مساند ومشارك في الأشكال الهادفة للتحرر الوطني والقومي موقف واختيار نضالي حضي بمباركة وصداقة القطب الاشتراكي مما جعل الساحات القطرية التي كان للتيار القومي تواجد فاعل بها تصنف بحسابات تقسيمات الاستقطاب الدولي علي كونها ساحات سوفيتية...ساحات تمكنت رغم النقائص التطبيقية من إرساء مفهوم الدولة الوطنية التي تخلصت من صيغة الخيام المتعددة وصاغت إلي حد ما مفهوم مجتمع المؤسسات بما يعنيه من قرارات وقوانين...
ب- اتجاه التيار الإسلامي نحو الاصطفاف الفعلي خلف المعسكر الغربي (بحجة محاربة الإلحاد الاشتراكي حجة لم يتردد في إلصاقها بالتيار القومي ومعاداته نظرة وفعلا لازالت مفعلة توجيها وخطابا) ولقي كل الاحتضان والدعم في الساحات القطرية العربية المحسوبة علي الغرب وأمريكا خاصة وأنخرط خطابا ومعادة وتعاونا وسلوكا فاعلا في محاصرة كل فعل وطني أو قومي في تلك الساحات التي حافظت فيها الدولة علي شكلها التقليدي بصيغة خيام متعددة الولاءات الهدف منها حماية خيمة العائلة المالكة... ومجتمع تراتبي يستند فيه التسيير إلي الأكثر جاه ونفوذ والأقرب ولاء للخيمة المالكة..
فترة بصيغة المرحلة خلقت رؤية وأدوات لكل طرف متقابلة تصورا وفعلا النتيجة أن عبرت عن نفسها بصيغة عداء تبلور بشكل تصاعدي مع بداية التفرد الأمريكي بإدارة السياسة الدولية منذ سقوط ثنائية الاستقطاب الدولي سنة 1990... وتأكدت مع احتلال العراق.. الذي لعب فيه التيار الإسلامي بشكليه المتعاون والرافض درا محوريا... وازدادت تأكدا مع بداية الحراك الشعبي العربي... مما يعني قطيعة أفضت إلي بروز حالتين.
* حالة تعتمد المقاومة فكرا وممارسة بصيغة مستقلة ويمثلها الاتجاه الوطني القومي.
* حالة ثانية تتبني التصور الغربي وتربط حركتها باتجاهات فعله دون احتساب أثر ذلك علي مستقبل الأمة يمثلها التيار الإسلامي (الأسلمة السياسية) بكل صنوفه... غير مترددة في الإعلان علي تحالفها العضوي مع الغرب المعادي...
انسداد مصطنعا تجاوزه يبقي في هذه المرحلة صعبا دون تضحيات.. مما يستوجب نقد النقاش القائم منذ أحداث بيروت 1975ـ 1982 مرورا بحصار العراق واحتلاله 1990ـ 2003 وصولا إلي الحراك الشعبي العربي القائم حاليا والمسمي أمريكيا ـ اسلامويا "الربيع العربي".
- نقد النقاش العربي القائم
أثار اجتياح للعراق نقاشا متواصلا سواء في وسائل الإعلام السمعية البصرية أو المكتوبة أو حتى في النقشات العامة حول الأسباب الدافعة لهذا السلوك العدواني لعالم الحرب "وأممه المتحضرة". فعوضا التوجه إلى تفنيد أسبابه المعلنة والتركيز على أسبابه الحقيقية ومناقشة سبل مواجهتها وبالتالي تحصين جبهة الدفاع على الوطن ومناهضة العدوان فنيا باتجاه الانتقال إلى ما هو عملي إذا ما تطلب الموقف. انساقت الغالبية إلى مناقشة الأسباب المعلنة لعالم الحرب والنظر إليها بشكل حسابي " النفط وحجم الاحتياطي، أمن الكيان الصهيوني والتسلح العراقي، مسألة نقل التكنولوجيا المحظورة على منهم دون سن الرشد كما يقول الغرب " دون ربطها بالأداة المتحكمة والمسيرة لها أي النظام السياسي القائم وإستراتيجيته العامة مع وضعها في ظرفيتها التاريخية وذلك إما تحت تأثير الصدمة المفتعلة (وأقول مفتعلة بحكم اختلال موازين القوى في المواجهة التقليدية) أو نتيجة لرؤى شخصية ذات علاقة بالنظرة الشمولية للوطن ووضعه في السياق التاريخي الآني والمستقبلي وما تفرضه هذه الرؤى من حسابات الربح والخسارة بلغ حد اعتماد آراء بعض العملاء الذين تقدمهم وسائل الإعلام للاستشهاد على ما كان سائدا في العراق أو انخراط عديد الوسائل الإعلامية العربية في الترويج للإستراتيجية الأمريكية كقناتي الجزيرة والعربية. فجل النقاشات انطلقت ولازالت من وضعية قطر عربي يتعرض للاحتلال والتقسيم من خلال أولويات قطر أو أقطار بعيدة عن الاستهداف المباشر وإن هي مستهدفة بالنتيجة بحكم الانتماء الجغرافي والاقتصادي والحضاري... وبذلك ساعدت وتساعد سواء قبل أصحابها أم لم يقبلوا، تعمدوا ذلك أم لم يتعمدوا على خلق المزيد من المرتكزات المادية والمعنوية والنفسية للامبريالية والصهيونية وعملائها المحليين لتوسيع دائرة التآمر على الأمة والوطن ولا أعتقد أن أي منا لم يستوقفه المشروع الأمريكي ما أصطلح على تسميته" بالشرق الأوسط الكبير"... مما يعني تقديم النتيجة على السبب الذي لم يحسم أي الانحراف وخدمة توجهات الأجنبي ومصالحه على حساب الوطن ومصالحه، لكن لو وضع كل منا نفسه في موقع القيادة العراقية بكل مكوناتها (الفكرية الإستراتيجية – التنظيمية – الهيكلية) بصيغة التبادل في الموقع مع محافظة كل منا على توجهاته الفكرية التحررية... ويتعرض لهجمة إمبريالية صهيونية تعتمد أدوات محلية وإقليمية وأخرى مباشرة، هل يستطيع الجمع بين الدفاع عن الوطن والديمقراطية والبناء؟ الجواب قطعا لا...لان ذلك ضربا من المستحيل... إذ لابد من تقديم التضحيات. فالذراع (القدرة) العملية لأي منا مهما كانت لا بد أن تنحاز لتطول وتبلغ غاياتها في جانب وتقصر حتى تبدو كأنها غائبة في جانب ومرئية بقدر ما في الجانب الآخر من مثلث الأولويات طبقا لما تفرضه هذه المواجهة من ساحات ومن تقديم وتأخير في درجة الأهمية المرحلية لكل منها رغم ترابطها وليس في ذلك ما ينقص من صدق الوطنية أو ما يجعل المرء خارج حركة التاريخ والتاريخ يؤكد ذلك سواء في التجارب الثورية التي إنبنت على العقيدة السماوية "موقف أبي بكر رضي الله عنه من الردة" وفي التجارب الثورية الاشتراكية "موقف لينين من الثورة المضادة" أو التجارب الليبرالية "الثورة الفرنسية – الحرب الأهلية الأمريكية". فكيف غابت هذه الأمثلة عن فكر منظرينا وإعلاميي قنواتنا وانساقت وراء الإعلام الغربي ذي الأهداف المصلحية التي لا تستثني قطر من أقطار الأمة في ظرفية تميزت باستكمال العراق لمقومات الوحدة الوطنية والاستقلال الاقتصادي، مقومات تجد تفسيرها في عدة إنجازات امتدت منذ بداية السبعينات وحتى بداية التسعينات متمثلة في :
* تصفية شبكات التجسس الصهيو- أنقلو– أمركية ومرتكزاتها الاجتماعية والطائفية سنة 1970–1976/1978. والتي عادت على ظهور الدبابات الأمريكية تحت اسم أحزاب و"شخصيات معارضة وطنية" (حزب الدعوة، المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، الحزب الإسلامي..) سنة 2003 وشكلت ما يسمى بمجلس الحكم الانتقالي العميل.
* إصلاح زراعي قطع مع بقايا الإقطاع الذي طبع النظام الاجتماعي الذي كان سائدا في العراق حتى بداية السبعينات والمرتكز على القبلية والذي يعمل الاحتلال على تكريسه واقعا منذ الأيام الأولى (مجالس العشائر والقبائل) وتركيبة ما يسمى بالحكومة الانتقالية (علاوي-الياور/العلاوي/الجعفري وصولا إلي المحاصصة المخابرتية ذات العمالة المزدوجة).
* إرساء مؤسسات الحكم الذاتي بالمنطقة الكردية تطبيقا لبيان آذار(مارس) 1970 وذلك سنة 1975 وتراجع الأحزاب الكردية عنه بدفع من شاه إيران آنذاك وما واكب ذلك من مواجهات وخسائر بشرية. نفس العصابات التي ركبت الدبابات الأمريكية والأداة الفاعلة محليا فيما لحق العراق من تخريب حاليا بصيغة الاستقطاع أو التقسيم.
* تأميم النفط كاملا وظهور عديد المؤسسات الصناعية الوطنية في مختلف المجالات اعتمادا على كفاءات وطنية وما أفرزه من تنوع في دعائم الاقتصاد الوطني أبرز الحلقات المستهدفة منذ الاجتياح.
* تجديد التعليم وتعدد مؤسساته بما يخدم حاجة المؤسسات الوطنية ويخلق الأرضية الملائمة للتطور التكنولوجي عنوان العصر...ثاني الهياكل التي استهدفها الاحتلال بمباشرة تغيير مناهجها.
* تأمين المجال الجغرافي الوطني في وجه الأعداء التقليديين الذي عبرت عنه الحرب العراقية الإيرانية وما أفضت إليه من امتلاك العراق لقوة عسكرية هامة.
* العمل على خلق انفراج سياسي داخلي من خلال طرح مسودة دستور للنقاش يقطع مع حالة الشد التي فرضتها مرحلة البناء الهيكلي والتنظيمي للمجتمع العراقي بكل مكوناته العرقية والطائفية وللدولة الوطنية وذلك سنة 1989 – 1990.
مما يعني بداية ولادة قوة إقليمية أصبحت تستقطب اهتمام المواطن العربي كتجربة تعبر عن جزء من الطموح عند البعض وأغلبه عند البعض الآخر خاصة وأن هذه التجربة قرنت الأفعال المنجزة بدعم مادي ومعنوي للمقاومة الفلسطينية باعتبارها جزء من مهامها الأساسية دون الإملاء لتوجهاتها...إنجازات تستند إلى تصور شمولي لكل الوطن العربي وعلاقته بالأمم الأخرى اعتمادا على تصور فكري عربي قومي إنساني، مما يعني التناقض مع التصور الأمريكي من ناحية ومن ناحية أخرى خلق تحول في الموازين في منطقة حساسة ومعروفة بقيمتها الإستراتيجية فالأمريكيون كقوة خارجية وقوة في بداية التفرد بالنفوذ العالمي يعتبرون المنطقة خطيرة في حساباتهم الإستراتيجية وذلك ليس لوجود دول نفطية ولكون الولايات المتحدة في حاجة للنفط ولا للحسابات الإستراتيجية العسكرية وإنما للعامل السياسي الفني والمتمثل في أن من يمتلك قدرة التأثير الجدي في منطقة الخليج سيؤثر على أوروبا واليابان المنطقتين اللتين تعدان الأساس في استمرار القوة الأمريكية في الخارج نتيجة التحالف معها... واستقلال النفط وقيام أوروبا واليابان بالتعامل مع العرب مباشرة لضمان النفط سيجعل النفوذ الأمريكي في أوروبا واليابان يتلاشى لذلك فالولايات المتحدة تعتبر مسألة ظهور أي تهديد لهذه الإستراتيجية شيئا لا يمكن القبول به بأية صيغة كانت وخطورته استثنائية إلى الحد الذي يجعلها تتصرف بمرونة نسبية ما في مناطق أخرى من أجل مزيد إحكام قبضتها على الخليج.أما الأطراف المحلية الرسمية وفي ظل ارتباطاتها السياسية والعسكرية والاقتصادية بمرحلة الوفاق وأمام عجزها المتأصل نتيجة طبيعة مكوناتها الهيكلية والتنظيمية عن فهم التحولات الجذرية والمتسارعة في العلاقات الدولية وما يرتبط بها من مشاريع فإنها وجدت نفسها إما منساقة إلى الانخراط في الإستراتيجية الأمريكية وبالتالي مشاريعها بالنسبة لأغلبها أو مهادنة لها مستخدمة مبدأ المقايضة بالنسبة للبعض الآخر أو الحالمة بأن تلعب دورا معوضا للإسلام التبعي من خلال تقديم نفسها بمنطق أللإسلام الرافض (إيران وغيرها من المنظمات الحاملة لتفكيرها أو تلك المتمردة على من أوجدها ـالقاعدةـ...). في حين أتت الأزمة عربيا في ظرفية كان فيها المجتمع العربي يعمل على الخروج من إطار قرون الهيمنة الخارجية التي سلبت أرضه وثروته وإرادته وحاولت طمس شخصيته وفي الوقت الذي سعى فيه للانتقال من التخلف بكل ما يعنيه من معايير كمية ونوعية اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا إلي الحضارة والالتقاء بعصر التكنلوجيا وفي الفترة التي بدأ فيها العرب تلمس الطرق الناجعة للتصدي للانقسام ومعالجة التجزئة كشروط لا بد منها لاسترجاع وضعهم الطبيعي وشخصيتهم الحضارية ضمن حركة التاريخ العام للإنسانية المتجهة نحو التحرر والحرية نحو الثورة التقنية الحديثة نحو مجتمع الأبعاد الكبيرة والتجمعات البشرية الهامة التي توفر أفضل الشروط لازدهار حياة الشعوب. ليصطدموا بأزمة مركبة تماما كما في القرن التاسع عشر. أزمة يفرضها منطق الواقع التاريخي الذي يحتم دوما اصطدام عوامل النهضة بالعوامل المعرقلة لها فتنشأ الحرب بين بناة السلام (العرب) وبين أعدائه (عالم الحرب). فالعرب ومنذ نهاية الحرب الثانية يناضلون من أجل حق طبيعي مشروع " حقهم في التحرر وتلمس سبل الوحدة" وبذلك لا يعتدون على أحد ولكن أعداء نهضتهم الطامعين في أرضهم وفي نفطهم وثر وتهم والخائفون على مصالحهم من وحدتهم وتحررهم ومن تطلعهم للبناء يقفون في طريق النهضة مصممين على إبقاء الشعب العربي أسير العوامل التي سببت له الضياع قرون طويلة هدرت فيها طاقات كبرى لحساب الاستعمار والإمبريالية والصهيونية، فنضال العرب بمختلف فئاتهم في فترة ما بعد الحرب الثانية نضال (اقتصاديا – ثقافيا – اجتماعيا) ينطوي على كثافة حضارية. أي نهضة لا ردة كما يحلو للبعض تصويرها اعتمادا على الإحصاء المجرد (تقارير الأمم المتحدة للتنمية) دون الأخذ بما هو كامن في عقلية وفعل المواطن العربي، نهضة ميزته على أعدائه أعداء التطور الحضاري في المرحلة الراهنة: الإمبريالية والصهيونية والعملاء المحليين* الذين يحاربون من أجل هدم الجهود التي بذلها العرب لبناء السلام. أزمة ابتدأت في بيروت بضرب النقاش الديمقراطي التحرري بين 1975 – 1982 لتخلق حالات طائفية مهما كان لون الحزام الذي تتمنطق به في استخداماتها حاليا وتمتد إلى بغداد 1990 – 2003 لخنق هذا المولود العلمي العلماني وتعمل على الخلق والتأسيس لحالات طائفية وعرقية أكثر بغظا وقتامة...تماما كما حصل في القرن 19 أي هدم بوادر النهضة، هدم مثلته الحرب العدوانية الأنقلو- أمريكية -الصهيونية- الإيرانية على العراق واحتلاله حرب أحالت النظام العربي عند اندلاعها سنة 1990 على غرفة الإنعاش وفي مارس 2003 إلى الغيبوبة السريرية. حرب تعبر عن رواسب المراحل التاريخية الماضية للبشرية عندما كانت المجتمعات خاضعة لاستغلال الطبقات والقوى المستبدة والأنظمة الرجعية في غفلة عن وعي الجماهير وعن تطور الإنسان مهما حاولت أجهزة عالم الحرب الأنقلو أمريكي الصهيوني الإعلامية والدبلوماسية السياسية تقديمه على كونها حربا من أجل السلام رغم كونها حرب مصالح قومية كغيرها من الحروب الماضية التي عرفها التاريخ البشري الحديث وإذا كانت الثورات تاريخيا هي الجواب العادل على هذه الحروب سواء في آسيا أو إفريقيا أو أمريكا اللاتينية فالمقاومة العراقية هي الجواب العادل والمنطقي على هذا العدوان رغم التعتيم الإعلامي المقصود والمفروض عليها من قبل عالم الحرب تحت لافتة السلم العالمي ومحاربة الإرهاب وحق الشعوب في العيش بكرامة حسب الطريقة الأمريكية... مقاومة كان لها الفضل الأساس من خلال صمودها في تجنيب المنطقة "إستراتيجية الصدمة والترويع الأمريكية" وإسقاط مشروع القرن الأمريكي بما كشفته من عورات عسكرية اقتصادية وأخلاقية لهذه القوة جعلها تعيش حالة حصار معنوي دفعها إلي تحريك رصيدها النهائي مع اندلاع الحراك الشعبي العربي بهدف تحويله بما يخدم اتجاهاتها الإستراتيجية...محولة إياه وباعتماد ما أهلته من أدواة محلية (الأسلمة السياسية كتلك المستخدمة في بيروت وبغداد) من حراك بصيغة نقاش شعبي رافض للاستبداد والتبعية يهدف الكرامة والحرية والاستقلال إلي حراك متمم لما تم ضربه من نقاش تحرري ديمقراطي في كل من لبنان والعراق قصد تعميم حالة التشضي داخل الساحة العربية والارتداد بها إلي ما قبل صيغة الدولة الوطنية في شكلها القطري (المرفوضة قوميا)... مما يجعل من المشروع القومي هو الجواب المنطقي علي هكذا حالة
ارتداد... ما من أحد ينكر حالة الانسداد التاريخي في المجتمع العربي لا بمفهوم الرؤية القادرة علي التصدي سواء بصيغة التصور أو الفعل بحكم كونها قائمة فعلا متواصلا بصيغة صراع إرادات... وإنما بصيغة التواصل المنفتح الواعي لما يتربص بنا من استهداف قائم ومؤشر في أكثر من جانب...انسداد مركب بصيغة التراكم المتوارث عن استحقاقات لم تعد قائمة (كل يري في نفسه أهلية تاريخية قد حرم منها) من ناحية ومن ناحية أخري اختلاف في النظرة بناءا علي قراءات متباينة منهجا وتحليلا للواقع العربي في ماضيه وحاضره وآفاق تطوره... بما جعل منه انسداد ظاهري علي مستوي الرؤية وما ينضح عنها من سلوكيات أو أفعال... انسداد يتهرب الكل من تأشير بداياته انطلاقا من : اعتباره عند البعض حقيقة مفهومة بناءا علي معايشته متناسيا صيغ التخريب المعرفي الذي مارسته برامج التربية والتعليم في الدولة القطرية وتوجهات الإعلام القطري أو العالمي بكل أشكاله خلال العقود الثلاث المنصرمة أو انطلاقا من وعي ضمني أو مفعل بما هو موجود عند البعض الآخر وبمفهوم الطرف العامل علي تكريس الحالة للعودة بالأمة العربية فكريا وعمليا لذات النقطة التي انطلقت منها لمواجهة الاستعمار المباشر بصيغة التعويض عما فاته وان كان باستخدام شعارات العصر وأدواته بما يخلق له التواجد المريح علي حساب الشعب في أدني الحلقات وعلي حساب الأمة في أوسع حلقاتها أو تحسبا مما يؤشره ذلك من خطاب مزدوج يجعل من فعله الآني منكشفا في هدفه.. لذلك لا يتردد في استخدام وتعميم ثقافة "المناكفة" باعتبارها تغيب المعني وتدفع إلي مفهوم الدفاع السلبي أولا واليأس ثانيا...في الوقت الذي نري فيه أن الأمة في أوكد الفترات التي هي فيها لثقافة المواجهة الاقتحامية لما يستهدفها من تحديات... بما يجعل من حالة الانسداد القائمة حالة مصطنعة هدفها معاكس لحركة التاريخ وبالضد مما تراكم من أفعال في شكل ناتج سياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي للدولة القطرية (المرفوضة من الطرفين) وإن كانت لا تخلو من نقد فهي تؤشر علي بداية دخول الأمة العربية فترة التاريخ المعاصر بكل ما يعنيه الدخول من تعاطي ومفرداته بصيغة مقاييس متعارف عليها عالميا(المعرفة والعلم/ التكنولوجيا/ الثروة)... مما يجعل التساؤل ملحا حول طبيعة هذا الانسداد هل هو حقيقة أو مصطنع؟ وهل يتحمل المشروع القومي تبعاته؟ وإلي أين يهدف؟
- انسداد تاريخي حقيقي أم مصطنع؟
1- واقع المنطقة العربية.
في تحديد طبيعة هذا الانسداد لا يختلف اثنان في أن صرة السياسة الدولية الآن هي المنطقة العربية فمن يحكم سيطرته على هذه المنطقة يؤسس لفعل حضاري يتجاوز حدوده الجغرافية والبشرية ليصبح فعل إنساني ذا تأثير شمولي تماما كما كانت في السابق إذ من خلال هذه المنطقة ومن حولها عرف التاريخ البشري أبرز تحولاته الكبرى المادية والمعنوية الفكرية وفي عديد الحالات على حساب سكانها. كالصراع الانكليزي الفرنسي الذي تمحور في نهايته حولها وانتهى إلى اتفاقية (سايكس – بيكو) التي أنهت العداء بين المسيحية واليهودية على حساب العرب حتّى الصراع بين العالم الرأسمالي والعالم الاشتراكي حسم على حساب هذه المنطقة بما أفضى في نهايته من استهداف أمريكي مباشر للمنطقة بناء على عدّة عوامل متداخلة ويصعب الفصل بينها أو ترتيبها.
- عامل تاريخي حضاري :
رغم هيمنة المناخ القاحل أو شبه القاحل على المنطقة العربية من الخليج إلى المحيط مما يعني أنّها منطقة طاردة باعتبار النظرة الكلاسيكية لمناطق الطرد أو الجذب فهي كسمة لعبت الدور الأساس والحاث للإنسان منذ القدم على العمل والتكيف معها واستنباط مختلف الأدوات الضرورية لتجاوز هذا العامل، ماديا : الانتقال من مرحلة التقاط الغذاء إلى مرحلة إنتاجه وهو ما عبرّت عنه الزراعة والاجتماع. معنويا ترتيبيا : القوانين والتشريعات لتتوج بما هو روحي تنظيمي فردي وجماعي متمثلا في ظهور الأديان السماوية وما لعبته هذه الأديان من دور في صياغة النظرة الجماعية لمفهوم الحياة عند مختلف الأمم والموقف من الآخر سواء تعلق الأمر بمن هو ملتزم أو لغير الملتزم بها. القابل لها بالوراثة أو من خلال الدراسة المطبق لها أو الناقد الرافض لها وبناء على ذلك لعبت هذه المنطقة دور قاطرة الحضارة الإنسانية لأكثر من ثلاثة أرباع التاريخ البشري المكتوب مما يعني بالنتيجة وجود إنسان علمته الطبيعة وإرثه الحضاري التطلع دوما لما هو أرقى وأوسع وبما يضمن له حرّية الفعل والتأثير الإيجابي فهو ينجذب سريعا لما هو خير ويرتد رافضا مقاوما لكل ما هو شر أو لما يشعره بأنّه الأقل من الآخر وفي أسوء الحالات يستقيل مؤجلا فرصة الرد إلى اللحظة التي تتجمع له الإرادة لذلك. ميزة اجتماعية لا تخلو من خصوصيات يصعب وجودها لدى مجتمعات أخرى وإن وجدت فهي بالتقابل ورغم ما توحي به هذه الميزة من بساطة إلاّ أنّها الأكثر تعقيدا وأكثرها فعلا حضاريا مؤثرا...بحكم كونها حافظت وبالرغم من تعدد الأزمات والاستهدافات علي استمرارية الأمة العربية وصيرورتها الفاعلة في التاريخ كما أنها مثلت مدخلا للاستغلال بالضد من طموحات الأمة في التحرر أو استعادة البناء الذاتي لها... حالة استغلها الانكليز في التاريخ المعاصر خلا ل الحرب الأولى وكلّفتهم سمعتهم لاحقا وما واكب ذلك من فقدانهم لنفوذهم بما في ذلك المعنوي منه حتّى لدى الشرائح الاجتماعية التي لا زالت منبهرة بقيم الغرب ويحاول الأمريكيون استغلالها استنادا لما وضعته مؤسسات البحث عندهم من تصورات بناء على معلومات مبتورة استقتها أجهزتهم أو قدّمت لهم من أناس لا تخلو الأمم منهم في أي فترة من فترات التاريخ ممن يقدمون مصلحة الأجنبي على مصلحة بلادهم وشعبهم وما وجدوه عند بعض الثقفاويين من تجاوب مرده حالات اليأس من تحول داخلي يمكن أن يعاصروه في وضعية المتفرج لا الفاعل وهم في ذلك لم يستفيدوا من تجارب شعوبهم تماما كما فعل "ماسينيسا" في علاقته بالرومان وعدائه لقرطاج ليجد أحفاده أنفسهم مجبرين نتيجة تعارض في المصلحة على محاربة روما. فالأمريكيون يجهدون أنفسهم وبكل الوسائل المادية "مساعدات، احتضان المبتورين..." والمعنوية "الإعلام والأجهزة السمعية البصرية" لإقناع سكان المنطقة العربية بأنهم مسالمون أتوا لتأكيد الذات الحضارية للمنطقة من خلال طرح المشاريع "الشرق الأوسط الجديد"..." الديمقراطية والمجتمع المدني كآخر ما لوحوا به ".. ظاهرها تحول وباطنها طمس الهّوية الحضارية المتجانسة للمنطقة من خلال التأكيد على الخصوصيات وإبرازها سواء ما كان منها قطري أو قومي أو إقليمي.. اثني أو اجتماعي ديني "حتّى داخل الدين الواحد إسلام متفهم سمح (معتدل) وإسلام إرهابي(متعصب)".. خصوصيات كانت ولازالت عامل ايجابي وإثراء حضاري للمنطقة كلّما توفرّت الإرادة الخيّرة في أبنائها... ولتكريس هذا التوجه وكجزء من توجههم الكوني استهدفوا العراق استهداف ينم على دراسة لا تخلو من فهم لبعض من الجزئيات المعلنة عن المنطقة، فالعراق استهدف بهذا الشكل والحجم الذي نعيشه ليس فقط كتجربة توفرت لها الإرادة الخيّرة للبناء والتجديد الحضاري رغم ما لهذا العامل من دور فاعل ومهم في السلوك الأمريكي إزاء العراق وقيادته وإنّما كذلك لكونه يختزل مشاكل المنطقة كلّها "تنوع ديني عرقي، الثروة والإنسان المتحفز للبناء والنهوض" في حيز جغرافي محدود. ولكون قيادته تنبهت لذلك ونبهت إليه سواء فيما يتعلق بشخصية المواطن العربي وما هي عناصر قوّة هذه الشخصية ومواطن ضعفها وكيفية علاجها أو في كيفية التعامل مع الخصوصيات القطرية وكيف يمكن أن تكون مدخلا للتآمر على الأمّة مثلما هي ركيزة من ركائز البناء الحضاري بما في ذلك الموقف من الدين لذلك رأينا ونرى إصرارا أمريكيا على تدمير كلّ شيء بالعراق بالرغم مما يروجونه من انسحاب إعلامي مع بقاء الاحتلال الفعلي قائما وإن كان بصيغة التسليم للنائب الإقليمي المتحالف استراتيجيا بما يفيد المصلحة المتبادلة معه.
- اقتصاديا سوقيا :
رغم سمة الطرد التي تميّز المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج باستثناء بعض الحواشي الخصبة المحدودة المساحة الجاذبة فهي منطقة عبور ميزة أكسبتها خلال العصور التاريخية دورا فاعلا في العلاقات بين الأمم والشعوب الأخرى وجعلها ولفترات تاريخية طويلة تتحكم في المبادلات العالمية دون أن تخضع لتبعية اقتصادية بل أسست بما أبدعه الإنسان في هذه المنطقة من وسائل وضوابط هي الآن مرتكزات تطور هذا القطاع "النقد، الموازين، الطرق التجارية، الحساب كعلم، التأمين، الشراكة حتى النمط الاقتصادي ألريعي (سمة العولمة الاقتصادية القائمة حاليا).. الخ..." حالات حافظت عليها حتّى في الفترات التي سجل فيها فعلها الحضاري تراجعا لحساب جهات مجاورة أو دخيلة لذلك استهدفت المنطقة تحت طائلة هذه الميزة سواء في التاريخ القديم "الصراع الفارسي - الروماني" أو الوسيط "الحروب الصليبية" أو الحديث "الصراع الفرنسي الانكليزي" {المسألة المصرية وأهميّة قناة السويس} وبتنامى الثورة الصناعية ودخولها المرحلة الصناعية الانتاجوّية وازدياد الحاجة لموارد الطاقة تتأكد أكثر الأهمية السوقية (الإستراتيجية) للمنطقة ليس محليا فحسب وإنما لدى من له تصور للهيمنة الشاملة على العالم وذلك بما توفره المنطقة من ميزتين.
الأولى : الموارد التي تمثل احتياطيا ضخما قابلا للاستغلال بأقل كلفة ليس الطاقة فحسب بل كذلك الموارد الأخرى في زمن بدأت تسجل فيه هذه الموارد نضوبا مع كلفة مرتفعة في مواقع أخرى في العالم.
الثانية : السوق الضخمة أكثر من 350 مليون نسمة قابلة للترفيع في مستوى استهلاكها بنسب مغرية للشركات العابرة للقارات. نتيجة الزيادة الديمغرافية التي تسجلها أو نتيجة التحولات الاجتماعية الهامّة. ميزتين انتبهت لها مؤسسات البحث الأمريكية وأدخلتها في الحسابات الإستراتيجية الأمريكية منذ نهاية الحرب الثانية فترة التحوّل من قوّة عالمية منافسة إلى قوّة عالمية مهيمنة على العالم الرأسمالي لتتدخل في المنطقة بشكلين.
أوّّّلها : شكل الرقيب المباشر لاتجاهات التطور في المنطقة وذلك من خلال تبني الكيان الصهيوني واعتماده كحالة اعتراضية أولى عند الضرورة لإجهاض أي تحول بالضدّ من الإستراتيجية الأمريكية.
ثانيهما : شكل المنافس للبريطاننين والفرنسيين بدرجة أقل والصديق الطيّب للعرب بهدف ربط المنطقة بالإستراتيجية الأمريكية ضمن ما تتطلبه حالة التقابل مع العالم الاشتراكي أنذاك ويتأكد هذا التدخل في فترة الانفراد بإدارة السياسة الدولية وتجسدت بدخول القوات الأمريكية للعراق وما اتخذته من مظاهر حرص على الموارد "النفط والكبريت" وما واكب ذلك من طرح لبرامج خوصصة وفي الجانب الثاني تدمير مراكز البحث ومؤسسات الإنتاج وتفكيك معامل بالكامل وتحويلها إلى بعض الأقطار كنفايات قابلة للبيع إلى جانب قتل العلماء والكفاءات المعرفية والمهنية الأخرى. وهو ما يثبّت الرؤية التي كانت للقيادة العراقية في أنّ المنطقة العربية أصبحت للإستراتيجية الأمريكية بعد الانسحاب من الفيتنام مسألة حيوية لا يمكن أن تتغير إلاّ بفعل تلاقي الإرادات الوطنية في المنطقة على ما هو قومي مصيري لذلك بادرت بطرح استراتيجة مضادة تعامل معها العرب بسطحية تامة (مشروع ميثاق العمل القومي 1980 الذي فسر بغير معناه الاستراتيجي من قبل ثقفاويوا البترودولار وغيرهم من ذوي التفكير العابر لحدود الأمة). سطحية نجد تفسيرها في الجانب السياسي الذي يحكم المنطقة والذي تستغله الولايات المتحدّة في كلّ جزئيا ته.
- سياسيا وهيكليا:
منذ انهيار الدولة المركزية التي هي وليدة النهضة وتعبير عن الانسجام والتوافق بين العروبة والإسلام رغم البعض من نقائصها نهاية القرن التاسع وبداية العاشر معنويا وماديا منتصف القرن الثالث عشر فإن الحالات التي أرادت أن تحلّ محلها سياسيا وهيكليا لم تستطع الارتقاء إلى درجة اعتبارها دولة وبقيت رهينة تكوينها الطائفي ألاثني كحالة البوويهيين ورفضهم الانضمام إلى الدولة الفاطمية رغم الانتماء الطائفي الموحد "شيعة إسماعيلية" أو الطائفية "الاجتهادية" كدولة الموحدين في غرب المنطقة مما يعني العجز عن تجاوز نقائص الدولة المركزية التي كانت سببا من أسباب انهيارها. لتفرّخ هذه الحالات هياكل محلية استطاعت المجموعات المجاورة للمنطقة توظيفها لتصبح المنطقة عرضة للتأثير السياسي وبما يخدم مصالح أطراف خارجية العثمانيين أولا والقوى الاستعمارية ثانيا التي وإن انحسر نفوذها المباشر إثر موجة الاستقلال فقد حافظت على نفوذ غير مباشر أو نفوذ بالنيابة من خلال ما أوجدته من هياكل قطرية وشرائح اجتماعية مرتبطة بها وفرت لها الحماية الخارجية أولا وباشتداد الصراع وتقابل الاستراتيجيات الذي طبع فترة الوفاق الدولي وفرّت لها الحماية الداخلية لاغيه حتّى العلاقات البينية التي أوجدتها حالة المواجهة مع المستعمر لتقتصر على ما هو أمني وبما يضمن استمرارية هذا الوضع لتتحول الدولة كمفهوم من مؤسسة حامية للشعب ومصالحه وحاثة على النهوض الاجتماعي والاقتصادي والعلمي إلى مؤسسة تعمل على تأليه هياكلها "بيروقراطية" وتخليد مسيريها كأفراد [يحيا القائد، يحيا المعلم،. يحيا المناضل بالروح بالدم نفديك يا.......] شكل هجين من أشكال الدولة الكليانية أقّل نضج حتّى من المثال الإغريقي "لبيزيستراتوس" في العهد الكلاسيكي فما بالك بالمثال الألماني أو الايطالي أو التركي في القرن العشرين باستثناء بعض الأمثلة رغم نواقصها المحدودة منها :
أ- تجربة عبد الناصر في مصر التي أغرقت في الحالة القومية التي لم تقدم لها غير السند العام المعنوي ذا الصبغة الجماهيرية مقابل فعل معادي مادي... أضيف إلي ثقل التركة القطرية المطالبة بإيجاد حلول لها تجربة ضُربت من الداخل إثر وفاته.
ب- تجربة العراق خلال الثلاثين سنة الأخيرة (1968 ـ2003) والتي حاولت الولايات المتحدة اعتراض تحوّلها من ظاهرة قطرية إلى ظاهرة قومية بشتى الطرق بشكل غير مباشر : الحصار الاقتصادي بداية السبعينات إيران الشاه والمسألة الكردية 74/75 أسعار النفط بهدف عرقلة خطط التنمية في العراق] منذ 1977. إيران الخميني وحرب الثماني السنوات وبشكل مباشر إثر انتصار العراق في حرب الثماني سنوات بافتعال أزمة الكويت والحرب المباشرة سواء منها العسكرية سنة 91- 2003 والقائمة حتى الآن أو الاقتصادية فيما مثله الحصار الاقتصادي خلال ثلاثة عشر سنة. طارحة شكلا بديلا للدولة الوطنية هي حتّى الآن عاجزة عن إيجاد مرتكزات مادية له بفعل المقاومة الرائعة لأبناء العراق والتي يستكثر الإعلام الرسمي للدولة القطرية في المنطقة العربية الاعتراف بها ويختزلها في "مسلحين مجهولين" في بداية ظهورها واعتماد التعتيم الكلي عن فعاليتها الحقيقية وتصنيفها بصيغة التقابل الطائفي لاحقا تصنيف لا يلغي استهداف مبيت بصيغة خلق المثال القابل للتعميم" وهو بذلك يدعم صفة التبعية لهذه الهياكل للأجنبي.
من هكذا عرض يبدو الانسداد التاريخي في المجتمع العربي لا يستند إلي معطيات حقيقية في الواقع بقدر ما هو انسداد مفتعل يهدف خلق مرتكزات بمفهوم الأداة المحلية لإلغاء دور الأمة العربية المستقل وبما يسمح بتوظيفها إما في أجزاء منها أو كلها لفائدة غيرها من القوي الخارجية طبقا لمقتضيات السياسة والمصالح الدولية وبما يؤكد أهمية المنطقة "صرة العالم" في السياسة الدولية...فما هي بدايات هذا الانسداد ومظاهر تطوره وطرق تفعيله؟
2- بدايات الانسداد التاريخي التطور والمظاهر وطرق التفعيل.
إن البحث عن بدايات الانسداد التاريخي القائم حاليا يفرض العودة النظرية لبدايات النهضة العربية الحديثة لماذا؟ لكون التقابل القائم حاليا هو ناتج تراكمات تاريخية من ناحية ومن ناحية أخري يحكمه أفق ومرتكزات النظرة الفكرية واتجاهات فعلها لكلا الطرفين الذي ولدتهما النهضة...فإذا كانت نقطة الانطلاق حكمها التداخل بمفهوم الإصلاح وبصيغة الرد علي تقدم الغرب رغم الاتفاق علي ضرورة الاستفادة من أساليب تقدمه ورفض الواقع المتخلف والعمل علي تغييره باستحضار حالات الصعود الحضاري وعواملها إلا أن اختلافا جوهريا تأسس مع بداية استهداف الخلافة العثمانية بين مدافعا عنها بصيغة الإرث الجوهري النتيجة ولادة التيار الإسلامي لاحقا وما بني عليها من تصورات فكرية تتجاوز المجال الجغراسياسي القومي... ومن اعتبرها مرحلة من مراحل التحرر والتخلص من حكم أجنبي (استعمار)خاصة وأن العثمانيون مارسوا سياسة التتريك في أبشع صورها النتيجة ولادة التيار القومي... حالة صاغت نفسها بالتقابل في فترة ثنائية الاستقطاب الدولي ما بعد الحرب العالمية الثانية أو في فترة الوفاق مما أدي إلي :
أ- اختيار التيار القومي لصيغة الانحياز الايجابي بما يعنيه من نضال تحرري ووقوف مساند ومشارك في الأشكال الهادفة للتحرر الوطني والقومي موقف واختيار نضالي حضي بمباركة وصداقة القطب الاشتراكي مما جعل الساحات القطرية التي كان للتيار القومي تواجد فاعل بها تصنف بحسابات تقسيمات الاستقطاب الدولي علي كونها ساحات سوفيتية...ساحات تمكنت رغم النقائص التطبيقية من إرساء مفهوم الدولة الوطنية التي تخلصت من صيغة الخيام المتعددة وصاغت إلي حد ما مفهوم مجتمع المؤسسات بما يعنيه من قرارات وقوانين...
ب- اتجاه التيار الإسلامي نحو الاصطفاف الفعلي خلف المعسكر الغربي (بحجة محاربة الإلحاد الاشتراكي حجة لم يتردد في إلصاقها بالتيار القومي ومعاداته نظرة وفعلا لازالت مفعلة توجيها وخطابا) ولقي كل الاحتضان والدعم في الساحات القطرية العربية المحسوبة علي الغرب وأمريكا خاصة وأنخرط خطابا ومعادة وتعاونا وسلوكا فاعلا في محاصرة كل فعل وطني أو قومي في تلك الساحات التي حافظت فيها الدولة علي شكلها التقليدي بصيغة خيام متعددة الولاءات الهدف منها حماية خيمة العائلة المالكة... ومجتمع تراتبي يستند فيه التسيير إلي الأكثر جاه ونفوذ والأقرب ولاء للخيمة المالكة..
فترة بصيغة المرحلة خلقت رؤية وأدوات لكل طرف متقابلة تصورا وفعلا النتيجة أن عبرت عن نفسها بصيغة عداء تبلور بشكل تصاعدي مع بداية التفرد الأمريكي بإدارة السياسة الدولية منذ سقوط ثنائية الاستقطاب الدولي سنة 1990... وتأكدت مع احتلال العراق.. الذي لعب فيه التيار الإسلامي بشكليه المتعاون والرافض درا محوريا... وازدادت تأكدا مع بداية الحراك الشعبي العربي... مما يعني قطيعة أفضت إلي بروز حالتين.
* حالة تعتمد المقاومة فكرا وممارسة بصيغة مستقلة ويمثلها الاتجاه الوطني القومي.
* حالة ثانية تتبني التصور الغربي وتربط حركتها باتجاهات فعله دون احتساب أثر ذلك علي مستقبل الأمة يمثلها التيار الإسلامي (الأسلمة السياسية) بكل صنوفه... غير مترددة في الإعلان علي تحالفها العضوي مع الغرب المعادي...
انسداد مصطنعا تجاوزه يبقي في هذه المرحلة صعبا دون تضحيات.. مما يستوجب نقد النقاش القائم منذ أحداث بيروت 1975ـ 1982 مرورا بحصار العراق واحتلاله 1990ـ 2003 وصولا إلي الحراك الشعبي العربي القائم حاليا والمسمي أمريكيا ـ اسلامويا "الربيع العربي".
- نقد النقاش العربي القائم
أثار اجتياح للعراق نقاشا متواصلا سواء في وسائل الإعلام السمعية البصرية أو المكتوبة أو حتى في النقشات العامة حول الأسباب الدافعة لهذا السلوك العدواني لعالم الحرب "وأممه المتحضرة". فعوضا التوجه إلى تفنيد أسبابه المعلنة والتركيز على أسبابه الحقيقية ومناقشة سبل مواجهتها وبالتالي تحصين جبهة الدفاع على الوطن ومناهضة العدوان فنيا باتجاه الانتقال إلى ما هو عملي إذا ما تطلب الموقف. انساقت الغالبية إلى مناقشة الأسباب المعلنة لعالم الحرب والنظر إليها بشكل حسابي " النفط وحجم الاحتياطي، أمن الكيان الصهيوني والتسلح العراقي، مسألة نقل التكنولوجيا المحظورة على منهم دون سن الرشد كما يقول الغرب " دون ربطها بالأداة المتحكمة والمسيرة لها أي النظام السياسي القائم وإستراتيجيته العامة مع وضعها في ظرفيتها التاريخية وذلك إما تحت تأثير الصدمة المفتعلة (وأقول مفتعلة بحكم اختلال موازين القوى في المواجهة التقليدية) أو نتيجة لرؤى شخصية ذات علاقة بالنظرة الشمولية للوطن ووضعه في السياق التاريخي الآني والمستقبلي وما تفرضه هذه الرؤى من حسابات الربح والخسارة بلغ حد اعتماد آراء بعض العملاء الذين تقدمهم وسائل الإعلام للاستشهاد على ما كان سائدا في العراق أو انخراط عديد الوسائل الإعلامية العربية في الترويج للإستراتيجية الأمريكية كقناتي الجزيرة والعربية. فجل النقاشات انطلقت ولازالت من وضعية قطر عربي يتعرض للاحتلال والتقسيم من خلال أولويات قطر أو أقطار بعيدة عن الاستهداف المباشر وإن هي مستهدفة بالنتيجة بحكم الانتماء الجغرافي والاقتصادي والحضاري... وبذلك ساعدت وتساعد سواء قبل أصحابها أم لم يقبلوا، تعمدوا ذلك أم لم يتعمدوا على خلق المزيد من المرتكزات المادية والمعنوية والنفسية للامبريالية والصهيونية وعملائها المحليين لتوسيع دائرة التآمر على الأمة والوطن ولا أعتقد أن أي منا لم يستوقفه المشروع الأمريكي ما أصطلح على تسميته" بالشرق الأوسط الكبير"... مما يعني تقديم النتيجة على السبب الذي لم يحسم أي الانحراف وخدمة توجهات الأجنبي ومصالحه على حساب الوطن ومصالحه، لكن لو وضع كل منا نفسه في موقع القيادة العراقية بكل مكوناتها (الفكرية الإستراتيجية – التنظيمية – الهيكلية) بصيغة التبادل في الموقع مع محافظة كل منا على توجهاته الفكرية التحررية... ويتعرض لهجمة إمبريالية صهيونية تعتمد أدوات محلية وإقليمية وأخرى مباشرة، هل يستطيع الجمع بين الدفاع عن الوطن والديمقراطية والبناء؟ الجواب قطعا لا...لان ذلك ضربا من المستحيل... إذ لابد من تقديم التضحيات. فالذراع (القدرة) العملية لأي منا مهما كانت لا بد أن تنحاز لتطول وتبلغ غاياتها في جانب وتقصر حتى تبدو كأنها غائبة في جانب ومرئية بقدر ما في الجانب الآخر من مثلث الأولويات طبقا لما تفرضه هذه المواجهة من ساحات ومن تقديم وتأخير في درجة الأهمية المرحلية لكل منها رغم ترابطها وليس في ذلك ما ينقص من صدق الوطنية أو ما يجعل المرء خارج حركة التاريخ والتاريخ يؤكد ذلك سواء في التجارب الثورية التي إنبنت على العقيدة السماوية "موقف أبي بكر رضي الله عنه من الردة" وفي التجارب الثورية الاشتراكية "موقف لينين من الثورة المضادة" أو التجارب الليبرالية "الثورة الفرنسية – الحرب الأهلية الأمريكية". فكيف غابت هذه الأمثلة عن فكر منظرينا وإعلاميي قنواتنا وانساقت وراء الإعلام الغربي ذي الأهداف المصلحية التي لا تستثني قطر من أقطار الأمة في ظرفية تميزت باستكمال العراق لمقومات الوحدة الوطنية والاستقلال الاقتصادي، مقومات تجد تفسيرها في عدة إنجازات امتدت منذ بداية السبعينات وحتى بداية التسعينات متمثلة في :
* تصفية شبكات التجسس الصهيو- أنقلو– أمركية ومرتكزاتها الاجتماعية والطائفية سنة 1970–1976/1978. والتي عادت على ظهور الدبابات الأمريكية تحت اسم أحزاب و"شخصيات معارضة وطنية" (حزب الدعوة، المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، الحزب الإسلامي..) سنة 2003 وشكلت ما يسمى بمجلس الحكم الانتقالي العميل.
* إصلاح زراعي قطع مع بقايا الإقطاع الذي طبع النظام الاجتماعي الذي كان سائدا في العراق حتى بداية السبعينات والمرتكز على القبلية والذي يعمل الاحتلال على تكريسه واقعا منذ الأيام الأولى (مجالس العشائر والقبائل) وتركيبة ما يسمى بالحكومة الانتقالية (علاوي-الياور/العلاوي/الجعفري وصولا إلي المحاصصة المخابرتية ذات العمالة المزدوجة).
* إرساء مؤسسات الحكم الذاتي بالمنطقة الكردية تطبيقا لبيان آذار(مارس) 1970 وذلك سنة 1975 وتراجع الأحزاب الكردية عنه بدفع من شاه إيران آنذاك وما واكب ذلك من مواجهات وخسائر بشرية. نفس العصابات التي ركبت الدبابات الأمريكية والأداة الفاعلة محليا فيما لحق العراق من تخريب حاليا بصيغة الاستقطاع أو التقسيم.
* تأميم النفط كاملا وظهور عديد المؤسسات الصناعية الوطنية في مختلف المجالات اعتمادا على كفاءات وطنية وما أفرزه من تنوع في دعائم الاقتصاد الوطني أبرز الحلقات المستهدفة منذ الاجتياح.
* تجديد التعليم وتعدد مؤسساته بما يخدم حاجة المؤسسات الوطنية ويخلق الأرضية الملائمة للتطور التكنولوجي عنوان العصر...ثاني الهياكل التي استهدفها الاحتلال بمباشرة تغيير مناهجها.
* تأمين المجال الجغرافي الوطني في وجه الأعداء التقليديين الذي عبرت عنه الحرب العراقية الإيرانية وما أفضت إليه من امتلاك العراق لقوة عسكرية هامة.
* العمل على خلق انفراج سياسي داخلي من خلال طرح مسودة دستور للنقاش يقطع مع حالة الشد التي فرضتها مرحلة البناء الهيكلي والتنظيمي للمجتمع العراقي بكل مكوناته العرقية والطائفية وللدولة الوطنية وذلك سنة 1989 – 1990.
مما يعني بداية ولادة قوة إقليمية أصبحت تستقطب اهتمام المواطن العربي كتجربة تعبر عن جزء من الطموح عند البعض وأغلبه عند البعض الآخر خاصة وأن هذه التجربة قرنت الأفعال المنجزة بدعم مادي ومعنوي للمقاومة الفلسطينية باعتبارها جزء من مهامها الأساسية دون الإملاء لتوجهاتها...إنجازات تستند إلى تصور شمولي لكل الوطن العربي وعلاقته بالأمم الأخرى اعتمادا على تصور فكري عربي قومي إنساني، مما يعني التناقض مع التصور الأمريكي من ناحية ومن ناحية أخرى خلق تحول في الموازين في منطقة حساسة ومعروفة بقيمتها الإستراتيجية فالأمريكيون كقوة خارجية وقوة في بداية التفرد بالنفوذ العالمي يعتبرون المنطقة خطيرة في حساباتهم الإستراتيجية وذلك ليس لوجود دول نفطية ولكون الولايات المتحدة في حاجة للنفط ولا للحسابات الإستراتيجية العسكرية وإنما للعامل السياسي الفني والمتمثل في أن من يمتلك قدرة التأثير الجدي في منطقة الخليج سيؤثر على أوروبا واليابان المنطقتين اللتين تعدان الأساس في استمرار القوة الأمريكية في الخارج نتيجة التحالف معها... واستقلال النفط وقيام أوروبا واليابان بالتعامل مع العرب مباشرة لضمان النفط سيجعل النفوذ الأمريكي في أوروبا واليابان يتلاشى لذلك فالولايات المتحدة تعتبر مسألة ظهور أي تهديد لهذه الإستراتيجية شيئا لا يمكن القبول به بأية صيغة كانت وخطورته استثنائية إلى الحد الذي يجعلها تتصرف بمرونة نسبية ما في مناطق أخرى من أجل مزيد إحكام قبضتها على الخليج.أما الأطراف المحلية الرسمية وفي ظل ارتباطاتها السياسية والعسكرية والاقتصادية بمرحلة الوفاق وأمام عجزها المتأصل نتيجة طبيعة مكوناتها الهيكلية والتنظيمية عن فهم التحولات الجذرية والمتسارعة في العلاقات الدولية وما يرتبط بها من مشاريع فإنها وجدت نفسها إما منساقة إلى الانخراط في الإستراتيجية الأمريكية وبالتالي مشاريعها بالنسبة لأغلبها أو مهادنة لها مستخدمة مبدأ المقايضة بالنسبة للبعض الآخر أو الحالمة بأن تلعب دورا معوضا للإسلام التبعي من خلال تقديم نفسها بمنطق أللإسلام الرافض (إيران وغيرها من المنظمات الحاملة لتفكيرها أو تلك المتمردة على من أوجدها ـالقاعدةـ...). في حين أتت الأزمة عربيا في ظرفية كان فيها المجتمع العربي يعمل على الخروج من إطار قرون الهيمنة الخارجية التي سلبت أرضه وثروته وإرادته وحاولت طمس شخصيته وفي الوقت الذي سعى فيه للانتقال من التخلف بكل ما يعنيه من معايير كمية ونوعية اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا إلي الحضارة والالتقاء بعصر التكنلوجيا وفي الفترة التي بدأ فيها العرب تلمس الطرق الناجعة للتصدي للانقسام ومعالجة التجزئة كشروط لا بد منها لاسترجاع وضعهم الطبيعي وشخصيتهم الحضارية ضمن حركة التاريخ العام للإنسانية المتجهة نحو التحرر والحرية نحو الثورة التقنية الحديثة نحو مجتمع الأبعاد الكبيرة والتجمعات البشرية الهامة التي توفر أفضل الشروط لازدهار حياة الشعوب. ليصطدموا بأزمة مركبة تماما كما في القرن التاسع عشر. أزمة يفرضها منطق الواقع التاريخي الذي يحتم دوما اصطدام عوامل النهضة بالعوامل المعرقلة لها فتنشأ الحرب بين بناة السلام (العرب) وبين أعدائه (عالم الحرب). فالعرب ومنذ نهاية الحرب الثانية يناضلون من أجل حق طبيعي مشروع " حقهم في التحرر وتلمس سبل الوحدة" وبذلك لا يعتدون على أحد ولكن أعداء نهضتهم الطامعين في أرضهم وفي نفطهم وثر وتهم والخائفون على مصالحهم من وحدتهم وتحررهم ومن تطلعهم للبناء يقفون في طريق النهضة مصممين على إبقاء الشعب العربي أسير العوامل التي سببت له الضياع قرون طويلة هدرت فيها طاقات كبرى لحساب الاستعمار والإمبريالية والصهيونية، فنضال العرب بمختلف فئاتهم في فترة ما بعد الحرب الثانية نضال (اقتصاديا – ثقافيا – اجتماعيا) ينطوي على كثافة حضارية. أي نهضة لا ردة كما يحلو للبعض تصويرها اعتمادا على الإحصاء المجرد (تقارير الأمم المتحدة للتنمية) دون الأخذ بما هو كامن في عقلية وفعل المواطن العربي، نهضة ميزته على أعدائه أعداء التطور الحضاري في المرحلة الراهنة: الإمبريالية والصهيونية والعملاء المحليين* الذين يحاربون من أجل هدم الجهود التي بذلها العرب لبناء السلام. أزمة ابتدأت في بيروت بضرب النقاش الديمقراطي التحرري بين 1975 – 1982 لتخلق حالات طائفية مهما كان لون الحزام الذي تتمنطق به في استخداماتها حاليا وتمتد إلى بغداد 1990 – 2003 لخنق هذا المولود العلمي العلماني وتعمل على الخلق والتأسيس لحالات طائفية وعرقية أكثر بغظا وقتامة...تماما كما حصل في القرن 19 أي هدم بوادر النهضة، هدم مثلته الحرب العدوانية الأنقلو- أمريكية -الصهيونية- الإيرانية على العراق واحتلاله حرب أحالت النظام العربي عند اندلاعها سنة 1990 على غرفة الإنعاش وفي مارس 2003 إلى الغيبوبة السريرية. حرب تعبر عن رواسب المراحل التاريخية الماضية للبشرية عندما كانت المجتمعات خاضعة لاستغلال الطبقات والقوى المستبدة والأنظمة الرجعية في غفلة عن وعي الجماهير وعن تطور الإنسان مهما حاولت أجهزة عالم الحرب الأنقلو أمريكي الصهيوني الإعلامية والدبلوماسية السياسية تقديمه على كونها حربا من أجل السلام رغم كونها حرب مصالح قومية كغيرها من الحروب الماضية التي عرفها التاريخ البشري الحديث وإذا كانت الثورات تاريخيا هي الجواب العادل على هذه الحروب سواء في آسيا أو إفريقيا أو أمريكا اللاتينية فالمقاومة العراقية هي الجواب العادل والمنطقي على هذا العدوان رغم التعتيم الإعلامي المقصود والمفروض عليها من قبل عالم الحرب تحت لافتة السلم العالمي ومحاربة الإرهاب وحق الشعوب في العيش بكرامة حسب الطريقة الأمريكية... مقاومة كان لها الفضل الأساس من خلال صمودها في تجنيب المنطقة "إستراتيجية الصدمة والترويع الأمريكية" وإسقاط مشروع القرن الأمريكي بما كشفته من عورات عسكرية اقتصادية وأخلاقية لهذه القوة جعلها تعيش حالة حصار معنوي دفعها إلي تحريك رصيدها النهائي مع اندلاع الحراك الشعبي العربي بهدف تحويله بما يخدم اتجاهاتها الإستراتيجية...محولة إياه وباعتماد ما أهلته من أدواة محلية (الأسلمة السياسية كتلك المستخدمة في بيروت وبغداد) من حراك بصيغة نقاش شعبي رافض للاستبداد والتبعية يهدف الكرامة والحرية والاستقلال إلي حراك متمم لما تم ضربه من نقاش تحرري ديمقراطي في كل من لبنان والعراق قصد تعميم حالة التشضي داخل الساحة العربية والارتداد بها إلي ما قبل صيغة الدولة الوطنية في شكلها القطري (المرفوضة قوميا)... مما يجعل من المشروع القومي هو الجواب المنطقي علي هكذا حالة
المصدر: منتديات كتاب المقاومة العراقية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق