وراء كل قمة عربية مصيبة
عوني القلمجي
حين تسمع وترى الاستعدادات التي تجري على قدم وساق قبيل انعقاد اي قمة عربية، وبعدها منظر الحكام وهم يتوافدون على مكان انعقادها كانهم الاسود الضارية، ويدلون بالتصريحات والخطب النارية، يتبادر الى الاذهان بان مشاكلنا ستنتهي وتعود الحقوق الوطنية والقومية، ونعيش في ثبات ونبات وينجب شبابنا صبيان وبنات. لكن سرعان ما ينتهي كل شيء وتتبخر البيانات والقرارات قبل ان يجف حبرها، حتى اصبح عقد مؤتمر من هذا القبيل موضع سخرية وازدراء.
ومع ذلك لو اقتصر الامر عند هذا الحد لهانت خيبتنا، واعتبرنا الكلام جزء من محاربة المنكر، كونه افضل من السكوت ما دام حكامنا "الاشاوس" عاجزين عن الفعل والعمل، وهذا قد يبعث الامل في نفوس البعض وانتظار اليوم الذي تصحو فيه الضمائر، وينقذوا ما يمكن انقاذه وتعود لهذه الامة مكانتها بين الامم، خاصة والبعض من هذه القمم قد زرع زورا مثل هذه الامال والاحلام في اعوام خلت، واتخذ الحكام العرب، خشية من غضب شعوبهم، مواقف بدت حينها مواقف وطنية صلبة، كما حدث في قمة بيروت التي عقدت في شهر تشرين الثاني / نوفمبر من عام 56 ،ودعت في بيانها الختامي إلى مناصرة مصر ضد العدوان الثلاثي وسيادتها على قناة السويس، وتأييد نضال الجزائريين ضد الاستعمار الفرنسي، ثم قمة الخرطوم التي عقدت بعد نكسة حزيران سنة 1967 وخرجت بلاءاتها الثلاثة الشهيرة "لا هدنة لا مفاوضات لا اعتراف بالكيان الصهيوني" او قمة بغداد الطارئة التي رفضت زيارة السادات للقدس المحتلة في سنة 1978 واعتبرتها خيانة وطنية وقومية وطرد مصر من عضوية الجامعة العربية ونقل مقرها الى تونس، ثم لاحقا اقامة جبهة الصمود والتصدي لمواجهة الكيان الصهيوني. وكذلك قمة بغداد عام 1990 والتي شهدت إعلان وحدة شطري اليمن الشمالي والجنوبي بحضور الرئيسين نفسيهما انذاك علي صالح وعلي سالم البيض
لكن المصيبة ان الحكام العرب قد استغلوا هذه القمم واتخذوا من شعاراتها البراقة غطاء لتمرير كل ما هو ضار ومؤذي ويزيد الطين بله، ليخدم في المحصلة النهائية مؤامرات اعداء الامة ومخططاتها العدوانية ضد شعوبها قاطبة، والتي ادت الى فرض الهيمنة عليها بوسائل مختلفة سياسية واقتصادية وغيرها ومن بينها الاحتلال العسكري كما حدث للعراق قبل عقد من الزمن تقريبا. هذا ليس محض خيال، فالقمم العربية جاءت كنتيجة لقيام الجامعة العربية التي هي في الاصل فكرة اقترحها او اوحى بها، حسب العديد من المصادر الغربية والعربية، أنتوني ايدن وزير خارجية بريطانيا انذاك في الخطاب الذي القاه في 29 مايو 1941 والذي ذكر فيه "إن العالم العربي قد خطا خطوات عظيمة منذ التسوية التي تمت عقب الحرب العالمية الماضية، ويرجو كثير من مفكري العرب درجة من درجات الوحدة أكبر مما تتمتع به الآن. وبريطانيا تشجع مثل هذه المساعي نحو هذا الهدف، بل ان حكومته، كما قال، سوف تبذل تأييدها التام لأيّ خطة تلقى موافقة عامة". وبعدها بسنتين تقريبا اكد تمنياته الى ان قامت الجامعة، وعقد اول مؤتمر قمة عربية في مدينة انشاص في مصر عام 1946 ، هنا يكمن الدور الفعال لهذه الجامعة العتيدة والذي لا ينبغي الاستهزاء به ووصفها بالجثة الهامدة او غيرها من الاوصاف بصرف النظر عن حسن النوايا.
عند هذه النقطة يمكن تفسير اصرار الجامعة على عقد القمة في بغداد نهاية الشهر المقبل، رغم وجود العديد من الاسباب التي تمنع ذلك، ولانقصد هنا انعدام الامن والاستقرار فحسب، وانما كون العراق بلد محتل وتحت وطاة الفصل السابع، الامر الذي يفرض على الجامعة العمل على انهاء الاحتلال ولس تكريسه، كما عملت مع الاجنبي لاجبار الجيش العراقي على الانسحاب من امارة الكويت باستقدامها الجيوش الاجنبية الى ارض الحرمين الشريفين في السعودية. فقبل عدة ايام، وبحماس شديد، أعلن نائب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد بن حلي انطلاق الترتيبات لعقد القمة العربية العادية فى العاصمة العراقية بغداد فى شهر آذار المقبل، وتحت شعار "التضامن مع العراق الشقيق"، وكان قبلها قد زار العراق لهذا الغرض نبيل العربي الامين العام للجامعة العتيدة، الذي اكد هو الاخر حرصه على اتخاذ جميع الخطوات والجهود التى من شأنها الإسهام فى إنجاح القمة.
الله لا يبارك فيكم يا حكام الردة العرب. فبالامس وفي عهد الرئيس الراحل صدام حسين كان العراق عدو مبين ويستحق العقاب وقتل مليوني عراقي عن طريق الحصار تحت ذريعة امتلاك العراق لاسلحة الدمار الشامل، بينما اليوم وفي ظل الاحتلال اصبح العراق شقيق عزيز وولي حميم، ويستحق الاعتراف بحكومة الاحتلال وتبادل السفراء معها وتدريب قواتها وتقديم الخبرات لها الخ ،ومن الجدير بالذكر فان حكام الردة لم يقم احد منهم بزيارة واحدة للعراق طيلة سنين الحصار على مدى 13 عاما، وهكذا فعل امناء الجامعة العربية، سواء الامين السابق عصمت عبد المجيد، او اللاحق عمرو موسى. بينما الاخير زار العراق في ظل الاحتلال عدة مرات، لا لشيء سوى من اجل دعم المحتل ودفع القوى والاحزاب المناهضة للاحتلال للاشتراك في عمليته السياسية.
ان الاصرار على عقد القمة في بغداد رغم اعتراض دول عربية عديدة لغايات في نفوسهم، لا علاقة له بدور العراق وحقه في عقد القمة، فالعديد من القمم تغير مكان انعقادها، لهذا السبب او ذاك، وانما له علاقة مباشرة بمازق امريكا الجديد التي نتج عن قرار رئيسها باراك اوباما بسحب معظم قواتها المحتلة من العراق تجنبا لمزيد من الخسائر البشرية والمادية جراء ضربات المقاومة العراقية الباسلة، الامر الذي فرض على امريكا تقوية الحكومة وقواتها المكونة من المليشيات المسلحة، والتي لا تمتلك القدرة على مواجهة المقاومة لوحدها، من خلال تقديم كل الوسائل الكفيلة لتحقيق ذلك، ومن بينها كسب تاييد الحكومات العربية بكل ما لديها من امكانات. ولقد اكدت لنا الوقائع والاحداث بان امريكا المحتلة كلما دخلت في مازق تصاعد دور الحكام العرب في دعم المحتل وحكومته العميلة.
حدث ذلك في فترات متعددة. ففي عام 2005 ، وجراء اقتناع بوش المهزوم باستحالة انهاء المقاومة عسكريا حسب تقاريرالقادة الميدانيين الامريكيين وغيرهم القابعين في وزارة الدفاع ، لجأ الى حكام الردة العرب لمساعدته على انهاء المقاومة بوسائل سياسية، عبر تشجيع القوى والاحزاب المناهضة للاحتلال على الدخول في مصالحة مع احزاب الحكومة العميلة والانخراط في العملية السياسية، لبعث الروح فيها بهدف عزل المقاومة العراقية عن محيطها الشعبي ليسهل انهاءها عسكريا،. ولم تمض سوى ايام حتى ابتكر هولاء الحكام مسرحية بائسة اسند فصلها الاول الى سعود الفيصل وزير خارجية المملكة العربية السعودية، وفصلها الثاني الى عمرو موسى امين عام الجامعة، لينتهي فصلها الثالث في القاهرة، فالاول تباكى على عروبة العراق من الخطر الايراني، ونسى ان العراق كله في خطر وليس عروبته فحسب، وان الجاني هو الاحتلال الامريكي ولولاه لما تمكنت ايران ولا غيرها من استباحة شبر واحد من ارض العراق، او مد نفوذها داخل البلاد،. واخذ الثاني عمرو موسى على عاتقه اكمال ما بداه الفيصل، فقام بزيارة الى بغداد لهذا الغرض وافلحت جهوده في اقناع بعض القوى المقاومة لحضور مؤتمر المصالحة الذي شهد مبنى الجامعة العربية في القاهرة انعقاده وبحضور الرئيس المخلوع حسني مبارك.
وبعد فشل هذه المحاولات اوكلت المهمة الى مؤتمر القمة العربية الذي عقد في الرياض، وتصدى لانجاحها،هذه المرة، الملك عبد الله ملك السعودية وبطريقة مسرحية تنطوي على قدر من الخداع والتضليل، حين اعلن عن "اكتشافه الخطير" بان العراق محتل وعلى القمة العربية ان تجد حلا لانهاء الاحتلال والبحث عن وسيلة لسحب القوات المحتلة وفق جدول زمني،وكما يقال "جاء يكحلها عماها"،فان الملك وحكام الردة بدل مطالبة المحتلين بالرحيل، سواء دفعة واحدة او ضمن جدول زمني، دعا الملك المذكور متزعمي الطوائف من احزاب السلطة ومن خارجها الى عقد اجتماع في الرياض لاجراء مصالحة فيما بينهم، عبر اعادة تقسيم الحصص بالتساوي حتى يضمن بوش نجاح العملية السياسية، ولولا تمسك عملاء الاحتلال بمكاسبهم، ورفض تقاسمها مع الاخرين، لنجح هذا المشروع وخلق بدوره ارباكا في صفوف العراقيين الامر الذي سيعرقل مسيرة المقاومة العراقية باتجاه تحرير العراق. وفي عام 2006 وحين اصبحت هزيمة امريكا في العراق امكانية قابلة للتحقيق، قام ديك شيني نائب رئيس بوش بزيارة الى السعودية ومصر، استهدفت بالدرجة الاولى ارسال قوات عربية واسلامية الى العراق. اذن ضمن هذا السياق، وليس غيره، تعقد القمة في العراق.
وعليه يصبح من حقنا كعراقيين ان نقول للحكام العرب، لقد ساعدتم في ذبح العراق وتدمير دولته وحل جيشه ومؤسساته الامنية، وعرضمتوه الى مخاطر التقسيم وتمزيق وحدته الوطنية ونزع عروبته، وسكتم عن الاحتلال، بل واعترفتم به واضفيتم صفة الشرعية عليه، هذا العراق الذي قاتل على امتداد الوطن العربي من اجل قضايا الامة، وقدم كل ما بوسعه لمساعدتكم وكان الاجدر بكم ان تردوا التحية بمثلها او احسن منها، وتساعدوا المقاومة على تحرير العراق ، او على الاقل الوقوف على الحياد، لا ان تتامروا عليه بهذه الطرق الخبيثة والملتوية.
امام هذا الغدر الفاضح ، ليس لنا خيار سوى التحذير من ارتكاب جريمة اخرى بحق العراق واهله، فالمقاومة الوطنية العراقية العراقية، كما سمعنا، قد اتخذت قرارها بمعاقبة اي نظام يقدم الدعم والاسناد لحكومة الاحتلال، فهذه المقاومة الباسلة والتي استطاعت ان تمرغ انف اكبر قوة عسكرية في التراب وتضعها على طريق الهزيمة عاجلا ام اجلا، فانها قادرة على فعل ذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق