بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
شبكة البصرةد. حسن طوالبه اثارني مقال لاحد كتاب بلدي في احدى المواقع الالكترونية ممن تنكروا لامتهم ودينهم، وتبرعوا مع الغربيين والحاقدين للهجوم على العرب وعلى الاسلام. فهذا الكاتب شن هجوما على العرب، وادعى انهم قوم اعتادوا الغزو والسلب، وعندما جاء الاسلام وجههم محمد ـ بدون احترام او تسليم عليه كما هي اخلاق المسلم ـ وجههم الى خارج الجزيرة العربية ليمارسوا الغزو على اقوام غير عربية.
ليس غريبا ما نشهده اليوم من هجمة على الامة العربية وعلى الفكر القومي، اذ تعرضت هذه الامة ما لم تتعرض له امة اخرى. لماذا؟ لو كانت الامة والوطن خارج مساحة القارات الثلاث التي تشكل قلب العالم القديم، هل يتذكرها احد او يعيرها اي اهتمام؟ واقول لمن يؤمن بالله وحكمته، ما السر وراء انزال الله تعالى كل الديانات السماوية على هذه البقعة من الارض؟. ولماذا كان اختياره الانبياء من اهل هذه البقعة الجغرافية ايضا؟ هل لان اهل هذه البقعة متخلفون كما يدعي البعض؟، ام انهم اهل لحمل الرسالات السماوية؟. ولو كانوا متخلفين لما اسند لهم مهمة نشر رسالات السماء الى الاقوام الاخرى.
البعض ينكر ما للعرب من فضل وقيمة في التاريخ الانساني، ويصف العرب بالتخلف والجهل، ولكن هل كانت الامم في ذاك الزمان من حولهم احسن حالا منهم؟ ام كانوا امثالهم بالسلوك والمعرفة؟ والكاتب كما يبدو لم يفرق بين العرب والاعراب، وقد بين القرأن الكريم بين الاثنين، فالاعراب جماعات تسكن البادية، منقطة الصلة بالحضارة، لم يصبها التمدن في شئ، فقال الله تعالى ((الاعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله)). اما العرب فهم هؤلاء الذين لم يعرفوا الرعي فقط، ولا الزراعة حول الابار ومصادر المياه فحسب، بل هم الذين ضربوا بسهم وافر في التجارة المحلية والدولية بين الشرق والغرب، وهم الذين كانت لهم دراية بالبحر والملاحة قبل كثير من الشعوب التي عاشت حول البحار. بدليل ان مجموعة من المسلمين الاوائل كانت هجرتهم الاولى الى الحبشة عبر البحر، وهذا يؤكد درايتهم ومعرفتهم بالبحر والملاحة، كما انهم عرفوا الغوص والانتفاع بما يحويه البحر من معادن ولئلالئ واسماك.وبفعل التجارة ومعرفة الملاحة فقد استعان (فاسكو ديجاما) مكتشف رأس الرجاء الصالح بالملاح العربي (شهاب الدين احمد بن ماجد) ليقود سفينته انذاك. وعلاوة على ذلك فقد عرفت شبه الجزيرة العربية عددا من المدن التجارية التي لعبت دورا بارزا في تنمية الحضارة مثل البتراء وتدمر وبصرى وحلب في بلاد الشام ومكة في الحجاز. ومنذ قرون قديمة عرف العرب حضارة في الجنوب في اليمن السعيد، ففي هذه الدولة عرفت الزراعة اضافة للتجارة والرعي، وكانت مملكة سبأ وملكتها الحسناء بلقيس من الحواضر المهمة في التاريخ القديم.كما شهدت بلاد الشمال حضارات سادت وامدت البشرية بعطاءات الخير مثل دولة النبط وعاصمتها البتراء، ودولة تدمر وازدهارها زمن حكم الملكة زنوبيا او الزباء، حيث كانت السلطة بيد " مجلس الشعب "، وكذلك دولة المناذرة في الشرق ودولة الغساسنة في الغرب. وعندما جاء الاسلام كان الخطاب الى العرب وليس الى الاعراب، العرب الذين بلغوا من العلم والعقل والمنطق واستخدام البراهين ما جعل الامام الغزالي يميزهم عن الاعراب .
كل المعلومات التاريخية تفيد ان العرب في الصحراء كانوا يجيدون التجارة والحساب ومعرفة النجوم واشياء من الطب، وتفاعل اهل مكة مع الامم من حولهم سواء مع الروم او مع الفرس او مع الاحباش، وعرفوا الكثير من المعلومات وتفاعلوا معها، وكان عمر بن الخطاب سفير قريش يتفاوض مع الاقوام القادمة الى مكة. ولو كانوا متخلفين كما يروج البعض لما تعامل معهم الاخرون من الامم الاخرى. اما انهم كانوا يمتهنون القنص والغزو، فهذا السلوك كان سمة الامم الاخرى، ولو كان هذا المنطق صحيحا نسأل : لماذا جاء اليونانيون الى بلادنا غازين؟ ولماذا جاء الرومان اليها ايضا وكذلك الفرس والترك وغيرهم، فالغزو كان سمة ذاك العصر وما زال الى يومنا هذا. فلماذا يتهم العرب بهذه السمة لوحدهم؟.
جاء الاسلام فحارب بعض العادات السيئة، واقر العادات والتقاليد الحسنة وبهؤلاء القوم العرب، وبسواعدهم وسيوفهم ورماحهم انتشر الاسلام. وكانوا من ارقى الدعاة الذين تمكنوا ان يمتلكوا النفوس والعقول، فدخلت الامم في الاسلام، وقليل منهم من دخل خوفا من دفع الجزية، رغم ان الجزية كانت لضمان امنهم وتوفير مستلزمات حياتهم. والتاريخ يذكر رسائل الخلفاء الراشدين لجيوشهم ومنها رسالة ابو بكر الصديق التي اكد فيها على عدم التعرض للانسان ومنهم الشيوخ والنساء والاطفال، وعدم التعرض للمعابد الدينية ورجال الدين من الديانات التي سبقت الاسلام، حتى انهم لم ينسوا عدم التعرض للاشجار المثمرة وعدم توسيخ الانهار. كل ذلك دليل على تقدم هؤلاء القوم وانسانيتهم الذين كرمهم الله بحمل اعظم الرسالات.
عند استذكار التاريخ نجد انه لاتوجد امة في العالم تعرضت للتحديات كما تعرضت الامة العربية، ولاتوجد تجربة نهضوية تعرضت للهجوم والتشويه كما تعرضت التجربة العربية. هل هو لقصور في رسالة الامة، ام لجهل الامة بمستلزمات النهضة والتقدم او التعامل مع مستجدات العصر؟. للوقوف على ذاك الواقع نجيب على بعض الاسئلة الانف ذكرها.
عندما قامت الدولة العربية الاسلامية الاولى في التاريخ، حسب تعبير الجغرافي البريطاني (هالفورد ماكندر) كانت تلك الدولة بمثابة امبراطورية واسعة امتدت من اطراف قارة اسيا شرقا الى ابواب فرنسا غربا، وقد ضمت تلك الدولة شمال الهند ووسط اسيا وايران الى جانب بلدان الشرق الاوسط وشمال افريقيا. هذه الامبراطورية التي امتدت على ثلاث قارات شغلت العالم القديم، حيث سيطرت على المحيطات والبحار، كانت امبراطورية تحررية لا استعمارية، تقدمية لا رجعية، انسانية لا شوفينية، منفتحة لا منغلقة. كانت امبراطورية الخير والنماء والتقدم والوحدة، خلاف الحضارة الغربية التي وصفها الفيلسوف الفرنسي (روجيه غارودي) بانها قائمة على القرصنة البحرية وعلى ايديولوجيا السطو.
الامبراطورية العربية ـكما عبر ماكندرـ حررت الشعوب من التعسف الروماني وظلمهم، ومن التعسف الوثني الفارسي، كما انها كانت ذات نظام ديمقراطي لا مركزي بمفهوم العصر الحديث، حيث انتقلت عاصمة هذه الامبراطورية من المدينة المنورة الى دمشق وبغداد والقاهرة والاندلس، لم تتعدى على شعب من الشعوب، ولم تحتقر قومية او دينا او مذهبا، بل احترمت الاديان والمذاهب ومنحت معتنقيها حرية العبادة والاعتقاد، وتفاعلت مع نتاجات الامم الحضارية فاخذت عنهم العلوم وطورت على نظرياتهم العلمية ونقحت بعضها، واضافت على جزئياتها، واعطت الكثير للاخرين ولا سيما الغربيين من نتاج علمائها وفلاسفتها. ورغم هذا قابل الغرب هذا العطاء بالاساءة ونكران الجميل، فصدرت عشرات الكتب المسيئة للعرب والاسلام. ولنا ما قالته المستشرقة الالمانية (زيغرد هونكه) خير دليل على ابداعات العرب فقالت " ان الطفرة العلمية الجبارة التي نهض بها ابناء الصحراء من العدم، لهي من اعجب النهضات العلمية في تاريخ العقل البشري.وان هذا الشعب الصحراوي حمل لواء النهضة الفكرية في العالم بسرعة البرق، وقبض على صولجان السيادة الثقافية في العالم، وظل ابناء الصحراء حاملين هذا الصولجان من دون منازع مدة لا تقل عن ثمانية قرون، وان انتصاراتهم المتلاحقة التي جعلت منهم سادة للشعوب المتحضرة في هذا العصر لفريدة من نوعها لدرجة تجعلها اعظم من ان تقارن بغيرها، وان ما حققه العرب لم تستطع ان تحققه شعوب كثيرة اخرى."
لقد قابل الغرب عطاء العرب في الاندلس بالنكران، وتم تشريد العرب ومعهم اليهود نحو الجنوب.ولو استعرضنا التاريخ لوجدنا ان الغربيين جاؤوا الى ديار العرب غزاة طامعين في ارضهم الاسترتيجية وثرواتهم الوفيرة. وعندما سعى محمد علي باشا والي مصر ان يوحد بلاد الشام مع وادي النيل، تكالبت عليه دول الغرب لاخراج قوات ابراهيم باشا من بلاد الشام، ومن ثم تحجيم دورة الوحدوي والنهضوي.
ان العرب الذين يمثلون الاديان والمذاهب لا يعرفون الحقد ولا الانانية ولا التعصب الديني او المذهبي او القومي، ولكن بعض الحكام التابعين للغرب اساءوا لسمعة العرب، لانهم حكموا باسم الدين تارة، او باسم القومية المتعصبة تارة اخرى، او باسم المذهب والطائفة كما هو الان. فالظلم الاتي من الغرب معروفة دوافعه، اما الظلم الاتي من الاقربين فهو اشد ايلاما، لان الذي يخلع عنه جلده يصبح عاريا ولا يشعر بالامان والدفئ في الحياة الدنيا.
شبكة البصرة
الاحد 27 ربيع الاول 1433 / 19 شباط 2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق