بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
|
العراق بين رحى الثورة الشعبية والتدخلات الأجنبية
واشنطن تعود إلى مقبرة الطموحات الأمريكية
|
شبكة البصرة
|
عمر نجيب
|
تفيد البلاغات الرسمية الصادرة في واشنطن سواء من طرف البيت الأبيض أو وزارة الدفاع البنتاغون أن الطائرات الأمريكية تقوم بشن غارات جوية تزداد كثافة مع مرور الأيام على قوات داعش أو تنظيم "الدولة الإسلامية" التي تهاجم مناطق في شمال العراق وبالخصوص منطقة السيطرة الكردية.
وكان الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، قد أعلن يوم الخميس 7 أغسطس أنه قرر شن غارات جوية محددة الأهداف على مسلحي التنظيم في شمال العراق إذا استهدفوا مصالح الولايات المتحدة هناك، وشدد أوباما على أن الولايات المتحدة ستتحرك لمنع وقوع إبادة جماعية للأقليات في العراق.
بعد ذلك بأربع وعشرين ساعة صرح أوبام في مؤتمر صحافي عقده غداة توجيه أولى الضربات الأمريكية ضد أهداف لتنظيم "داعش" خصوصا قرب أربيل، عاصمة إقليم كردستان: "لن أضع جدولا زمنيا لإنهاء هذه العمليات"، مضيفا أن النزاع في العراق لا يمكن أن يحل "في بضعة أسابيع"، مشددا على ضرورة تشكيل حكومة عراقية جديدة شاملة تكون قادرة على مواجهة "داعش"، وأضاف إن إعادة الاستقرار إلى العراق والتغلب على التمرد فيه بقيادة جهاديين من تنظيم الدولة الإسلامية "سيستغرق بعض الوقت"، وأن إصلاح الجيش العراقي وإعادة تزويده بالأسلحة وحشد الدعم بين السنة سيكون "مشروعا طويل الأمد". وأوضح إن التقدم سيعتمد على اتحاد العراقيين وتشكيل حكومة وحدة وطنية.
وتابع الرئيس الأمريكي: "إن الجدول الزمني الأهم بنظري هو الذي سيتيح تشكيل حكومة عراقية، لأنه من دون هذه الحكومة سيكون من الصعب جدا على العراقيين الوقوف بوجه الدولة الإسلامية". مشددا على ضرورة تشكيل حكومة "يثق بها الشعب والجيش العراقيان".
وذكر أوباما إن نائبه، جوزيف بايدن، يقوم بدور الوساطة بين السياسيين العراقيين لتأسيس حكومة "ترضى عنها الأطراف المتعارضة". وأشار إلى أن القادة السنة قادرون على الاشتراك في حكومة بهدف مواجهة "عدو مشترك".
وتحدث عن "عدو مشترك"، أيضا، عندما ذكر أن دولا في المنطقة كانت تختلف مع حكومة المالكي بدأت تحركات للتعاون معه لمواجهة "داعش" وذلك في تلميح لبعض دول الخليج العربي. ولوح إلى أن مشكلة "داعش" ليست سهلة الحل، وذلك لعلاقتها بسنة العراق، وعلاقتها بسنة سوريا.
وفي إجابة على سؤال عن خطأ أساسي ارتكبته الولايات المتحدة عندما سحبت قواتها من العراق، قال أوباما: "هذه نقطة تتكرر خاصة من منتقدين جمهوريين في الكونغرس. انسحبنا، أو لم ننسحب، مشكلة "داعش" لن تحلها قواتنا المسلحة"، لقد "صار واضحا أن العراقيين تعبوا من الاحتلال الأمريكي".
أوباما وعد بأنه لن يرسل قوات أمريكية برية إلى الحرب، مشيرا إلى "العبر التي استخلصت خلال الحرب الطويلة والمكلفة" في العراق، ولكنه نسي أنه بعث بالفعل خلال شهر يونيو 2014 أكثر من 300 جندي وضابط من قوات النخبة الأمريكية لمساندة حكومة بغداد وأن العدد ارتفع لاحقا إلى أكثر من 4300 جندي وضابط أمريكي.
وكالة أنباء "رويترز" وفي تعارض مع تصريحان أوباما نقلت يوم الجمعة 8 أغسطس عن الناطق بإسم البيت الأبيض قوله، إن "أمريكا مستعدة لنشر قوة عسكرية لمساعدة العراق في صد مقاتلي الدولة الإسلامية فور تشكيل حكومة جديدة لا تقصي أحدا"، وأنها تدرس حاليا إمكانية توسيع نطاق عملياتها العسكرية ضد تنظيم "داعش" لتشمل المناطق المحيطة بالعاصمة بغداد.
عدد غير قليل من الملاحظين تلقوا تصريحات أوباما بحذر معللين ذلك بأنهم لا يريدون السقوط في فخ الكذب الذي استخدمه ساسة البيت الأبيض خاصة خلال رئاسة بوش لتبرير التدخل العسكري في بلاد الرافدين.
اتهام أوباما بالجهل
تحركات أوباما لم ترق عددا من السياسيين الأمريكيين خاصة هؤلاء الذين ساندوا الحرب الإسرائيلية الأخيرة ضد غزة، فقد انتقد السناتور الجمهوري الأمريكي جون ماكين العمل العسكري المحدود الذي أقره أوباما ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق، والتي تصفه الولايات المتحدة بأنه" أغنى وأقوى التنظيمات الإرهابية في التاريخ". وقال ماكين حسبما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية إن إصدار أوباما أوامر بشن غارات جوية محدودة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" يعد بمثابة "سوء فهم بالغ للتهديد الذي يمثله هذا التنظيم المسلح في العراق".
ودعا النائب الجمهوري دائم الانتقاد لسياسة أوباما في العراق وأفغانستان الإدارة الأمريكية لتوسيع نطاق ضرباتها ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" لتشمل توجيه ضربات ضد مواقع التنظيم الرئيسية في سوريا.
واعتبر ماكين أن الغارات الجوية المحدودة التي يشنها الجيش الأمريكي غير كافية لكبح كباح التهديدات المتزايدة من قبل هذا التنظيم لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة، مشددا على ضرورة توسيع الغارات الجوية الأمريكية إلى الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا.
وأضاف أن الهدف المعلن للرئيس هو إنقاذ حياة الأمريكيين وليس وقف توسع تنظيم الدولة الإسلامية وليس تغيير ساحة القتال ولا منع تنظيم الدولة الإسلامية من نقل عتاد بشكل أبعد إلى داخل سوريا لتدمير الجيش السوري الحر.. بوضوح رئيس الولايات المتحدة لا يقدر أن هذا ليس مجرد تهديد للقوات الأمريكية على الأرض أو حتى العراق أو كردستان".
نفاق
يوم السبت 9 أغسطس 2014 نشرت صحيفة "ذي إندبندنت" البريطانية مقالا للكاتب روبرت فيسك اتهم فيه الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالنفاق على خلفية الضربات الجوية التي أمر بتوجيهها. وقال فيسك إن أوباما قرر التدخل من أجل إنقاذ حياة أقليات بعينها مسيحية ويزيدية وليست مسلمة، وأنه لم يقرر قصف أبو بكر البغدادي عندما كان يستهدف الشيعة، ولكنه انتفض ﻹنقاذ أرواح اللاجئين المسيحيين واليزيديين خوفا من تعرضهم لإبادة.
وأضاف متهكما "اقصفهم وشكرا للسماء على أن اللاجئين المذكورين ليسوا فلسطينيين".. مشيرا إلى أن أوباما أرسل طائراته لمساعدة العراق والقيام بهجمات جوية على "قوافل" المقاتلين من داعش، لكنه تسائل "أليس هذا ما قامت به أمريكا ضد طالبان في أفغانستان، حيث دائما ما كانت تضرب الطائرات الهدف الخطأ وخلطت بين حفل زفاف برئ وقوافل المسلحين؟".
ولفت فيسك إلى عملية أخرى قامت بها الولايات المتحدة في السابق بمساعدة الأكراد، عندما ألقت صناديق من الطعام والماء على اللاجئين الذين احتموا في الجبال هربا من القصف الأمريكي خلال حرب الخليج الأولى، وبعد ذلك دعاهم الرئيس الأمريكي جورج بوش للانتفاض ضد الرئيس العراقي السابق صدام حسين".
وأضاف إن "الولايات المتحدة لم تقل شيئا عن الأصدقاء التي مول سلفيوها المتشددين السنة في العراق وسوريا كما فعلوا مع طالبان في أفغانستان".
وقال إن أوباما يقوم بقصف أصدقاء حلفائه وأعداء الرئيس السوري بشار الأسد دون أن يفصح بذلك، حيث يكتفي بالتبرير بأنه يهدف لحماية القنصلية الأمريكية في أربيل وسفارته في بغداد، وهو نفس العذر الذي قدمته الولايات المتحدة عندما قصفت جبال الشوف في لبنان قبل 30 عاما، وهو أن أمراء الحرب يشكلون خطرا على سفارتها في بيروت، مع أن الإسلاميين ليس بإمكانهم السيطرة على أربيل ولا على بغداد.
وعلق الكاتب ساخرا على قول أوباما إن لديه "تفويض" من حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الذي وصفه بالديكتاتور الشيعي الذي يدير العراق كدولة طائفية محطمة قائلا "ليس أحب علينا نحن الغربيين إلا سماع كلمة تفويض، حتى أننا منذ عام 1919 رسمنا حدود الشرق الأوسط من أجل انتدابنا وتفويضنا، وهي الحدود التي تعهدت دولة الخليفة أبو بكر البغدادي على تدميرها".
وأضاف أنه أيا كانت عقيدة اليزيديين، لكن أوباما ذهب من أجلهم والجماعات المسيحية في العراق للحرب، مشيرا إلى أن الفرنسيين استعادوا الروح الصليبية عندما دعوا مجلس الأمن للانعقاد والتفكير في هذه المذبحة الجديدة والمحتملة في العراق.
واختتم بالقول إن السؤال القائم هو "هل ستفعل أمريكا نفس الشيء لو كان اللاجئين البائسين في جبال العراق فلسطينيون؟ وهل حملة أوباما الأخيرة ليست إلا حرفا للأنظار ترحب به إسرائيل عن حقول الموت في غزة؟".
صناعة أمريكية
شهرين تقريبا قبل البداية العلنية للعملية العسكرية الأمريكية في العراق ويوم الجمعة 13 يونيو 2014 صرح حازم العبيدي المتحدث باسم المقاومة العراقية، إن ما يجري في العراق هو ثورة شعبية وتصحيح للأكاذيب والتي تبثها القنوات المدعومة من قبل إيران وأمريكا وقطر، فهؤلاء الثوار هم رجال المجلس العسكري العام لثوار العراق، ومعهم أبناء العشائر ورجال المجلس العسكري هم ضباط القوات المسلحة العراقية قبل الاحتلال.
وأضاف العبيدي، خلال مداخلة هاتفية ببرنامج "صوت الناس" والذي يبث على قناة "المحور2"، أن داعش هي في الأساس صناعة إيرانية أمريكية، هل من المعقول أن داعش تعين لواء ركن من قادة الجيش العراق السابق ليكون محافظا لنينوى وهو اللواء الركن أزهر العبيدي، وهل معقول أيضا أن تعين قائد جيش سابق آخر لمحافظة صلاح الدين، مؤكدا أن الولايات المتحدة تقود حربا نفسية لإسقاط المقاومة العراقية، لافتا أن الشعب العراقي ذاق الأمرين بسبب التدخلات الأمريكية.
يوم 8 أغسطس 2014 أصدر زيدان الجابري رئيس المكتب التنفيذي للمجلس السياسي العام لثوار العراق بلاغا قال فيه: في الوقت الذي تتعاظم فيه ثورة شعب العراق وتقترب من تحقيق أهدافها بتحرير العاصمة الحبيبة بغداد، وطرد العملاء منها، وإعادة البسمة إلى وجوه شعبنا الصابر الصامد، تحاول بعض الأطراف خلط الأوراق بطريقة غير مناسبة على الإطلاق.
ويؤكد المجلس السياسي العام لثوار العراق على أن بندقية الثورة يجب أن لا تخطئ هدفها وأن تصوب رصاصها إلى صدور العدو الذي يتحصن في المنطقة الخضراء ببغداد الحبيبة، ويستهدف منها أبناء شعبنا الثائر.
ان استهداف أبناء شعبنا في كردستان العراق مرفوض تماما، كما هو استهداف المسيحيين واليزيديين وغيرهم، وتحت أي مبرر وأي ذريعة كانت.
ان ثورة العراقيين لا يجوز ان توجه سلاحها على أي من أبناء شعب العراق، باستثناء أولئك الذين ارتضوا ان يكون في الصف المعادي لشعبنا وأمتنا وساروا في طريق المشروع التدميري الذي جاء به المحتل الأمريكي ودعمه المحتل الإيراني.
وفي هذا الوقت يشدد المجلس على ان كردستان العراق جزء من التراب العراقي الطاهر وإن أبناءها جزء أساسي من شعب العراق ونسيجه الاجتماعي المتين، وهي اليوم ملاذ آمن لجميع العراقيين على اختلاف طوائفهم وانتماءاتهم العرقية والدينية، حيث فتح الاخوة في كردستان العراق أبواب مدنهم العامرة مستقبلين أبناء العراقيين الذين لجأوا إليها بعد أن ضاقوا ببطش العملاء الإرهابيين وإجرام عصاباتهم الطائفية الحاقدة.
كما يؤكد أن استهداف أي عراقي، على أساس الدين أو العرق أو القومية ليس من أخلاق الثوار ولا يصب في مصلحة معركة تحرير العراق الذي يجب أن تتوحد فيها ولأجلها جهود كل العراقيين الذين يتطلعون إلى غد مشرق ينعمون فيه بخيرات وطنهم ويبنون مدنهم التي خربها الأشرار في عدوانهم المستمر على وطننا وشعبنا.
كما يعلن المجلس رفضه التام للعدوان الأمريكي الجديد على شعبنا، ويؤكد انه لا يستهدف فئة محددة أو فصيلاً مقاتلاً بعينه، بل يستهدف كل العراق أرضا وشعبا.
ويتقدم المجلس بالنصيحة الصادقة إلى فصائل الجهاد والثورة كافة بالتلاحم وتوحيد الصفوف، إيمانا منه بقول الحق سبحانه وتعالى "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا" وضرورة نبذ كل ما يبعث على الفرقة والتشتت التي تضيع معها الجهود وتتبعثر الطاقات.
الصدق والكذب
كتب الدكتور عمران الكبيسي الذي كان محاضرا في جامعة بغداد قبل الغزو الأمريكي سنة 2003: حيرتنا "داعش"، وحيرنا الإعلام العربي والعالمي بفوضويته، ولم نعد نعرف الصدق من الكذب، الغريب أننا نتصل ببعض أصدقائنا في الموصل فنجد من يقول "الحياة في ظل جنود الثورة أفضل منها في ظل حكومة المالكي، حيث اختفت الاغتيالات والتفجيرات والاختطافات ولا مفارز تفتيش ولا حواجز، أزيلت العوائق وفتحت الطرق، وبدأ الشباب يتنزهون ويسهرون ليلا، وتوزع "داعش" الرواتب للموظفين، وتستورد الغاز وتوزعه للمواطنين"، ونسمع من آخرين ونرى في الإعلام العربي والعالمي غير ذلك، أخبارا متناقضة يغلب عليها القتل والاعتقال والتهجير والتفجير والإعدامات، والسلب والنهب، وفرض الحجاب على الحيوانات فضلا عن النساء، ومنع التدخين، وتفجير القبور والمراقد، وتهجير الشيعة والمسيحيين، وختان البنات. وهناك من يؤكد وهناك من ينفي، والمثل يقول "يفوتك من الكذاب صدق كثير" ضاع الصدق وسط الكذب، وتغلغل الكذب بين الصدق.
لا ندافع عن "داعش" ولا عن أسلوبها الغريب في التعامل مع الناس، ولا ننفي ما ارتكبت من أخطاء، "وسوء الظن من حسن الفطن" وهناك من يرى أن "داعش" صناعة أمريكية أو إيرانية، فقد جعلت من تقسيم العراق أمرا واقعا، وفتحت الباب أمام الأكراد للاستيلاء على كركوك، وقد تكون جرت العرب السنة إلى محرقة وحرب مع إخوانهم الشيعة أشبه بالمحرقة السورية، وأساءت بتجاوزاتها إلى ثورة أبناء العشائر السنية والأحزاب القومية، يكون المالكي وجيشه قد فر عن قصد أيضا ليمهد لـ"داعش" مهمتها؟. وماذا عن الأكراد أصدقاء الأمريكان؟. ماذا بعد الصمت والسكوت والانسحاب الغامض؟. أم أن "داعش" تعلمت من أخطائها وتعاونت مع جهات ثورية مخلصة وأقدمت على ما أقدمت عليه بدافع حرص على مستقبل العراق وبهدف تخليصه مما فيه؟. وهناك إعلام رخيص معاد للعراقيين يروج ضدها، والشاهد ليست "داعش" وحدها من ترتكب الأخطاء الفادحة تقتل وتهجر؟ في سوريا شبيحة وفي العراق "عصائب الحق" وفي اليمن "الحوثيون" و"القاعدة"، وعشرات المليشيات الحكومية التي تفعل أكثر مما فعلت "داعش".
"داعش" هجرت الآلاف، وفي سوريا والعراق وغزة والفلوجة ملايين المهجرين، وفجرت "داعش" تماثيلا ونصبا، وفجرت المليشيات الحكومية وقوات الاحتلال مئات النصب والتماثيل العراقية، وفجرت "داعش" مقامات وقبور ومسجد هنا وكنيسة هناك، لكن المليشيات الطائفية تستخدم سيارات الجيش والشرطة العراقية وملابسهم وسلاحهم لتفجر وتقصف مئات المساجد والدولة تتفرج. فجرت وقصفت "إسرائيل" المستشفيات والمدارس والعمارات والمساجد وقتلت وجرحت وهجرت مئات الآلاف بقصف طائراتها ودباباتها في غزة، في العراق أربعون مليشية إرهابية طائفية وعنصرية تعرفها أمريكا ولا تتكلم عنها، "داعش" تحجب النساء، و"جيش المهدي" يعدمهن بالرصاص في زيونة و"مدينة الصدر"، ويعدم السجناء بلا محاكمة، فلماذا تركز الدول الكبرى ووسائل الإعلام في جرائم "داعش" وتسكت عن جرائم إبادة أكبر منها وأقسى؟!.
أسئلة كثيرة دون إجابات
يوم السبت 9 أغسطس اعتبرت صحيفة يو إس تودي الأمريكية في تقرير لها أن الرئيس الأمريكي، اختار في إعطائه الإذن بتوجيه ضربات جوية ضد المتطرفين في العراق، تجنب حملات "الصدمة والرعب" التي وصفت بها الحملات العسكرية السابقة في هذا البلد.
وتصف الصحيفة الضربات الجوية بأنها، كما بات يعرف، ستكون محدودة لأجل حماية القوات الأمريكية الموجودة في العراق، وبهدف دعم الجهود الإنسانية لتوفير الغذاء والماء لآلاف اللاجئين اليزيديين، الذين هربوا من مقاتلي الدولة الإسلامية.
لكن، كما ترى الصحيفة، لن يكون ذلك الرد كافيا لإيقاع هزيمة في قوة متوحشة تحولت إلى جيش نظامي مزود بدبابات وأسلحة ثقيلة، ويقال إن معظم تلك الأسلحة، بما فيها سيارات من طراز همفي ومدفعية، هي من صنع أمريكي، تم الاستيلاء عليها من القوات العراقية التي هربت من الموصل، ثاني أكبر مدن العراق، عندما هاجمها رجال داعش في يونيو 2014.
وتشير الصحيفة إلى تصريح أدلى بها مسئول رفيع في وزارة الدفاع الأمريكية، طلب عدم ذكر اسمه لأنه، حسب زعمه، غير مسموح له بالحديث علانية عن ذلك القرار، حيث قال "ستكون الغارات الجوية محدودة في حجمها، ولن تكون جزءا من حملة جوية أكبر".
وأضاف ذلك المسئول "إذا حاول المسلحون ملاحقة اللاجئين، الذين هربوا إلى مناطق قاحلة في الجبال، وسعوا لإعاقة وصول المساعدات الغذائية والإنسانية، أو هددوا مدينة إربيل المجاورة، فإن القصف سوف يتواصل"، ومعروف أن إربيل هي عاصمة اقليم كردستان شبه المستقل في شمال العراق، وفيها توجد القنصلية الأمريكية، ومركز العمليات العسكرية الأمريكية العراقية المشتركة، وأضاف المسئول العسكري الأمريكي أن تنظيم داعش مخير بين مواصلة تلك الغارات الجوية ومن وقفها.
وأشارت الصحيفة إلى الفارق الكبير بين نوعية الضربات الجوية التي أمر أوباما بتوجيهها ضد معاقل "داعش"، عن حملات القصف التي طالت العراق في عام 1991 وفي عام 2003، عندما شنت الطائرات الحربية قصفا مركزا والقت عشرات ألاف الأطنان من القنابل، وأطلقت السفن الأمريكية ألاف صواريخ كروز في محاولة لكسر عظام القوات العسكرية للرئيس العراقي السابق صدام حسين، وذلك للتمهيد للهجمات البرية التي شنتها قوات التحالف آنذاك.
وفي معرض تعليقه على التدخل العسكري الأمريكي الجاري في العراق، قال السفير الأمريكي الأسبق لدى العراق جيمس جيفري "ستكون الحملة الحالية دفاعية، ومحدودة نوعا ما".
واشنطن في دوامة
تقول مصادر رصد أوروبية أن من أسباب إضراب إدارة واشنطن في مواجهة التطورات المتسارعة في العراق أنها أمام تقارير غير متجانسة لأجهزة مخابراتها عن طبيعة التهديد الذي يواجه المخططات الأمريكية في بلاد الرافدين. الرئيس أوباما إعترف ضمنيا بذلك عندما قال: أن الولايات المتحدة دفعت إلى التدخل لأن تقدم مقاتلي "داعش" كان "أسرع" مما توقعته أجهزة الاستخبارات الأمريكية. ولم يلق باللوم على وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه"، كما طلب بعض أعضاء الكونغرس الجمهوريون، لكنه قال إن "مسئولين واستخبارات داخل وخارج العراق" لم ينتبهوا لتقدم وتوسع "داعش" الذي وصفه بأنه تنظيم قاس، وفظيع.
تتلخص تصورات الأجهزة الأمريكية للوضع في العراق في ثلاث: أحد التقارير يفيد أن المقاومة العراقية تتحرك بقيادة ضباط الجيش العراقي الذي حله الاحتلال الأمريكي بعد سقوط بغداد يوم 9 أبريل 2003 وأن أغلب هؤلاء موالون لحزب البعث بقيادة عزت إبراهيم الدوري نائب الرئيس صدام حسين، وأن جزء كبيرا من العشائر العراقية سنية وشيعية ومسلحين أكراد إنضموا إلى المقاتلين وهم يتحركون ضد عدة أهداف خاصة نحو بغداد من الجنوب. التقرير يضيف أن تعداد مسلحي المقاومة النشطين يتجاوز 102 الفا، في حين لا يتجاوز تعداد مسلحي داعش ثلاثة آلاف. ويضيف التقرير أن داعش تركز نشاطها في المناطق التي لا توجد فيها قوات موالية للبعث، خاصة بعد وقوع مواجهات بين الطرفين.
تقرير ثان يقول أن هناك جناحان داخل داعش واحد منهما تحت سيطرة البعث وهو الأضعف، والآخر تحت إمرة البغدادي، وأن داعش لها الغلبة العسكرية وتنتظر الفرصة لتصفية منافسيها بعد تحقيق إنتصارات ميدانية أوسع، ويضيف أن داعش استمالت مسلحي القبائل بدفع أموال طائلة لقادتهم وخاصة بعد سيطرتها على خزائن البنك المركزي العراقي في مدينة الموصل.
تقرير ثالث يذكر أن حركة داعش ليست قوية عسكريا منفردة ولكنها تمكنت من تحقيق تقدم سريع بعد أن حصلت على تأييد القبائل والعرب السنة لأنهم يناهضون حكومة المالكي وتبعيتها لإيران، وأن هؤلاء سينفضون من حولها بمجرد تشكيل حكومة في بغداد تضم كل مكونات الشعب. وأنه عند تشكيل مثل هذه الحكومة سيمكن لواشنطن المحافظة على مكاسبها في العراق، ولن يحول ذلك وعلى مدى متوسط من إنفصال الأكراد وتكوينهم لدولة تكون نواة لضم أراض من إيران وتركيا حيث تقطن أغلبية منهم.
في مؤشر على مدى تخبط إدارة واشنطن، عبر أوباما في مقابلة أجرتها معه صحيفة نيويورك تايمز يوم الجمعة 8 أغسطس عن أسفه لعدم بذل المزيد لمساعدة ليبيا وعن تشاؤمه حيال فرص السلام في الشرق الأوسط ومخاوفه من أن تغزو روسيا أوكرانيا وشعوره بالاحباط من احجام الصين عن تعزيز التعاون مع الولايات المتحدة.
هكذا يفكرون في واشنطن
كتب المحلل الأمريكي مات سيبتانليك: في الوقت الذي كانت فيه الطائرات الحربية تلقي أول القنابل الأمريكية على أهداف في شمال العراق يواجه أوباما شكوكا داخل إدارته وخارجها حول ما اذا كانت المهمة المحدودة التي أمر بها ستكون كافية لقلب الموازين في صراع يهدد بتفكيك العراق.
وجد أوباما نفسه في مأزق بعد شهور من تفادي اللجوء لعمل عسكري أمريكي مباشر في أزمة العراق فأمر على مضض بالتدخل في بلد اعتقد الأمريكيون أنهم تركوه خلفهم منذ فترة طويلة.
والآن وقد عاد الرئيس الذي انتخب عام 2008 بعد أن وعد بإنهاء حرب العراق بالولايات المتحدة لتلعب دورا ميدانيا للمرة الأولى منذ أن سحب الجنود الأمريكيين قبل عامين ونصف العام فإن هناك تساؤلات بشأن إن كان أوباما سيقدر على حسم المعركة.
وذكر ريان كروكر الذي عمل سفيرا للولايات المتحدة في بغداد بين عامي 2007 و 2009 إن إرسال "طائرتين من طراز إف.إيه-18 لإلقاء قنابل تزن 500 رطل على مدفعية "المتشددين" لن يقلب الموازين في هذا الصراع.. لا أعلم ما هي استراتيجيتهم في البيت الأبيض".
وفي الوقت الذي تواجه فيه السياسة الخارجية لأوباما انتقادات في الداخل والخارج بسبب طريقة إدارته للأزمات في أوكرانيا وقطاع غزة وسوريا فإنه ليس بوسع الرئيس الأمريكي ان يتحمل انتكاسة كبيرة أخرى فيما يقترب من نصف مدته الرئاسة الثانية.
ويأمل المسئولون الأمريكيون أن تمنح القوة الجوية واشنطن متنفسا كي تعيد تسليح القوات الكردية التي تواجه الآن القدر الأكبر من هجمات المتشددين المسلحين السنة والسماح للجيش العراقي بإعادة تنظيم صفوفه بعد أن انهار جنوده في الشمال خلال الهجوم الخاطف في يونيو.
وقد تمنح الضربات الجوية إدارة أوباما مزيدا من الوقت والنفوذ للضغط على قادة العراق المنقسمين لتشكيل حكومة أكثر شمولا ربما بدون رئيس الوزراء نوري المالكي وهو شخصية مثيرة للانقسام.
لكن في الوقت الذي يصر فيه المسئولون الأمريكيون على عدم وجود خطة بشأن "حملة مستمرة" ضد المتشددين فإن الكثيرين في واشنطن يعتقدون أن الضربات الجوية لن تسفر سوى عن تعطيل تقدم مقاتلي داعش وليس دحرهم فعليا.
وعبر بعض المسئولين الأمريكيين سرا عن شكوك داخل الإدارة بشأن أهداف أوباما وخطته للخروج في نهاية المطاف. ويصر أوباما ومساعدوه بأنه لن يتم إرسال قوات برية أمريكية للعراق وبأن الولايات المتحدة لن تنجر إلى حرب شاملة أخرى.
ورغم مناشدات الحكومة العراقية ومطالب من منتقديه في الكونغرس وحتى نصائح من بعض مساعديه فقد عارض أوباما لفترة طويلة الموافقة على شن ضربات جوية في العراق حتى بعد ان اجتاح المسلحون شمال العراق.
وكان هذا يتماشى مع مبدأ أوباما في تفادي أي تورط عسكري جديد ولا سيما في الشرق الأوسط المضطرب في وقت سأم فيه الأمريكيون من حرب استمرت أكثر من عشرة أعوام وكلفتهم الكثير.
وقال فريدريك هوف وهو مستشار سابق لشؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأمريكية أثناء فترة ولاية أوباما الأولى "لا أعرف إن كان قد قام بذلك على مضض... لكن بشكل ما فإن الرئيس وضع في مأزق واضطر للتحرك".
وتغيرت حسابات أوباما بعد أن حقق تنظيم داعش الذي سيطر على ثلث العراق في الشهور الأخيرة مكاسب ضد القوات الكردية وتقدم باتجاه أربيل عاصمة إقليم كردستان الذي يتمتع بحكم شبه مستقل والذي كان يسوده الاستقرار.
وذكر مسئول كبير في إدارة أوباما بشأن مشاورات اللحظة الأخيرة التي أجراها أوباما "لم أسمع كلمة الإبادة الجماعية تستخدم من قبل في غرفة العمليات.. لهذه الكلمة ثقل كبير".
وكان أوباما يتلقى أنباء عن أحدث تطورات الوضع المتدهور في العراق لدى اجتماعه مع قادة أفارقة في واشنطن في قمة كبرى. وذكر المسئول إن الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان المشتركة قفز داخل سيارة خاصة بالرئاسة بعد ختام مؤتمر صحفي ليعود إلى البيت الأبيض ويبلغ أوباما تفاصيل إضافية.
وأفاد مسئول أمريكي إن سلسلة الهجمات متعددة الجوانب التي بدأ مقاتلو داعش تنفيذها يوم السبت ووصلت لذروتها يوم الاربعاء بتهديد بالتقدم نحو أربيل هي التي أجبرت أوباما في النهاية على إعلان الحملة الجوية المحددة.
ورغم أن أوباما كان حريصا على عدم إعلان "خط أحمر"كما فعل بشأن الحرب الأهلية السورية وفشل في تطبيقه" فإن مسئولا أمريكيا كبيرا قال إن الإدارة "حددت هدفا بأننا سنتحرك لحماية موظفينا ومنشآتنا والتي تشمل بالطبع هاتين المدينتين المهمتين استراتيجيا.. أربيل وبغداد".
أهداف مبهمة
الأهداف التي أعلنها أوباما للتدخل الأمريكي وهي حماية المواطنين الأمريكيين في العراق ومنع ما وصفه "فعل محتمل من الإبادة الجماعية" لا تزال مبهمة في نظر الكثيرين في واشنطن.
وذكر أعضاء في الكونغرس إنهم يؤيدون انزال المساعدات جوا والضربات الجوية، لكن الجمهوريين يطالبون بأن يحدد الرئيس استراتيجية طويلة المدى. وحتى أقرب حلفاء أوباما من الديمقراطيين أوضحوا أنهم يريدون منه العمل مع المشرعين وليس التحايل عليهم.
وقال كين بولاك وهو مسئول سابق في المخابرات المركزية الأمريكية والبيت الأبيض ويعمل الآن مع معهد بروكينز البحثي في واشنطن إن أقرب مقارنة لمهمة العراق ما حدث في ليبيا عام 2011 عندما تعهد أوباما بحماية مدينة بنغازي من مذبحة وشيكة على أيدي قوات موالية لمعمر القذافي.
وذكر الرجل إن كثيرين توقعوا حملة جوية أمريكية كبرى تعقبها مساعي إعادة الإعمار بعد الحرب لكن ما حدث هو أن الولايات المتحدة قادت من الخلف في الهجوم الجوي الذي قاده حلف شمال الأطلسي وبعد سقوط القذافي "قمنا بالانسحاب".
وتوقع كروكر أن التنظيم سينتظر انتهاء الهجمات وسيؤجل تهديده لأربيل وسيحول مساره بدلا من ذلك لشن هجمات باتجاه الأردن أو السعودية.
وأضاف "سيبدأون بالنظر عبر الحدود.. يؤمنون بأهمية الحدود السعودية والأردنية مثلما يؤمنون بأهمية الحدود السورية والعراقية".
مقبرة الطموحات الأمريكية
كتبت صحيفة نيويورك تايمز يوم الجمعة 8 أغسطس، أوباما سارع بالأمر بتوجيه الضربات الجوية لتجنب سقوط العاصمة الكردية أربيل، وبذلك يعيد الولايات المتحدة إلى دور مهم في أرض المعركة في العراق لأول مرة منذ نهاية عام 2011. وأضافت إن أوباما بهذا القرار وجد نفسه تحديدا في المكان الذى لم يرغب أن يتواجد به. فعلى أمل إنهاء الحرب في العراق، أصبح أوباما رابع رئيس أمريكى يأمر بعمل عسكري في مقبرة الطموحات الأمريكية.
ويقول مساعدو الرئيس الأمريكي أنه لم يكن مضطرا للتدخل حتى حقق تنظيم "داعش" سلسلة من الانتصارات المذهلة والسريعة ضد الأكراد في الشمال، ويعد الأكراد حلفاء يعتمد عليه الأمريكيون، خاصة عند مقارنتهم بحكومة نورى المالكي.
سقوط النظام الانفصالي في شمال العراق خاصة إذا كان في مصلحة القوى القومية يعني نهاية المخطط الأمريكي لتصفية العراق كدولة والذي بدأ قبل أكثر من ثلاثة عقود.
يوم الأحد 10 أغسطس وجه ديفيد والكر أسقف مانشستر، انتقادات حادة للمملكة المتحدة متهما إياها بالتسبب في الفوضى الحالية في العراق والوقوف وراء الإبادة الجماعية لمسيحي البلاد على يد داعش. وقال والكر في مقابلة مع راديو الإذاعة البريطانية، إن ما يحدث الآن في العراق هو نتيجة مباشرة لما حدث في 2003، أي الغزو الأنجلو أمريكي للعراق وإسقاط نظام الرئيس الراحل صدام حسين، هذا جزء من جراء الفوضى التي سببناها".
omar_najib2003@yahoo.fr
|
شبكة البصرة
|
قال سبحانه وتعالى
قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم
الثلاثاء، 12 أغسطس 2014
عمر نجيب : العراق بين رحى الثورة الشعبية والتدخلات الأجنبية... واشنطن تعود إلى مقبرة الطموحات الأمريكية
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق