قال سبحانه وتعالى

قال سبحانه و تعالى
((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدًمت لهم أنفسُهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنً كثيراً منهم فاسقون))
صدق الله العظيم

السبت، 1 سبتمبر 2012

د. أبا الحكم : حركة دول عدم الانحياز بين الاستقلال والتبعية

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
حركة دول عدم الانحياز
بين
الاستقلال والتبعية
شبكة البصرة
د. أبا الحكم
المقدمة :
بعد غياب دام طويلاً عن الساحة الدولية، نتيجة سقوط الإتحاد السوفياتي وظهور القطبية الأحادية، التي تفردت بالسياسات الدولية عن طريق القوة والتهديد باستخدامها خارج إطار القانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، عادت من جديد حركة دول عدم الانحياز لتعلن في أجواء تبلور الاستقطاب العالمي، وملامح ضمور أو تراجع خيارات استخدام القوة خارج نطاق النظام الدولي (مقالنا في 24نيسان/2012)، بداية مرحلة جديدة ترسم لدولها النأي بسياساتها عن الصراعات الدولية وبؤر الاحتقان والتوتر في مناطق العالم المختلفة، والمحافظة على المسافات القائمة بينها وبين القوى العظمى والكبرى، ولا تلغيها على حساب مصالحها لتضع نفسها في مواقع التصادم.. فهل تستطيع فعلاً أن تحافظ على مكانتها على تلك المسافات؟ وهل تستطيع أن تكرس استقلالية قراراتها السياسية والاقتصادية في عالم متشابك أصلاً؟ وهل هي قادرة على أن تتخذ مواقف وتنسى حاجاتها لمواقف تسندها حيال قضاياها ومحيطها القريب؟ وبالتالي هل باستطاعتها أن تحقق توازناتها السياسية والاقتصادية والمالية والنقدية، وهي منهكة أو متخلخلة أو مزعزعة أصلاً وبحاجة إلى دعم وإسناد، طالما باتت تركة الإرث الاستعماري من الفقر والتأخر والمديونية الخارجية ثقيلة جداً؟!
هذه مجرد تساؤلات تشترط الإجابة عليها من منظور الواقع المعاش والنظرة إلى كيفية تغييره، ليس بأسلوب الخطاب الإعلامي والبيانات الختامية والقرارات التي سرعان ما تفرغ من محتواها لتجد طريقها في أروقة اللجان إلى زمن غير محدد، فالأمر لا يعطي ثماره في ذلك إنما في خلق قاعدة اقتصادية تسند القرارات السياسية وتعالج الإشكاليات الحقيقية، التي تعانيها دول حركة عدم الانحياز، وإلا فأن البيان الختامي وخطب الخطباء لا تعني شيئاً ومئالها التسويف والإهمال نتيجة للضغوط الخارجية، ما لم تكن هنالك قاعدة إسناد اقتصادية وتوفر شروط نجاحها في مسائل النقد والعملات المحلية والتجارة والتبادل التجاري والتعامل المصرفي والاستثماري.. إلخ.
الاستقطاب الدولي لن يبنى على فراغ، ولن تنجح دوله إلا إذا أسست تكتلاً مماثلاً لـ(لكارتلات) المقابلة التي قسمت العالم منذ ما قبل مؤتمر باندونغ عام 1955 إلى (عالم ثالث وعالم متقدم، عالم نامي وعالم متقدم) ثم (عالم رابع مصنع وعالم ثالث بدائي) ثم (جنوب فقير وإرهابي، وشمال غني وديمقراطي).. هذا التقسيم كان محسوباً بدقة تتماشى مع منهج العولمة الذي يديره المركز الرأسمالي العالمي. والتكتل المقصود هو البناء التكاملي سياسياً واقتصادياً وتجارياً ومالياً ونقدياً وصناعياً، كما هي الخطوات التي اتبعتها الدول الأوربية على طريق وحدتها النقدية والتجارية والسياسية والأمنية والعسكرية، تعزيزاً لقرارها السياسي والاقتصادي المستقل، الذي ما زال تحت مظلة الحماية الأمريكية المزعومة وضغوطها التي تمنع أوربا من أن تتشكل قطباً دولياً يتمتع بخاصية القرار المستقل سياسياً واقتصادياً!!

تعد حركة عدم الانحياز أكبر منظمة دولية بعد منظمة الأمم المتحدة، حيث بلغ عدد أعضاءها أنذاك أكثر من (116) دولة، فضلا عن (17) دولة و (7) منظمات دولية مشاركة بصفة مراقب، وذلك في خضم أجواء ونشاطات وفعاليات حركات التحرر الوطني، التي برزت في أكثر مناطق العالم الخاضع للسيطرة الاستعمارية.. حيث ثبت مؤتمر باندونغ المبادئ الآتية :
1-  احترام حقوق الإنسان الأساسية وأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة.
2-  احترام سيادة جميع الدول وسلامة أراضيها.
3-  إقرار مبدأ المساواة بين جميع الأجناس، والمساواة بين جميع الدول، كبيرها وصغيرها.
4-  عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى أو التعرض لها.
5-  احترام حق كل دولة في الدفاع عن نفسها، بطريقة فردية أو جماعية، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة.
6-  عدم استخدام أحلاف الدفاع الجماعي لتحقيق مصالح خاصة لأي من الدول الكبرى وعدم قيام أي دولة بممارسة ضغوط على دول أخرى.
7-  الامتناع عن القيام أو التهديد بالقيام بأي عدوان، والامتناع عن استخدام القوة ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة.
8-  الحل السلمي لجميع الصراعات الدولية، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة.
9-  تعزيز المصالح المشتركة والتعاون المتبادل.
10- احترام العدالة والالتزامات الدولية.

وقد أكدت أهداف حركة دول عدم الانحياز حرصاً على تكريس سياسة التعايش السلمي بين الدول بعيداً عن الأحلاف العسكرية، ثنائية كانت أو جمعية، وخاصة تلك التي تشكلها الدول العظمى والكبرى، حيث امتنع أعضاء الحركة عن الإقرار بقواعد عسكرية لدولة كبرى على أراضيها في صراعها مع دولة أخرى.
وعلى هذا الأساس فقد رفضت الحركة سياسة سباق التسلح ودعت إلى نزع السلاح، اعتقاداً منها بأن هذه السياسة تهدد السلم والأمن الدوليين، في الوقت أيدت فيه وساندت حركات التحرر الوطني في حربها ضد الاستعمار بكافة أشكاله. ولم تنشأ الحركة جهازاً إدارياً لها، ولم تعيِن سكرتارية دائمة، إنما تركت للدولة المضيفة للقمة أن تتحمل أعباء الإدارة من خلال وزارة خارجيتها لمعالجة قضايا الحركة، فيما يتولى مندوب الدولة المضيفة لرئاسة الحركة لدى الأمم المتحدة بمهام تمثيلها رسمياً في المنظمة العالمية.

موقع الحركة بعد انهيار الإتحاد السوفياتي..
كانت الحركة، قبل انهيار الكتلة الشرقية، تعاني من الاختلافات والانقسامات في داخلها فضلاً عن توزع بعض أعضاءها حصصاً على القوى الدولية العظمى والكبرى، فيما كان البعض الأخر يعاني من الضغوط الشديدة حيال الملفات التي تتبناها الدول المؤثرة على المسرح السياسي الدولي، والأخر يشعر بالرضوخ لشروط دوائر الإقراض الدولية وبيوتات المال العالمية ومنها على وجه التحديد، صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، التي كبلت تلك الدول بقيود يصعب التحرر منها، لكون اقتصادها بات مرتهناً لعقود، وإن فوائد المديونية على الأقساط المستحقة فاق معدل الناتج القومي الإجمالي للدولة المُقترِضة، الأمر الذي يجعل هذه الدول تتلقى أملاءات سياسية أمريكية من خلال الصندوق والبنك الدوليين.. والخلاصة في هذا المرمى، أن الحركة كانت ملغومة ومخترقة من قبل الغرب.. ومع ذلك فقد حققت نتائج إيجابية على مستوى الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجموعة الـ(77) واللجان الفرعية التي حاولت في حدود الإمكانات التوازن بين شيئين : أهداف الحركة ومتطلبات تحركها وسياساتها العملية على المستوى الثنائي ومتعدد الأطراف وبين أهداف الدولة العضو في الحركة، وغالباً ما تراعي أو تأخذ الدولة العضو في الحركة بنظر الاعتبار مصالحها وسياساتها وعلاقاتها الثنائية والجمعية في المرتبة الأولى.. الأمر الذي أدى إلى إجهاض هدف مسعى الحركة.!!

ومع نهاية عقد الثمانينيات من القرن المنصرم، الذي شهد انهيار الإتحاد السوفياتي والكتلة الشرقية وجدت الحركة نفسها أمام عالم يتفرد فيه القطب الواحد، وعليها أن تتعامل مع المتغيرات الدولية الجديدة فعقدت قمتها الرابعة عشرة في العاصمة الكوبية هافانا عام 2006، لتضع أهدافاً تتلائم مع طبيعة تلك المتغيرات، تضاف إلى أهدافها المعلنة، ومنها :
1-  تشجيع وتعزيز التعددية، وتدعيم الدور المركزي للأمم المتحدة.
2-  القيام بدور التنسيق السياسي بين الدول النامية.
3-  تعزيز الوحدة والتضامن والتعاون بين الدول النامية.
4-  الدفاع عن السلم والأمن الدوليين.
5-  تشجيع علاقات الصداقة والتعاون بين جميع الدول.
6-  الاستمرار في متابعة عملية نزع السلاح النووي نزعاً شاملاً وبلا تمييز.

كما وضعت الحركة (25) مبدءاً جديداً مستلهمة من مبادئ مؤتمر باندونغ منها :
1-  تشجيع الحوار بين الشعوب والحضارات والثقافات والأديان على أساس احترام الأديان ورموزها وقيمها، وتشجيع وتوطيد التسامح وحرية العقيدة.
2-  رفض أي تغيير غير دستوري للحكومات.
3-  رفض أي محاولات لتغيير نظام الحكم.
4-  رفض ومعارضة الإرهاب بكافة أشكاله وصوره ويجب عدم مساواة الإرهاب بالكفاح المشروع للشعوب الواقعة تحت نير الاستعمار أو السيطرة الخارجية أو الاحتلال الأجنبي، وحقها في تقرير المصير والتحرر الوطني.

في ضوء ما تقدم من مبادئ وتطورات ومتغيرات أصابت ميزان تعادل القوى الدولية وبنية النظام الدولي.. كيف نرى حركة عدم الانحياز، وكيف نفسر طبيعة انعقاد قمتها في طهران، وفي ما إذا كانت هنالك معايير لنجاحها أو فشلها، في ضوء جملة من الحقائق، حقائق السياسة ولاعبوها الإقليميون والدوليون، وحقائق الجيو- سياسة الثابتة على الأرض؟
أولاً- ظهرت قمة الحركة في ذروة الاحتقان السياسي والعسكري والاجتماعي في منطقة تعد من أكثر مناطق العالم اشتعالاً، بسبب القضية الفلسطينية وتداعياتها من جهة وبسبب التدخل العسكري الأمريكي السافر واحتلاله العراق في شراكة إيرانية سافرة، وجهود حثيثة مشتركة لتنفيذ مشروع " الشرق الأوسط الجديد".

ثانياً- كان انعقادها فرصة إعلامية كبيرة ولكنها جوفاء إزاء حل معضلات المنطقة، غرضها الاختباء الإيراني وراء الحشد المسرحي الذي كان العزف فيه نشازاً يخالف الحقائق الموضوعية للسياسات المطروحة المعلنة على خلاف غاطسها العميق.

ثالثاً- لم يتمكن البعض من ألاعبين الإقليميين والدوليين من إخفاء بعض سياساتهم، إنما نشروها بما يخالف مبادئ الحركة المعلنة منذ عام 1955 وما أضيف إليها من مبادئ، حتى باتت سياسات بعض الدول المشاركة تحمل دوافع إشعال الموقف وليس تبريده.. ووراء هذه السياسات أجندة أجنبية تستطيع أن تعزف علانية على وتر التبعية، فيما حضي المضيف واهماً بغطاء القبول والرضا.

رابعاً- أي مقارنة بين ما كانت عليه الحركة عند انعقاد سلسلة مؤتمراتها بحضور رؤساء بعض دولها عبد الناصر ونهرو وتيتو وصدام حسين، مع ما هي عليه الآن، لم تكن منصفة في ظل سياسات الاستقلال الوطني والدعوة إلى التحرر من الاستعمار بأشكاله ومن (كارتلاته) المالية الاحتكارية وشركاته العابرة للقارات ومن جشعه الذي يزيد العالم فقراً ويزيد الفئات المتربعة على قمة اقتصادات الدول الرأسمالية غنى وثروة.. الأمر الذي استطاع الغرب أن يجمع بين يديه (الثروة والقوة)، فتحكم بمقدرات الفقراء.

خامساً- قمة طهران تكشف عن كونها إطاراً إعلامياً جرت على مسرحه ألعاباً سياسية عارية ومكشوفة، ونتائج هذا العرض لا تسمن ولا تغني من جوع لشعبنا العربي الذي يعاني من طواغيت العهر السياسي.

سادسا- القضية الفلسطينية، مرة أخرى، جرى استثمارها من جديد بطريقة بشعة جداً من أجل تمكين من لم يتمكن من دخول المنطقة من باب القدس الشريف ومن بوابات الشعب الفلسطيني المناضل، لإخفاء الدوافع الحقيقية لسياسات الدولة القومية الإيرانية والتركية على وجه الخصوص.. كليهما تتباريان على حب فلسطين وشعبها المظلوم تاريخياً.. وكليهما لم تطلقا بشكل حتى غير مباشر رصاصة واحدة على العدو التاريخي " إسرائيل "!!

سابعاً- ثم.. ماذا بشأن المبادرات المخبئة في حقائب المشاركين في لعبة المسرح المشكل على تخول كارثة "الربيع العربي"؟.. والغريب في الأمر أن هذه المبادرات، يعتقد واضعوها أو حاملوها بأن دولهم (جزءاً من الحل وليس جزءاً من المشكلة) فضلاً عن مبادرة مضحكة تحاول بغباء إن تجمع بين (رغبة السياسة الأمريكية وبين رغبة السياسة الإيرانية) في آن واحد، وهو الأمر الذي يكشف نهج العمالة المزدوجة.. فيما تجمع مبادرة أخرى بين أمرين لتكشف بشكل فاضح (الرغبة السياسية الأمريكية -الإسرائيلية - الإيرانية- التركية في تشكيل المنطقة وقيادتها).. ألا ترون كيف يتجسد النفاق والعهر السياسي في سياسة تدعي الإسلام في كل من القاهرة وطهران وأنقرة؟!
31/آب/2012
شبكة البصرة
الجمعة 13 شوال 1433 / 31 آب 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق