تبدو تونس بعد الاحتجاجات التي اسقطت الدكتاتور المخلوع زين العابدين بن علي وكأنها تتصرف باعتبارها دولة محتلة.
وقاد تحالف عسكر تونس ومجموعات الغنوشي ومن معه من تيارات اسلامية فضلا عن قوى ليبرالية ينتمي إليها الرئيس الحالي، الى وجود خلطة دسمة في السلطة لكنها أكثر ارتهانا لموقف واشنطن وباريس ودولة مثل قطر موزة كما يطلق حاليا على هذه الدولة التي تحتلها قواعد عسكرية امريكية دائمة.
ونقل عن دبلوماسي عربي مقيم في تونس إن مؤتمر (أصدقاء سوريا) الذي ستبدأ أعماله الجمعة في قمرت بالضاحية الشمالية لتونس العاصمة، "تُنظمه وتُموّله دولة قطر"، بينما تكتفي تونس بتسهيل الإجراءات التنظيمية.
ولعبت الطغمة الحاكمة في تونس دور المرتزق حينما ساهمت في احتلال وتدمير ليبيا على يد الناتو ومرتزقته وعملاءه.
وأوضح دبلوماسي عربي ليونايتد برس أنترناشيونال الأربعاء، أن السفارة القطرية بتونس هي التي تكفلت بدفع كافة مصاريف المؤتمر، كما أن أفراد طاقمها هم الذين يسهرون على تنظيمه، فيما يكتفي الجانب التونسي بتسهيل الإجراءات، وتأمين الحماية الأمنية للضيوف، بالإضافة إلى توزيع الدعوات للمشاركة في هذا المؤتمر المثير للجدل.
وتظهر هذه الاجراءات مقدار الهوان وفقدان الكرامة التي تتمتع بها حكومة ما بعد بن علي الغنوشية والتي نتج عنها ان يكون وزير خارجية تونس مجرد صبي لدى الخارجية القطرية.
ووصف الدبلوماسي العربي الذي طلب عدم ذكر إسمه، هذا الأمر أنه "سابقة غير معهودة" في تنظيم المؤتمرات الدولية، بإعتبار أن العادة جرت أن تتولى الدولة المضيفة عملية التنظيم بالتنسيق مع الأطراف المشاركة.
وتستضيف تونس التي بدأ منها ربيعا استثمره الغرب والرجعية ليتحول الى ربيع الناتو الجمعة مؤتمر (أصدقاء سوريا) الذي اقترحت باريس وواشنطن عقده بهدف "ممارسة أقصى درجات الضغط على النظام السوري حتى يستجيب للتطلعات المشروعة لشعبه"، بحسب ما ورد على لسان وزير الخارجية التونسي رفيق عبد السلام المشهور بتلقيه رشاوى من قطر والذي يرتبط بمصاهرة مع رشيد غنوشي الاسلامي الرجعي الذي تم احتضانه من قبل المخابرات الغربية منذ ان كان يتمتع باللجوء في اوروبا.
واعتبر وزير الخارجية التونسي في وقت سابق أن هذا المؤتمر الذي ترغب بلاده في أن يكون تحت إسم "مؤتمر أصدقاء الشعب السوري"، "لا يهدف إلى إستنساخ النموذج الليبي"، وذلك ردا على التخوفات التي برزت عقب تزايد الحديث حول تحول مؤتمر تونس المرتقب إلى مؤتمر لتشريع التدخل العسكري في سوريا.
ويقول المحلل السياسي مصطفى سالم سيكون مهمة هذا المؤتمر عزل كل القوى الوطنية السورية التي ترفض حكم الاسد لصالح تمكين القوى العميلة والرجعية من قيادة البلاد ما بعد الاسد، فضلا عن توفير غطاء لحرب اهلية في البلاد من خلال تقديم مجلس برهان غليون باعتباره ممثلا للشعب السوري بينما هم مجموعة من عملاء المخابرات .
ويجد سالم ان ربيع الناتو الذي بدأ في تونس حول حكومتها الى مجرد "حارس ونادل" لا اكثر ولا اقل.
وسيُعقد المؤتمر على مستوى وزراء خارجية دول الجامعة العربية والإتحاد الأوروبي ومنظمة المؤتمر الإسلامي وبعض الأطراف الدولية الفاعلة والمؤثرة منها أميركا والهند والبرازيل، كما يُتوقع أن تشارك فيه وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون.
كما سيشارك في أعماله مندوبون عن فصائل المعارضة السورية منها "المجلس الوطني السوري"، و"هيئة تنسيق قوى التغيير الديمقراطي"، و"المجلس الوطني الكردي السوري"، كمراقبين في هذا المؤتمر، وذلك بعد تراجع وزير الخارجية التونسي في العاصمة الإيطالية عن تصريحات سابقة له في تونس حول عدم مشاركة المعارضة السورية في مؤتمر تونس.
وقال الدبلوماسي العربي، إن "مدة أعمال المؤتمر المرتقب لن تتجاوز الأربع ساعات، سيتم خلالها إلقاء مداخلات للأطراف المعنية مباشرة بالملف السوري، على أن يصدر في ختامه بيان "قد يتضمن إعترافا بـ"المجلس الوطني السوري" المعارض، ودعوة لإرسال قوات حفظ سلام عربية لسوريا، تنفيذا لقرارات الإجتماع الأخير لوزراء الخارجية العرب".
وتتناقض هذه التوقعات مع تصريحات سابقة لوزير الخارجية التونسي أعلن فيها أن مسألة الإعتراف بـ"المجلس الوطني السوري المعارض غير مطروحة الآن، خصوصا على ضوء الحوار الجاري بين أطراف المعارضة السورية".
وقال وزير خارجية تونس في تصريحاته التي أدلى بها في 17 من الشهر الجاري في تونس، "إلى أن يتم الإعلان عن تمثيلية حقيقية لمختلف مكونات الشعب السوري، عندها يمكن الحديث عن الإعتراف".
غير أن تلك التوقعات تلتقي مع تصريحات لراشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الإسلامية التونسية التي تحكم البلاد، لم يستبعد فيها الإعتراف بالمجلس الوطني السوري المعارض، وذلك في تضارب واضح مع تصريحات صهره رفيق عبد السلام وزير الخارجية التونسي.
وقال الغنوشي في حديث نشرته صحيفة "الخبر" الجزائرية في عددها الصادر أمس، ردا على سؤال حول إمكانية إعتراف تونس بالمجلس الوطني السوري "أتوقع أن تتجه السياسة التونسية إلى هذا".
وفيما يُنتظر أن تبدأ الوفود المشاركة بالتوافد على تونس التي سيصلها مساء الغد نبيل العربي الأمين العام الجامعة الدول العربية قادما في العاصمة البريطانية، أعلنت موسكو أنها لن تشارك فيه، حيث قال الناطق بإسم الخارجية الروسية ألكسندر لوكاشيفيتش إنه "لم يتم إبلاغنا لا بتشكيلة المشاركين ولا بجدول الأعمال، كما أن الهدف الحقيقي لهذا المؤتمر ليس واضحا".
وأضاف أنه يبدو لموسكو "أن الأمر يتعلق بتشكيل تحالف دولي.. لدعم طرف في نزاع داخلي ضد آخر"، فيما أكد وزير الخارجية اللبناني عدنان منصور أن بلاده لن تشارك في مؤتمر "أصدقاء سوريا" بتونس.
وقال منصور إن هذا الموقف يأتي"إنسجاما مع سياسة النأي بالنفس التي ينتهجها لبنان، ودعا الذين يريدون التدخل بسوريا إلى "إعلان ماذا يريدون صراحة تغيير النظام أو غيره".
ومن جهته، قال هونغ ليه الناطق بإسم وزارة الخارجية الصينية إن بلاده تلقّت دعوة رسمية لحضور مؤتمر أصدقاء سوريا في تونس، وأنها تدرس هدف المؤتمر وآليته، من دون أن يذكر ما إذا كانت الصين ستحضر المؤتمر أم لا.
ولكنه أكد في المقابل أن الموقف الصيني بشأن سوريا يظل "ثابتا على المبدأ وواضحاً.. ونحن نتابع عن كثب تطورات الوضع، ونشعر بقلق بالغ بشأن الأزمة المتصاعدة التي أدت إلى خسائر بين المدنيين وأثرت على السلام والإستقرار في المنطقة".
وكانت روسيا والصين استخدمتا في وقت سابق من هذا الشهر حق النقض "الفيتو" ضد مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي يؤيد خطة عربية تطالب الرئيس السوري بشار الأسد بالتنحي، كما صوتتا ضد قرار غير ملزم في الجمعية العامة للام المتحدة أيد تلك الخطة العربية.
يُشار إلى أن مؤتمر "أصدقاء سوريا" مازال يثير منذ الإعلان عن موعده جدلا متصاعدا داخل تونس وخارجها، حيث وصفته بعض الأوساط السياسية التونسية أنه "مؤامرة، ودعوة لتدويل الوضع في سوريا إنطلاقا من تونس".
واعتبر حزب الإتحاد الديمقراطي الوحدوي التونسي أن عقد مؤتمر "أصدقاء سوريا" في تونس هو بمثابة الإنخراط المفضوح في المشروع الصهيو-أمريكي في المنطقة، وإستجابة لإملاءات الدول الإستعمارية وأتباعها من الدول العربية لإسقاط الدولة السورية لمصلحة أمريكا والصهيونية".
كما شهدت تونس عدة وقفات إحتجاجية للتنديد بعقد هذا المؤتمر الذي يُنظر إليه على أن الهدف منه "التآمر على أمن الدول وإستقرار الشعوب خدمةً لمصلحة الدول الغربية والإستعمارية والصهيونية".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق